يَعبُرُ الكثيرون شطئان المتوسط والمحيط الأطلسي عبر طرقٍ شرعية وغير شرعية لا تخلو من المخاطرة وتنتهي بالكثير بالموت غرقاً في سبيل استجداء الأمان في المقام الأول والعيش بحريةٍ وكرامة.
على مدى عقود، تشير المؤشرات أن مستوى النازحين واللاجئين العرب لا تزال في ارتفاعٍ مهول، يعكس طبيعة الحياة والأنظمة الحاكمة في المنطقة دونما أمالٍ في تحسن أوضاع الحقوق والحريات في البلدان العربية التي تعصف بها الأزمات الداخلية طائفياً وعسكرياً بالإضافة لتقطاع مصالح الدول العظمى والفاعلة في المنطقة.
أسبابٌ مختلفة
وفق الدويشتة فيلة، أفاد استطلاعٌ أن إثنان من كل ستة شباب عرب يفكرون في الهجرة من بلدانهم لأوروبا لأسبابٍ مختلفة، أبرزها الأوضاع الإقتصادية السيئة التي تعيشها البلدان العربية في الغالب منها، والذي يتسبب به في المقام الأول سوء إدارة الموارد، الأمر الذي يرتبط مباشرةً
من جهةٍ أخرى فإن السلطات الحاكمة والمجتمعات العربية المحافظة والمتناقضة في نفس الوقت تقف كعصا قمعٍ غليظة في وجه الأصوات المعارضة أو المختلفة عن النمطية الإجتماعية والسياسية المألوفة التي التي تحتكر تشكيل الوعي الجمعي والمواقف الشعبية ماكنة إعلام السلطة في البلدان العربية، الأمر الذي ينعكس بدوره على أمن الكثير من الناشطين السياسين والإجتماعيين العرب في بلدانهم الأم.
لا مكان لكم بيننا
يقول الكاتب الكويتي عزيز القناعي في حديثٍ لمواطن ” تختلف أسباب طلب اللجوء بين البلدان العربية، ولكن في دول الخليج، تتصدر أسباب تغيير الدين والإعتداءات الجنسية وقمع الحريات طلب الكثير من الخليجيين والخليجيات للجوء في البلدان الغربية…”
الجدير ذكره أيضاً أن عزيز القناعي سبق وأن صدر بحقه حكمٌ قضائيٌ سابق في الكويت بسبب ممارسته لحقه في التعبير عن أرئه وحريته الفكرية ونقد الموروث الديني والإجتماعي المتطرف في المجتمع الخليجي والعربي الإسلامي.
وتحت تهمة إزدراء الأديان قضى القناعي شهرين في السجن على خلفية الحكم الصادر بحقه بشأن هذه التهم التي يعتبرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقاً أصيلاً للبشر في التعبير عن أرائهم وممارسة حرية الفكر والمعتقد.
عزيز القناعي واحدٌ من بين كثيرين من الشباب والمثقفين العرب الذين يلاقون اضطهاداً إجتماعياً ورسمياً لقاء ممارستهم حق النقد للموروث الديني وعادات وتقاليد المجتمع، ففي مصر لاقى الكثير من الشباب والمثقفين أحكاماً قضائية تصل للسجن ما بين سنةٍ لثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان وفق القانون المعني بذلك والذي يحمل نفس الإسم.
شوقي نعمان، طالبٌ في المستوى الأخير في كلية الإعلام بجامعة صنعاء اليمنية، يحكي في صفحته ما تعرض له من اعتداءٍ جسدي في الحرم الجامعي من قبل أمين عام الكلية التي يدرس فيها بعد توجيه الأخير له اتهام الردة والكفر، ليبقى ملاحقاً من قوات الأمن التي تبحث عنه وتحول بينه وبين استكمال فصله الأخير في الكلية.
عند تواصل “مواطن” معه، أفاد بأنه مازال ملاحقاً ولا يستطيع الخروج من المكان الذي يختبئ فيه وهو لا يعرف ما هي تهمته سوى أنه مارس حقه في النقد والتعبير ليصبح مطارداً من أمن سلطات الأمر الواقع في صنعاء ويمارس ضده الإضطهاد المجتمعي حتى في مقر دراسته.
الجدير ذكره أن القانون اليمني يشرع عقوبة الإعدام لمن يدان بتهمة الردة ولم يعلن توبته خلال شهرٍ أمام المحكمة، وهو الأمر الذي سبق وأن حُكِمَ به مجموعةٌ من المنتمين للديانة البهائية بعد قضائهم لفترات سجنٍ تصل لثماني سنين بتهمة ارتدادهم عن الإسلام، وانتهاءً بصدور حكم الإعدام بحقهم.
منظماتٌ حقوقية وأممية إلى جانب وزارة الخارجية الأميركية ومساعي أممية ضغطت على سلطات الحوثيين في صنعاء لوقف تتنفيذ الحكم، وهو ما تم بعد قيام سلطات صنعاء بتهجيرهم من اليمن مؤخراً.
فسادٌ مقدس
عقب أحداث الربيع العربي في اليمن، سيطرت جماعة الإخوان على الحكومة، وتضاعف العجز الحكومي والفساد في سعيهم لأخونة القطاع العام بالكامل، ماجدة الحداد اعلنت حملة احتجاج مع مجموعة ٍ من الناشطين أسموها ” منورة يا حكومة، والشعب طافي” احتجاجاً على فساد وزارة الكهرباء وانقطاعها المتكرر، ولكن تبع ذلك تهديداتٌ بالتصفية تعرض فيها أحد نشطاء الحملة لهجوم بماء النار.
تروي القصة ماجدة الحداد لمواطن ” بعد شهرين من إقامتي في نيويورك، تم حرق عدنان المداني بالأسيد، وهو الذي كان يعمل بمؤسسة الكهرباء ومنسقاً للحملة التي أطلقتها لمكافحة الفساد في المؤسسة.. لم أكن أتخيل أن تهديداتهم قد تتحول إلى حقيقة، فكان شيئاً مرعباً لي ولأهلي”
خلفان البدواوي، لاجئٌ وناشطٌ سياسيٌ عمانيٌ في لندن، سُجِنَ مراراً على خلفية اعتراضه على الفساد والتمييز بين المواطنين العمانيين في عدة وظائف شغلها في سلطنة عمان في قطاعاتٍ مختلفة ولاحظ وجود الفساد فيها.
في العراق، الأمر ينتهي بالتصفية وتقييدها ضد جماعات مجهولة، حيث شهدت البلاد عمليات اغتيال واسعة للنشطاء العراقيين المؤثرين في مواقع التواصل الإجتماعي من أحداث تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019 والتي مازالت عمليات الإغتيال فيها متواصلة.
أحداث تشرين الأول أكتوبر 2019 والمظاهرات التي عمت محافظات جنوب العراق والعاصمة بغداد جراء الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والمكونات السياسية في البلاد شهدت قمعاً ممنهجاً أسفر عن مقتل مئات من الشباب والشابات المتظاهرين، لتتبعها عمليات تصفيةٍ للنشطاء الشباب.
زهراء علي، فاهم الطائي، عدنان رستم، حقي العزاوي وغيرهم الكثير كانوا من النشطاء الذين تم اغتيالهم أواخر العام 2019، فيما يستمر مسلسل الإغتيالات والإختطافات من قبل جهاتٍ مجهولة كما تصرح الجهات الرسمية في العراق، كان أخرها ذبح الناشطة شيلان دارا وعائلتها في منزلهم ببغداد سبتمبر أيلول 2020.
هذا ويعتبر العراقيون من أكثر الجنسيات طلباً للجوء في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، منذ عهد نظام صدام حسين، المعروف باستبداده، ما قبل الغزو الأميركي للعراق وبعده، جراء الصراعات الطائفية والسياسية المسلحة التي تعصف بأحوال البلد والفساد الحكومي في بلدٍ يعتبر رابع مصدرٍ للنفط في العالم ويعجز عن دفع رواتب موظفيه لشهور.
قمعٌ سياسي
مشيراً إلى أن السلطات المستبدة التي تحتكر السلطة والثروة وتقمع الشعب من المشاركة السياسية في مراكز صنع القرار في البلاد تعتبر السبب الرئيسي في هجرة أمثاله وطلبهم للجوء في البلدان الغربية طلباً للحماية من بطش هذه السلطات.
الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي في الخارج، يحيى عسيري، واللاجئ في المملكة المتحدة، يتحدث عن لجوئه وهجرته من بلده السعودية بقوله ” نحن لم نهاجر أرضنا إلا رفضاً لما تفعله السلطات من ظلم، ورفضنا هذا سيكون حاضراً مع كل من لا يمتثل للقيم، ويرضى بالظلم…”
هذا وتعج سجون المنطقة العربية بالسجناء السياسيين الذي يقضي معظهم أحكاماً طويلة إن لم يلاقوا حتفهم إعداماً بسبب محاولتهم المشاركة في الساحة السياسية في بلدانهم، بينما تستمر مناشدات المنظمات الدولية ذات الإختصاص لإطلاق سراح السجناء السياسيين والحقوقيين.
في السعودية، رغم حركة الإصلاحات القانونية والثقافية والتعليمية التي يقودها ولي العهد السعودي في البلاد إلا أن المملكة صعّدت من قمعها لحرية التعبير والإجتماع وتكوين الجمعيات أو الإنضمام إليها، كما تعرض عشرات النشطاء الحقوقيين والسياسيين من الجنسين وطال أهاليهم أيضاً، بالإضافة لاعتقال ناشطين ينتمون للأقلية الشيعية في البلاد حسب تقرير منظمة العفو الدولية الخاص بالسعودية.
رصيف 22 نشرت تقريراً حول تعذيب الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان والمرأة وأوضاعهن المزرية في السجون وما يتعرضن له من تحرشٍ جنسي واعتداءاتٍ جسدية.
في قطر، حرية التعبير مازالت تخضع لقيود قانونية وفعلية، حيث تحتفظ السلطات القطرية بصلاحياتٍ واسعة تسمح لها بمراقبة مواطنية وقمع حرياتهم حسب تعبير العفو الدولية، الأمر الذي يعرض الكثير من النشطاء للإعتقال والقمع ويجعلهم في حاجة للحماية من بطش السلطات في البلاد.
بلا هوية
حسب تقرير منظمة العفو الدولية الخاص بقطر لعام 2020 يعيش المئات من أبناء عشيرة الغفران من قبيلة ال مرة، أحد أكبر القبائل في قطر، مسلوبي الجنسية ويتعرضون للتمييز، وهو الأمر ذاته مع أزمة أبناء البدون في الكويت المحرومين من حق الحصول على الجنسية.
هذا وأقدمت السطات الكويتية على اعتقال ناشطين من البدون الذين خرجوا في تظاهرةٍ للمطالبة بحقهم في الحصول على الجنسية، فيما أقدم القضاء الكويتي على سجن ثلاثة متظاهرين من البدون مطلع العام 2020 بين أحكام مؤبدة وسجن عشر سنوات.
الضابط: ” ما هي جنسيتك؟..” أجابه عبد الحكيم ” كويتي” ليتبين للضابط فيما بعد بأنه من غير محددي الجنسية، ليقول له الضابط ” لماذا تكذب؟” كان رد عبد الحكيم ” لا أكذب، أنتم أخذتم حقي ومنعتوني عنه”
كان هذا حديثاً للناشط من فئة البدون الكويتية عبد الحكيم الفضلي على صحيفة سبر الإلكترونية العام 2015 أثناء التحقيق معه في وقتٍ سابق بتهمة المطالبة بحق أبناء البدون في الحصول على الجنسية.
في البحرين أيضاً تستخدم السلطات خيار سحب الجنسية من الناشطين المعارضين بشكلٍ واسع، حيث صدرت الكثير من الأحكام القضائية القاضية بسحب الجنسية من النشطاء المعارضين في الخارج منذ أحداث الربيع العربي في 2011 وحملة الإحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت.
هذا وقام الملك البحريني بتثبيت جنسية 551 مواطناً بحرينياً كان قد صدر بحقهم حكمٌ قضائيَ يقضي بسحب جنسياتهم وفق قانون سحب الجنسية من المتورطين في الأعمال الإرهابية، الأمر الذي يثير تخوف الكثير من المنظمات الدولية من استخدام هذا القانون في سبيل إسكات الأصوات المعارضة.
ومع كل هذه المشكلات التي يعيشها مواطني ومواطنات المنطقة العربية، يظل اللجوء لدول الغرب أملاً معلقاً لحصولهم على حق الحماية والأمن من بطش السلطات العربية المستبدة وظروف العيش تحت القمع الرسمي والمجتمعي، ليبقى الفرار لجوءاً هو القاسم المشترك للبؤس الذي يتشاركه لاجئو المنطقة العربية في الموطن والمهجر.