تزامناً مع الاحتجاجات على الانقلاب العسكري على الحكومة السودانية، عقد “مواطن كافيه” ندوة حوارية تحت عنوان “السودان: بين الثورة والعسكر”، بمشاركة الدكتور مجدي الجزولي، والكاتب محمد المصطفى، وبإدارة الكاتب في “مواطن” محمد هشام، وذلك في تاريخ 8 نوفمبر 2021 عبر مساحة تويتر الصوتية Twitter Spaces.
وركزت الندوة على مناقشة أسباب الانقلاب العسكري وداعميه الرئيسيين في الداخل والخارج، وحول الآفاق والخيارات السياسية أمام القوى المدنية والشعبية في ظل ما يتداوله الإعلام حول فكرة العودة إلى الوثيقة الدستورية لعام 2019 والشراكة السياسية بين العسكر والقوى المدنية.
ورأى المشاركون أن توقيت الانقلاب لم يكن أمراً مفاجئاً للغاية، إذ تم بدء العمل على تنفيذه منذ بدء العمل في الشراكة السياسية بين العسكر والقوى المدنية في أبريل 2019، وذلك لأن المؤسسة العسكرية كانت في موقع ضعف في ذلك الوقت وكانت بحاجة للتفاوض مع القوى المدنية على تشكيلة جديدة للحكم.
هدف الانقلاب هو إعادة ترتيب البيت الداخلي للمؤسسة العسكرية ونظام الحكم التقليدي وإعادة إنتاج صيغة الحكم التي كانت موجودة تحت حكم الرئيس السابق عمر البشير
وقال زميل معهد الأخدود العظيم الدكتور مجدي الجزولي أن هدف الانقلاب هو إعادة ترتيب البيت الداخلي للمؤسسة العسكرية ونظام الحكم التقليدي وإعادة إنتاج صيغة الحكم التي كانت موجودة تحت حكم الرئيس السابق عمر البشير ولكن بصيغة مختلفة تتوافق مع متطلبات المرحلة، وعناصر النظام القديم يريدون فرض شروط جديدة على القوى المدنية المشاركة معها بحيث يكون للمؤسسة العسكرية كفة القوة.
كما يوجد دور خارجي لبعض القوى الدولية والإقليمية الحليفة مثل الولايات الأمريكية المتحدة والكيان الصهيوني. وفي هذا الصدد، أشار الكاتب السوداني محمد المصطفى أن الجانب الأمريكي يحاول، عبر اتصالات مع حلفائه في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، فتح مسار مفاوضات وحوار بين القوى المدنية التي يترأسها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله الحمدوك وقيادة الانقلاب التي يترأسها الفريق عبدالفتاح البرهان، بهدف دفعهم للعودة إلى الوثيقة الدستورية لعام 2019 والشراكة السياسية بين القوى المدنية والمؤسسة العسكرية لتحافظ على شكل من أشكال الحكم المستقر شبيه بما كانت عليه الأمور قبل 25 أكتوبر يوم الانقلاب لكن بشروط جديدة لا تفسد دور السودان الجديد كحليف لأمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة.
لكن الكاتب محمد المصطفى أكد أن الانقلاب بحاجة إلى أن ينجح داخلياً ويبسط سيطرة قبل أن يحظى بالدعم الإقليمي، وأشار إلى أن ما يميز الانقلاب الأخير هو أنه لم يحظَ بتأييد من بعض الشرائح الشعبية وإنما رُفِض شعبياً بشكل كامل عكس الانقلابات السابقة عبر تاريخ السودان وهو ما يضع قيادة الانقلاب في موقع ضعف على المدى المتوسط والبعيد.
بينما رأى الجزولي أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة، الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات، راضون على الوضع القائم بعد الانقلاب، وقال إن ما يشاع عن محاولاتهم لفتح جسور التواصل بين القوى المدنية والعسكرية ليست تحركات جدية لدعم المرحلة الانتقالية نحو حكم مدني، وإنما تتطلع إلى أن يكون هناك وجهٌ مدني لحكم عسكري حليف للكيان الصهيوني.
مجدي الجزولي: "طوق نجاة قائد الانقلاب، عبدالفتاح البرهان، وبطاقة الضغط الرئيسية التي يحملها لكسب دعم الإقليم هو أنه "رجل إسرائيل الأول في السودان"
وأضاف “طوق نجاة قائد الانقلاب، عبدالفتاح البرهان، وبطاقة الضغط الرئيسية التي يحملها لكسب دعم هذه القوى هو أنه “رجل إسرائيل الأول في السودان” كما وصفه الإعلام الصهيوني.”
أما فيما يتعلق بالجدل الذي أشعل الساحة السودانية حول إمكانية العودة للشراكة السياسية بين المؤسسة العسكرية والأحزاب المدنية وفق الوثيقة الدستورية لعام 2019، إذ يرى شريحة من الشباب السوداني استحالة العودة للشراكة مع المؤسسة العسكرية لعدم وجود الثقة بها بعد تنفيذها الانقلاب، إلا أن الدكتور الجزولي يرى أن الشراكة السياسية لم يكن خطأً سياسياً؛ وقتَها لم تكن موازين القوى تسمح لتشكيل حكم مدني بالكامل في السودان وأضاف أن “التاريخ لا يوجد فيه خطأ وصواب وهناك موازين قوى تحكم قراراتنا”.
وتحدث الجزولي والمصطفى بشكلٍ معمق في القوى الثورية وخصائصها الاجتماعية والجغرافية، وركزا بالتحديد على العلاقة بين السلطة المركزية في العاصمة الخرطوم والريف السوداني وأقاليم الأطراف التي تعاني مع الفقر والاستغلال الاقتصادي والتي شكلت عنصراً مهماً للحركات السياسية عبر تاريخ السودان.
أشار الجزولي أن مجمل صادرات السودان في 2021 بلغت (2) مليار دولار، ونصفها تعود للذهب السوداني الذي يصدر لدولة الإمارات وهو مؤشر لمدى اعتماد السودان على سوق الإمارات وعلاقاتها الاقتصادية معها. مع ذلك، أكد على وجود تناقض بين الريف والمدينة بحكم وجود “علاقة طفيلية” لصالح المدينة، على حد تعبيره.
ومن جانبه، نوه المصطفى أن الريف السوداني طالما كان الأفقر والأكثر عرضة للاستغلال الاقتصادي ودعا القوى الثورية للنظر بجدية إلى الأحوال في الريف وعدم تجاهلها.
"تغيير الحكومة في الخرطوم يتطلب تغيير الحكومة في أبوظبي وتحرر الشعب في السودان يتطلب تحرر الشعب في عمان، وحرية القاهرة من حرية الخرطوم، ونصر بلادنا من نصر فلسطين."
ولتجربة “لجان المقاومة” المنظمة للكثير من فعاليات وأنشطة الثورة الراهنة دورٌ هامٌّ في إحداث التغيير الاجتماعي في الريف حسب رأي الدكتور الجزولي؛ فقال: “الأمل في أن تكون لجان المقاومة جسرًا بين ريف السودان ومدنه وهي تتميز بكونها تنظيمات غير هرمية وديمقراطية قد تحدث تغيراً في شكل تنظيم العمل السياسي والاجتماعي في الريف عبر العمل على القضاء على الإقطاع والاستغلال.”
وأضاف الجزولي في الختام أن “تغيير الحكومة في الخرطوم يتطلب تغيير الحكومة في أبوظبي وتحرر الشعب في السودان يتطلب تحرر الشعب في عمان، وحرية القاهرة من حرية الخرطوم، ونصر بلادنا من نصر فلسطين، نحن أمة بعضها من بعض. الحلف المعادي للثورة مرتبط ببعضه ولذلك لا بد من القوى الثورية أن تتحالف وتنظم نفسها جماعياً.”