الهُويّة في عالم متغير.. كيف تُصاغ الهويات في عالم ما بعد الحداثة؟ بضم الهاء مصطلح حديث، لم يستخدم سابقا، لهذا لا نجد له تأصيلا واضحا في اللغة، وأقرب معجم حدده المعجم الوسيط، واعتبره من “الهُوية في الفلسفة حقيقة الشيء أو الشخص التي تميزه عن غيره، وبطاقة يثبت فيها اسم الشّخص وجنسيته ومولده وعمله، وتسمى البطاقة الشّخصيّة أيضا”(1)
وبعضهم أرجعه إلى المفهوم الصوفي المشتق من الضمير هو هو، حيث اعتبر “الهُوية في اللغة مشتقة من الضمير هو، أما مصطلح “الهوَ هو” المركب من تكرار كلمة هو، فقد تم وضعه كاسم معرف بأل ومعناه الاتحاد بالذات، ويشير مفهوم وتعريف ومعنى الهُوية إلى ما يكون به الشيء “هو هو”، أي من حيث تشخّصه وتحقّقه في ذاته، وتمييزه عن غيره؛ فهو وعاء الضّمير الجمعي لأي تكتل بشري،
ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه، بما يشمله من قيم وعادات ومقومات تكيف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها”(2)، “والهَوية – بفتح الهاء – كغنية البعيدة القعر”.(3)
والهُوية اصطلاحا بالنسبة للفرد “بناء عقلي يؤشر على تصورات الفرد عن ذاته عبر الماضي والحاضر والمستقبل، وتتفاعل الذات مع الآخرين في ضوء هويتها الفردية”(4)، وبالنسبة للمجموع أنها “تقوم العلاقة في إطار العلاقة بين الفاعل والبناء الاجتماعي … فالفاعل يظل دائما منخرطا في شبكة علاقات اجتماعية تضع سلوكه في إطار بناء اجتماعي معين، ويضفي هذا البناء على الفعل خصائص معينة تجعل له سمتا خاصا، وصبغة خاصة؛ بل إنه يعزز أنماطا بعينها من الشخصية الفردية”(5)
لهذا يرى أحمد زايد [معاصر] أن “لتحديد مفهوم الهوية الوطنية على نحو دقيق يجب أن نستبعد الفهم الخاطئ للهويّة الوطنية بوصفها أداة لتحقيق شكل من أشكال الوحدة القسرية في الحياة الاجتماعية، أو فرض إرادة بعينها على شعب من الشعوب كما يحدث في النزعات الشيفونية والنازية، أو كما يحدث من جانب بعض الأيديولوجيات ذات الصبغة الدينية التي تميل إلى إقصاء وتهميش الجماعات المخالفة لها، وتلغي مفهوم التعددية من قاموسها السياسي”(6).
وظهرت الهوية في الغرب مرتبطة بالحداثة، بينما تأخرت في العالم الإسلامي والعربي إلى نهايات القرن العشرين كارتباط بالحداثة وانفتاح لها، ويرجع محمد أركون [ت 2010م] في كتابه الإنسانية والإسلام تأخرها إلى “أن السبب الأساسي في إخفاق ديناميكية التحديث العربية يرجع إلى حاجز الدفاع عن الهوية الذي أنتجته أيديولوجيا الكفاح ضد الاستعمار والهيمنة الغربية، فهذه الأيديولوجيا وإن كانت مشروعة سياسيا فإنها شكلت عائقا جوهريا دون تحديث المجتمعات الإسلامية، بتحويلها الحداثة إلى خصم حضاري تتعين محاربته ثقافيا وفكريا، مثلما تمت محاربة المستعمر عسكريا وسياسيا”(7).
إلا أن الهوية ظهرت بعد أحداث الربيع العربي بقوة، لما في الإعلام الجديد من خلال شبكات وسائل التواصل الاجتماعي من دور كبير في رفع مستوى التدافع الفكري والديني والمدني، بكل حرية وأريحية، وهذا سيؤثر بشكل طبيعي على المجتمع وهويته إيجابا أم سلبا، لهذا انتقلت الهوية من ارتباطها بالحداثة إلى الارتباط بالعولمة أو الكوكبة والأصالة في نهاية القرن العشرين، إلى ارتباطها اليوم بالمواطنة والدولة المدنية والأنسنة والحريات.
وقد كانت الهوية تتصارع بين اتجاهين: “اتجاه نقدي أيدلوجي للهيمنة الثقافية الغربية، من حيث هي إحدى دوائر السيطرة والاستعمار والإمبريالية، والمطالبة باستقلال الذات التاريخية، والتحرر الثقافي”(8)، “واتجاه نظري فلسفي يدافع من منطلق النظريات النقدية للحداثة عن استقلالية المجال التداولي العربي الإسلامي، وعن حداثة بديلة تتشكل بحسب الخصوصيات الحضارية المحلية”(9)
حيث أتصور أن العقل المجتمعي تجاوز المرحلة الأولى، حيث لم يصبح فقط يؤمن بضرورة الحداثة، بل بتحقيق المشاركة الشعبية في صنع الحداثة، ولا تقتصر الحداثة عند الجانب الاجتماعي والتقني والمهني فحسب؛ بل تشمل الجوانب السياسية والمواطنة والعقد الاجتماعي، فلم يعد ذلك الخطاب الديني المتشدد ضد الحداثة، والمستكين للسلطات المستبدة سواء سياسية أو اجتماعية أو قبلية مناطقية، من باب النظرة الضيقة للهوية، وخطر التغريب عليها
فتصور أن الحفاظ على هويته مربوط بهذه السلطات المستبدة؛ حيث لم يعد هذا الخطاب حاضرا، والذي تمثل بقوة مع تصاعد تيار الصحوة، أو ثورة الكاسيت.
وفي المقابل كشف النقاب عن الخطاب الثقافي المبرر لاستبداد السلطة باستخدام أدوات الحداثة والتحديث وقيم الثقافة، وهنا يكمن “الخطر في خلط العامل الثقاﻓﻲ بالسياسي، لا لأن العامل ين هذين يشتغلان بآليتين مختلفتين وحسب، ولا لأنهما يتحركان في مستويات قد تتداخل أحياناً ……..؛ بل لأن استراتيجيات الثقافة شيء، ومناورات السياسة شيء آخر”(10).
ومع تجاوز الخطابين السابقين في ظل المتغيرات المعاصرة؛ بدأ الخطاب أيضا يتجاوز مرحلة الدول الدينية المطلقة أو الدولة العلمانية المطلقة، فالأديان ومنها دين الإسلام كما يرى علي عبد الرازق [ت 1966م] في كتابه الإسلام وأصول الحكم أن الخلافة أو الدولة في جملتها ترجع إلى “أحكام العقل، وتجارب الأمم، وقواعد السياسة”(11)،
ومع ظهور الإسلام السياسي من جديد في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد سقوط الخلافة العثمانية 1922م، وتبعها سقوط الإمامة الدينية الإباضية بعد حرب الجبل الأخضر في عُمان عام 1959م، ثم الإمامة الدينية الزيدية في اليمن عام 1966م، إلا أن الإسلام السياسي استمر تحالفه في المملكة العربية السعودية باسم السلفيّة أو الوهابية، وكان خصما للدولة الناصرية في مصر، ومن ثم حزب البعث في العراق وغيره،
إلا أن نجاح الثورة الإسلامية في إيران 1979م في ظل ولاية الفقيه، وبداية الصحوة الإسلامية، وثورة الكاسيت، ونشاط الإخوان المسلمين، وتمكنهم فترة في السودان، إلى نجاحهم المعاصر في تركيا، وبعد أحداث الربيع العربي صعد تيار الإخوان المسلمين من جديد في مصر لفترة، ونجح في تونس والمغرب العربي، وهكذا حزب الدعوة في العراق؛ هذه التجربة أعطت مراجعات للدولة الدينية من الداخل، وإعادة بلورة للكثير من التشريعات والأحكام، والانفتاح على النظريات السياسية المعاصرة، والقبول بالتعددية والدولة المدنية، والشراك مع باقي طوائف المجتمع، ورفض العنف والاستبداد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فأصبحت تمارس ما كان يعتبر سابقا كفرا بواحا مخرجا من الملة.
وأما الدولة العلمانية، والتي يرى السيد ولد أباه [معاصر] أن “العلمانية على عكس مقولتي التنوير والحداثة مصطلح غائم، يحجب أكثر مما يبين، وهو عاجز عن إبراز الرهانات المعقدة للمسألة السياسية – الدينية في السياقين الإسلامي والغربي”(12)، وهنا بالجملة لسنا في صدد التعريف، إلا أنه من المهم الإشارة أن العلمانية في العالم الإسلامي خصوصا فهمت في خمس نظريات مهمة: العلمانية المشوهة، والعلمانية المستبدة، والعلمانية الشاملة، والعلمانية الجزئية، والعلمانية الثالثة.
أما العلمانية المشوهة، فهي ردة فعل متسرعة من العديد من الكتاب الإسلاميين والدينيين عموما، حيث تصوروا أن “العلمانية [بالجملة] هدفها إخراج الإنسان العربي من ذاتيته [ودينه] وقيمه، ومزاجه النفسي، وتركيبه الاجتماعي كله، لتقذف به في أتون العالمية والأممية”(13)؛ وأما العلمانية المستبدة فقد ظهرت “صيغتها التطبيقية الأولى في الاتحاد السوفياتي بعد ثورة 1918م بقيادة لينين [ت 1924م] … ثم انتشرت في صيغ مختلفة إلى حد ما في أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية”(14)، وقد أدت هذه العلمانية إلى “إلغاء دور الدين من كل حقل من حقول الحياة العامة تشريعا وتعليما وتوجيها”(15)
وهذه الصورة من العلمانية ساعدت في إضفاء صورة مشوهة، خصوصا إذا استغلها السياسي مقابل خصومه الدينيين، وبرر لها المثقفون والمصالحيون لمقاصد آنية؛ وأما العلمانية الشاملة فهي “فصل لكل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية المتجاوزة لقوانين الحركة المادية والحواس عن العالم … بحيث يصبح العالم مادة نسبية لا قداسة لها”(16)، وهذه أقرب إلى العقلانية التجريبية، وتدخل في النوع الثاني أي العلمانية المستبدة إذا تحولت من جانب معرفي عام إلى مشروع سياسي يفرض هيمنته على الجميع؛
وأما العلمانية الجزئية كما يراها عبد الوهاب المسيري [ت 2008م] فهي “أقرب إلى فصل الدين عن الدولة، لكنها تلزم الصمت بشأن المجالات الأخرى من الحياة، أي لا تنكر بالضرورة وجود مطلقات وكليات أخلاقية وإنسانية، وربما دينية، أو وجود ماورائيات وميتافيزيقا …. فهي لا تسقط الواحدية الطبيعيّة أو المادية على الإنسان؛ بل تترك للإنسان حيزه الإنساني يتحرك فيه إن شاء، ويرى كثير من المفكرين المسلمين والمسيحيين لا تعارض بين هذا النوع من العلمانية والإيمان الديني”(17)
وأما العلمانية الثالثة فهي أطلقها عصام القيسي [معاصر] حيث يحصرها في العالم الإسلامي الذي يتزامن في العديد من أقطاره مع تعددية مذهبية تنضوي تحت دائرة الإسلام، إلا أنها تختلف في بعض التفسيرات الكلامية والعملية، فيرى الانطلاق من الخيوط المشتركة في الدولة وهو القرآن فقط، “وإن معظم الخطاب القرآني ينصرف إلى القصص والأخبار (العقائد)، والنسبة الباقية منه موزعة على توجيهات أخلاقية لضمير الفرد والجماعة، وأحكام قانونية للفرد وللجماعة، فأما النسبة الكبيرة من خطاب القصص والأخبار، فلا علاقة له – مباشرة -بسياسات الدولة وقانونها الدستوري،
ويسري هذا الحكم – أيضاً – على الخطاب الأخلاقي للقرآن، وأما القسم الثالث من الخطاب القرآني (الأحكام القانونية)، فالأمر فيه على تفصيل: ما كان منه قطعي الدلالة يمضي بوصفه قانوناً شرعيا ملزما بحكم الدستور الذي سلم بالمرجعية العليا للدين الإسلامي، وما كان منه قابلاً للتأويل على أكثر من دلالة، يبقى نصا ملزما على وجه الإجمال فقط، ويختار المشرع المدني بعد ذلك التأويل الذي يراه مناسبا، على أن يعد التأويل المختار منتجا وضعيا لا قداسة له”(18)
والقيسي بهذا يحاول الجمع بين العلمانية كمفهوم إنساني واسع، وبين هوية العالم الإسلامي تحت مظلة المقدس المشترك من جهة، والقطعي أصوليا من حيث الثبوت والدلالة من جهة ثانية، مع ترك مساحة للمشرع في التأويل الظني، وتداول السلطة بعيدا عن الطائفية والحدود المذهبية الضيقة.
انتقلت الهوية من ارتباطها بالحداثة إلى الارتباط بالعولمة أو الكوكبة والأصالة في نهاية القرن العشرين، إلى ارتباطها اليوم بالمواطنة والدولة المدنية والأنسنة والحريات.
أرى أن تكون هوية الأمة [العالم الإسلامي والعربي] في التداخل الإيجابي بين الدول، ونقل التجارب الإيجابية بينها، وإحياء الذات الإنسانية بين هذه الدول، مع صيانة الحقوق والحريات
وبغض النّظر عن الصراع بين الإسلام السياسي والعلمانية، إلا أن المتغيرات بعد أحداث الربيع العربي، وبعد سوءات هذين المشروعين؛ أصبح الجيل الجديد يهفو إلى دولة مدنية، يتحقق فيها “التطابق بين السياسي والاجتماعي، بين الدولة والأمة”(19)، هذه الدولة مرتبطة بهوية الفرد مع حقه وماهيته الإنسانية قبل حقه الوطني والمدني، فليست الهوية هنا بالمفهوم الضيق المقتصر عند فكر أو أيدلوجية معينة قد تستخدم لمصلحة السلطة والرأسمالية المتحكمة، وإنما متوافقة مع حق الفرد في المجتمع، كإنسان ينتمي إلى هذه الأرض، والتحرر من سلطة “مصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد” إذا استخدمت كقاعدة استبدادية أي الجماعة مرهونة بالسلطة، أو أسر معينة [سياسية أو مالية أو قبلية].
والجيل الجديد بالجملة ليس خصما للإسلام السياسي، ولا للدولة العلمانية، فأصبحت لا تهمه هذه الشعارات، بقدر ما يهمه تحقيق الكرامة الإنسانية، وارتفاع نسبة الحقوق والحريات، لهذا أرى أن تكون هوية الأمة [العالم الإسلامي والعربي] في التداخل الإيجابي بين الدول، ونقل التجارب الإيجابية بينها، وإحياء الذات الإنسانية بين هذه الدول، مع صيانة الحقوق والحريات، وفي المقابل وقف التدخل السلبي في شؤون الغير، مع وقف أي شكل من أشكال الحروب والعنف والتطرف،
وبطبيعة الحال لا يمكن ذكر بعض الطرق العملية في ذلك في مقال صغير، ولكن لابد من وجود قوة تحمي هذه الهوية بمفهومها الفردي الواسع، سواء سياسية أم عسكرية أم ثقافية، والمقصود بالقوة هنا أي القوة الجمعية المشتركة من جميع هذه الدول، تنطلق من استراتيجيات ومشتركات، هدفها الأولي الإحياء، وتحقيق الكرامة الإنسانية، بحيث يصبح أي فرد في هذه المنطقة معززا مكرما بانتمائه إلى هذه الهوية، والتي تحافظ على دينه ومذهبه وفكره وإنسانيته على حد سواء، دون تفريق بين أحد.
وأما هوية الدولة فهو الانطلاق إلى الدولة المدنية، والتي تقترب من الدولة العلمانية الجزئية كما عند المسيري، أو العلمانية الثالثة كما عند القيسي، حيث تكون مدنيّة يتحقق فيها الشراك الشعبي من خلال فصل السلطات الثلاثة، ومع وجود عقد اجتماعي يساهم في “تعزيز المشاركة الشعبية، واحترام الرأي والرأي الآخر، والانفتاح، ووجود آليات المحاسبة، والشفافية، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن؛ كلها عناصر تسهم بشكل أساسي في تحقيق شرعية النظم السياسية، وتكوين رابطة قوية بين الشعوب والحكام،
ومن ثم تؤدي إلى وجود مجتمعات متماسكة محصنة، قادرة على الصمود والمقاومة، ومواجهة كل التحديات والتهديدات، والتصدي لها بجدارة واقتدار”(20)، “وإذا كانت فكرة المدنية قديمة إلى هذا الحد؛ فإن مفهوم الدولة المدنية مفهوم ألصق بالمجتمعات الحديثة، حيث حاول فلاسفة التنوير تهيئة الأرض فكريا لنشأة دولة حديثة تقوم على مبادئ المساواة، وترعى الحقوق، وتنطلق من قيم أخلاقية في الحكم والسيادة، مع استبعاد النزعات المتطرفة أو الاستبدادية من السيطرة على مقدرات الدولة”(21).
ووجود دولة مدنية لا يعني بالضرورة تحجيم دور المؤسسات الأمنية والعسكرية، ولكن هذه المؤسسات داعمة في حفظ الدولة المدنية من جهة، وفي حفظ صيرورتها التنموية والتقدمية والتطورية، لا أن تكون أداة قمعية تحفظ الطبقات المتنفذة لأجل مصالح أفرادها الشخصية، بحيث تحفظ القانون العادل، وتحافظ على الشراك الطبيعي من خلال المؤسسات المدنية، ومؤسسات العمل المدني، وما تمارسه هذه المؤسسات في بعض الدول العربية والإسلامية من حماية “الاستبداد المحلي الذي يفرض نفسه رغم إرادة الشعب على المستوى الوطني، ويعتمد على ما يمتلكه من أسباب القوة لفرض إرادته، وممارسة إجراءاته؛ لا يصلح أن يكون هو المرجعية التشريعية … وإن استخدامه للعنف في قمع الشعب وقهر إرادته؛ هو بحد ذاته شكل من أشكال الإرهاب الذي تجب إدانته ومقاطعته”(22).
ومع إحياء الهوية الفردية والجماعية في العالم الإسلامي والعربي خصوصا، وما يدخل فيه من إصلاح سياسي وثقافي واجتماعي وقانوني وأمني؛ إلا أن الإصلاح الاقتصادي، وحق الفرد الشهواني بما يحقق كرامته كإنسان، ليس على مستوى إقليمه فحسب؛ بل على مستوى أمته؛ بل لا أجازف على المستوى الإنساني ككل، بحيث يكون الفقر جريمة بحق الأفراد، أيا كان هذا الفرد، وأيا كان دينه وتوجهه، حيث يجب على المجتمع الإنساني محاربة كل ما يؤدي إلى أكل خيرات الشعوب، وابتزازهم، والاتجار بالبشر،
“فالانتخابات الحرة، والتعددية السياسية ليستا كافيتين لإيجاد الديمقراطية، إذ ينبغي أن تكون المساواة الاقتصادية متاحة، أو أن تكون الحكومة ملتزمة بمبدأ تضييق الهوة الاقتصادية بين أفراد الشعب”(23)، ولعلي اقترح هنا وجود محاكم دولية، أو على الأقل على المستوى العربي والإسلامي، تكون متعلقة بالأفراد، ولها فروعها، وللأفراد حق التقاضي لأي مظلمة، وتكون مستقلة، ومرتبطة بخيط الشعوب ككل، حيث يكون من حق الفرد التقاضي فيما يتعلق بالمساس بالحقوق الإنسانية لأي فرد من قبل المؤسسات الكبرى في أي مجتمع، وبهذا ينخفض معدل اللجوء والذي يحدث أضرارا أكبر، أو يضطر الشخص للتنكر لذاتيته ودينه ومجتمعه وجماعته بل وتاريخه.
فخلاصة ما سبق الهوية هنا ليس بالمعنى الضيق المتنكر للعدالة والحداثة، وليس بالمعنى التغريبي المطلق والعلماني الاستبدادي، ولكنها هوية تحفظ حق الفرد وتعدديته وواجباته، لهذا يكون عالم الدين أو المثقف حافظا على هذه الهوية، لا أن يكون مصالحيا، وهذا ينطبق بشكل طبيعي على مؤسسات العمل المدني، والمؤسسات الأمنية والعسكرية.
المراجع
- مصطفى: إبراهيم، والزيات: أحمد حسن، وآخرون؛ المعجم الوسيط، ط المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، تركيا/ استانبول، لا تأريخ، ج: 2، ص: 998.
موقع موسوعة كله لك، تأريخ الزيارة: الأحد، 3 نوفمبر 2009م، الساعة الخامسة والنصف عصرا، صفحة تعريف ومعنى الهُوية.
الفيروزآبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب؛ القاموس المحيط، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، ط مؤسسة الرسالة، لبنان/ بيروت، الطبعة السادسة، 1419هـ/ 1998م، ص: 1347.
زايد: أحمد؛ الهوية الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، ط دار العين للنشر، مصر/ القاهرة، الطبعة الأولى، 1439هـ/ 2018م، ص: 136.
المرجع نفسه، ص: 17.
المرجع نفسه، ص: 142 – 143. بتصرف بسيط.
ولد أباه: السيد؛ الدين والهوية: إشكالات الصدام والحوار والسلطة، ط جداول للنشر والتوزيع، ط لبنان/ بيروت، الطبعة الأولى، 2010م، ص: 55.
المرجع نفسه، ص: 62.
المرجع نفسه، ص: 62.
رحيم: سعد محمد، أنطقة المحرم وشبكة علاقة المثقف بالسلطة، دار ميزوبوتاميا، بغداد/ العراق، الطبعة الأولى/ 2013م، ص 20.
عبد الرازق: علي؛ الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، ط المطبعة السلفية، مصر/ القاهرة، الطبعة الثانية، 1925م، ص: 13. [النص المقتبس نقلا من كتاب: الدولة الوطنية المعاصرة: أزمة الاندماج والتفكك، ط مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان/ بيروت، الطبعة الأولى، 2008م، ص: 35.].
ولد أباه: السيد؛ الدين والهوية: إشكالات الصدام والحوار والسلطة، مرجع سابق، ص: 35.
الجندي: أنور؛ سقوط العلمانية، ط دار الكتاب العربي، ومكتبة المدرسة، لبنان/ بيروت، لا تأريخ، ص: 13.
شمس الدين: محمد مهدي؛ العلمانية، ط الدولية المؤسسية للدراسات والنشر، لبنان/ بيروت، الطبعة الثالثة، 1996م، ص: 155.
المرجع نفسه، ص: 155.
المسيري: عبد الوهاب؛ مصطلح العلمانية، منشور في كتاب العلمانية تحت المجهر، ط دار الفكر، سورية/ دمشق، ودار الفكر المعاصر، لبنان/ بيروت، الطبعة الأولى، 1421هــ/ 2000م، ص: 121.
المرجع نفسه، ص: 120. بتصرف بسيط.
القيسي: عصام؛ مقال العلمانية الثالثة: خارطة طريق إسلامية، نشر مجلة ذوات الالكترونية التابعة لمؤسسة مؤمنون بلا حدود، المملكة المغربية الهاشمية، عدد: 10.
بلقزيز: عبد الإله، بحث الدولة في الوطن العربي وأزمة الشرعية، منشور ضمن كتاب: أزمة الدولة في الوطن العربي، ط مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان/ بيروت، الطبعة الأولى، 2011م، ص: 308.
الرشدان: عبد الفتاح علي؛ معالم التغيير المتوقعة في المنطقة العربية بعد احتلال العراق؛ منشور ضمن كتاب مستقبل العالم الإسلامي: تحديات في عالم متغير، الطبعة الأولى، 1425هـ/ 2004م، ص: 139- 140.
زايد: أحمد؛ الهوية الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، مرجع سابق، ص: 66. بتصرف بسيط.
شبيب: نبيل؛ بحث معالم الموقف الإسلامي بين الإرهاب والاستبداد؛ منشور ضمن كتاب مستقبل العالم الإسلامي: تحديات في عالم متغير، مرجع سابق، ص: 30.
الغضبان: نجيب؛ التحول الديمقراطي والتحدي الإسلامي في العالم العربي [1980 – 200م]، ط دار المنار، الأردن/ عمان، الطبعة الأولى، 1423هـ/ 2002م، ص: 20.