رسخ في تراثنا الفقهي أنه إذا تنازعت الإنسانية مع حكم من الإحكام، انحاز الفقهاء إلى الحكم، لأن النزول على (حكم الله) فيه الخير للمسلم في الدنيا والآخرة. سأل سائل فقيها: المرأة في الإسلام أُهانت عندما سمح للزوج بضرب زوجته؟ وهل هذه طريقة همجية في معاملة المرأة؟ فأجاب الفقيه:
لا تشغل نفسك بمثل هذه السفسطات والتفاهات، ويكفي في الرد عليها سقوطها وانحطاطها عند من لديه أدنى نظر، مع أنه قد قيض لكل سفسطة منها قديما وحديثا من رد عليها، ويكفي في الدلالة على ما ذكرنا لك من سقوطها سقوط هذه الشبهات التي ذكرت. وكان السائل يقصد قول الله تعالى: ” واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا” النساء: 34. ولنا أن نسأل: وماذا لو نشز الرجل وقصر في حق زوجته؟ فمن له بمعاقبته ورده إلى رشده؟
المرأة الملعونة
ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – أن النبي – قال: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها. وزاد الفقهاء أنه مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضا، وبما تطيقه إن كانت مريضة، قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا من الاستمتاع بما فوق الإزار. ونصحها أحدهم قائلا: واعلمي أنه يجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله، والبعد عن الاعتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت فيه نصوص الوحي، فقد قال الله -تعالى-: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا”. فهي عاصية لله ورسوله وفقا لنصوص الوحي، مع أن الوحي أيضا بقوله: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، وهو ما يفهم منه أنهما متساويان تماما في الحقوق!
المرأة والحمار والكلب
حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: “يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل” رواه مسلم. وقد تفانى الفقهاء في تأويل الحديث تأويلا لا يوهم الناس باحتقار المرأة، فقال أحدهم ردا على من استنكر مساواة المرأة بالحمار والكلب: علم أن وجه الشبه المقصود ليس شيئا يتعلق بالصفات السيئة لكل من الحمار والكلب، أو أن المرأة في درجة هذه الدواب والعياذ بالله، فهذا من ساقط الظن وتافه القول، وعائشة -رضي الله عنها- لم تقصد ذلك مطلقا عندما سمعت هذا الحديث فقالت: (شبهتمونا بالحمر والكلاب)؟ رواه البخاري. وإنما وجه الشبه المراد هنا هو: مجرد الاشتراك في فعل معين، يتعلق بالصلاة؛ وهو إخراج المصلي عن خشوعه واتصاله بالله -سبحانه وتعالى-، وعائشة لا توافق على أن مرور المرأة يخرج الصلاة عن هيئتها الخاشعة لله -سبحانه-، وخالفها في ذلك كثير من الصحابة الكرام. وقال القرطبي مبررا: “ذلك أن المرأة تفتن، والحمار ينهق، والكلب يروع، فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد، فلما كانت هذه الأمور ايلة إلى القطع، جعلها قاطعة”، والسؤال: فماذا لو قطع صلاة الرجل غير المرأة والحمار والكلب؟ فهل كانت ستنقطع صلاته وتفسد؟. وقال ابن رجب: إن النساء حبائل الشيطان، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء! وقال ابن عثيمين: وأريد بالكلب، الكلب الأسود. ونحن نقول: فماذا لو كان الكلب أبيض أو أصفر؟
عورة الحرة وعورة الأمة
وفي التفرقة بين الحرة وبين غيرها من الجواري والإماء، لم ينس الفقهاء أن يتنازعوا حول إنسانية المرأة، ففي مجرد التفرقة بينهما ممارسة غير إنسانية، فهذه الجارية لم تختر حين ولدت لأن تكون أمة تباع وتشترى، فعلى ما ذهب إليه جمهور العلماء أن عورة الأمة من السرة إلى الركبة، ولم يخالف ذلك من الفقهاء إلا ابن حزم؛ فجعل عورة الأمة كعورة الحرة، ورد ما جرت به السنة العملية في عصر السلف.
التحرش المباح باسم الدين
عن علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية وضع يده على إليتيها، أو بين فخذها، وربما كشف عن ساقيها. وعن وكيع عن عبد الله بن حبيب عن أبي جعفر أنه ساوم بجارية فوضع يده على ثدييها وصدرها.وبالتأويل خرج علينا المفسرون بأعاجيب التبريرات، فقالوا: ولما كانت الإماء تكثر إليهن الحاجة في الاستخدام وأمور المهنة، وكن مبتذلات بكثرة الذهاب والمجيء، وكان فرض الحجاب عليهن مما يشق مشقة بالغة، كان من رحمة الله بعباده أنه لم يفرض عليهن الحجاب كما فرضه على الحرائر، ودليل ذلك النص واتفاق السلف. وقال ابن تيمية في الفتاوى: قوله “قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن” دليل على أن الحجاب إنما أمر به الحرائر دون الإماء؛ لأنه خص أزواجه وبناته، ولم يقل وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك وبناتك. ثم قال: “ونساء المؤمنين”، والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين. وقال كذلك: والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي وخلفائه: أن الحرة تحتجب، والأمة تبرز. وكان عمر إذا رأى أمة مختمرة، ضربها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟ وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا بين الصحابة لا ينكر، قال أبو قلابة: إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته، وقال: إنما القناع للحرائر. ونتساءل كذلك، هل التشبه بالحرائر من وجهة نظر الخليفة عمر مخالفة لأصل من أصول الدين، أو هي جريمة يعاقب عليها القانون؟
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة، هذا قول عامة أهل العلم. لا نعلم أحدا خالف في هذا إلا الحسن، فإنه من بين أهل العلم أوجب عليها الخمار إذا تزوجت، أو اتخذها الرجل لنفسه، واستحب لها عطاء أن تقنع إذا صلت، ولم يوجبه. والعجيب في ذلك أن تتكشف عورة الأمة، ثم يأمر الله المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم؟ وزاد العثيمين الطين بلة حين قال إن الأمة وهي المملوكة، فعورتها من السرة إلى الركبة، فلو صلت الأمة مكشوفة البدن ما عدا ما بين السرة والركبة، فصلاتها صحيحة، لأنها سترت ما يجب عليها ستره في الصلاة. وأما في باب النظر: فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن عورة الأمة أيضا ما بين السرة والركبة، ولكن شيخ الإسلام رحمه الله في باب النظر عارض هذه المسألة، كما عارضها ابن حزم في باب النظر، وفي باب الصلاة، وقال: إن الأمة كالحرة؛ لأن الطبيعة واحدة والخلقة واحدة، والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها، ولا دليل على التفريق بينها وبين الحرة. قال ابن تيمية: وأما الإماء التركيات الحسان الوجوه، فهذا لا يمكن أبدا أن يكن كالإماء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجب عليها أن تستر كل بدنها عن النظر. فكان هذا الوجوب في التستر ليس من أجل الحفاظ على تلك المرأة المسكينة، بل للحفاظ على نفسية الرجل ومساعدته في غض البصر، وكأن الأمة ليست من بني الإنسان لا حرمة لها!
حين تنزع الإنسانية باسم الدين
قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع: وأما الجمع بين الأجنبيات فنوعان أيضا: جمع في النكاح، وجمع في الوطء، ودواعيه بملك اليمين. أما الجمع في النكاح فنقول: لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإماء عند عامة العلماء. وأما الجمع في الوطء ودواعيه بملك اليمين فجائز، وإن كثرت الجواري، لقوله تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم”. كأنه قال: وعند خوف الجور في نكاح الواحدة هو شراء الجواري والتسري بهن، وذلك قوله عز وجل: “أو ما ملكت أيمانكم”، ذكره مطلقا عن شرط العدد. ومثله قال تعالى: “إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين”. من غير شرط العدد. ومن هذا يعلم السائل أنه لو فرض أن رجلا عنده إماء يملكهن، جاز له الاستمتاع بهن ولو كان عنده أربع زوجات.