بإسم الشعب، حلم العمانيين الذي طال انتظارهم السلمي لتحققه أمام إجراءات الإصلاح الحكومية الخجولة في فترة ما بعد احتجاجات الربيع العماني أواخر فبراير شباط 2011 وحتى اللحظة.
“مواطن” تسلط الضوء على الإصلاحات السياسية والقانونية والإقتصادية وعلاقتها بالواقع السياسي الدولي والوطني لتقييم الإصلاحات الحكومية وموقعها من مطالب المشاركة الشعبية.
نظامٌ أساسي جديد
يجدر الإشارة ابتداءاً إلى أن السلطان العماني هيثم بن طارق، وفي مطلع العام الحالي مع حلول ذكرى تنصيبه الأولى كسلطانٍ على عمان، أعلن عن نظامٍ أساسيٍ جديدٍ للحكم عوضاً عن النظام الأساسي الذي أٌقره سلفه السلطان الراحل قابوس بن سعيد في مطلع تسعينات القرن الماضي.
النظام الأساسي الجديد الذي جاء كنسخة مشابهة للنظام السابق الذي أٌصدره السلطان قابوس، كان أبرز ما جاء به هو تعيين طريقة توريث الحكم في الأسرة الحاكمة، والتي تعتبر شأناً خاصاً بالسلطان والعائلة المالكة من بعده.
بقية الشؤون المتعلقة بالسلطتين التشريعية والقضائية كانت هي ذاتها السابقة في النظام الأساسي السابق، ما خلا بضع تعديلاتٍ رأى أعضاءٌ في مجلس الشورى بأنها ضيقت من صلاحيات السلطة التشريعية وكرست ذات النفوذ السابق للسلطة التنفيذية والسلطان على السلطة التشريعية.
من جهةٍ أخرى، رغم التشابه الكبير بين النظامين الأساسيين السابق واللاحق، بقيت القوانين هي من تحدد تطبيقات النصوص في النظام الأساسي وحدودها، مثل مسألة المساواة والحريات العامة والشخصية، بالإضافة للصلاحيات التي تمنح للسلطان سطوته ونفوذه في السلطة القضائية عبر تعيينه للقضاة واحتمال رئاسته لها.
نظام غابت عنه قيم المشاركة السياسية
إن تهميش الدور الشعبي في إعداد وإقرار نظام الحكم وقوانينه الجديدة في الرؤية الإصلاحية للدولة مخيبٌ للآمال وسيستمر كعائقٍ حقيقيٍ أمام رؤى الإصلاح الإقتصادي وتحول الدولة العمانية ونظامها الاقتصادي لإقتصادٍ أكثر توازناً وتنوع.
تعتبر مشاركة المواطن في عملية صنع القرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حقاً أساسياً له كفردٍ في المجتمع السياسي، واحتكار القرار السياسي وتجريد الشعب منه يهدد الاستقرار السياسي للدول.
يُعرِّفُ أستاذ السياسية والعلاقات الدولية الأميركي صامويل هنتنغتون المشاركة السياسية بأنها تعني تحديد مساهمة ودور المواطنين في السلطة السياسية للتأثير على عملية صنع القرار الحكومي، مهما كان طبيعة هذا القرار وهذه المشاركة، جماعيةً أو فردية، وسلمية أو عنيفة.
بالتأمل في مضمون معنى المشاركة السياسية يمكن التوضيح بأنه يقع على عاتق السلطة السياسية تنظيم المشاركة السياسية والحرص على فاعليتها لضمان استمرار التفاعل الشعبي السلمي في عملية صنع القرار، ما يعني ثبات الإستقرار السياسي في البلاد وتجنب تحول المشاركة السياسية من طورها السلمي للعنيف.
للأسف، العملية التي طرح بها السلطان هيثم بن طارق النظام الأساسي للبلاد لم يعر انتباهاً لأيٍ من هذه الحقوق السياسية للعمانيين وأهمية مشاركتهم في عملية صناعة وإقرار النص الأساسي في حكمهم.
في خلاصة، إن تفصيل طريقة انتقال الحكم وتعيين ولي عهدٍ في نظامٍ ملكيٍ يساهم في الاستقرار السياسي للبلدان الملكية، ولكن المشاركة الشعبية السياسية في صنع القرار هي الأساس الحقيقي في عملية تثبيت الاستقرار، وخصوصاً في مجتمع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية
أحد النماذج العابرة في القرن الماضي في المنطقة، هي الجار على الضفة الأخرى، إيران. قاد الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي عملية تحديثٍ وتطويرٍ اقتصادي لتنويع مصادر الدخل القومي تحت خطةٍ بعيدة المدى أسماها الثورة البيضاء.
كانت الثورة البيضاء تحاول صنع عملية تنميةٍ إقتصاديةٍ ناجحة وشاملة، وفي المقابل تزيد من تجاهل أهمية حدوث التنمية السياسية والمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار، الأمر الذي انتهى بسقوط النظام البهلوي في إيران.
التحولات الكبيرة سيتبعها مطالب أكبر مما يحصل عليه المجتمع، هكذا يوضح هنتنغتون تأثير التحول الاقتصادي والتنمية الإقتصادية المنفصلة عن التنمية الإقتصادية، والتي على الأغلب تنتهي بانهيار العملية السياسية والإقتصادية.
سياسة التعامل مع الشعوب كرعايا يستأثر فيه الحاكم حقوقهم السياسية لنفسه يمكن لها البقاء وتحقيق رفاهٍ نسبيٍ في دولٍ ريعية، لكنها بالتأكيد تصعب حدوث عملية تنمية اقتصادية حديثة وتعقد منها.
من جهةٍ أخرى، تحتاج سلطنة عمان لتحقيق تنميةٍ إقتصاديةٍ مصيرية أمام التحديات والأزمات الاقتصادية التي تواجه اقتصادها الريعي المعتمد بشكلٍ أساسيٍ على موارد النفط، وهو ما تحاول السلطة تحقيقه عبر مجموعة إصلاحاتها الاقتصادية
حاجة عمان للتحول الاقتصادي والبدء في تنميةٍ اقتصادية تعتمد على التحديث وتنوع الموارد والاعتماد السنوي في الموازنات على أموال دافعي الضرائب تستوجب في مقابلها حدوث تنميةٍ سياسية تراعي أهمية توسيع دور المشاركة السياسية الشعبية وخصوصاً توسيع الطبقة الاجتماعية المتوسطة فيها وانتشال الفئات المهمشة من الفقر والبطالة.
الإستقرار السياسي والإقتصادي عاملان مهمان في عملية التنمية الإقتصادية التي تهدف لها السلطنة في رؤيتها 2040، ويكادان يعتبران من أهم المحددات التي تضمن تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية، والتي للأسف لا تعير لها السلطة أهميةً حتى اللحظة.
تجاوز عقدة العالم الثالث تتطلب تحول الاقتصاد من طوره الريعي للإعتماد على موارد متنوعة، وهذا ما يعني تجاوز ريع الرفاه الذي تشتري به الدول الملكية حق شعوبها السياسي.
دون التطلعات
النظام العماني الحاكم يتجه للإصلاحات وإن كانت ضئيلةً ودون مستوى التطلعات الشبابية في عمان، حيث وكما ذُكِر أن التحول الإقتصادي الكلي للمنظومة الاقتصادية تتطلب حدوث تنميةٍ سياسيةٍ حقيقية تهدف لاستقرار الحكم والحياة السياسية في البلاد.
بالإضافة للمشاكل والمخاطر الخارجية التي تواجه سلطنة عمان كلاعبٍ سياسيٍ متوازنٍ وحذرٍ في قضايا المنطقة وتحالفات صراعاتها، قد تواجه السلطنة مشاكل داخلية لن تحلها العصا الغليظة أو التغييرات السطحية في بنية أو طريقة نظام الحكم، الأمر الذي يستوجب إدراك السلطة السياسية لذلك ومحاولة إيجاد الحلول الواقعية لتفادي مشكلاتٍ مستقبلية تهدد الإستقرار السياسي.
تطبيق نظرية فصل السلطات في نظام الحكم أصبح حاجةً أكثر من مجرد تنظيرات أو إجراءات شكلية يستطيع الحاكم أن يلتف عليها بنصوصٍ قانونية تمنحه صلاحياتٍ تتعارض مع شعارات الفصل.
السلطة المطلقة ليست الطريق إلى تحقيق تطلعات العمانيين وحلمهم في عيشٍ كريم، فهم اليوم أبناء المقارنات وهم يرون العالم من حولهم من نافذةٍ أكثر قرباً إليهم من نظام الحكم في بلادهم، فيما أصبحت مطالبات الرقابة الشعبية التي يثيرها العمانيون بتوجهٍ وإن كان غير منظم في وسائل التواصل الإجتماعي أكثر زخماً وجرأة.
التاريخ السياسي مليءٌ بالتجارب التي تخبر بأنه مهما كانت الأنظمة الأمنية التي يتكئ عليها الحاكم إلى جانب سلطته المطلقة، لا أمان أكثر من أمانٍ يمنحه الشعب والشرعية المستمدة منه، وحاجة العمانيين الأولى هي دستورٌ يُستَهل بإسم الشعب.