"نعم أصبحتُ أتسوّل الآن..قصّتي لا يعرفها سوى القليلين، حرصتُ على إخفائها لأني لم أكن أريد أن أبني اسمي على أي شكل من أشكال التعاطف". -سعيد ناشيد
هكذا بدأ أستاذ سعيد ناشيد سرد قصة فصله من عمله كمدرس لغة فرنسية، إذ تلقى تهديدًا في مكتب مديره الإقليمي وفي حضور مسؤول بارز من حزب العدالة والتنمية، وبالفعل تم فصل ناشيد من عمله بعد هذه الجلسة.
ليس سعيد ناشيد أول من يعُاقب على أفكاره الحداثية، إذ سبقه الباحث المصري نصر حامد أبو زيد في عام 1995 عقب تقديم بحثه “نقد الخطاب الديني” لقضية حسبة تطالب بالتفريق بينه وبين وزوجته باعتباره كافراً، وبالفعل حكمت المحكمة بتطليق د. ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي من نصر حامد في المحاكمة التي رفض فيها النطق بالشهادتين، فاختار المنفى الاختياري، وسافر إلى ألمانيا بصحبة زوجته.
صرحت د. ابتهال أنها أمسكت بيد نصر حامد عقب حكم المحكمة، وقالت له: “متخافش يا نصر محدش يقدر يفرق ما بينا”. كما عقب د. نصر على ما حدث له أنه نتيجة صراع سياسي، إذ اصطدم ببعض أفكاره مع ممثلي هيئة التدريس بالجامعة من خلفيات متنمية للإسلام السياسي، وهو ما نفس ما يتعرض له أ. سعيد ناشيد بعد فصله من عمله كإجراء عقابي على أفكاره من قبل حزب إسلامي.
"قرار طردي من الوظيفة العمومية بصفة نهائية، لا يفسره سوى كون جهات ظلامية نافذة تريد أن تراني أتسول، انتقاما مني لما أكتبه، ورغبة في إذلال المشروع الذي أمثله". - سعيد ناشيد
تسعى دائمًا التيارات الإسلامية لإقصاء وإذلال المختلفين مع مشروعها، من المفكرين الحداثيين، فلا توجد فائدة من محاولة التفريق بين نصر حامد وزوجته إلا الرغبة في إذلاله، كما هي نفس الرغبة التي تلاحق سعيد ناشيد، مع أن التاريخ يخبرنا أن الحملات المضادة على أقطاب وأعلام الحضارة العربية الإسلامية في السابق لم تجدي نفعًا، إذ أستمر فكر هؤلاء كجزء من التاريخ الإسلامي، كما أستمر فكر نصر حامد وسيستمر فكر سعيد ناشيد.
هل انتصر الإسلام في الكويت بعد أن تم سجني؟ وهل اختفى الفساد والظلم والتخلف والقهر والعنصرية والنفاق والجهل؟ وهل السجن والحبس هو الوسيلة المثلى لمعاقبة الرأي والفكر؟وهل سينتصر فعلا الإسلام بعد أن يسجن تابعيه و معتنقيه بعد نقدهم له؟ -عبد العزيز القناعي
في العام 2018 تعرض الكاتب الكويتي عبد العزيز القناعي لمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان، على إثر لقاء له مع قناة الجزيرة القطرية، تناول فيه قضية الحدود الإسلامية، بالإضافة لمجموعة من التغريدات على حسابه في تويتر أعتبرت أنها مسيئة للإسلام، وتمت محاكمة القناعي وحبسه شهرين بسبب الاتهامات الموجه له.
لم تتغير أفكار القناعي بعد سجنه، وظل بعد الخروج يصرح بنفس الآراء، ويدون نفس التغريدات، وسط استغرابه من عدم انتصار الإسلام بسجنه أو اختفاء الظلم والفساد، وكأنه عقاب بلا جدوى لم يتغير شيئ على أثره.
لقد تمت محاكمة العديد من العلماء والمفكرين والكتاب وغيرهم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، منذ نشأة الإسلام وحتى عصرنا الحالي، ممن مارسوا حقهم في الرأي والتعبير بخصوص الدين الإسلامي، لكن انتهى بهم الأمر، إما مقتولين وإما محروقين وإما منفيين وإما في السجون بتهمة ازدراء الأديان. وقد تعرضت عوائلهم وأطفالهم إلى فقدان المعيل أو الداعم لهم. فهل يقبل الإسلام مثل هذه التصرفات التي تمارس باسمه وهو من جاء رحمة للعالمين؟ -عبد العزيز القناعي
في العام 2013 قدم الكاتب المصري حامد عبد الصمد ندوة بالقاهرة، انتشر منها مقطع يهاجم الإسلام السياسي، واعتبره البعض إساءة صريحة للنبي محمد، تباينت الآراء حول مقاطع عبد الصمد من ندوته في الأوساط الإسلامية والعلمانية، وتلقى عددًا كبيراً من التهديدات بالقتل، إذ صرح أحد مشايخ السلفية الكبار أن الأمر مع حامد مسألة ثأر إلى يوم الدين، وقد تم اختطاف حامد أثناء تلقيه تلك التهديدات، إلا أن شقيقه خرج على وسائل الإعلام المصرية يؤكد أن سبب الاختطاف خلافات مالية مع أشخاص عاديين، لينف التهمة عن ممثلي الإسلام السياسي حينها.
الأفكار لا تموت بقمع أصحابها، بل تزداد في انتشارها كلما ارتفعت عوامل الضغط على أصحابها
في العام 2016 تعرضت الكاتبة التونسية آمال قرامي للمنع من دخول مصر على أثر دعوة تلقتها لمؤتمر بمكتبة الإسكندرية لمناقشة تطور الفكر المتطرف وضرورات مكافحة الإرهاب، وبناءَا على هذا المنع تصدر اسم قرامي محركات البحث وعناوين أخبار المواقع الإلكترونية، الأمر نفسه حدث مع الناشط الثقافي المصري أحمد سعد زايد في العام 2017 إذ رحل من الكويت وتلغى محاضراته، وما كان له إلا نفس مصير قرامي من انتشار اسمه في عناوين أخبار المواقع ومحركات البحث، مثلما تلقى أيضًا أ. سعيد ناشيد قدر كبير من التضامن والدعم عبر منصات التواصل الإجتماعي ومنصات الأخبار والفكر.
إذ دعا الباحث المصري مدحت صفوت الكتاب والمثقفين المصريين، للتضامن وجمع توقيعات دعمًا لناشيد، كما وجه الباحث المغربي وأستاذ علم الاجتماعي عبد الرحيم العطري رسالة عبر حسابه على فيسبوك يطالب سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية بحل أزمة ناشيد أو حسب وصفه “الانتصار للحكمة وإعادة الاعتبار لمن تداوى بالفلسفة”
يعد ناشيد واحدًا من أهم الأقلام المغربية والعربية، إذ تحمل كتاباته أطروحات هامة عن مسائل الدين والتنوير، أشهرها ما في كتبه قلق في العقيدة و القرآن والحداثة والتداوي بالفلسفة.