تروج الكثير من الماركات التجارية الشهيرة للعطور ومزيلات العرق الرجالية باعتبارها ستجعل نساء العالم يقعن في حب الرجل الذي يستخدمها، لكن يبدو أن هذا الطرح الإعلاني سطحي بعض الشيء، فالأمر أعقد من ذلك بكثير ويرتبط في جذوره بالفيرومونات البشرية وتنوعها ومدى جاذبيتها واختلاف تأثيرها باختلاف المرأة التي ستشمها.
وكي تتضح الصورة يجب الإشارة إلى وقوع بعضهم في فخ الخلط بين رائحة الشخص الأصلية، ورائحته الآتية من روائح منتجات العناية الشخصية مثل: غسول الجسم والشامبو ومزيل العرق، والعطور ومنتجات العناية الشعر وغيرها من المنتجات الأخرى.
فمن جانبها أثبتت الدراسات العلمية تأثير الرائحة بشكل عام في الانجذاب الجنسي، بتوصلها إلى نتيجة مفادها أن الرجال الذين يولدون بدون قدرة على الشم يكون لديهم شركاء جنسيين أقل، ونصف الأشخاص الذين يفقدون حاسة الشم لاحقًا نتيجة عدوى أو إصابة يبلغون عن آثار سلبية لذلك في سلوكهم الجنسي، بينما على الجانب الآخر أكد الأشخاص الذين لديهم حاسة شم حادة بأن نشاطهم الجنسي أكثر متعة، ومن ذلك أن النساء ذوات الحساسية الأعلى للروائح يستطعن الوصول للمزيد من هزات الجماع بالمقارنة بغيرهن.
ما هي الفيرمونات؟
لنعُدْ إلى عالمنا القديم ونلتقِ بالإنسان البدائي الذي سنجده متجردًا من جميع مظاهر الحياة المعاصرة ومن ضمنها روائحها الكثيرة، ولا يمتلك سوى فيروموناته الطبيعية التي تجذب الإناث له، والمقصود بالفيرمونات وفقًا للدكتور مايك أندرسون المتخصص في الجنس البشري هي تلك المواد الكيميائية التي يطلقها الجسم، ويمكن تمييزها عن طريق العضو الميكعي الأنفي.
ووفقًا لأندرسون فإنه من وجهة نظر تطورية، الفيرمونات هي التي تخبرنا بمن يجب أن نتزاوج معه، لكونها مواد كيميائية تغذي الانجذاب البيولوجي ومن ثم الانجذاب الجنسي، ويمكن اعتبارها بمثابة العطور الطبيعية الخاصة بنا، ووفقًا لعواملها المتعددة فهي تحدد الشخص الذي سنختاره و نتواصل معه جنسيًا.
يشترك الإنسان مع الحيوانات والنباتات وحتى البكتيريا في إطلاقه للفيرمونات، وليس بالضرورة أن يكون استخدام الفيرومونات في سياق جنسي دائمًا، فمثلًا عند النمل تُستخدم الفيرمونات لصناعة مسارات كيميائية تؤدي للوصول إلى مصادر الغذاء.
وقد ظهر مصطلح “الفيرمون” نفسه عام 1959 تحديدًا مع فيرمون يُدعى بومبيكول، وهو فيرمون مثير للشهوة الجنسية تفرزه إناث دودة القز ويصل تأثيره المكاني إلى عدة كيلومترات، فوفقًا لتريتسرام وايت عالم الحيوان بجامعة أكسفورد فإن ذكور دودة القز حساسون جدًا لهذا الفيرمون لدرجة أن عددًا قليلًا من جزئياته تكفي لجعل الذكر يطير إلى الأنثى.
لماذا ينجذب البشر لفيرمونات أشخاص بعينهم؟
أجريت تجارب عديدة لرصد كيفية تأثير فيرومونات الرجال على النساء وتوصلت إلى نتائج مختلفة لعل أبرزها أن النساء في مرحلة التبويض يفضلن رائحة الرجال الذين لديهم مستويات عالية من هرمون التستوستيرون.
لم تكن هذه النتيجة مقتصرة على الإناث فقط فحين أجريت دراسة أخرى على الرجال لدراسة استجابتهم لروائح النساء، وجدوا أنه كلما ارتفعت مستويات هرمون التستوستيرون والكورتيزول زاد انجذابهم للنساء اللواتي يمتلكن مستوًى عاليًا من الخصوبة، بينما تنخفض مستويات هذين الهرمونين عندما يشم الرجل رائحة جسم امرأة خارج فترة التبويض.
يؤدي ذلك لنتيجة أخرى تتعلق باستخدام وسائل منع الحمل مثل حبوب منع الحمل، فحينها تتغير دورة التبويض والهرمونات المرتبطة بها مما يؤدي تباعًا إلى تغير الفيرمونات ودرجة جاذبيتها، ففي إحدى الأبحاث توصلوا إلى أن النساء اللواتي لم يتناولن حبوب منع الحمل وكن في مرحلة التبويض كُنَّ أكثر حساسية للتفاعل مع الفيرومونات الذكورية.
لا يتوقف الأمر عند حدود الذكورة والخصوبة فقط إنما يمتد إلى الجينات الوراثية، ففي دراسة سويسرية أجريت عام 1995 طلب الباحثون من الرجال الخاضعين للدراسة ارتداء قمصان على بشرتهم مباشرة لمدة يومين متتالين، ثم أعطيت هذه القمصان إلى النساء وطُلب منهن تقييم مدى جاذبية الرائحة أو عدم رضاهن عنها، وكانت النتيجة أنهن أكثر ميلًا إلى اعتبار قمصان الرجال الذين لديهم جينات وراثية مختلفة عنهن أكثر جاذبية.
بعض الأغذية قد تصنع فارقًا!
تلعب بعض الأطعمة دورًا مؤثرًا في زيادة الجاذبية الجنسية من خلال عملها على الرفع من إثارة الفيرومونات، وذلك له علاقة بتأثيرها على هرموني الأندروستينون والأندروستينول اللذين لهما علاقة مباشرة بذكورة الرجل.
في مقدمة تلك الأطعمة نبات الكرفس الغني بالألياف الذي يعد مصدرًا أساسيًا للبوتاسيوم والمنغنيز، ووفقًا لطبيب الأعصاب الأمريكي آلان هيرش فإن تناول الكرفس يعمل على التعزيز من إثارة الفيرمونات بشكل أسرع من الأطعمة الأخرى.
هناك أيضًا الكمأ وهو نوع شائع من الفطريات، فبحسب تأكيد عدد من الباحثين الألمان فهرمون الأندروستينول يمكن زيادة مستواه في الجسم بتناول الكمأ، وهو ما ينعكس على الرجل بجعل فيرموناته أكثر جاذبية.
أما الغذاء الثالث فهو الجزر ويتميز باحتوائه على تركيزات عالية من الأندروستينول إلى جانب انخفاض سعره عن الكمأ، ويوجد بالجزر الأبيض عنصر البورون الذي يساعد الجسم على التمثيل الغذائي لهرمون التستوستيرون.
"الشم أولًا".. إحدى تكنيكات المواعدة الحديثة
يبدو أن هناك بعض الأشخاص الذين أرادوا تقصير الطريق على الأشخاص الذين يبحثون عن فرص للمواعدة، وصناعة لهم طرقًا أكثر فعالية من خلال إتاحة التقارب على أساس مدى الانجذاب للفيرومونات.
ما سبق ليس مبالغة خيالية فهناك بالفعل شركة مواعدة أمريكية تُدعى “Pheromone Party”، اتخذت هذا الطريق غير المألوف باستخدام الفيرمونات لمعرفة مدى مناسبة مستخدميها لبعضهم بعضًا.
يتمثل الجانب العملي للتجربة في قيام المستخدم بالنوم في قميص واحد لثلاث ليالي ويستحسن أن يكون قطنيًا ولونه أبيض، ومن ثم عندما يذهب إلى إحدى الفعاليات التي تنظمها الشركة يضع قميصه في كيس بلاستيكي مُرقم مُحكم الغلق.
لينتقل بذلك إلى المرحلة التالية بدخول الحضور على الطاولة الموضوع عليها الأكياس البلاستيكية المرقمة، وتكون هناك طاولتين الأولى للرجال والثانية للسيدات، وإذا أعجب شخص ما برائحة إحدى القمصان فإنه يلتقط صورة بصحبة الكيس المُرقم.
وتُعرض جميع الصور خلال الفعالية وإذا شعر صاحب القميص بالانجذاب تجاه شخص التقط صورة بصحبة قميصه فإنه يذهب للتعرف عليه، وبحسب كلير سيلبي التي شاركت في إحدى الفعاليات فإن الرائحة تمثل لها جزءا مهمًا من عملية الانجذاب إلى الشريك المحتمل.
بينما من الجانب العلمي فوفقًا لخبيرة المواعدة كريستي هارتمان هناك عيب خطير للمواعدة عبر الإنترنت وهو بناء التوقعات العالية مع شخص لم تلتقِ معه وجهًا لوجه من قبل، مما يزيد من احتمالية انهيار هذه التوقعات عند اللقاء الأول نتيجة عدم التوافق الكيميائي بين الطرفين.
اقرأ أيضا: كيف يمكن للاكتئاب أن يهدد صحتك الجنسية؟