المثلية في عمان أو المثليين هم فئة موجودة في كل المجتمعات البشرية يتقاسمون الحياة مع الجميع، إخواناً وأبناءً في البيوت، زملاءً وأصدقاءً في المدارس والجامعات والأعمال، ومواقع التواصل. ليسوا وليدي نتفليكس، وليسوا صناعة ماسونية، وليسوا ضحايا إبتلاء رباني؛ بل هم امتداد للطبيعة البشرية القائمة على منطق الاختلاف.
يقبعون بين مطرقة القانون وسندان الدين والمجتمع. “خنيث، يا البوية نحن بويش مقصرين، يا الشواذ، جهنم وبئس المصير.. إلخ”، ربما مرّت هذه الكلمات على كل مثلي أو داعم للمثلية في عُمان وبكلمات ولهجات ولغات مختلفة في مجتمعات أخرى. ناهيك عن عمليات التبليغ لإغلاق حساباتهم أو المنصات الإلكترونية المرتبطة بمجتمع الميم العماني، والتهديدات بالردع القانوني التي يتعرضون لها. حيث أن فكرة تقبُّل البيئة العمانية للقاتل والمغتصب والمتحرش فكرة سهلة وعادية؛ لكن لا يحصل ذلك مع المثليين. ولكسر تابو الحديث عن أصحاب النزعة المثلية تقدم لكم مواطن حوارات مع مثليين عمانيين شيماء ومو وجوخة وسلطان.
نشأة الميم:
تروي جوخة (اسم مستعار) لمواطن قصتها مع المثلية، وهي موظفة وطالبة جامعية، تبلغ من العمر 21 عامًا، حيث تقول جوخة: “كنت هوموفوبيك بشكل نسبي ضد العلاقات المثلية الجنسية بين البنات ولكنني لم أكن أمانع بالعلاقات العاطفية أبدًا، وسبب هذا الموقف الوسطي هو تجريم الدين للممارسة المثلية وكوني مثلية في آنٍ واحد؛ ولكن كنت هوموفوبيك بشكل مطلق ضد المثليين الرجال بسبب انتشار ظاهرة البيدوفيليا في المجتمع العماني عند الرجال؛ فكنت حينها ضد البيدوفيليا، وإعتقادي بأن المثلية الذكورية لا تختلف عن البيدوفيليا، وهو ما جعلني هوموفوبيك متطرف ضد المثليين الرجال”.
أما عن بداياتها الأولى مع المثلية تقول: “منذ مرحلة الطفولة المبكرة كنت أعرف عن المثلية من خلال البرامج والمسلسلات المتلفزة، ومن حسن حظي أن الدعاية كانت إيجابية ومساندة للمثليين”.
وتضيف: “لذلك عندما شعرت بإنجذاب لفتاة لأول مرة في الصف الحادي عشر لم أكن أشعر حينها أن الشعور الذي يتجول بداخلي شعورًا غريبًا، خصوصًا أن المدرسة كانت مليئة بالمثليات سواءً المزيفات أو الحقيقيات لذلك آمنت مبكرًا أنني لست وحدي، لكن لا أنكر أنني كنت أشعر بتخبط وإزدواجية؛ لأنني كنت أؤمن أن الدين يحرمها”.
بينما مو (لقب)، وهو موظف، يبلغ من العمر 25 عامًا، فيقول: “لما كنت صغير دائمًا كان عندي ميول مع نفس الجنس، وكان في داخلي شعور إني مختلف عن الآخرين، واستمر لحد فترة المراهقة، وكنت أفكرها مجرد مرحلة عابرة وراح تختفي لما أكبر وأتزوج!”.
وعلى غرار جوخة صرّح مو لمواطن أن رغم مثليته فقد كان سابقًا كارهًا للمثلية، حيث قال: “السبب الوحيد اللي جعلني هوموفوبيك هو الدين؛ لكونه محرم في الاسلام، وطبعًا لم أعتدِ على أحد جسديًا أو لفظيًا، فقد كان في داخلي كره ضد هذا الفعل”.
شيماء، وهي رائدة أعمال، تبلغ من العمر 26 عامًا، قالت لمواطن: “كنت أميل للفتيات بشكل أكبر، وحينها رفضت هذا الشعور بسبب خوفي بأنه شعور غريب، وأول مرة يحصل لي بأن أنجذب لفتاة ما بهذا القدر وبهذه الكمية من المشاعر، حينما كنت بعمر السادسة عشر، ولم أستطع أن أصارح أحد بإحساسي”.
بالحديث عن السبل المتوفرة للمثليين العمانيين في التثقف عن المثلية أردفت شيماء قائلةً: “فتوجهت للإنترنت لأبحث عن الموضوع، محاولةً مني في التعرف على هذه المشاعر، وهذه الميول التي كانت غريبة بذلك الوقت إلى حدٍ ما، في النهاية عرفت أنني مثلية”.
“لما اكتشفت أن الكلام عن البنات أو بالأصح الحديث عن التواصل الجسدي والجنسي بين الرجل والمرأة لا يجذبني”، هذا ما قاله سُلطان (اسم مستعار) لمواطن عندما سئل عن بداياته الأولى في اكتشاف مثليته، وهو طالب جامعي، يبلغ من العمر 22 عامًا.
الميم والسلطة الدينية:
قالت شيماء: “فيِّ قناعة ذاتية إنه اللي نمارسه حق طبيعي، والله ما بيخلقنا نعاني؛ لأني عندي قناعة تامة إنه الله سبحانه وتعالى لو هو خلقنا المفترض نكون على الفطرة، وما بيخلق إنسان ميوله غير الفطرة، يعني أنا أصلي وأصوم وستل فيني هذا الشعور إني مثلية؛ فعلى أي أساس يُحرم؟ ونصير نحن مذنبين؟ ولله يحاسبنا على هذا الشيء؟ يعني الله رح ينسى كل أعمالنا؟ ورح يلتفت فقط عشان نحن مثليين؟”.
وأردفت: “ففي كل مرة يطلع شيخ فلاني يذكر حلال حرام، ونار جهنم، وحلال وحرام، وملعون وألفاظ بذيئة، وكل هذه الألفاظ التي تقال عنا هي تنمر، فلو قل الترهيب الديني أو الإرهاب رح يساهم هذا في تقليل الهوموفوبيا”.
أما جوخة فقالت: “كانت مثليتي أحد الأسباب التي جعلتني أتجه للادينية؛ فمازلت أؤمن أن الإسلام يحرّم المثلية. والمثلي إما أن يكون مرتاحًا لادينيًا أو تعيسًا مسلمًا؛ حيث أن السعي لجعل الإسلام مسالمًا مع الجميع أمرًا مثيرًا للسخرية؛ فأرجوا من المثليين المسلمين أن يحترموا الإسلام ولا يعبثوا به ليتوافق مع مثليتهم المحرمة إسلاميًا ولكي يرضوا نفسيتهم”.
وأضافت: “فحتى لو كانت بعض التيارات والمفكرين المسلمين أقل قسوةً من غيرهم مع المثليين؛ لكن يبقى السلوك المثلي فاحشة وبأدلة دينية قرآنية مختلفة عن قصة قوم لوط، والمفكر الإسلامي الإصلاحي محمد شحرور مثال على هذا. لكنني أدعو لتجديد الخطاب الديني لإيماني أنه سيقلل من التضييق علينا نوعًا ما”.
يؤكد سلطان أن تجديد الخطاب الديني سيساهم في تقليل موجة الكره الموجهة ضد المثليين. حيث قال: “لأن الكثير يريد أن يدعم المثلية ويساندهم ولكن رفضهم يأتي من (قوم لوط وزوجته)، والدين يحرم هذا الشيء؛ فكيف تريدهم أن يقفوا معنا؟”.
كذلك يرى مو أن نوعية الخطاب الديني المقدم يؤثر على حدية صدام المجتمع مع المثليين فقال: “من أسباب الهوموفوبيا هو الدين، لأن اللي يعتدوا على المثليين ويتمنوا لهم الموت يأتون بالآيات هم ما فاهمين معناها الحقيقي أو بأحاديث ضعيفة”.
الميم والسلطة الاجتماعية:
يعتقد مو أن المرأة المثلية تعاني أكثر من الرجل المثلي حيث قال: “أعتقد أن المرأة المثلية تعاني أكثر، فقط بسبب كونها امرأة، وليست لها حرية مثل الرجل على سبيل المثال حرية السفر أو قضاء بعض الوقت خارج المنزل”.
على خلاف مو قالت جوخة أن “الرجل المثلي هو أكثر عرضةً للإنتهاك من المرأة المثلية، لأن الموضوع مرتبط بمفهوم الرجولة المقدس، والرجل المثلي بالنسبة للمجتمع هو من يتخلى عن رجولته! وهذه كبيرة من كبائر المجتمع!”.
وتضيف: “المثلية تستطيع أن تحضن أو أن تقبّل أو تتغزل بشريكتها أمام الملأ فسيعتقدون أنها صديقتها، بينما المثلي لا يستطيع فعل ذلك، وهذا الأمر عائد لفكرة الرجولة الخشنة التي تربينا أنها يجب أن لا تحتوي على عواطف”.
وعززت جوخة رأيها، حيث أشارت أن اللواتي يدعمن المثلية بمعرفاتهن الشخصية أعدادهن تفوق الرجال العمانيين بأضعاف مضاعفة. وتؤكد أن هذا دليل على أن ذكورية المجتمع تضر الرجال أيضًا، لذلك يجب أن نتحد معًا لمحاربة الذكورية.
لا يختلف رأي سلطان عن جوخة حيث قال: “المثل يقول أن سمعة الرجال في جيبه، ولكن الشيء الوحيد يلي يكسر الرجال ويخرب سمعته كلها هو إذا المجتمع اكتشف ميوله الجنسية؛ فيكون عرضةً للنقد من المجتمع أكثر من المرأة؛ لأنه رجل والرجل يلي يكون مثلي معنا في المجتمع العربي تكون له أسماء وألقاب سيئة”.
أما شيماء فجمعت بين جميع الآراء، حيث قالت: “الرجل عنده حرية أكثر من المرأة، ولكن حريته أقل في أشياء محدودة؛ كسبيل المثال نحن البنات عادي لو حضتنها، لو مسكتها، لو صارت فيني أي ردة فعل أمام الناس؛ لأن الناس ما راح ياخذوها على أنها علاقة مثلية، ولكن الرجل لا”.
وأردفت تقول: “المثلي لو كان عنده علاقة جنسية مع رجل لو حد كشفه محد رح يحاسبه، لأنه رجل”.
الميم والسلطة السياسية:
يلوم سلطان السلطة السياسية والمجتمع حيث قال: “المجتمع والنظام السياسي بالطبع؛ لأن الدين متسامح أكثر، حتى مع وجود كلام صريح لتحريم المثلية، ولكن يوجد علماء كثر يفسرونها بطرق أخرى. ولكن للأسف المجتمع والأشخاص الذين هم في المناصب الكبرى في الدولة هم من يشوه هذا الشيء ويصعِّب على المثليين على العيش هنا”.
تقول شيماء: “لكي ينتصر النضال العماني للمثلية يجب أن يتم تغيير النظام السياسي للدولة، وأن يتحلى بالإنسانية؛ فليعلموا بأنه حق إنساني في أن يعيش الإنسان بحرية مثلما يرغب”.
تعقب جوخة لما قالته شيماء قائلةً: “دعونا لا نضحك على أنفسنا، فالشعب العماني كحال بقية العرب، شعوب تقدس السلطة السياسية أكثر من السلطة الدينية، وأنا كإنسانة لا يؤثر فيها كلام المجتمع ولا تؤثر فيها خطابات رجال الدين، أرى أن العائق لي هي السلطة السياسية، فلو كان النظام علمانيًا ديمقراطيًا ولا يهم ملكيًا دستوريًا كانَ أو جمهوريًا؛ لن يكون للسلطة الدينية وجود وستتقبل السلطة الإجتماعيةفكرة أن المثلية حق طبيعي بالتالي سنأخذ حقوقنا القانونية”.
وكما يؤكد مو أن النظام السياسي هو من يملك مفتاح الحل حيث قال: “لو النظام السياسي متسامح مع المثلية، ومعترف بها راح يكون للمثليين ملجئ، لذلك أعتقد اللوم الأكبر للنظام السياسي”.
رسائل الميم:
ولأن مجتمع الميم هو خلية من نسيج المجتمع أجمع، لذا لا يمكن إقصاؤه، فالمثليون موجودون بيننا سواءً بأقنعة تخفي هوياتهم حفاظًا على أمنهم أو بالتعبير ضمن مجموعة ضيقة تحترمهم. ففي ظل الثورة التكنولوجية بدأ المثليون العمانيين يستغلونها لتعزيز الثورة الفكرية معبرين فيها عن هوياتهم الحقيقية، حيث أصبحوا يتلقون قبولًا يومًا بعد يوم. ومن رسائل الميم تقول شيماء: “لا يوجود سبب لكوني مثلية؛ فهذه أنا، وخُلقت هكذا”. أما مو فيقول: “راح أرد للشخص اللي يقول إنه إختيار، لماذا أختار أن أكون مثلي في مجتمع ضد المثلية أو في دولة تعاقب المثلية قانونيًا؟”. ويؤكد سلطان قائلًا: “الاختلاف موجود في الحياة؛ فأنا أختلف عن غيري بميولي الجنسية. وهذا مو معناته أني مو طبيعي أو يوجد لدي خلل لأني أعرف الله لا يخلق أبدًا في الإنسان شيء غلط”. وتختم جوخة قائلةً: “لن أجيب على من يسألني لماذا أنتِ مثلية؛ لأنهم ببساطة لن يسألوا المغاير لماذا أنت مغاير!”.