قضيةٌ جنائية أمام القضاء التركي، جريمةٌ ضد الإنسانية أمام القضاء الألماني، قضيةٌ مدنية أمام القضاء الفيدرالي وأخرى مرتقبة في بريطانيا. هذه مجموعة من القضايا المرفوعة ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حول العالم، في حين رفضت الأمم المتحدة ومنظماتٍ دولية كمراسلين بلا حدود المحاكمة السعودية بوصفها قاصرة وغير مرتبطة بالموضوع ولا تنفذ عقوباتٍ حقيقية أو تتضمن أسماءً كتلك التي يعرف العالم أجمع تورطها في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي أكتوبر تشرين الأول 2018.
التقرير الأميركي
بعد اطلاع الرئيس بايدن على تقرير الإستخبارات الأميركية، أعلن عن رفع السرية عنه ونشره في اليوم التالي له الـ 25 من فبراير شباط، مضيفاً بأن هنالك إجراءات ستتخذها الإدارة الأميركية بحق المتورطين في التقرير.
التقرير الأميركي الذي لم يأت بجديدٍ حول ملابسات القضية، كان بمثابة إدانة أميركية لولي العهد السعودي بذكره كمسؤولٍ عن الجريمة في التقرير، وصفحةً جديدة في طبيعة العلاقات الأميركية السعودية مع الأمير محمد بن سلمان.
عقب نشر تقرير الإستخبارات الأميركية، أعلن وزير الخارجية الأمريكي تومي بلينكن فرض قيود على 73 شخصاً مشاركاً في الجريمة وجهاز القوات الخاصة التابعة لمحمد بن سلمان والتي شاركت في تنفيذ عملية قتل خاشقجي.
هذا ورغم تنفيذ الإدارة الأميركية للعقوبات، إلا أنها استثنت الأمير محمد بن سلمان منها في نفس الوقت الذي تدينه كمسؤول مباشر على عملية قتل المعارض السعودي.
الناطقة بإسم حزب التجمع الوطني السعودي المعارض، الدكتورة مضاوي الرشيد، باركت العقوبات في مؤتمر صحفي للحزب عقب إعلانها، ودعت لعدم وضع عقوبات تمس بمصالح الشعب السعودي ككل بسبب جريمة ارتكبها مجموعةٌ من المتحكمين بمراكز القرار، أملةً الضغط في طريق توفير حماية للمعارضين السعوديين وإخراج سجناء الرأي والمخالفين للنظام.
طريقة بايدن مع بن سلمان
بقدر ما كان رفع السرية عن تقرير المخابرات مهماً في إدانة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا أن الأهم من ذلك هو ما سبقه من مظاهر بروتوكولية قد توحي بطبيعة التعاطي الأميركي مع ولي العهد السعودي مستقبلاً، حيث أعلن الرئيس جو بايدن بأنه سيتصل بالملك السعودي بن سلمان قبل نشر التقرير، على العكس من سلفه في البيت الأبيض الذي سمح للأمير الطامح بالارتباط الندي مع الإدارة الأميركية في البيت الأبيض.
الدكتور عبد الله العودة، نجل المعارض السعودي المعتقل سلمان العودة، في تصريحٍ له لـ “مواطن” تحدث فيه عن طبيعة التعاطي الأميركي الجديد مع بن سلمان حيث قال “.. الإتصال المهم بين الرئيس الأميركي ومحمد بن سلمان، الذي وضح فيه الرئيس الأميركي بأن الإتصال كان بينه وبين الملك وليس ولي العهد..”
يضيف عبد الله العودة موضحاً ملامح طبيعة التعاطي الأميركي مستقبلاً مع ولي العهد السعودي “.. جعلوا وزير الدفاع الأميركي يتصل بولي العهد ” وأن المقابل للرئيس الأميركي هو الملك وليس ولي عهده، في حين جعلوا وزير الدفاع هو من يتصل بمحمد بن سلمان، وهم بهذا عملياً تعاملوا مع محمد بن سلمان بوصفه وزيراً للدفاع ومقابلة وزير الدفاع الأميركي..”
عزلةٌ سياسية
الأمم المتحدة نشرت على حسابها في تويتر قلق خبرائها من رفض محاسبة ومعاقبة المسؤول عن قتل جمال خاشقجي، في الحين الذي أصبحت فيه محاكم أوروبية وعالمية تتداول مجموعة قضايا تدين بن سلمان في قضية مقتل جمال خاشقجي.
الدكتور العودة رأى بأن العقوبات الأميركية وإن لم تستهدف ابن سلمان شخصياً إلا أنها بداية عزلته السياسية بعزل حاشيته ووضعها تحت طائلة العقوبات، وقال ” عملياً الأن، إبن سلمان شبه ممنوع من السفر، عليه قضايا جنائية في أوروبا، وعليه على الأقل أربع قضايا في أميركا، وستكون أمامه قضيةٌ أخرى عما قريب في بريطانيا..”
وأضاف العودة “بن سلمان أصبح مداناً دولياً، حيث أن تقرير الأمم المتحدة أوضح تورط بن سلمان في عملية قتل خاشقجي بالإضافة لإثبات الإستخبارات الأميركية رسمياً تورط محمد بن سلمان في الجريمة”
يحيى العسيري، الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض، علق على تقرير الأمم المتحدة قائلاً ” ما تقوله الأمم المتحدة يعني أن العالم غير مقتنع بأن المحاكمة السعودية كانت صادقة، والكل يعتبرها مسرحية، ولم تنتج عقابًا لـ”المسؤول” عن قتل جمال خاشقجي، الموقف العالمي يتضح كل يوم أكثر، وجريمة القتل والقمع ستدمر المسؤول، وهو يدس رأسه في الرمال ويتظاهر بأنه مقتنع أن العالم صدقوه”
ردود الفعل عقب نشر التقرير الأميركي كانت واسعة، حيث ثار جدلٌ في ألمانيا عقب مطالبات برلمانيين الحكومة بتوضيح ما إذا كانوا سبق وأن أُعلِموا بمعلومات تقرير الإستخبارات الأميركي مسبقاً وما هي الإجراءات التي اتخذوها بذلك.
حزب الخضر الألماني المعارض طالب عبر المتحدث بإسم سياسته الخارجية في البرلمان بتنفيذ عقوباتٍ على محمد بن سلمان في إطار أليةٍ أوروبيةٍ للدفاع عن حقوق الإنسان ورفع شكوى أمام الجنائية الدولية، وقال في جملة مطالب حزبه ” يجب على ألمانيا أن توضح لعائلة آل سعود أن تطبيع العلاقات معها غير ممكن طالما هناك ولي للعهد يٌقطّع منتقديه”
هذا ويتوقع أن تُضرب مزيدٌ من القيود مع الكم الهائل من المطالبات والتحركات الدولية لمعاقبة المسؤولين عن قتل خاشقجي وخصوصاً مع تزايد أعداد القضايا التي تواجه بن سلمان في الدول الغربية، الأمر الذي سيفرض عليه عزلةً سياسيةً خانقةً تعيق إدارته السياسية خارج السعودية.
منصب ولاية العهد
مع صعود الإدارة الأميركية الجديدة، عادت الشكوك لتدور حول أمن وضع الأمير محمد بن سلمان في منصبه كوليٍ للعهد واستقراره على هذا المنصب إلى حين خلافته لوالده في قيادة المملكة والدور الذي يمكن أن يلعبه ولي العهد المعزول محمد بن نايف.
الدكتور عبد الله العودة يرى بأن التعامل البروتوكلي الجديد للإدارة الأميركية مع بن سلمان يمكن له أن يدعم هذه الشكوك حول مدى استقرار بن سلمان وبقائه في منصبه، حيث قال في تصريحه لـ “مواطن” ” طبيعة التعاطي الجديد قد يشي بشكلٍ واضح بعدم اعتراف الولايات المتحدة بمحمد بن سلمان كوليٍ للعهد، وأعتقد بأن هذه إشارةٌ واضحة أيضاً إلى احتمالية وجود نظرة أميركية مختلفة لقضية الإستخلاف السياسي في المملكة العربية السعودية بأنها قضيةٌ غير محسومة”
وأضاف موضحاً طبيعة النظرة من واشنطن ” ترى هذه الرؤية بأنه لا تزال هنالك احتمالات لتغيير ولي العهد والضغط بهذا الإتجاه..”
يرى العودة أيضاً بأن هذه التحليلات حتى الأن مؤشرات وليست مشروعاً فعلياً للإدارة الأميركية واصفاً ذلك حد قوله ” ليس هناك فعل مباشر على الأرض ولا أعتقد أن الإدارة الأميركية تريد أن تقوم بفعل مباشر لتغيير ولي العهد، لكنها ستسمح في كل الظروف وتحمي كل الإحتمالات والخيارات الأخرى، هم يهيئون الظروف لأي مبادرة تنبع من الداخل للتغيير”
ودون مجالٍ للمراوغة وشراء نجاة القائد، وعلى منصبٍ تهدده الطموحات والانقسامات في الداخل في ظل عزلةٍ سياسيةٍ شخصية، وترحيبٍ خارجيٍ بأي بادرة تغيير في الخلافة السياسية، يبدو أن ظل خاشقجي سيرافق ابن سلمان طويلاً، وأن ابن سلمان يواجه أشد مخاوفه.