رغم انضمامه المتأخر لاتفاقياتٍ دولية تتعلق بحقوق الإنسان، تأمل جهاتٌ دوليةٌ حكوميةٌ وأخرى مستقلة في النظام العماني أن يحقق تغييرات جذرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في عمان ومكافحة الاتجار بالبشر وحماية حقوق وحريات التعبير والمشاركة السياسية والانضمام للعهود الدولية الأخرى التي لم تنضم لها عمان بعد.
بينما تقف في وجه تحقيق هذه التغييرات اتهاماتٌ بتقاعس السلطات العمانية عن الوفاء بالتزاماتها الدولية في المعاهدات الموقعة عليها، فيما تتناقض المنظومة القانونية في عمان مع المحتوى الموضوعي لهذه المعاهدات الدولية.
بين الدعم الدولي للتغيير وانضمام السلطات العمانية للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان من جهة، وواقعية الشكوك والمزاعم المتعلقة بتملص النظام العماني وتقاعسه عن الوفاء بالتزاماته الدولية في هذه المعاهدات، تسلط “مواطن” الضوء على إجراءات النظام العماني المتعلقة بالتغيير والوفاء بالمعاهدات الدولية.
في استعراضها الدوري الشامل السابع والثلاثين، أطلقت الحكومة البريطانية بياناً بشأن أوضاع حقوق الإنسان في سلطنة عمان، في حين أثنت على التقدم الذي أحرزته سلطنة عمان في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، إلا أنها قدمت جملةً من التوصيات المتعلقة بملف حقوق الإنسان وانتهاكاته في عمان في قبالة الالتزامات الدولية الملقاة على عاتقها.
يذكر أن النظام العماني انضم مؤخراً العام الماضي 2020 لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فيما حث بيان حكومة المملكة المتحدة السلطات العمانية على التنفيذ الموضوعي لأحكام ومضامين هذه المعاهدات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، طالبت حكومة المملكة المتحدة بتقديم تقارير منتظمة حول الإجراءات المتخذة من السلطات العمانية في سبيل تحقيق مضامين المعاهدتين والتقدم المحرز في هذه المسألة، بالإضافة إلى تقديمها مجموعةً من التوصيات المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر وحماية حقوق الإنسان والانضمام لباقي المعاهدات الدولية ذات الصلة.
عطفاً على الانضمام الأخير للنظام العماني لاتفاقية مناهضة التعذيب، وثقت تقارير منظماتٍ ومراكز حقوقية منهجيةً من أساليب التعذيب التي استخدمتها السلطات العمانية بحق معارضين وناشطين حقوقيين في السجون التابعة لأجهزة الأمن العماني، فيما تتواصل سلسلة الانتهاكات المتعلقة بالاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري التي تطال الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
“مواطن” وثقت في قصصٍ صحفيةٍ سابقة سلسلة اعتقالات تعسفية وحالات اختفاء قسري واحتجازاتٍ غير قانونية قامت بها السلطات بحق ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي كانوا يمارسون حقهم في حرية التعبير وممارسة النقد للفكر الديني والمؤسسة الدينية في عمان، فيما لا يزالون في معتقلاتهم دون تقديم ردٍ رسميٍ من السلطات على ظروف المحتجزين لديها في هذه القضية.
سلسلة معوقات
أمام الالتزامات القانونية الدولية في المعاهدات التي انضم النظام العماني إليها مؤخراً، تقف القوانين العمانية عائقاً أمام تحقق المضامين الموضوعية لهذه المعاهدات، حيث يمثل قانون الجزاء العماني بتعديلاته الأخيرة في العام 2018 انتهاكاً تشريعياً لحقوق الإنسان وتقييداً لحرية التعبير التي قد تعتبر جرماً في ساحة القضاء العماني.
أمام الالتزامات القانونية الدولية في المعاهدات التي انضم النظام العماني إليها مؤخراً، تقف القوانين العمانية عائقاً أمام تحقق المضامين الموضوعية لهذه المعاهدات
توجيه النقد للسلطان أو المؤسسات الحاكمة يعرض صاحبه للسجن لسنوات تحت تهمٍ مثل إعابة ذات السلطان أو الإساءة للدولة أو الدين الإسلامي، في حين يقبع الكثير من الناشطين في سجون السلطات تحت دعاوى متعلقة بتوجيه هذه التهم وغيرها من التهم التي تمس بحرية التعبير وفق مضامين المعاهدات الدولية التي انضمت إليها عمان مؤخراً.
وفق مؤشر حرية الصحافة للعام 2020، ما زالت السلطات تسيطر على الإعلام العماني في الداخل وتصوغ خطابه العام، في حين لا تظهر مؤشرات لتحقيق تقدم في مزيد من حرية الصحافة، وخصوصاً مع قانون المطبوعات والنشر الجديد 2020، والذي يخضع الوسائل الإعلامية لمزيد من القيود.
ضمن توصياتها الموجهة للسلطات العمانية، طالبت المملكة المتحدة النظام العماني التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتنفيذه، وهي المعاهدة التي ما زال النظام يتهرب من الانضمام إليها لأسبابٍ تتعلق بالمشاركة السياسية الشعبية ومطالب إتاحة مزيدٍ من الحريات السياسية في البلاد وحرية التعبير والتجمع.
في هذا الصدد وفي حديثٍ له مع مواطن، يقول نبهان الحنشي، مدير المركز العماني لحقوق الإنسان، بأن الأمر مرتبطٌ بوجود رغبةٍ حقيقيةٍ للإصلاح السياسي الفعلي على أرض الواقع “عمان كانت قد وعدت منذ ٢٠١٥ بالانضمام إلى هذه الاتفاقيه، وإلى الآن لم يحدث شيء. وكي نكون أكثر واقعية، الانضمام إلى هكذا عهد أو اتفاقية سيتطلب السماح بإنشاء أحزاب وتفعيل دور المجتمع المدني من غير أي رقابة حكومية، بالإضافة إلى إلغاء أو تعديل القوانين التي تعرقل هذا التطور. أي توقيع أو انضمام للاتفاقية من غير هذه الخطوات، سيكون انضماما فارغا من معناه”.
ويضيف الحنشي: “الإصلاح السياسي ليس مجرد انضمام للمعاهدات أو إعطاء وعود فارغة، بل هو عمل جدي ومستمر لتطوير المنظومة القانونية بما يجعلها تحترم حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة، وهو مالم نرى له أية ملامح حتى الآن في عمان”.
المملكة المتحدة حثت في بيانها السلطات العمانية على تقديم تقارير منتظمة عن التقدم المحرز في التغييرات الداخلية وامتثال السلطات العمانية لالتزاماتها في اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما طالبت في توصياتها ضمان السلطات العمانية للحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات من خلال تعديل قانون الجزاء العماني وقانون المطبوعات والنشر، إذ إن مضامين هذه القوانين تتعارض مع التزاماتها.
لا يبدو بأن السلطات العمانية قد حققت أي تقدمٍ بعد للوفاء بالتزاماتها الدولية وتغيير هذه القوانين، فيما يبدو أن مسلسل الانتهاكات مازال مستمراً كما حدث في الأشهر الأخيرة من عمليات اعتقال واقتحامات لمنازل مواطنين عمانيين واختفائهم قسرياً.
التشكيك في نية التغيير
عقب بيان المملكة المتحدة مطلع العام 2021، استمرت السلطات العمانية في ارتكاب مجموعةٍ من الانتهاكات المتعلقة بمواطنين مارسوا حقهم في حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي كما وثقته “مواطن” في قصص سابقة، الأمر الذي يدفع بكثيرٍ من الناشطين العمانيين للتشكيك في نوايا النظام العماني في التغيير والامتثال لالتزاماته الدولية في المعاهدات التي انضم إليها مؤخراً.
الامتثال للمعاهدات الدولية يتطلب وضوح وشفافية وإلى الآن السلطات العمانية تقوم بخطف أو اعتقال الأفراد دون أي إجراءات قانونية، وحرمان المعتقل من أبسط الحقوق
نبهان الحنشي Tweet
يقول نبهان الحنشي: “الامتثال للمعاهدات الدولية يتطلب وضوح وشفافية. إلى الآن السلطات العمانية تقوم بخطف أو اعتقال الأفراد دون أي إجراءات قانونية، وحرمان المعتقل من أبسط حقوقه مثل التواصل مع المحامي أو معرفة مكان الحجز”.
كما يضيف رئيس المركز العماني لحقوق الإنسان بأن الإجراءات التي قامت بها السلطات العمانية لا تعبر عن امتثالها لالتزاماتها الدولية التي يترتب عليها انضمامها لهذه الاتفاقيات والمعاهدات، حيث يقول: “إصدار قانون الأمن الداخلي ومن ثم إنشاء مركز الدفاع الإلكتروني لدليل واضح على مضي السلطات قدما نحو الاستمرار في هذه الانتهاكات وغياب الرغبة إلى الامتثال للمعاهدات الدولية. كما أن استمرار قوانين مثل قانون الجزاء العماني، على ما هو عليه أمر يؤكد كذلك أن الانتهاكات في عنان محمية ومشرعة بالقانون”.
مؤخراً في الحادي والعشرين من سبتمبر 2021، أصدر الادعاء العام في عمان بياناً تداولته وسائل إعلامٍ رسميةٍ ولاقى استهجان كثيرٍ من الناشطين العمانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره بعضهم بأنه يكشف حقيقة تعاطي النظام العماني مع التزاماته الدولية تجاه المعاهدات التي ينظم إليها، إذ لوّح الادعاء العام بالعقوبات القانونية المقررة في قانون الجزاء العماني حول ما أسمته بنشر الإشاعات والإساءة لمؤسسات الدولة.
بيان الادعاء أكّد رصده لنشاط العمانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤكد مزاعم حول رقابة السلطات على مساحات التعبير عن الرأي وممارسة النقد الوحيدة المتاحة أمام المواطنين العمانيين، فيما أكّد بيان الادعاء على محاسبة متداولي ما أسماها بالإشاعات أو من يساعد على نشرها ويروج لها ويحرض عليها بأي شكلٍ من الأشكال.
يجدر الذكر بأن النظام العماني له تجارب مع الاتفاقيات الدولية التي انضم لها سابقاً ولم يحقق فيها تقدماً وتغييراً في قوانينه الداخلية وفق الالتزامات الملقاة على عاتقه كطرفٍ في هذه المعاهدات. في العام 2005 أصدر السلطان العماني مرسوماً بالموافقة على الانضمام لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، انضمت عمان على إثره للاتفاقية، إلا أنه ورغم مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على انضمامها لم يتحقق الكثير من التغييرات في القوانين الداخلية وفق التزامات عمان في المعاهدة.
ما زالت القوانين العمانية تتيح للقاضي في ثغرةٍ قانونية المصادقة على الزواج المبكر إذا ما رأى القاضي مصلحة الفتاة في ذلك، ومع أن النظام الأساسي يقر بمبدأ المساواة بين الجنسين، تشرع القوانين العمانية للكثير من الممارسات والحالات التي تعتبر تمييزاً بحق المرأة.
أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبدًا، رغم ذلك، ما تزال شكوك الناشطين العمانيين حول حقيقة نوايا النظام العماني في تحقيق تغيير في ملف حقوق الإنسان وحقوق المواطن العماني هي القائمة في ظل تقاعس النظام عن الوفاء بالتزاماته الدولية.