مع ثورة التواصل الإجتماعي مطلع العقد الماضي وتأثيرها الواسع على حركة الربيع العربي الذي بدأ حينها يدق أبواب دولٍ خليجية كالبحرين وسلطنة عمان، بعد حركة احتجاجاتٍ واسعة واجهتها السلطات بالقمع، بدأت مخاوف الدول الخليجية تتنامى من حجم الإقبال الإجتماعي عليها وتحول طبيعة عمل الصحافة الذي سمحت لها مواقع التواصل الإجتماعي الوصول لجمهورٍ أكبر وبصورةٍ حرة بعيداً عن مقصات السلطة.
مساحةٌ جديدةٌ للتعبير
شكلت وسائل التواصل الإجتماعي مساحةً جديدةً للتعبير والتواصل بين أفراد المجتمعات الخليجية التي كانت تخضع تجمعاتها دوماً لرقابة أجهزة الأمن القمعية، ويتحدث عن ذلك الكاتب الكويتي عزيز القناعي عن ذلك لمواطن بقوله “في الحقيقة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تقض مضجع الأنظمة الخليجية بشكل كبير بعد أن أصبحت المتنفس الوحيد تقريباً في التعبير عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الرديئة..”
ويضيف عزيز أن ذلك أيضاً لم يمنع سلطات الخليج من فرض رقابتها أيضاً على مياحة التعبير الجديدة لشعوبها حيث يقول “… استعانت بعض دول الخليج بمؤسسات وأجهزة أمنية اقليمية ودولية لمراقبة بعض الحسابات المؤثرة في تحريك الشارع والرأي العام، وبنفس الوقت سنت قوانين جديدة لمحاسبة المغردين والمتعاطين مع وسائل التواصل الاجتماعي لمنع أي تمظهرات سياسية أو اجتماعية تدعو إلى الحرية وحكم الشعب وتداول السلطة”
الإمارات
من المثير للسخرية لدى بعض ناشطي ومؤثري وسائل التواصل هو معرفتهم بأنهم يحتاجون لترخيصٍ لاستخدام وسائل التواصل الإجتماعي كمؤثرين فيها إذا ما كانوا يتواجدون في الإمارات العربية المتحدة ويتقاضون أجوراً لقاء إعلاناتهم الترويجية على حساباتهم.
الإتصالات عبر برامج التواصل العالمية كانت محظورةً في الإمارات حتى أواخر العام 2020، في الوقت الذي كانت توفر الإمارات برامج اتصالاتٍ بديلة لتلك العالمية، بحيث يمكن لها أن تخضع لرقابتها عليها، الأمر الذي حدا بوسائل إعلامٍ عالمية وصف السياسية الإماراتية في الرقابة على الإنترنت بالنموذج الصيني، فيما قامت منصتا جوجل وأبل بإزالة تطبيقاتٍ إماراتيةٍ من على منصاتها بعد اتهام المخابرات الإماراتية بإمكانية الوصول لمحتوى مستخدميها.
دار الحرية في الولايات المتحدة وفي مؤشرها السنوي وصفت شبكة الإنترنت في الإمارات بغير الحرة، بسبب القيود الحكومية والرقابة العالية على وسائل التواصل الإجتماعي، التي كانت تحظرها سابقاً، ومحتوى الشبكة العنكبوتية.
الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور يقضي فترة سجنه لمدة عشرة أعوام على خلفية نشره تغريداتٍ تنتقد النظام الإماراتي على موقع تويتر، الأمر الذي يوضح مدى خضوع وسائل التواصل الاجتماعي في الإمارات للرقابة الحكومية.
السعودية
تتمتع السعودية هي الأخرى بسجلٍ حافل من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان وتضييق الحريات، حيث تأتي على مؤخرة تصنيف مؤشر المشاركة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي الصادر عن مركز البيت الخليجي للدراسات.
السعودية كانت واحدةً من المبادرين لحظر وسائل التواصل الإجتماعي مع موجة الربيع العربي التي عصفت ببلدان المنطقة العربية، كما تمارس رقابةً مشددة على محتوى وسائل التواصل الإجتماعي، حيث قامت بسلسلة من الاعتقالات الواسعة لناشطين سعوديين على خلفية تغريداتٍ لهم على موقع تويتر أو المحتوى الذي يقدمونه عبر وسائل التواصل الإجتماعي الأخرى.
الدكتور عبد الله العودة، واحدٌ من الذين تم اعتقالهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام بعد نشره لتغريدةٍ تعليقاً على الأزمة الخليجية بين السعودية، الإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهةٍ أخرى.
الناشطة النسوية لجين الهذلول اعتقلت مراراً خلال الأعوام الماضية على خلفية دعواتها لمناصرة حقوق المرأة السعودية ومناهضة الإنتهاكات بحقها مراراً خلال الأعوام الخمسة الماضية، في حين قضت ما يقرب من الثلاث سنوات في السجن على خلفية مطالبها السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
مؤخراً قامت السلطات السعودية بحجب موقع مواطن في السعودية، فيما كانت سابقاً قد حجبت موقع رصيف22، بالإضافة لمئات المواقع الصحفية والإخبارية والتي تقدم محتوىً يعارض توجهات النظام السعودي أو ينتقده، الأمر الذي يعد مؤشراً لزيف ادعاءات الإصلاحات الحكومية ضمن رؤية ولي العهد حد تعبير ناشطين.
حريات مقموعة
في حين تطالب الولايات المتحدة والمنظمات الدولية إصلاحاتٍ فعليةٍ في الدول الخليجية باتجاه فتح مساحات حريات أوسع وتنفيذ تعهداتها الدولية بشأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الحقوقية للدفع نحو إصلاحات سياسية شاملة، تذهب دول الخليج بعيداً عن الإلتزامات والتعهدات التي تضعها للمجتمع الدولي وتصعد من ممارساتها القمعية.
يعلق على ذلك الكاتب الكويتي وسجين الرأي السابق عزيز القناعي، في تصريحٍ له لمواطن”حرية الرأي والتعبير والفكر في الكويت أو في بقية دول الخليج المشيخية لم تتطور بعد ولم ترتقي إلى مستوى مدني متقدم لأسباب سلطوية ودينية وسياسية غارقة في التقليد والقمع والوصاية. وقد انعكس ذلك بشكل شديد على هجرة الكفاءات وعلى سجن العديد من المفكرين وعلى انتشار مثقفي السلطة والحمقى من مشهوري وسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك بالطبع إلى إخفاق الثقافة وتراجع الحريات الفكرية وانهيار مستوى الذوق العام”
سلطنة عمان
في أواخر العام 2020، قام السلطان العماني بتعديل قانون المطبوعات والنشر السابق والذي يصفه إعلاميون عمانيون بالقانون الذي يشرعن انتهاك حقوق المواطنين ويقيد حرياتهم، ولكن التعديل الجديد لم يبشر عن انفراجةٍ في مساحة الحرية الإعلامية وحرية التعبير كما هي وعود السلطان الجديد، وإنما وضعت عوائق جديدة أمام المشاريع الإعلامية في السلطنة، حيث فرضت رسوماً تأمينيةً باهضة لمنح تراخيص مزاولة العمل الإعلامي في داخل البلاد، الأمر الذي قوبل بانتقاد الصحفيين الشباب ومشاريع الصحافة الحرة.
بعد أن كان سبق لها وأن حظرت وسائل التواصل الإجتماعي مطلع الربيع العربي، تستمر السلطات في عمان في فرض رقابةٍ مشددة على وسائل التواصل الإجتماعي في عمان، حيث يتعرض الكثير من الناشطين على وسائل التواصل للاعتقال بسبب انتقادهم للسلطة وقراراتها، كان أخرها ما حدث من عملية اعتقالٍ لمجموعةٍ من الناشطين على خلفية قضية نقل سهل ظفار، وهو ما اعتبر تقييداً لحريات التعبير.
السلطان العماني هيثم بن طارق، وفي قرارٍ له يونيو/ حزيران 2020، أصدر مرسوماً لإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني الذي يفرض رقابةً أكثر لقوى الأمن الداخلي على محتويات وسائل التواصل والمواضيع التي يتداولها العمانيون.
للمرة الثانية أيضاً، أقدمت السلطات العمانية على حجب موقع مواطن بعد حجبها له سابقاً العام 2013م على خلفية انتقاد مكونات شبكة مواطن لانتهاكات حقوق الإنسان في السلطنة والمطالبة بتحسين أوضاع الحقوق والحريات.
منصة كلوب هاوس الجديدة هي أيضاً تعرضت للحجب في السلطنة مؤخراً بعد حجب موقع مواطن، ما يعبر عن قلقٍ متصاعدٍ للنظام من تأثير منصاتٍ كهذه على التواصل بعيداً عن أعين السلطة وما قد تحمله من أثار سياسية مستقبلاً.
أكسس ناو، مركز الخليج لحقوق الإنسان، المركز العماني لحقوق الإنسان، الجمعية العمانية لحقوق الإنسان، وشبكة مواطن الإعلامية أصدروا بياناً يستنكرون فيه إجراءات السلطات العمانية التي أكدت فيها مصادر خاصة بأن المسؤول عن الحظر كان جهاز الأمن الداخلي، حيث وصف البيان الحظر بالإجراء التعسفي ذو النمط المستمر للسياسات القمعية التي ينفذها جهاز الأمن الداخلي وانتهاكاته الحقوقية وتضييقه حريات المواطنين العمانيين.
وجاء في البيان “أعقب هذا القرار مباشرةً تصدر الوسم (#عمان_تحظر_كلوب_هاوس) موقع تويتر حيث عبر المواطنون في عُمان ومن ضمنهم ناشطي المجتمع المدني عن استنكارهم لهذا القرار التعسفي الذي يأتي ضمن النمط الشائع من السياسات الأمنية التي يتبناها جهاز الأمن الداخلي والتي تركز على مصادرة الرأي الآخر وتكميم الأفواه”
هذا ودعا البيان لإلغاء نظام مركز الدفاع الإلكتروني على الفور وذلك من أجل الحفاظ على الفضاء المفتوح لكي يمارس المواطنون خلاله حقهم المشروع في حرية التعبير على الإنترنت، حد تعبير البيان.
الكويت
رغم أنها واحدة من أكثر بلدان الخليج انفتاحاً على المشاركة السياسية وتتميز بأوضاع ديمقراطية أكثر من جيرانها بالمقارنة، إلا أنها بدأت تشهد تشدداً حكومياً وصل لمراقبة وسائل التواصل الإجتماعي وإنزال عقوباتٍ على مؤثريها على خلفية إدلائهم بآرائهم فيها.
الفنان الكويتي الساخر خالد الملا تعرض للمحاكمة بتهمة ازدراء القضاء بعد أدائه لأغنيةٍ ساخرة في أحد القنوات التلفزيونية تداولها ناشطون على نطاقٍ واسعٍ في وسائل التواصل، الأمر الذي عرض حتى مذيع القناة في لقاء الملا للمحاكمة معه أيضاً.
مؤخراً تم توجيه تهمة ازدراء القضاء للفاشونيست الكويتية جمال النجادة بعد انتشار مقطعٍ لها وهي تشتكي من تعامل القضاء معها هي وفاشنيستات كويتية قائلةً بأنهم تركوا لصوص المليارات وذهبوا لملاحقة فاشونيستات ومؤثري وسائل التواصل الإجتماعي.
قلق العروش
تستمر السلطات الخليجية في غالبها في سياسات الرقابة والحجب على محتوى الشبكة العنكبوتية وتقييد دور وسائل التواصل الإجتماعي وحريات الرأي والتعبير لمواطنيها متجاهلةً مطالب شعوبها ونخبها المثقفة إلى جانب المجتمع الدولي لعدة أسبابٍ يراها القناعي متمثلةً في:
– إدامة الحكم المشيخي
– تشويه الديمقراطية والعلمانية والحريات
– احتكار الثروة الاقتصادية بيد فئة قليلة
– الخوف من الوعي الحضاري
– حماية تحالف السلطة الدينية مع السلطة السياسية