تقترب الحرب في اليمن من إكمال عامها السادس في مارس / أذار 2021م المقبل، برؤى ووجهاتٍ مختلفة في صفوف اللاعبين الإقليمين والمحليين لمستقبل عملية السلام وطبيعة الحياة السياسية في اليمن، فيما يترقب جميع الأطراف تحولاً مصيرياً في مجريات الأحداث السياسية والعسكرية مع اقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية مطلع نوفمبر القادم.
تحولت اليمن لساحة تنافسٍ إقليمي ودوليٍ على النفوذ بدأ بالظهور علناً مع أحداث الربيع العربي 2011م ليبلغ ذروته مع انطلاق الحملة العسكرية السعودية في مارس 2015م، وفي الوقت التي أضحت عملية السلام والحياة السياسية المستقبلية فيها خاضعةً لقرار فرقاء الصراع الدولي، يصبح من الضروري معرفة وجهات النظر الدولية المختلفة ورؤى القوى الفاعلة لعملية السلام ومرحلة ما بعد النزاع لتحقيق نظرةٍ أكثر شمولية حول مسارات الحرب والسلام اليمنية.
وفي الواقع، من الصعب تجاهل دور القوى الخارجية النافذة في الساحة السياسية والعسكرية اليمنية في تقرير مصير المستقبل اليمني وطبيعة التحولات القادمة فيه بالمساهمة مع التأثير الثانوي للقوى المحلية في المستوى التالي للقرار الخارجي ومصالحه.
خارجياً
أهم الرؤى المتنافسة في تقرير المصير المستقبلي لعملية السلام والحياة السياسية اليمنية تتمحور حول أهداف القوى الخارجية من التدخل في اليمن وتوسعة نفوذها وحفظ مصالحها لصياغة الرؤية المستقبلية التي لن تتوقف الحرب دون ضمان تحققها بالنسبة لكل قوةٍ خارجيةٍ على حدة.
السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة وإيران هي أهم القوى تأثيراً ونفوذاً في الشأن اليمني، ولكلٍ من هذه القوى رؤيةٌ خاصة لطبيعة الحياة في مرحلة ما بعد الحرب، تقترب وتبتعد إحداها عن الأخرى طبقاً لمصالحها عبر الوكلاء والحلفاء المحليين.
الرؤية السعودية
تمتعت السعودية بنفوذٍ واسع في اليمن في كلٍ من هيكل الدولة، المكونات السياسية، المجتمعات القبلية والجماعات الدينية على مدى عقودٍ مضت منذ ثورة سبتمبر / أيلول 1962م وحتى اليوم. من جهة، تعتبر اليمن العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي والبوابة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، لذا فطبيعة الحياة السياسية في اليمن تمثل مسألة أمنٍ قوميٍ بالنسبة للمملكة، الأمر الذي يجعلها تكثف من حضورها ونفوذها في الداخل اليمني.
ثورة العام 1962م وانتهاء الحكم الملكي للإمامة المتوكلية مثّلَ تهديداً حقيقياً لنظام الحكم الملكي في السعودية بعد وصول المد القومي لمشروع عبد الناصر إلى اليمن، الأمر الذي دعا المملكة السعودية لدعم أنصار الحكومة الملكية في اليمن والإمام البدر، ملك اليمن في حينها، أمام قوات الثورة الجمهورية في حربٍ أهلية دعمتها القوات المصرية حتى العام 1967م، والتي انتهت بمصالحةٍ يمنية أبقت على نظام الحكم الجمهوري وحفظت مصالح السعودية من جهةٍ أخرى. وقوف اليمن إلى جانب العراق في حرب الخليج مثّل تهديداً أخر لدول مجلس التعاون والسعودية على وجه الخصوص، لتستشعر الرياض أهمية توسيع نفوذها في اليمن كمسألة أمنيةٍ في المقام الأول.
استمرت المملكة العربية السعودية وبشكلٍ علني في دفع رواتب ضخمةٍ لمشائخ القبائل اليمنية الموالين لها، وتدخلت في سياسات الدولة والأحزاب اليمنية، فيما مولت الجماعات الإسلامية المختلفة، شيعيةً زيدية وسنية بموازناتٍ منتظمة لتضمن تأثيرها على مختلف المكونات السياسية والإجتماعية والدينية.
من وجهة النظر السعودية، جماعة الحوثيين أصبحت تشكل خطراً أمنياً على أمنها وأمن الخليج باعتبارها امتداد المشروع الإيراني في اليمن، رغم محاولة زعيم أنصار الله الحوثيين تغيير هذه النظرة في رسائل وجهها للنظام السعودي بداية الحرب للتقارب مع المملكة وتطمينها بأن الجماعة لا تمثل تهديداً على أمن السعودية. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفي تصريحٍ له العام 2019م اعتبر الحوثيين قواتٍ معادية على حدوده الجنوبية مصرحاً عدم قبوله بنشوء حزب الله أخر في حده الجنوبي.
حالياً، حرب الإثني عشر يوماً حسب خطة الحملة العسكرية السعودية المفاجئة تكاد أن تكمل عامها السادس بعد أشهر، في الوقت الذي أصبح فيه الحوثيون قوةً إقليمية تستهدف المنشأت السعودية التي أضحت عاريةً أمام صواريخ الجماعة الباليستية وطيرانها المسير. السعودية تنازلت عن الكثير من طموحاتها التي أعلنتها في بداية حملتها العسكرية كما يظهر في سيناريو الحرب وعقدت مجموعة مفاوضاتٍ سرية واتفاقات جزئية غير معلنة مع جماعة أنصار الله الحوثية، لكنها بالطبع غير كافيةٍ لإنهاء الحرب وإزالة المخاوف السعودية.
السعودية، وبعد سنينٍ من الحرب المنهكة لاقتصادها وعلاقاتها الخارجية مع الدول الغربية التي أصبحت تنتقد جرائم الحرب في اليمن، وصلت لطريقٍ مسدودٍ في فكرة الحل العسكري الذي رفضت التنازل عنه في بداية حملتها العسكرية. ولي العهد السعودي في تصريحٍ سابقٍ في سبتمبر 2019م لسي بي سي الأمريكية، عبر فيه بأن الحل للأزمة في اليمن حل سياسي وأن المملكة مستعدةٌ لذلك إذا ما أثبت الحوثيون جديتهم في التخلي عن التبعية لطهران، لكن يبدو أنها مازالت بعيدةً عن تحقيق أهداف رؤيتها الخاصة لمستقبل اليمن.
المملكة وسعياً منها في ضمان بقاء نفوذها في اليمن وإحراز ضمانات تحفظ أمنها أمام أي تهديدٍ عسكري قد يشكله الحوثيون مستقبلاً قدمت رؤيةً للسلام للحوثيين فشلت في التوافق مع الجماعة حولها، ليرد الحوثيون بتوجيه مبادرةٍ للحل الشامل وفق رؤيتهم الخاصة لمستقبل اليمن، ولذا تسعى السعودية لتحقيق أهدافها عبر اتباع مناورةٍ جديدة مع الولايات المتحدة.
الرؤية السعودية تتمحور حول ضمان بقاء النفوذ السعودي في اليمن مستقبلاً واعتبارها كطرفٍ محايدٍ وراعٍ لعملية السلام والحياة السياسية الإنتقالية في اليمن، وهو ما ترفضه جماعة الحوثيين التي طالبت بأن تكون عملية السلام خروج المملكة من المشهد السياسي اليمني بصفتها طرف حرب من بعد الولايات المتحدة.
فشل الرؤية السعودية للسلام أعادت اشتداد المواجهات في الجبهات الداخلية في اليمن فيما زادت السعودية من شدة حصارها الإقتصادي ومنعها لدخول المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين للضغط عليها للقبول بالرؤية السعودية للحل، ولكن يبدو بأن هذه الإجراءات لا تحقق أي نتائج إيجابية للرياض.
مناورة الرياض الجديدة مع واشنطن للضغط على الحوثيين في القبول برؤيتها أو إعداد سيناريو أخر لمستقبل اليمن تتمثل في تهديد الحوثيين بتصنيفهم كجماعةٍ إرهابيةٍ تعزلهم عن المجتمع الدولي وتحد من دور طهران الداعم لهم.
البيت الأبيض أعلن مؤخراً دراسة إدراة ترامب تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمةٍ إرهابية، في خطوةٍ قد تشكل ضغطاً على الجماعة للقبول بالرؤية السعودية للحل وحفظ مصالحها في اليمن أو الإستعداد للتعايش مع سيناريو مشابه للسيناريو الأفغاني وحركة طالبان في حربٍ ستمتد بالجماعة والشعب اليمني لعقودٍ قادمة من الإحتراب الداخلي والخارجي، تستمر فيه السعودية في اللعب بالنار وإدارة حروبٍ يمنية دائمة.
تعزل جماعة الحوثيين، تفرض على المجتمع الدولي محاربتهم كحلفاء في مكافحة الإرهاب إلى جوار الولايات المتحدة وتخفض من مستوى الدعم الإيراني للجماعة، فيما تبقى الساحة اليمنية في حربٍ داخليةٍ مفتوحة، يبدو هذا أهون سيناريوهات قرارٍ كهذا الذي تدرسه الإدارة الأمريكية وتسعى السعودية لتحقيقه، حال عجزها عن فرض رؤيتها لعملية السلام ومستقبل الحياة السياسية في اليمن، رغم كلفتها كأقل خياراتها مرارة.
الرؤية الإماراتية
برزت الإمارات كأحد أهم لاعبي التحالف العسكري السعودي في اليمن عبر مجموعة المكونات التي تدعمها عسكرياً خارج إطار حكومة الرئيس هادي المقيم في العاصمة السعودية الرياض. تطمح الإمارات عبر تدخلها الواسع في اليمن وتغير طبيعة سياستها الخارجية تجاه قضايا ودول المنطقة العربية ودخولها على خط الصراع الإقليمي في الظهور كحليفٍ أكثر أهميةً وقدرةً بالنسبة لواشنطن، بالإضافة لما تعتبره أولويةً أمنية أمام مشاريع أقطاب الصراع في المنطقة.
السياسة الخارجية للنظام التركي ودعمه لجماعة الإخوان المصنفة إرهابياً في الإمارات تمثل خطراً على أمن الخليج حسب رؤية الرياض وأبو ظبي، ولذا فهما يدخلان في خط التنافس على النفوذ في الأماكن التي تتواجد فيها المصالح التركية، ولهذا كان المشروع التركي الإخواني في المنطقة من أهم أسباب الأزمة الخليجية وحصار قطر.
الإمارات تظهر كذلك أكثر عقلانيةً في سياستها الخارجية من الموقف السعودي المتشدد تجاه الحوثيين وطهران، حيث يظهر محاولتها تجنب حدوث مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة في المنطقة تكون هي على خط التماس فيها بين واشنطن وطهران. في نفس الوقت الذي تعمق فيه العلاقة مع واشنطن وتعلن تطبيعها مع إسرائيل تحافظ أبو ظبي على قنوات إتصالٍ مع طهران وتبقي على الأنشطة الإقتصادية الإيرانية في الإمارات رغم العقوبات الأمريكية التي تحظر ذلك.
مؤخراً وقعت الإمارات مجموعة إتفاقات تعاونٍ أمنيٍ مشترك مع طهران في مياه الخليج في ظهورٍ رفيع المستوى بين البلدين، بالإضافة إلى ضمان هذه الإتفاقيات استمرار التنسيق الأمني واللقاءات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين في جدول مواعيد زمنيةٍ منتظمة.
ندرة الهجمات الحوثية على الأراضي الإماراتية المتزامنة مع زخم استهداف الأراضي السعودية يثير استغراب وتساؤلات الكثير من حيث وجود اتفاقاتٍ سريةٍ بين الحوثيين وأبو ظبي تقوم بتحييد الأراضي الإماراتية من هجمات صواريخ صنعاء وطائراتها المسيرة كتلك الإتفاقات الجزئية التي أبرمتها السعودية مع الجماعة في مواقع عديدة من تاريخ الحرب.
تحليلاتٌ تبنى على وجهة النظر السابقة حول طبيعة رؤية أبو ظبي للحوثيين ومدى استقلالية قرارهم العسكري في اليمن عن القرار الإيراني لتبرم معهم صفقاتٍ مباشرة تضمن فيها تجنيب الإمارات من هجمات جماعة أنصار الله. من جهةٍ أخرى قد ينظر للأمر بأن له ارتباطٌ بالعلاقة الإيرانية الإماراتية وقدرة طهران على التأثير على جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن مقابل المحافظة على علاقاتٍ جيدة بين أبو ظبي وطهران.
محلياً في اليمن، يمثل المجلس الإنتقالي الجنوبي وقواته العسكرية المسماة بالنخب والأحزمة الأمنية بالإضافة لمجموعةٍ من التشكيلات العسكرية السلفية وقوات حراس الجمهورية في الساحل الغربي المحسوبة على حزب المؤتمر، يتزعمها ابن أخ الرئيس السابق صالح، قوام القوة العسكرية الإماراتية في اليمن.
أما على ضفة التحالف، يتحدث كثيرٌ من المحليين عن وجود شرخٍ في التحالف العسكري السعودي الإماراتي من حيث افتراق الدولتين في أهدافهما من التدخل العسكري في اليمن، حيث تدعم أبو ظبي جماعاتٍ ترفض الإعتراف بالشرعية وتخضع المناطق تحت سيطرتها لسلطة الأمر الواقع، إلا أنه وعلى ما يبدو بأن البلدان الخليجيان مازالا يستطيعان المحافظة على تحالفهما.
سيطرة الإخوان المسلمين على حكومة وجيش الرئيس هادي أحد أهم الدوافع التي غيرت من تعاطي الإمارات العربية المتحدة مع الأزمة اليمنية ومضيها في دعم قوى إنفصالية جنوبية وتشكيل قوى عسكرية تتبع أوامرها مباشرةً وخارجة عن سلطة حكومة هادي.
المجلس الإنتقالي في الجنوب المدعوم إماراتياً، والذي شهد مواجهاتٍ داميةٍ مع قوات حزب الإصلاح الإخواني المحسوب على الرئيس هادي، يبسط سيطرته على ما يقارب نصف خارطة الجنوب اليمني، فيما يتواجد عناصره ومؤيدوه في بقية مناطق الجنوب التي لا تخضع لسيطرته. المجلس الإنتقالي استطاع دحر قوات هادي من العاصمة المؤقتة عدن وبعض المحافظات الجنوبية العام 2018م و 2019م، ويفرض سيطرته عليها عبر ما يسمى بتشكيلات الحزام الأمني والنخب التي أنشأتها الإمارات.
أما بالنسبة لملامح الرؤية الإماراتية لعملية السلام في اليمن تقف على ضمان استمرار نفوذها الحالي وحفظ مصالحها كحليف مؤثرٍ في المنطقة لواشنطن، تستطيع معه اللعب على توازنات القوى في المنطقة واستمرار دورها كقوةٍ مؤثرة وطامحة في المنطقة والعالم.
على العكس من السعودية، يبدو أن الإمارات استطاعت ضمان تحقق رؤيتها لمستقبل الحياة السياسية وعملية السلام في اليمن نسبياً من حيث نيلها اعتراف الشرعية بالمجلس الإنتقالي الجنوبي كشريكٍ لا مكون خارج عن الشرعية بعد اتفاق الرياض بين حكومة هادي والمجلس الإنتقالي الذي أعلن الحكم الذاتي في الجنوب كوسيلة ضغطٍ على التحالف وحكومة هادي للقبول به كشريكٍ معترف به وتنفيذ اتفاق الرياض.
الإتفاق الذي ينص على إنشاء حكومة شراكةٍ بين الطرفين، المجلس الإنتقالي والحكومة المعترف بها دولياً، يمنح الإنتقالي تمثيلاً واعترافاً دولياً، وبالتأكيد للدور الإماراتي خارج التحالف أو الشرعية. على ما يبدو أيضاً بأن مسألة قدرة الحوثيين على السيطرة على الجنوب اليمني أمر شبه مستحيل عسكرياً وشعبياً، ما يعني أن أي مستقبلٍ للحل السياسي وعملية السلام سيكون وفق صيغة الأقاليم الفيدرالية وتمتع الجنوب بالحكم الذاتي أو الفيدرالي، وهو ما يبدو أنه ذات الحل الذي كان يدعمه الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل كحلٍ للقضية الجنوبية ومجموعة التحالفات السياسية التي عقدوها مع الجنوبيين برعاية طهران قبل الحرب.
طهران قد تتفق جزئياً مع الإمارات في هذا الجانب ولكن يبقى الخلاف في طبيعة الحياة السياسية في الشمال اليمني وعملية السلام. الإمارات وعبر دعمها لنجل الرئيس السابق صالح، السفير السابق في الإمارات والذي مازال يقيم فيها، بالإضافة للقوات العسكرية التابعة لابن أخ الرئيس صالح في الساحل الغربي تخطط لتحقيق حضورٍ مستقبليٍ أيضاً للدور الإماراتي في الشمال عبر أكبر الأحزاب اليمنية، ولذا يمكن لها أن تقبل تقاسم النفوذ مع طهران في الشمال إذا ما استطاعت ضمان بقاء حزب المؤتمر وتأثيره في الحياة السياسية في الشمال.
وفقاً لخارطة الصراع الحالية، يبدو بأن الإمارات قطعت شوطاً طويلاً في التمهيد لتحقيق رؤيتها لعملية السلام ومستقبل اليمن، إلا أن العقبة الأكبر أمام مشروعها هي جماعة الإخوان المسلمين والتركي القطري من ورائها، لذا تُتهم الإمارات بأن تواجدها في اليمن لمحاربة حزب الإصلاح الإخواني أكثر من تواجدها لغرض حرب الحوثيين.
الرؤية الأمريكية
الرؤية الأمريكية للحرب اليمنية تتعلق بأهداف سياستها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها ضمان أمن حلفائها الخليجيين وخصوصاً المملكة العربية السعودية، لذا فقد دعمت التدخل العسكري السعودي في اليمن واستمرت في تزويد التحالف العربي بقيادة السعودية بالسلاح ومنحها غطاءً دبلوماسياً في الأروقة الدولية.
بالإضافة لما سبق، فإن الصراع مع مشاريع طهران في المنطقة يأخذ حيزاً كبيراً من دعم واشنطن للسعودية في الحرب اليمنية ضد الحوثيين، وخصوصاً مع سياسة الإدارة الحالية في البيت الأبيض. وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في معرض حديثٍ للرد حول اعتراضٍ لتغطية الولايات المتحدة على جرائم الحرب والأزمة الإنسانية في اليمن يقول أن القلق بشأن اليمن هو في منعها من التحول لجروٍ صغير يتبع النظام الإيراني وسياسته في المنطقة.
لكن ومع اقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية فإنه يجدر التنويه إلى وجود إختلاف في وجهات النظر حول طبيعة تعامل الولايات المتحدة مع الملف اليمني في كلٍ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى حدٍ ما. السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، والذي سبق وأن طالب الولايات المتحدة مراراً في وضع حدٍ للحرب في اليمن يتحدث أن على بلاده فتح قنوات تواصلٍ مع الحوثيين وإيران لحل الأزمة في اليمن لا مراقبة الوضع مع الحوثيين عبر وكلاء تفاوض كالسعودية، كما أن العزلة مع طهران وعدم مناقشة البلدين للمشكلة اليمنية والخروج برؤيةٍ مشتركة يطيل من أمد الحرب، في الوقت الذي تزداد قوة طهران على الأرض في اليمن والمنطقة.
الديمقراطيون وحسب وعود مرشح الحزب للرئاسة الأمريكية جو بايدن يريدون العودة للإتفاق النووي مع إيران وإنهاء الحرب في اليمن، ولكن بالطبع عبر قنوات حلولٍ تحد من نمو قدرات محور النظام الإيراني وتوقف توسع مصالحه على حساب مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وبصورةٍ أكثر دبلوماسية من الخيارات العسكرية المباشرة، لكن يبقى ذلك رهن إرادة الناخب الأمريكي وما ستسفر عنه نتائج إنتخابات نوفمبر.
من جهةٍ أخرى قد تبدو رؤية الديمقراطيين أكثر من حالمة أمام واقع ما قطعته إدارة ترامب من أشواط في ملفات المنطقة وتغير استراتيجية الولايات المتحدة وأولوياتها الصعبة التغير بشكلٍ سريع، بالإضافة لصعوبة إيجاد أرضٍ مشتركة حالياً مع إيران تحقق توازن مصالح الطرفين وخصوصاً بعد الخسائر الإقتصادية التي تكبدتها طهران جراء عقوبات إدارة ترامب ومطالب النظام الإيراني التي تبدو أكثر جدية في الحد من تدخلات واشنطن في شؤون المنطقة بعد خيبات الأمل في الإتفاق النووي مع واشنطن، لكن وبرغم وصفها بالصعبة إلا أنها ليست غير ممكنة.
إدارة ترامب من جهةٍ أخرى تستمر في انتهاج سياسة الضغط على طهران والذي ينعكس أيضاً في تعاملها مع الحوثيين والملف اليمني، حيث أعلنت دراستها تصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابية بعد رفضهم للرؤية السعودية لعملية السلام ومستقبل اليمن.
القرار الأمريكي يعني أن عملية السلام في اليمن ولدت ميتةً، بالإضافة إلى كونه خطوة صعبة التراجع، تساهم في تعقيد الأزمة في اليمن وتشكل عقبةً أخرى أمام أي تطلعاتٍ لعملية سلامٍ بعد الخطأ الأممي في القرار 2216، والذي حاول وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري تجاوزه لصنع رؤيةٍ واقعيةٍ للحل السياسي في اليمن.
مضي السعودية في انتزاع قرارٍ أمريكي بشأن تصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابية سيعني التمهيد لاستكمال الرؤية الإيرانية الأكثر دعماً للحوثيين في بناء دولتهم المستقلة وفرضها كأمرٍ واقع ستعجز واشنطن بعد زمنٍ من تغييره وتضطر للقبول به والتعايش معه.
من جهةٍ أخرى وعلى الصعيد الإقليمي، قرار تصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابية يعني تطرف الحرب والعمليات العسكرية في اليمن بشكلٍ لن يستثني خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب. رغم اختلاف رؤى الجناحين الأمريكيين في التعامل مع الأزمة اليمنية، تتحد في أهدافها وتختلف في أساليب تحقيقها، فيما تبقى معلقةً على نتائج إنتخابات نوفمبر وملفات المنطقة العالقة بين طهران وواشنطن.
الرؤية الإيرانية
قد تختلف الرؤية الإيرانية لمستقبل الأزمة اليمنية بين الجناحين الإصلاحي والأصولي وأخرى من وجهة نظر الحكومة وطموحات محور المقاومة. لا تتشارك طهران حدوداً جغرافيةً مع اليمن ولكنها من جهةٍ أخرى واحدةٌ من أهم مناطق نفوذها للمنطقة، حيث تشكل أهميةً لها في طبيعة الصراع الدائر في المنطقة.
تنفق طهران حسب معلوماتٍ نشرها السفير الأمريكي السابق في اليمن “فايرستاين” على جماعة الحوثيين ما يقارب بضعة ملايين من الدولارات (6 ملايين دولار ) شهرياً، في الوقت الذي تستنزف فيه السعودية في الحرب ما بين 6 لـ 9 مليارات دولار شهرياً، لذا فجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن حسب تعبير السفير الأمريكي أقل الوسائل تكلفةً في استنزاف وإقلاق الخصم اللدود لطهران في المنطقة.
محور طهران في المنطقة حقق الكثير من المكاسب على الساحة السياسية والعسكرية، إلى جانب حصول طهران على قبولٍ دوليٍ بدورها وتشاركها المصالح مع القوى الدولية الأخرى في كلٍ من العراق وسوريا، بينما مازال حتى فترةٍ قريبةٍ دوراً غير مقبولٍ من المجتمع الدولي في اليمن، ولذا تسعى لحيازة اعترافٍ أخر بمصالحها في اليمن كامتدادٍ فكريٍ وسياسي للجمهورية الإسلامية.
نيل اعترافٍ دوليٍ بطهران كلاعبٍ إقليمي ودولي وإلغاء النظرة السلبية من تقييم نفوذ طهران في اليمن والمنطقة أحد أهم الأهداف التي تحدد فيها طهران غاياتها من طرح رؤيتها الخاصة لعملية السلام في اليمن. الحوثيون المكون الأقوى في الشمال والشريك الأكبر مع قوى الجنوب اليمني، رؤيةٌ قد تكون بعيدة التحقق حالياً، إلا أنها قد تذهب أبعد من ذلك في ظل نجاح طهران في تعميق وتمكين نفوذها في اليمن والتقدم العسكري الذي تحققه جماعة الحوثيين في الساحة أمام تراجع السعودية ووكلائها.
نيل اعترافٍ دولي إيجابي بدور إيران في اليمن والإعتراف بالحوثيين سيضيف عامل قوةٍ أخر لحلف طهران، حيث ستبقى ورقةً أمنيةً أخرى تساهم في حفظ استقرار الجمهورية الإسلامية والمنطقة. الرؤية الإيرانية الأخرى لعملية السلام ومستقبل اليمن، قد تعبر عن طموحات الحوثيين أنفسهم، هي تكرار التجربة الإيرانية في اليمن، وصناعة جمهوريةٍ إسلامية جديدة.
قد يبدو الأمر بعيداً عن الواقع إلا أن الحوثيين يحرزون تقدماً في تحقيق جمهوريةٍ إسلاميةٍ خاصةٍ بهم ولو في نطاق سيطرتهم وبأسلوبٍ أخر قد يختلف عن تجربة الثورة الإسلامية في إيران، إلا أن المسألة تقف على السيطرة على كامل الخارطة اليمنية وما بعد الحرب.
يذهب هذا الرأي إلى فرضية حتمية الحل العسكري للأزمة عبر استمرار الحرب حتى استكمال السيطرة على المناطق الخاضعة لبقية القوى المحلية والأجنبية لتحديد شكل النظام القادم في اليمن وفق صيغة المنتصر، وهو ما يذهب إليه معظم الأطراف وليس جماعة انصار الله لوحدها في ظل فشل الدور الأممي في صناعة الحل السياسي.
الأطراف المحلية
الأطراف المحلية، الوكلاء المحليون والقوى السياسية الفاعلة في الساحة العسكرية للحرب، وإن كانت مغيبةً إلى حدٍ ما عن عملية صنع القرار في ملفات عملية السلام ومستقبل اليمن والحياة السياسية في البلاد ما بعد الحرب، إلا أن لبعض القوى المحلية مساحةٌ من الإستقلالية في صنع قراراتها بشأن مستقبل الحياة السياسية، بالإضافة إلى أن توصيف وضعها الحالي مع تطلعاتها المستقبلية يعطي لمحةً عن توجهات الرعاة الإقليمين المتنافسين.
الحوثيون، مشروعٌ فردي
الحديث عن عملية سلام في خطاب جماعة أنصار الله الحوثيين في الشمال لم يعد هو ذاته نفس الخطاب بداية الحرب، بل أصبح هو من يتحدث عن شروط السلام وعودة منتسبي بقية الأطراف في الضفة الأخرى من الجبهة.
العودة كمواطنين صالحين وخاضعين للسلطة في صنعاء، بالإضافة إلى حرمان من ممارسة الحقوق السياسية والبقاء بعيداً عن السلطة، مجموعة شروطٍ تضعها الجماعة في صنعاء لعودة قوى التحالف السعودي من اليمنيين لصنعاء.
ومع استمرار الحوثيين في المفاوضات السرية مع السعودية والمبعوث الأممي، يبقى تحديد خطوطٍ واضحة حول عملية السلام أمراً صعباً الان وخصوصاً أن المفاوضات اليمنية اليمنية حول مسألة السلام متوقفة منذ مفاوضات جنيف واتفاقية ستوكهولم إلا من مفاوضاتٍ جزئية تعترف بضرورة استمرار الحرب وتبادل الأسرى برعاية الأمم المتحدة.
من جهةٍ أخرى يظهر جلياً أن الحوثيين في صنعاء يُكوِّنون دولتهم التي يثقون إلى حدٍ كبيرٍ بكونها مستقبل اليمن أو الشمال اليمني في أسوأ الأحوال.
رغم الحصار الذي يعاني منه الحوثيون في مناطق سيطرتهم التي يقطنها ما يقارب 70% من إجمالي السكان في اليمن، إلا أنهم نجحوا في توفير أجواءٍ أمنيةٍ وحضورٍ لسلطة الدولة أفضل بمراحل من تلك التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي، فيما تشترك جميع الأطراف في ارتكاب الإنتهاكات الحقوقية في مناطق سيطرتها.
القابل للملاحظة حالياً، لن يقدم الحوثيون على حماقاتٍ من نوع سياسات الهيكلة الوظيفية وبناء نموذج دولةٍ ثيوقراطية شمولية في صنعاء، يمكن أن تفقدهم أي تعاطفٍ شعبي خارج قاعدتهم التنظيمية في أي عمليةٍ ديمقراطيةٍ قادمة إلا إذا كانوا جادّين في بناء دولتهم الخاصة خارج عملية السلام التي ستنتهي بهم كشريك في العملية السياسية لا حاكماً منفرداً بالسلطة.
رؤية بناء الدولة التي أصدرها الحوثييون العام الماضي تمثل رؤيتهم الأيديولوجية للدولة والنظام التعليمي والإجتماعي بدأت تطبق عملياً، رغم أنها لم تنجح بعد في تحقيق الإصلاحات الإقتصادية ومكافحة الفساد، إلا أن أولوية الجماعة في هذه اللحظة تقع في المسائل الثقافية في الرؤية، وهو ما يتم العمل فيه على قدمٍ وساق.
تضييق الحريات والممارسات المتعلقة بقمع الحريات الشخصية والسياسية للمواطنين تحت عناوين تتعلق برؤية بناء الدولة و الهوية الإيمانية ستعيق من قدرة الحوثيين على جني مكاسب سياسية في أي عملية سلامٍ قادمة ستخضع لنمطٍ ديمقراطي، لذا فالجماعة تعي ذلك وتقدم على هذه الممارسات المنهجية بثقةٍ في خياراتها.
من جهةً أخرى ومع مدى جدية الإدارة الأمريكية الحالية، إذا ما استمرت لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية، في تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، تقف حركة أنصار الله في مفترق طرقٍ بين القبول بمستقبلٍ سياسيٍ وفق رؤيةٍ مشتركة مع دول الجوار لعملية السلام ومستقبل الحياة السياسية، أو الإستمرار في المضي في مشروعها متحملةً عواقب هذا الخيار.
الإخوان (حزب الإصلاح) تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
مع أول طلعةٍ سعودية تراجع حزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) عن الإتفاق مع المبعوث الأممي في وقتها، جمال بنعمر، والقوى السياسية عن المجلس الرئاسي الذي أعلن المبعوث الأممي أن الحملة العسكرية للتحالف العربي أعاقت من تحقيقه بعد حصول توافقٍ بين معظم القوى السياسية بعزل الرئيس هادي وتشكيل مجلسٍ رئاسيٍ والمضي في تطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل.
فتحت الحملة العسكرية التي سميت بعاصفة الحزم شهية جماعة الإخوان في استيلائها على مفاصل السلطة بدعمها لبقاء هادي وإقصاء الحوثيين وصالح من السلطة، ليعززها الموقف الدولي في بداية الحملة العسكرية وتراجع الحوثيين بعدها من مناطق جنوب اليمن أمام تقدم قوات التحالف، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن 2216 القاضي بعودة هادي كرئيسٍ شرعيٍ لليمن.
الداعم الإقليمي لحزب الإصلاح، والمتثمل بتركيا وقطر، كان أيضاً داعماً لهذا التحالف ويعلق أمالاً عليه في تحقيق نفوذٍ أوسع له عبر حلفائه في الحزب اليمني وإقصائهم لمنافسيهم من المشاركة السياسية في مستقبل اليمن الإتحادي.
هذه العوامل جعلت من الجماعة تتراجع عن اتفاق “بنعمر” ليلة الحملة العسكرية السعودية على صنعاء وتدفع بعناصرها في صفوف قوات هادي لتمثل اليوم ما يقارب ثلثي قوته العسكرية في ما سمي بالجيش الوطني وسيطرتهم على مفاصل الحكومة الشرعية في الرياض.
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، هو الوضع الحالي الذي تعيشه جماعة الإخوان اليمنية بعد خمس سنينٍ من الحرب، فداعموها الإقليميون انسحبوا من التحالف وأصبحوا أكثر قرباً من طهران للرياض، وفي حالة عداءٍ مع المملكة السعودية التي تتزعم التحالف الذي تقاتل فيه الجماعة بينما تضعها الإمارات العربية المتحدة على رأس أولويات تدخلها في اليمن.
السعودية والإمارات تصنفان الجماعة الأم بالإرهابية، فيما تستهدفها الإمارات عبر قواتها المحلية في الجنوب، وتفتقد حكومة الشرعية، جواد الإخوان الخاسر حتى الأن، للتأييد الدولي في أروقة الأمم المتحدة ومواقف الدول العظمى من الحرب في اليمن مع تفاقم الأزمة الإنسانية وجرائم الحرب التي تسببت بها، لتَعلَق قوات الحزب في حربٍ ذهبت بها بعيداً عن أيٍ من أهداف التحاقها بالتحالف العسكري السعودي وبعيدةً في نفس الوقت عن أهداف رعاتها الأتراك والقطريين، فيما تتلقى شروطاً مذلة في خيار العودة لصنعاء والإنسحاب من التحالف.
الإنسحاب من التحالف خيارٌ صعب التحقق والبقاء فيه أكثر إنتحارٌ سياسيٌ للجماعة، ليصبح حزب الإصلاح الحلقة الأضعف والأكثر تضحيةً في الصراع اليمني والإقليمي، والظن أنه قد ينخرط في أي عملية سلامٍ أقل إذلالاً مع الحوثيين إذا ما وجد الفرصة لذلك.
الشرعية أصبحت كياناً عاجزاً يشكل عبئاً على المجتمع الدولي، ويمكن التخلص منه مع أقرب صفقةٍ دولية تحفظ مصالح واشنطن وحلفائها كما كان قد تم في مبادرة جون كيري سابقاً، إلا أن موقف الحوثيين الحالي وجماعة الإخوان تجعل من حدوث مثل هذه الصفقة أمراً أكثر صعوبة عما كان عليه في إدارة أوباما بداية الحرب في 2016م.
حزب الإصلاح الإخواني بحماقة بدّلَ التوصيف لطبيعة الحرب من حرب جماعاتٍ سياسية إلى حربٍ ذات صبغةٍ طائفية عقائدية بين السنة والشيعة، وهو بالتأكيد ما بدأ المجتمع الدولي بفهمه، حيث تمت مناقشة الحرب تحت هذا التوصيف في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مؤخراً في أكثر من مناسبة باتهام جماعة الإخوان بالسيطرة على الحكومة الشرعية وقيادتها لحربٍ دينية طائفية.
التقارب التركي الإيراني يمكن أن يساهم في حدوث تقاربٍ بين حزب الإصلاح وجماعة أنصار الله الحوثيين، وهو ما تلوح بوادره في الوقت الحالي في لقاءات وزراء خارجية طهران وأنقرة وتصريح جواد ظريف بتشارك رؤى البلدين للأزمة اليمنية وعملية السلام، لكن وعلى ما يبدو أن خارطة المصالح مازالت تؤخر من ذلك، بالإضافة إلى ضعف التأييد الدولي لجهود طهران وتركيا في أداء دورٍ كهذا في الوقت الحالي.
جماعة الإخوان اليمنية، وكما يقول الدكتور مروان الغفوري، ليست بذلك القدر من الجمهورية، ويمكنها أن تصبح أكثر إماميةً من الإمام إذا ما ضمنت مشاركة سياسيةً أفضل لها مع الحوثيين، إلا أن احتمالات تصنيف الحوثيين كجماعةٍ إرهابية من قبل واشنطن قد تجهض أمالهم هذه وتحتم على الحزب البقاء في صف جلاديه في التحالف.
حزب المؤتمر، الحلم الضائع
يعيش الحزب الأكبر في اليمن حالةً من التشضي بعد رحيل زعيمه، الرئيس السابق صالح، حيث أصبح دوره السياسي في مناطق سيطرة الحوثيين أقرب للهامشي. الحزب وبصفته إرثاً سياسياً لنظامٍ سلطوي يفتقر للأيديولوجيا كان يعتمد أساساً في ترابطه وتماسكه على شخصية الرئيس صالح وتحالفاته، ولذا كان المعارضون دوماً ما يصفونه بحزب الرئيس.
الحزب لم يستطع مقاومة الحوثيين في ديسمبر 2017م بعد استطاعة الحوثيين عزل صالح عن قواعد الحزب وأنصاره، رغم التقدمات التي حققها في بداية إعلان صالح لفض الشراكة مع الحوثيين وبدء مواجهتهم عسكرياً، والتي انتهت بمقتله في العاصمة صنعاء.
بنية الحزب وارتباطه المباشر بصالح الذي استطاع الاستفراد عبره بسلطةٍ وشعبيةٍ لشخصه وحده كانت هي السبب في خسارته لمعركته الأخيرة مع الحوثيين في صنعاء، وهو الأمر الذي كان يعيه الحوثيون حين استهدفوا في البداية السيطرة على وسائل إعلام الحزب والقناة التي كان يوجه عبرها صالح خطاباته وتوجيهاته لمناصريه، قناة اليمن اليوم، وعزل الإتصالات عن صالح.
الحزب اليوم، أو كما أفضل تسميته، تركة الراحل، تتنافس القوى الإقليمية والمحلية للإستيلاء عليه، أبرزها الحوثيون، هادي، السعودية والإمارات. هادي استطاع استقطاب مجموعةً من قيادات الحزب البارزة أملاً في تسميته كرئيسٍ للحزب خلفاً لصالح، إلا أن أمر قبوله وسط قواعد الحزب وأنصاره كعدوٍ سابقٍ لصالح أمرٌ صعب، بالإضافة إلى أن الأمر مرتبطٌ بانتخابه من قبل اللجنة الدائمة التي مازال أغلب أعضائها في العاصمة صنعاء تحت أعين الحوثيين.
الحوثيون هم الأخرون يساومون في بقاء الحزب كحليفٍ شكليٍ في المجلس السياسي الحاكم في صنعاء، فيما يستفيدون من كتلة المؤتمر البرلمانية التي مازالت مقيمةً في صنعاء، إلا أن طموحاتهم في السيطرة على الحزب عبر فرض شخصياتٍ موالية للجماعة في تشكيلات القيادات التنظيمية وشراء الولاءات داخل الحزب أمرٌ صعب القبول في وسط قواعد الحزب وأنصاره بصفتهم طرفاً معادياً قام بتصفية رئيس الحزب.
أحمد صالح، نجل الرئيس، والمقيم في الإمارات، يحظى بقبولٍ شعبيٍ في وسط أنصار الحزب، بالإضافة لولاء جناحي المؤتمر في أبو ظبي والقاهرة له شخصياً ورفضهم لتحقيق رغبات الرئيس هادي في تزعم قيادة حزب المؤتمر خلفاً لصالح. هادي من جهته وعبر القيادات الموالية له يسعى لفرض قبولٍ به في أوساط الحزب كرئيسٍ للجمهورية ورئيس للحزب، وهو ما ترفضه الإمارات وجناح أحمد علي صالح وقيادات المؤتمر في العاصمة صنعاء.
في يناير 2018م، اللجنة الدائمة والعامة في صنعاء اقرت صادق أبوراس رئيساً للحزب بعد مقتل الرئيس صالح، فيما أعلنت أحمد علي، نجل الرئيس صالح، نائباً لرئيس الحزب فيما بعد، الأمر الذي ساء الحوثيين وأحبط مساعيهم في السيطرة على الحزب، حيث يتخذون موقفاً من نجل صالح كموالٍ للإمارات.
أحمد صالح، وقيادات الخارج الرافضة لهادي كرئيسٍ للحزب أو حتى تتحفظ على الإعتراف بحكومة هادي كحكومةٍ شرعية، تظهر وكأنها تفوت الفرصة على هادي بتنسيقها مع قيادة المؤتمر في الداخل رغم تواجدها عسكرياً في الساحل الغربي لحرب الحوثيين.
الدكتور القربي، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الحزب والأمين العام المساعد، في تصريحٍ سابقٍ له أفاد بضرورة التواصل مع المؤتمر في صنعاء، وهو يبدو ما أنه يحدث بعد توقف محادثات قيادات الخارج ونقاشاتها المتعلقة باختيار قيادة للمؤتمر، أي قبولٌ ضمنيٌ بقيادة صنعاء كقيادةٍ موحدة وخاملة، فيما تستمر قيادات الخارج في حراكها السياسي والعسكري.
رؤية المؤتمر الحالية بشأن عملية السلام ومستقبل الحياة السياسية يتعلق بمحاولاتهم تحقيق تواجدٍ عسكريٍ واسع على الأرض يمنحهم موقفاً أقوى على طاولة المفاوضات، فيما تحاول أن تقود عملية السلام لمستقبل نزع الأسلحة من أيدي الجماعات الإسلامية، الإخوان والحوثيين، والإنخراط المباشر في عمليةٍ انتقالية.
المؤتمر كما كان في عهد صالح مازال يراهن على الإنتخابات كأقل الوسائل كلفةً للوصول للسلطة وإعادة لملمة شتات البلاد والحزب، حيث يسعى المؤتمر لإقرار انتخاباتٍ نيابيةٍ ورئاسية في رؤية موقعه في مرحلة ما بعد الأزمة. رغم ذلك، يبقى احتفاظ المؤتمر بأنصاره وقواعده التنظيمية والحضور بذات القوة التي كانت في عهد صالح أمراً أكثر صعوبةً مما تتوقعه قياداته المتفائلة، وبالذات في مرحلةٍ تبدو فيها أصوات البنادق أجدى من صناديق الإقتراع.