تميزت سلطنة عمان بمحاولة بقائها كجزيرة حيادٍ بين الفرقاء الإقليميين والدوليين عبر انتهاج سياسة الحياد واللعب على توازنات القوى ، فهل تستطيع المحافظة على سياستها العامة في الشؤون الخارجية والقضايا الإقليمية المختلفة بذات التوازن؟
كما أن هنالك تساؤلٌ يدور حول أهمية إستراتيجية الحيادية العمانية بالنسبة لمصالح عمان، وهل يمكن لذلك أن يضمن لها تجاوز التحديات الإقتصادية والسياسية الصعبة المحيطة بها بناءً على هذه السياسات وما نوع تأثيرها على المصالح الوطنية.
هل تلتزم سلطنة عمان حقاً بسياسة الحياد في كل القضايا الإقليمية، حتى مع تلك الأطراف التي تتقاطع معها مصالحها الإستراتيجية الأمنية والسياسية؟
ما هي أهمية الدور العماني بالنسبة لاستقرار المنطقة والمحافظة على السلام؟
يحاول التقرير تقديم نظرةٍ أشمل حول السياسة الخارجية العمانية باستعراض مواقف مسقط في مجموعةٍ من القضايا التاريخية والحديثة التي تشكل خارطة المصالح والتجاذبات الإقليمية والدولية في المنطقة ودراستها وفق مسارات الأحداث وأراء صحفية وسياسية مختلفة.
استطاعت سلطنة عمان، رغم أهمية حفاظها على علاقاتٍ بناءة وجيدة مع جوارها الخليجي، الإستقلال بقرارها السياسي في القضايا الدولية والإقليمية بعيداً عن التأثيرات الخارجية في مجلس التعاون الخليجي، وقد سبب لها هذا اتخاذ بعض القوى الإقليمية المؤثرة مواقف سلبية منها أثرت على مصالحها الإقتصادية، إلا أن الأحداث استطاعت تغليب وعقلنة وجهة النظر العمانية إلى حدٍ ما.
الأرض المحايدة، قناة الإتصالات الخفية ووسيط المهام المستحيلة، الكثير من الألقاب التي تطلق على سلطنة عمان وفق دورها السياسي الذي تلعبه بطريقتها الخاصة في إدارة ملف السياسة الخارجية والتعاطي مع ملفات المنطقة الشائكة.
الثورة الإيرانية والحرب العراقية
استراتيجية إدارة ملف السياسة الخارجية التي اتسمت بطابع الحيادية الإيجابية في التعاطي مع جميع الأطراف لم تخل أيضاً من بعض الهفوات التاريخية التي قررت عمان فيها الإنحياز إلى جانب أحد المتصارعين، لكنها سرعان ما تعاملت مع ذلك بالخروج بأقل الخسائر والحفاظ على التعاطي الإيجابي بين الحياد ودعم استمرار التوازنات الإقليمية كسبيلٍ وحيدٍ للإستقرار في منطقةٍ أشبه بحقل ألغام.
في تقريرٍ على مركز ويلسون بعنوان “القصة الغير محكية عن الضربة العسكرية العمانية الموشكة على إيران” يتحدث كامبيز فتاحي مستنداً لوثائق أميركية رفعت عنها السرية عن نية السلطان العماني الراحل ضرب البحرية الإيرانية وإتاحة قواعده للقوات العراقية لتحقيق نصرٍ خاطف ينهي خطر الثورة الإسلامية على المنطقة.
تأخر العراقيين اللوجستي أو افتقارهم له ومخاوف الأميركيين من الرد الإيراني الذي يمكن أن يعيق تدفق النفط الخليجي عبر مضيق هرمز جعل من السلطان قابوس يعدل عن رأيه ويصنع تحولاً في إدارة ملف السياسة الخارجية لبلاده.
أبقى على العلاقات مع نظام طهران الجديد والنظام العراقي، وارتبط بعلاقةٍ شخصيةٍ مع أية الله الخميني، وحافظ على دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة مستضيفاً عدة مفاوضاتٍ بين الطرفين.
عمان من جهةٍ كانت تعي أطماع صدام حسين التوسعية وشهيته المفتوحة على ثروات الخليج تحت الدعاوى القومية، ولذا فقد رأت في النظام الإيراني عامل توازنٍ يكبح جماح الأطماع الصدامية، كما سعت فيما بعد لدعم مفاوضات إيقاف الحرب العام 1988.
في العام 1981 انضمت لمجلس التعاون الخليجي كعضوٍ مؤسس، لكنها وبالطبع رفضت إلى جانب الإمارات قطع العلاقات مع نظام الجمهورية الإسلامية باعتبار أن ما ستجنيه بالحياد لن تجنيه بالمقاطعة على عكس بقية دول مجلس التعاون في حينه.
نظمت علاقاتها مع طهران وعقدت مجموعة اتفاقاتٍ أمنيةٍ مع النظام الإيراني لتؤمن مياه الخليج ومضيق هرمز، ولعبت دور الوسيط بين القاهرة وطهران، وبنفس الوتيرة حافظت على حميمية العلاقات مع دول مجلس التعاون على السواء.
الأميركيون أيضاً كانوا يعرفون أهمية الدور العماني في المنطقة، وبقاء مسقط كأرضٍ محايدة وموثوقة لدى جميع الأطراف.
حرب الكويت
استمر صدام بتذرع الحجج مبتزاً الرياض والكويت لتقديم الأموال ورافضاً ترسيم الحدود مع الأخيرة، حتى اجتاح الأراضي الكويتية 1990 معلناً إياها جزءاً من الأراضي العراقية.
سلطنة عمان أكدت في حينه أن ما كانت تحذر منه حول أطماع صدام أصبح ماثلاً أمام الخليج، وأن إصلاح العلاقات مع طهران هو أضمن لأمن المنطقة، وشاركت في عمليات تحرير الكويت، وبالطبع حافظت على علاقتها الإيجابية مع الأطراف المتصارعة رغم رفضها للسياسة العراقية.
في حينه، كان السلطان قابوس قد دعم قرار رفع قدرات قوات درع الجزيرة في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه تراجع عنه بعد تحرير الكويت لأسبابٍ قد تتعلق باختلاف مواقف الأقطار الخليجية حول قضايا المنطقة وطريقة التعامل معها، كما أنها قد تخلق قوىً جديدة تضر بمعادلات التوازن التي تنظم وفقها مصالحها.
الإتفاق النووي
كوسيطٍ يلعب الدور الرئيس في التوفيق بين الأعداء، وبعيداً عن أي اشتراكٍ في الإتفاق متنصلاً عن التعهد بأي التزاماتٍ قد تجبره في مرحلةٍ ما على الإنحياز لأحد الأطراف، كان النظام العماني بمثابة المحرك الأول للمفاوضات الإيرانية الأميركية ودول الـ 5+1 حول برنامج إيران النووي.
عملت عمان على الدفع بالطرفين الأبرز في الإتفاق النووي، إيران وأميركا، للجلوس على طاولة المفاوضات لتجنيب المنطقة حرباً مدمرة على ضفاف الخليج كان الخبراء يتوقعون حتمية حدوثها.
في حديثٍ للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، يؤكد على أن الحل الوحيد لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني هو الإتفاق النووي مع طهران، معتبراً أن استمرار الوضع بهذا الشكل سيحفز بقية دول المنكقة كالسعودية ومصر على امتلاك أسلحةٍ نووية لضمان أمنها في منطقة أسوأ ما قد ينقصها هو المزيد من الأسلحة النووية.
لعل هذا يوضح أيضاً المصلحة العمانية من الإتفاق النووي ومحاولتها المحافظة عليه في سياق أهداف سياستها الخارجية في المنطقة وضمان استمرار معادلة توازن القوى في شكلٍ قابل الإحتواء.
الدور العماني لم يقتصر على الوساطة بل كان موجهاً في مرحلةٍ ما للطرفين بطريقةٍ تحقق مصالح عمان في المحافظة على هدوء الخليج وتقوية السلام الهش والمهدد من البرنامج النووي وردود الفعل السعوودية والإسرائيلية على تقدم برنامج طهران النووي.
بعبارةٍ أخرى، ترى عمان أن الإتفاق النووي هو الحل السلمي الوحيد لضمان سلمية برنامج طهران النووي، والذي بدوره سيقلص مخاوف إسرائيل والدول الخليجية ومصر ويمنع ظهور المزيد من القوى النووية في المنطقة.
يتحدث الصحفي عادل مرزوق معلقاً على حادثة اغتيال عالم الذرة الإيراني محسن فخريزاده قائلاً “إيران دولة ثقيلة، ولا يمكن أن تتورط في مواجهةٍ ثقيلة، هي تعلم أنها الدولة التي كسبت معاركها كلها منذ 2011، بل وغرست رجلها داخل اليمن في غفلةٍ من الجميع. اغتيال أحد رموزها ضربةٌ مؤلمة لكنها لا تغير شيئاً من المعادلات على الأرض”
عمان بالتأكيد تعرف ذلك، وتعرف كيف ترعى مصالحها وتحقق أهداف سياستها الخارجية أمام النفوذ الإيراني في المنطقة والتوتر المتصاعد بين القوى الإقليمية، وبالتأكيد ستستمر في دعم جهود السلام ومنع الصدام المباشر بين القوى الكبرى في المنطقة. فهل ستنجح في تثبيت ذلك؟
العلاقات العمانية الأميركية
شهدت الإنتخابات الأميركية الأخيرة رهاناً هو الأشد في تقرير مصير المشاريع الإقليمية وشكل خارطة المصالح الجديدة في المنطقة، فإيران، تركيا وقطر اللاتي راهنّ على وصول رئيسٍ جديدٍ للبيت الأبيض وانقشاع غمة الأزمة الخليجية عن قطر، وتنفس الإقتصاد الإيراني مع أمال العودة للإتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس ترامب.
في المقابل، كان الرئيس الجمهوري مازال رهان السعودية، الإمارات والبحرين، واللاتي شاركن في الترويج لحملته الإنتخابية عبر تحقيق إنجازاتٍ سريعة وتاريخية في ملف السياسة الخارجية الأميركي الذي لم يستطع ترامب إحراز تقدمٍ فيه طوال فترته الرئاسية.
رغم التأثير الذي يمكن أن يلحق بطبيعة التعاطي العماني مع ملف السياسة الخارجية في قضايا مختلفة كالقضية الفلسطينية والتطبيع الرسمي للعلاقات مع إسرائيل والعلاقة مع النظام الإيراني، فإن الدولة الخليجية الوحيدة التي بقيت بعيدةً عن هذا الرهان هي سلطنة عمان، فقد استطاعت الحفاظ على توازنها وبقائها بعيداً عن الإشتباك كعادتها.
في العام 2016، قادت السلطنة محادثات مباشرة بين حركة أنصار الله الحوثيين اليمنية ووزير الخارجية الأميركي في حينه، جون كيري، كما استطاعت تحرير مجموعةٍ من الأميركيين المعتقلين لدى الحوثيين الذين وصفتهم تقارير بالجواسيس.
هذا واستطاعت تحرير أميركيين وإيرانيين معتقلين لدى الطرفين بداية العقد الماضي، وكانت اللاعب الأهم في هندسة الإتفاق النووي بين طهران ودول الـ 5+1.
يمكن القول بأن للعلاقة الأميركية العمانية أهميةٌ خاصة لدى واشنطن من حيث كون مسقط ممراً دبلوماسياً للجانب الأخر، أعداء واشنطن، مأمون الجانب.
بالتأكيد، هذا لا يعني أن عمان تقف محايدةً في الشأن الأميركي، لكنها تثق في أهمية دورها، ومن منطلق هذه الأهمية تذهب للرهان على طرفٍ أخر خارج حلبة التنافس الديمقراطي، المؤسسات الأميركية ودورها في إدارة ملف السياسة الخارجية.
الأزمة الخليجية
تكرر اسم سلطنة عمان على وسائل الإعلام كوسيطٍ أقرب لفرقاء الأزمة الخليجية منذ انهيار العلاقات القطرية ببقية دول الخليج، السعودية والإمارات والبحرين، والدول العربية والإسلامية التي تبعتها في مقاطعة الدوحة عقب ذلك في يونيو تموز 2017.
سلطنة عمان اتخذت موقفاً يكاد يوصف بالمحايد من الأزمة الخليجية، حيث رفضت الإنضمام لفريق المقاطعة، ولم يقتصر موقفها على الحياد في حينه، بل وجهت جهودها لمساعدة قطر ومد يد المساعدة فيما يتعلق بالنقص الذي واجهته في الأشهر الأولى.
عادل مرزوق، رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، يتحدث في تصريحٍ لـ “مواطن” حول ذلك بأن موقف عمان من الأزمة الخليجية كان خاضعاً للإطار العام لسياستها الخارجية الذي يجعلها تتجنب التورط في الإشتباكات الإقليمية.
الإدارة الأميركية دعت السلطنة لتوحيد الجهود مع واشنطن في حل الأزمة الخليجية كقناة إتصالٍ موثوقة بين أطراف الأزمة الخليجية في أكثر من مناسبة، كان أخرها دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أواخر أغسطس الماضي.
وقال عادل مرزوق “موقف مسقط كان متسقاً مع سياستها الخارجية التي غالباً لا تفضل الدخول في أي اشتباكات إقليمية وتسعى لتغليب لغة الحوار كوسيلةٍ لحل أي خلافاتٍ بين الدول”
أما بخصوص المساعدة العمانية لقطر في بداية المقاطعة، فهي تكشف مسارات السياسة الخارجية العمانية التي تخضع لمبدأي الحياد ومحاولة إبقاء معادلة توازن القوى كسبيلٍ وحيدٍ لضمان السلام الإقليمي والدولي.
يعلق عادل مرزوق في تصريحه لـ “مواطن” على ذلك “دعمت مسقط المبادرة الكويتية وساندتها ومدت يد المساعدة للدوحة فيما يتعلق وتعويض النقص الذي واجهته الدوحة في الأشهر الأولى من الأزمة، وهو ما اعتبرته الرياض وأبوظبي انحيازاً للدوحة ومساندةً لها”
وفي إشارةٍ منه للرؤية العمانية المتعلقة بالحفاظ على توازنات القوى في المنطقة لضمان تحقق السلام، والدوافع خلف المساعدة العمانية يضيف ” في الحقيقة لا يبدو أن الموقف العماني كان منحازاً للدوحة بقدر ما كان يتماشى مع السياسة الخارجية للدولة”
الكاتب الكويتي عزيز القناعي يتحدث لمواطن حول الدور العماني في الأزمة الخليجية مؤكداً على اتخاذها موقف الحياد المعروف عنها منذ عهد السلطان العماني الراحل، وهو ذاته الدور الذي يتبعه خلفه في ملف السياسة الخارجية وتجنبها الوقوف خلف أي طرفٍ في الأزمات العربية والخليجية.
يضيف القناعي ” الدور العماني لم يقل أهميةً عن الدور الكويتي في حل الأزمة الخليجية، بدايةً بالتزام الحياد من الأزمة واتخاذ أسلوب الدبلوماسية الهادئة إلى جانب الكويت والولايات المتحدة” ويصف الدور العماني بمفتاح الحلول الدبلوماسية والسلمية في مشاكل المنطقة.
عمان والملف اليمني
اختارت سلطنة عمان الوقوف ضد خيار الحرب الذي اتخذته السعودية في اليمن وكثفت جهودها لدعم مساعي الحوار والمفاوضات لإيقاف الحرب وعودة الحياة السياسية في ظاهر الأمر.
يبدو أن اندلاع حربٍ إقليمية في الجوار المباشر لسلطنة عمان كان كفيلاً بدق ناقوس الخطر الذي كانت تتجنب عمان حدوثه، فقد عملت مسقط على البقاء بعيداً عن دعم أي توجهات معارضة لنظام صالح أو التقاطع مع المصالح السعودية التي احتكرت النفوذ في الداخل اليمني رغم تشاركهما الحدود البرية الوحيدة معه.
الرئيس اليمني الأسبق وشريك اتفاق الوحدة الذي خرج من اليمن بعد هزيمته في حرب الإنفصال أمام الرئيس الراحل صالح 1994، غادر عُمان مرغماً حين رغبته في العودة لممارسة النشاط السياسي المعارض للرئيس صالح.
علي البخيتي، سياسيٌ يمني كان يعمل سابقاً كمتحدثٍ بإسم جماعة أنصار الله الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن قبل أن يقدم استقالته من الجماعة بسبب تجاوزاتها السياسية والعسكرية العام 2014م، يتحدث لمواطن عن طبيعة الدور العماني في اليمن الذي وصفه بالهادئ وليس المحايد.
يتحدث السياسي اليمني علي البخيتي لـ “مواطن” حول الدور العماني في اليمن دعماً لهذه الرؤية من أن نظام مسقط كان يرفض أن يتبنى أي سياسيٍ يمني نشاطاً معارضاً على أرضها، مستشهداً بالرئيس علي سالم البيض كدليلٍ على ذلك، وواصفاً الموقف السابق بالحيادي من الملف اليمني، ولكنه ليس كما هو عليه الحال في الوقت الحالي.
يتحدث البخيتي عن ذلك “دأبت عمان خلال ما تسميه بسياسة الحياد، وهي فعلاً كانت محايدة إلى قبل فترة فيما يتعلق على الأقل بالملف اليمني، حيث سعت لمنع أي سياسي يمني يقيم في أراضيها من الحديث في السياسة، ومنهم الرئيس السابق علي سالم البيض الذي مُنِع لأكثر من عشرين عاماً في مسقط من الحديث أو الإلتقاء بوسائل الإعلام، وعندما أراد العودة للنشاط السياسي طلبت منه المغادرة، لكنها سمحت للحوثيين بأن يمارسوا النشاط السياسي من أراضيها دون أية قيود، فيما تمنع بقية الأطراف….”
رغم أن مسقط أعلنت حياديتها من الحرب اليمنية، إلا أنها ترفض تنامي النفوذ الخليجي في حدودها الغربية، كما أن رؤيتها لأهمية الحفاظ على توازن القوى جعلها تقدم تسهيلاتٍ سياسيةٍ للحوثيين، حيث مثلت عُمان قناة تواصلٍ للحوثيين مع العالم الخارجي.
تؤكد هذه المزاعم رعاية السلطنة لمحادثاتٍ في مناسباتٍ مختلفة بين الحوثيين والولايات المتحدة في بداية الحرب، وحجم تأثيرها الواسع عليهم في الداخل اليمني.
استطاعت مسقط تحرير أبناء الرئيس الراحل علي عبد الله صالح من الحوثيين عقب مقتل والدهم في انتفاضة ديمسبر كانون الأول 2017 التي قادها ضد الحوثيين، فيما ظهر نفوذها مؤخراً في قيادتها لوساطاتٍ قبلية لوقف مواجهاتٍ بين قبائل يمنية والحوثيين في محافظة البيضاء.
المهرة، المحافظة الحدودية مع السلطنة، كانت مصدر قلقٍ عقب دخول قواتٍ سعوديةٍ إليها مطلع العام 2018 فيما تُتهم مسقط بتحريضها للقبائل الذين قادوا مواجهاتٍ واسعة مع القوات السعودية التي حاولت السيطرة على منفذ شحن الحدودي، فيما كانت تقدم السلطنة امتيازاتٍ خاصة لتجار المحافظة من حيث قدرتهم على الدخول إلى السلطنة بشكلٍ غير رسمي حسب إفادة مواطنين مهريين لـ “مواطن”.
الموقف العماني الحذر والشائك في اليمن، يمكن تلخيصه بناءً على هذه المقدمات في محاولة مسقط الحفاظ على توازن القوى في الداخل اليمني، والذي يفضي لتوازن النفوذ الخارجي انتهاءً بخارطة مصالح عادلة، الأمر الذي يقلص من مخاوفها بشأن الحرب المشتعلة على حدودها الغربية وتأثيرها على أمنها.
بتعبيرٍ أخر، يمكن للسيد وزير الخارجية العماني الحالي أن يفسر لنا طبيعة التعاطي العماني مع الملف اليمني، بطريقةٍ جعلته الأكثر تأثيراً من نظرائه الخليجيين، ودون أن يطلق حتى رصاصته إلى الأن، ففي محاضرةٍ له عام 2003 في مركزٍ ثقافيٍ في بروكسل، يلخص الطريقة العمانية في إدارة ملف السياسة الخارجية بقوله “.. نحاول الإستفادة من موقعنا الوسيط بين القوى الأكبر لتقليل احتمالية الصراع في جوارنا المباشر” ويضيف ” يمكننا خلق مساحةٍ لأفعالنا. علاوةً على ذلك، ويبدو لي هذا الأمر بالغ الأهمية، في تلك المساحة بالتحديد، أي الدول الصغيرة، قد نكون قادرين على التصرف بطرق لا يستطيع الأخرون القيام بها”
تقليل احتمالية الصراع في جوارنا المباشر، خلق مساحة لأفعالنا، وفي هذه المساحة بالتحديد، أي الدول الصغيرة، قد نكون قادرين على التصرف بطرقٍ لا يستطيع الأخرون القيام بها.