أجمعت العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت العصر الجاهليّ بعاداته وتقاليده على أنّ العرب في ذلك العصر قد مارسوا وأد البنات، حتى شكلت ظاهرة اجتماعية تاريخية انتشرت بشكل كبير وعلى نطاق واسع. وتعرف هذه الظاهرة في اللغة بأن وأْد الموؤودة يعني دفنها صغيرة في القبر وهي حيّة، وقد ارتبط ذكر العرب قبل الإسلام بتلك الظاهرة.
أمّا فيما يتعلّق بسبب ذلك فقد أوردت المصادر والدراسات أسبابًا متعدّدة كانت تدفع إلى ذلك أهمها الخوف من العار حيث ذهبت إحدى الروايات إلى أنّ قبيلة ربيعة هي أوّل من وأد البنات، إذ تعرّضت القبيلة لغزو وسُبيت إحدى الفتيات، وحين عُقد الصلح أُعطيت الفتاة حقّ الاختيار ما بين العودة إلى والدها أو البقاء في عهدة سابيها، فاختارت الأخير، الأمر الذي أجج غضب والدها وجعله ينذر بقتل كلّ فتاة تولد له، فشرع بوأد البنات وحذا حذوه أبناء القبيلة، ثم سارت على نهجه العديد من القبائل العربيّة.
هذا إلى جانب الخوف من الفقر والفاقة والنظر إليهن بوصفهن رجسًا من عمل الشيطان ومن خلق إله غير آلهتهم وغيرها من الأسباب التي تشترك مع بعضها في كونها ناتجة في الأصل عن رغبتهم في حماية أنفسهم من حلول المصائب والبلايا التي تتمثل في وجود المرأة. وظلت هذه العادة سائدة عند العرب حتى ظهور الإسلام الذي حرم وأد البنات واعتبره من أقسى أنواع الظلم والطغيان ومخالفا لسنة الله في الخلق، فلقد خلق الله الذكر والأنثى وجعل كلًّا منهما مكملا للآخر بدون تفصيل لجنس على آخر.
صحيح أنه تم تحريم الوأد شرعا وتلاشت هذه الظاهرة ولم يعد لها وجود في عصرنا الحديث، لكن للأسف لم يستطع الناس أن يتخلصوا من أفكارهم الرجعية، ولم تتغير قناعاتهم بأن المرأة هي مصدر للعار وكائن ناقص وغير مؤهل لاتخاد أي قرار يحدد مصيره أو أسلوب وطريقة حياته وأنه لا يلصح لفعل شيء سوى الإنجاب والتكاثر. هذه الأفكار هي جزء من الموروث والثقافة الموجودة في الكثير من الأمثال والحكم الشعبية أحدها يقول ” البنت حنش في ثبانك يالدغك والا شرد عليك” شبهوا وجود البنت في بيت أبيها كمن يحمل ثعبانا في جيبه أي أنه يتوجب عليك التخلص منها بسرعة حتى لا يلدغك (تجلب لك الخزي والعار) أو تهرب منك بمعنى أنك لن تستطيع السيطرة عليها و”المرأة عار” و”المرأة كسر” وغيرها الكثير.
بدؤوا بالتسويق لفكرة الوأد الحديث من خلال توظيف الخطاب الديني الذي يدعم فكرة أن المرأة التي تعتكف على تربية أبنائها في بيتها وتتقي شر الفتنة والاختلاط هي أقرب إلى الله، ولأننا “مجتمع متدين بطبعه” كان لهذا الخطاب رواج وتأثير كبير، في حين أن الدين منها براء فديننا يدعو إلى العمل والحياة والتفكر قال تعالى: *(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).*
هذا إلى جانب المظاهر المجتمعية التي تجعل من الزواج المبكر مفخرة وإنجازًا، إضافة إلى كثرة الأولاد التي يراها المجتمع عزوة، ومنع المرأة من الانخراط في المجتمع على اعتبار أن في ذلك عزة وكرامة لها فهي الجوهرة التي يجب إخفاؤها عن عيون العالم.
كل هذه الأفكار والمعتقدات أنتجت لنا الوأد مرة أخرى ولكن بصورة مختلفة وبشكل أكثر حداثة فبدل أن يزجّوا بالفتاة وهي رضيعة إلى حفرة أو بئر ويهيلوا عليها التراب أصبحوا يزجون بها وهي ما زالت طفلة وقاصرًا إلى حفرة الزواج التي تغيبها عن العالم وتحجبها عن كل ما هو موجود في هذه الحياة ويثقلون كاهلها مسؤولية تسلبها طفولتها البريئة ومتعة اللعب مع أقرانها فلا يبقى لها طفولة ولا ذكريات لتلك الطفولة، ويهدر شبابها وأحلامها وطموحاتها وتعليمها وكيانها، وتطمس شخصيتها بشكل كامل لتصبح حياتها محصورة في جدران البيت الأربعة وما بينهم من متطلبات والتزامات وواجبات وأعباء لتصبح أقصى طموحاتها في الحياة هي إرضاء زوجها وقضاء حوائج أبنائها التي تكون غالبا فوق طاقتها، تخطفها هذه الدوامة الكبيرة لتجد نفسها بعد ٢٠ عاما من الزواج وقد أصبحت جدّة وهي لم تتجاوز الـ٣٨ عاما وقد أكل الدهر من شبابها وشرب بقدر عطائها، واستنفد الأبناء من طاقتها بقدر تفانيها لتبدو عجوزا جدا مقارنة بصديقاتها اللاتي مررن على مراحل الحياة كلها دونما وأد.
الزواج سنة الحياة ولكنه ليس الغاية الوحيدة للحياة، إنهم بوأدهم للمرأة بهذا الشكل لا يسلبون منها حياتها فقط إنما هم يسلبون المجتمع نصفه المكمل للرجل لتصبح مجتمعاتنا مشلولة غير قادرة على خوض سباق الحداثة والتطور ومواكبة المجتمعات المتقدمة فكم فقدنا من عالمة نابغة وقيادية وطبيبات وسياسات ومهندسات … الخ، بالتأكيد كن سيحدثن الفرق والتغيير لو أُعطيَت لهن فرصة. فكما حرم الإسلام وأد الجاهلية يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لمنع الوأد الحديث لأنه يعتبر جريمة بحق الإنسان والمجتمع.
وأد البنات هو حالات فردية شاذة ولا دخل لها بالعار وما إلى ذلك من قصص تتحدث عن العصر الجاهلي كأنه فاقد القيمة
على الرغم من ان لو تبحث بشكل أعمق ستجد ان مكانة المرأة في الجاهلية أعلى شأنا من واقعنا الحالي
مراجعة سريعة للشعر الجاهلي ستفي بالغرض
والدليل الاخر هو كم شخصية نسائية خلدها التاريخ الى درجة النبوة في العصر الجاهلي وفي بداية فجر الإسلام
كما أن العرب كان لديهم مروءة وعادات تصب لصالح المرأة ومن يخرق تلك العادات سينبذ وبالتالي من يأد بناته هو بلا شك خرج عن مروءة العرب التي جاء الإسلام ليقر اغلب ماكان في عصر الجاهلية
السبب كما اعتقد هو مادي بحت او فاقة الفقر والعوز
اي كما يتخلى البعض في عصرنا الحالي وبتخلص من أبنائه