بيروت ، مدينة الشرق ودرة العرب، واحدة من الدول المشرقية بجانب الإسكندرية وأزمير اللاتي قدمن نموذجا للمدينة الكوزموبوليتانية قبل نيويورك ودبي ولندن الحالية. بيروت مدينة السحر، درة تاج التسامح في بلاد العرب، رغم حربها الأهلية الطاحنة ورغم شبح الانقسام الرازح في فضاء المدنية. وكأن فسيفسائها العرقي والديني هما ضمان استمرارها واستمرار أوجهها المتعددة لا بوجه واحد كأغلب مدن العرب رغم تطاحن هذا الفسيفساء سياسيا ورغبته بالعيش المشترك في آن.
بيروت مهرب الكتاب والمثقفين العرب الساعين للحرية، كم من مفكر ومثقف عربي كانت بيروت وجهته أو محطته الأولى في سبيل الحرية، كم من فنان أو سياسي عربي لجأ لبيروت هربا من ديكتاتور يسيطر على بلاده؟ تفتح المدينة أحضانها دوما لكل ساع لها، تقدم الملجأ والحماية، تضمن له الانغماس في حياة مدينة لا تنسى. بيروت مدينتنا الحبيبة التي يحلم كل كاتب أو فنان عربي بزيارتها، العيش فيها، التعرف على أهلها، النشر في دورها الثقافية.
يوم انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس عم الحزن قلوب عشاقها ومحبيها ومريديها، طافت الذكريات في قلوبهم وعقولهم والخوف على مستقبل بيروت ولبنان هل سيمر الانفجار دون أزمات داخلية سوى الخراب الاقتصادي والخسائر من أرواح الضحايا؟ أم أن للطائفية والتحزب في بيروت رأيًا آخر؟ ما مستقبل المدينة؟ هل ستظل مدينتنا الحبيبة بيروت منارة للحرية والثقافة؟ وفي هذا الصدد، دعما ومحبة لبيروت، التقت مواطن كلا من الفنان التشكيلي العراقي جلال علوان والمستشار الكويتي أنور الرشيد والكاتب والمفكر القطري عبد العزيز الخاطر.
متابعة محمد هلال
- جلال علوان بيروت: بيروت عاصمة الحرية والثقافة والسياحة والجمال، هي قبلة من لا قبلة له.
- أنور الرشيد: بيروت بها بعض الحرية ولكن دون ديمقراطية، وهذا ما ينقصها لكي تكتمل.
- عبد العزيز الخاطر: الواقع اليوم في بيروت سيئ، فبعد أن كانت معقلاً للعروبة أصبحت معقلاً للطائفية.
عن مكانة بيروت
يصف الفنان التشكيلي جلال علوان بيروت فيقول: بيروت عاصمة الحرية والثقافة والسياحة والجمال، هي قبلة من لا قبلة له، هي مفصل ما بين الشرق والغرب، بيروت الأدب بيروت جبران خليل جبران، وإلياس خوري وأمين معلوف وغيرهم. بيروت الشعر بيروت سعيد عقل وأنسي الحاج وإيليا أبو ماضي، بلد الموسيقى والغناء، بلد الأخوين الرحباني وفيروز ووديع الصافي. كانت ملجأ لأدونيس ومحمود درويش، بلد الجبل والبحر ودور المسرح والسينما. مشكلتها الوحيدة هي أنها من دول الجوار لإسرائيل، وما أدراك ما إسرائيل حيث تنحسر الخيارات إما القبول التام لهذه الدولة اللقيطة فتنعم بسلام بطعم الذل، وإما الرفض لتغرق بجميع أنواع المشاكل والأزمات، اقتصادية وأمنية.
زرت بيروت مرة واحدة في سنة 2015 لمدة يومين زرت شارع الحمراء وبعض العروض الفنية في گلرياته وشربت القهوة في مقاهيها وأكلت في مطاعمها، كانت زيارة قصيرة ولكن ما زال طعمها في فمي وصورها عالقة في ذهني، حميمة الذوق في كل مكان وديعة تحتضنك وإن كنت غريباً مثقفة حرة وكأنك تمشي في شوارع أوروپا.
ويصف المستشار الكويتي أنور الرشيد بيروت: بأنها عاصمة فريدة من نوعها في المنطقة وما ميزها هي الحرية المفقودة في بقية عواصم منطقتنا، لذلك ليس غريبًا على بيروت أن تكون منارة الثقافة، فلا ثقافة دون حُرية ورغم كل ما مرت به وما زالت تمر به بيروت ستظل منارة للثقافة في المنطقة.
وعن زيارته الأولى يقول: أول زيارة لي لبيروت في عام 1966م وما زالت رائحة بيروت عالقة بمخيلتي لما شاهدته بها من تطور مبهر حينها ولغاية اليوم عندما أزور بيروت رغم كل الاختلاف الذي بينها اليوم مع أول زيارة تظل بيروت عروس الشرق مهما اختلف الزمان.
أما الكاتب والمفكر القطري د. عبد العزيز الخاطر فيرى أن بيروت هي ترمومتر صحة الجسد العربي، كل ما يلحق الوطن العربي من علل وأمراض يمكن تشخيصه والاستدلال عليه من خلال وضع لبنان بشكل عام وبيروت بشكل خاص. وضع بيروت ليس سوى انعكاس للحالة العربية، واليوم أصبح كذلك انعكاسًا للحالة الإقليمية كذلك.
واقع بيروت بين الطائفية والتحزب
يرى المستشار أنور الرشيد أن بيروت بها بعض الحرية ولكن دون ديمقراطية، وهذا ما ينقصها لكي تكتمل وتكون نموذجا يتمناه كل حُر، رغم أن الطائفية جذرها الطائفيون إلا أن الشعب اللبناني يرفض الطائفية وهذا ما أثبته الشعب في انتفاضته الأخيرة على فساد الزعماء الطائفيين.
أما جلال علوان فيعتقد أن الطائفية والتحزب هي نتائج وأعراض حالات مرضية في المجتمع، إذ يلجأ المواطن لهذه الاستراتيجيات عندما تقصر الحكومة عن أداء دورها في حماية المواطن وتوفير الخدمات له؛ عندها يلجأ مجبرا للبحث عن بدائل لدور الدولة داخل الدولة في الطائفة أو الحزب.
بينما يرى عبد العزيز الخاطر أن الواقع اليوم في بيروت سيئ، فبعد أن كانت معقلاً للعروبة أصبحت معقلاً للطائفية، الحرب الأهلية أثمرت لبنان هشاً مختلفاً تتقاسمه الميليشيات والأحزاب المنتمية طائفيًا وسياسياً للخارج.
مستقبل بيروت بعد الانفجار
يقول جلال علوان: وقت متابعتي لأخبار الانفجار شعرت بالكارثه بكل المقاييس، ولكني أعتقد أن إرادة الحياة عند البيروتيين ستعيدها من جديد بيروت الجميلة كما أعادوها بعد الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، فالحضارة والمدينة في بيروت ليست حالة طارئة فيها وإنما أصيلة متجذرة في نفوس ساكنيها.
بينما يرى المفكر عبد العزيز الخاطر أن انفجار بيروت يمثل انهيار الدولة ومؤسساتها بشكل رسمي. ولابد من إعادة بناء الدولة في لبنان، ولن يتم ذلك وسط حزام عربي ضعيف ومهلهل. فأنا أعتقد أن المنطقة بأكملها في مرحلة إعادة صياغة والمؤسف أننا كأمة عربية لسنا في وضع من يفعل بقدر ما نحن في وضع المفعول به، لذلك لدي قدر من التشاؤم ليس بالقليل وأرجو أن يكون في غير موضعه ومكانه.
بينما يرى المستشار أنور الرشيد أن بيروت ستبقى منارة للحرية والثقافة عربيا، طالما أن الحُرية موجودة وهي جزء من ثقافة الشعب اللبناني ستظل منارة للحُرية والثقافة.