الأصدقاء في واشنطن يتبدلون كعادتهم، والفرقاء في المنطقة يستبشرون، وسياط حقوق الإنسان وتزايد الوعي الشعبي يتطلب التغيير الجذري والمستعجل. هذه هي الحال في المملكة العربية السعودية ، المنبعثة من رحم الوهابية والأحزمة الناسفة.
على مدى نصف القرن ومنذ سبعينيات القرن الماضي، كان النقاب قرين السعودية في الذهنية العالمية، اللحى الطويلة وبالتأكيد لا يمكن تفويت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن ماذا عن السعودية الجديدة؟ هل هي ذاتها المثال الحي للدولة الشمولية الوصية حتى على أفكار شعبها؟ أم أنها حقاً تقود ثورةً إصلاحية؟
في هذا التقرير، تحاول مواطن دراسة طبيعة الإصلاحات الاجتماعية السعودية التي يقودها ولي العهد السعودي منذ توليه منصب ولي العهد، وتسليط الضوء على دوافع وأسباب هذا الإصلاح من وجهة نظر الصحافة العربية الحرة والمؤشرات العالمية.
الرب لا يعارض قيادة المرأة للسيارة
في العام 2016 وفي أحد المؤتمرات الترويجية لرؤية السعودية 2030، قال الأمير محمد بن سلمان بأنه لا يستطيع أن يفرض شيئاً على المجتمع السعودي الذي يرى أن قيادة المرأة السعودية للسيارة فيه الكثير من السلبيات، وأنه ليس له علاقة دينية بقدر ما هو رفض مجتمعي للأمر.
يُذكر أن المملكة العربية السعودية كانت الدولة العربية الوحيدة التي تمنع النساء من قيادة السيارة أو المشاركة في مجالات عدة من مجالات الحياة العامة، استناداً لفتوى أطلقها مفتيها وهيئة العلماء في السعودية تقول بفساد وفتنة قيادة المرأة للسيارة ومعارضته لأحكام الدين.
أما منذ حزيران/ يونيو 2018م، أصبحت المرأة السعودية قادرةً على قيادة السيارة بعد عقودٍ من التجريم القانوني تحت غطاء الفتاوى الدينية التي يوفرها رجال الدين المتطرفين، ليعلنوا لاحقاً وبنفس الطريقة التي حرمت المرأة السعودية من قيادة السيارات، أصدرت هيئة العلماء السعودية، وهي هيئة دينية رسمية تضم رجال دين، فتوىً تقضي بإباحة قيادة المرأة للسيارة، معللةً ذلك بغياب النص الذي يحرم عليها ذلك وأن الأصل في الحكم الإباحة.
الجدير ذكره، أن الناشطة النسوية لجين الهذلول كانت قد احتجزت عدة مرات بسبب مطالبتها بحقوق المرأة السعودية وإلغاء حظر قيادة السيارة للنساء، لتودع السجن في العام 2018م تحت تهمٍ مختلفة مرتبطة بنشاطها الحقوقي، لتفرج عنها السلطات في منتصف نيسان/ إبريل 2021م مع منعها وعائلتها من السفر.
قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة يأتي في إطار الضغط العالمي على السعودية لتحسين أوضاع حقوق المرأة والطفل، حيث قامت العديد من الفتيات السعوديات بحملاتٍ حقوقية على وسائل التواصل الإجتماعي وعلى أرض الواقع.
أحد هذه الحملات، كانت حملة الناشطة السعودية منال الشريف مطلع العقد الماضي والتي علقت على قرار رفع الحظر بقولها “آخر بلد على كوكب الأرض يسمح اليوم للنساء بقيادة السيارة” حيث كانت قد سجنت سابقاً في العام 2011م بعد نشرها لمقطعٍ مصور لقيادتها السيارة في السعودية لتشجيع الفتيات السعوديات للمشاركة في حملتها.
هذا وظلت الناشطات السعوديات توجه الإنتقادات للسلطة والتشريعات التي تحرمهن من حقوقهن وأن الجدل في مواضيع كمطالبتهن بالسماح لهن بقيادة السيارات يمنعهن من المطالبة بأمورٍ أهم في طريق نضالهن لتحقيق المساواة مع الرجل.
إصلاحات اجتماعية جديدة
في العاشر من شباط/ فبراير 2021، أعلن ولي العهد السعودي عن حزمةٍ من الإصلاحات القانونية تشمل تغييراتٍ في قوانين حالية وقوانين متصلة بقضايا أخرى كان يعمل بها عرفاً دون وجود نصوص قانونية تحدد وضعها القانوني.
الكاتب والصحفي عادل مزوق، رئيس تحرير البيت الخليجي، علق على التغييرات الجديدة بقوله ” مجموع ما أعلنت عنه السعودية منذ 48 ساعة يدعو للتفاؤل والإشادة.. إلغاء حكم إعدام على طفلٍ قاصر وإصلاحات قضائية مهمة في ملفات لطالما كانت مصدر أذىً للناس..”
وأضاف تعليقاً أيضاً على اقتراب إعلان الإفراج عن الناشطة النسوية لجين الهذلول بتغريدته التي قال فيها “الإفراج عن الموقوفين في قضايا الرأي والمزيد من المشاركة السياسية ستجعل الأجواء أكثر إيجابية..”
هذا وكانت أبرز الإصلاحات المتعوقعة حسب تكهنات مصادر مقربة من السلطات في السعودية هي القوانين المتعلقة بشؤون الأسرة والطلاق، حيث أنهت ما يسمى بالطلاق الشفهي في الشريعة الذي يجعل الطلاق أمراً بيد الرجل يمكنه أن يوقعه متى ما شاء لفظياً دون الإلتزام بتقديم أي حقوقٍ للزوجة قبل الطلاق.
تعديل قانون الطلاق الذي أصبح مشروطاً بإيقاعه في المحكمة سيساهم في حفظ حقوق المرأة ما بعد الزواج ومعالجة الكثير من القضايا الأسرية، حيث رحبت ناشطاتٌ نسوياتٌ خليجيات بالإصلاحات الجديدة واعتبرنها خطوةٌ في الإتجاه الصحيح وتحسين أوضاع حقوق المرأة السعودية.
تأتي هذه التعديلات كما أعلن وزير العدل السعودي وليد الصمعاني في تصريحٍ صحفيٍ في إطار نظام الأحوال الشخصية الجديد الذي تعده المملكة، مؤكداّ أن النظام سيعنى برعاية حقوق المرأة وترسيخ إرادتها في عقد الزواج وحفظ حقوقها في الطلاق بالإضافة لرعاية حقوق الطفل ومصالحه.
تأثير العلاقة مع واشنطن
تحظى الولايات المتحدة بتأثيرٍ واسعٍ في الشأن الداخلي للسعودية، حيث وأن وقوف الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب شكلت دعماً كبيراً لقيادة المملكة بعد فضيحة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة المملكة في اسطنبول تركيا، كما أنها كانت مؤثراً في عمليات التحديث السعةدية السابقة خلال الأربع سنواتٍ الماضية.
الإدارة الأميركية السابقة تغاضت عن الإنتهاكات السعودية لحقوق الإنسان أيضاً، حيث برر الرئيس الأميركي أن علاقة بلاده مع المملكة أهم من المناداة بحقوق الإنسان والتضييق أكثر على حلفائه في الخليج.
قبل وصوله للسلطة عبر انتخابات نوفمبر 2020، أعلن الرئيس الأميركي بايدن أن نهج بلاده مع المملكة سيتغير لصالح حقوق الإنسان، وأنه لن يتغاضى عن انتهاكات السلطات السعودية لحقوق الإنسان، وهو أحد العوامل الأهم في عملية الإصلاحات الحقوقية في السعودية.
مراقبون يتوقعون حملة إصلاحاتٍ واسعة على المستوى الداخلي والخارجي للمملكة السعودية في ظل الفترة الرئاسية للإدارة الأميركية الجديدة في البيت الأبيض، يشير إلى ذلك الصحفي عادل مرزوق في حديثٍ سابقٍ له مع مواطن بأن أحد أهم الأسباب في المصالحة الخليجية بين السعودية ودول الحصار من جهة ودولة قطر من جهةٍ أخرى هي التغييرات القادمة في البيت الأبيض.
مرزوق أضاف أيضاً أن ذلك سيساهم في تخفيف جذوة الضغط الإعلامي على السعودية في مجال حقوق الإنسان المتوقع الضغط عليها فيه في الأعوام القادمة.
يبدو أن عوامل مثل عالم العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، ثورات التقنية والتواصل، والضغوط الدولية على المملكة السعودية ستساهم بتحقيق الكثير من الإصلاحات في الشأن الداخلي السعودي وعلاقاتها الخارجية، لكن هل ستغير المملكة من نمط تعاملها مع معارضيها وتمضي لفتح المجال أمام المشاركة السياسية الشعبية بالتزامن مع رؤيتها الإصلاحية؟ وهل ستتجاوز المملكة تاريخها القمعي؟ العالم ينتظر.