النهارده، ماما ماتت. أو يمكن إمبارح، مش عارف. وصلني تلغراف من الدار بيقول: «الوالدة إتوفت. بكرة الدفن. البقية في حياتك». ده كلام مالوش معنى. ويمكن إللي حصل ده يكون حصل إمبارح. - الغريب "ألبير كامو"
إعتدنا على أن اللغة العربية هي لغة الفكر والثقافة والأدب والتدوين، فلا يمكن لنجيب محفوظ الكتابة باللهجة المحلية المصرية وتقدير أعماله أدبيًا، مع أن نفس اللغة تحقق انتشارًا بالأفلام والأغاني في كل أرجاء العالم العربي، واليوم يخرج لنا المترجم المصري هيكتور فهمي، يخبرنا أنه من الممكن للأديب المتمثل في شخصية “محفوظ” أن يكتب مثلما يتحدث عادل إمام في أفلامه ويغني عمرو دياب في أغانيه.
التقت “مواطن” بهيكتور مترجم كتاب الأمير الصغير ورواية الغريب إلى المصرية، لتقترب أكثر من وجهة نظره في الترجمة بالمصرية التي يعتبرها لغة أكثر منها لهجة. فهل يمكن ترجمة الأدب بالمصرية؟ وهل يضيف التدوين بالمصرية للمشهد الثقافي محليًا بالداخل وخارجيًا في أرجاء الإقليم العربي؟
وإيمانا منا بحرية التفكير وإبداء الآراء كما هي دون تجميل أو تحرير، سنعرض لكم إجابات حوارنا بالمصرية كما خرجت من لسان هيكتور لنا.
- إحنا بنكلم مصري في البيت والشارع والتلفزيون، وتروح الأطفال في المدرسة تدرس لغة تانية مش بنكلم بيها.
- أي لغة حصل الكلام بيها الأول بعدين جت الكتابة، بعدين كتابة القواعد. مفيش قواعد اتكتبت قبل الكلام باللغة والكتابة بيها.
- في المنطقة العربية عندنا سينما وأغاني وشعر بالمصرية وكل العرب فاهمين كلامنا.
- عن نفسي كنت بلاقي صعوبة في فهم الترجمات العربية وتذوقها، لأن اللغة العربية المستخدمة في التدوين غير مستخدمة في حياتنا كقراء.
- في رواية الغريب حاولنا نقدم رسالة، أنه ممكن تقديم أفكار كبيرة باللغة المصرية، كمان اللغة المصرية كون أنها لغة حية ومستخدمة، وغير مقدسة ده بيحميها من التعقيد والفزلكة
ذكرت أن ترجمتك لرواية الغريب ترجمة إلى الفصحى المصرية، فما الفارق بين العامية والفصحى المصرية من وجهة نظرك؟
الفصحى مستوى خطاب النخبة والمثقفين والسياسيين. و العامية لغة الشارع، وكده كده مفيش فصحى عربية، اللغة المستخدمة في الكتابة “العربية” لغة تم تبسيطها. عشان يفهمها الناس بنفس قواعد اللغة العربية اللي بيسموها لغة الصحافة “لغة بيضا”. ونفس التقسيم موجود في كل لغات العالم، مستوى فصيح ومستوى عامي. مثلا:
- الفصحى المصرية: من فضلك أديني القلم ده.
- العامية المصرية: ما تجيب القلم ده يا أسطى.
- اللغة العربية: من فضلك، أعطني هذا القلم.
وترجمة كامو تستدعي فصحى مصرية بحكم طابعها الأدبي عمق الأفكار اللي فيها.
"الفرق بين اللهجة واللغة قرار سياسي، فمفيش مشكلة أما نقول على المصرية لغة مش لهجة لأنها لغة"
ما هدفك من التدوين والترجمة باللغة المصرية -حسب وصفك-؟
لو فكرنا في الفايدة مكنش حد عمل أي حاجة، وكل واحد يعمل اللي هوا عاوزه، اللغة العربية لها أربع ترجمات للغريب، لكن أما جيت أترجمها اتهاجمت واتقالي أنت بترجمتها تاني ليه؟ “عشان مصري”. بعض الناس متقبلتش الفكرة. لكن أن هدفي اترجم عشان المصريين يقروا الأدب العالمي بلغتهم اللي بيكلموا بيها.
غير أن الكتابة بالمصري تفيد العربي مش تضره، لو شخص ضعيف في العربية، بيكتب بمستوى سيء مع أن نفس الشخص لو كتب بالمصري هيكتب أفضل. وبكده يبقى عندنا إنتاج أفضل بالعربية للناس اللي بتجيدها، وإنتاج مصري للناس المميزة فيه، وبدل ما تبقى الثقافة محصورة “في اللغة العربية” نوسع المجال بقراء وكٌتاب اللغة المصرية.
خد بالك أن في مشكلة في ازدواجية اللغة عندنا. إحنا بنكلم مصري في البيت والشارع والتلفزيون، وتروح الأطفال في المدرسة تدرس لغة تانية مش بنكلم بيها، وبكدا يبقى امتحان الحساب نفسه امتحان لغة وحساب وامتحان التاريخ امتحان لغة وتاريخ، لأن العربي مش لغتنا اليومية.
الأدب الكلاسيكي "مقدس" واللغة العربية "مقدسة" وأنا جيت ضربت في المقدسات وكمان سميت المصرية لغة كان طبيعي أتقابل بحملة رفض كبيرة.
لماذا رواية الغريب لألبير كامو ما دافعك من هذه الترجمة؟ كيف جاءت الفكرة؟
دار النشر طلبت مني ترجمة جديدة للأطفال، بعد ترجمة الأمير الصغير، فطلبت منهم نقدم ترجمة للكبار، وتم اختيار رواية الغريب، وكان فيه قلق من النشر وتقديم ترجمة لعمل بالحجم ده. بلغتهم لو الترجمة مش حلوة مش لازم تتنشر، وبعد ترجمة الجزء الأول من الرواية عرضتها، على الدار وبقى فيه حماس كبير لنشرها.
اقرأ أيضا: أسطورة سيزيف.. هل تستحق الحياة أن تعاش؟
هل من السهل الاعتماد في الترجمة والكتابة على لهجة أو لغة غير معجمية كالمصرية؟
أولا أي لغة حصل الكلام بيها الأول بعدين جت الكتابة، بعدين كتابة القواعد. مفيش قواعد اتكتبت قبل الكلام باللغة والكتابة بيها.
"استخدامنا اليومي اللغة المصرية بيخلينا مش في حاجة لقواعد. وفيه كتب عن قواعد اللغة المصرية. والجامعة الأمريكية في مصر وبعض الجامعات التانية بتدرس اللغة المصرية للأجانب"
حتى كتاب الأمير الصغير حقق مبيعات بين الأجانب اللي بتدرس اللغة المصرية.
المشكلة الحقيقية في التدوين نفسه لأن مفيش مراجع مكتوبة، وساعدني عدد المقربين زي أستاذة منار. كنا بنعتمد على التجربة، والتذوق للكلام. وأتمنى أبقى سبت مرجع لكتاب بعدي.
هل اللجوء إلى الكتابة باللغة المصرية “المحلية” يعيق الوحدة العربية حسب ادعاء طه حسين، أنها لن تخاطب إلا عوام المصريين؟
"طه حسين آرائه المتأخرة جت في سياق القومية العربية، وأعتقد أن طه حسين كان غلطان، أنه يشوف أن اللغة اللي بتكلم بيها متستحقش نكتب بيها"
وفكرة الانغلاق أسطورة لأن الأمير الصغير أكتر مبيعات نسخ كانت مكتبات بتبيع كتب للأجانب. الأجانب اللي عاوزة تخاطب المنطقة العربية بتهتم تدرس مصري. والأمير الصغير حققت مبيعات كويسة في بعض الدول عشان الأطفال تتعلم بيه لغة بلادها. مثلا الطفل مش محتاج يتعلم عربي مش هيكلم حد بيه.
في المنطقة العربية عندنا سينما وأغاني وشعر بالمصرية وكل العرب فاهمين كلامنا. والمصرية منتشرة حتى ما بين الأجانب المتهمين بالشأن المصري، والمصريين اللي حابين ولادهم يتعلموا مصري.
والأفضل أننا نكتب بلغة معروفة لينا ومعروفة للشعوب اللي جنبنا، هل فرنسا لما تتكلم وتكتب وتترجم فرنساوي هي كده بنتغلق؟
ما رأيك في الكتابة بالمصرية كقارئ. وهل تشعر أنها نوع من الاستسهال؟ أو أنها لغة الأنفلونسرز لا الكُتّاب؟
كل اللغات من الممكن التعبير بها بأكتر من شكل، ولو كان التعبير جيد، أو سيئ ده يرجع إلى الشخص مش اللغة نفسها.
"من الممكن الكتابة بعامية صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم أو عامية أنفلونسر بيكتب يومياته"
عن نفسي كنت بلاقي صعوبة في فهم الترجمات العربية وتذوقها، لأن اللغة العربية المستخدمة في التدوين غير مستخدمة في حياتنا كقراء، حتى المترجم نفسه بيتعامل معاها كلغة وسيطة، وفكرت أن الأسهل ديما أما القراية باللغة الأصلية أو الترجمة بالمصرية عشان يبقى الكلام سهل وواضح في فهمه وتفسيره.
هل تعد اللغة العربية ترجمة لما يتحدث به المصريون؟ بما أنها ليست أصيلة في التعبير وغير مستخدمة بالواقع اليومي من وجهك نظرك؟
أي لغة أجنبية بنكلمها هي عبارة عن ترجمة، ومع الوقت ممكن التفكير بيها والكتابة يبقوا ساهلين، لكن في النهاية مش ممكن نقدر نكلم باللغة العربية مدة ساعتين تلاتة. وده بيخرج أجيال فاكرة أنها غير قادرة على الإبداع بلغتها مع اللغة العربية مش لغتنا أصلا.
أكبر سرقة وغسيل دماغ حصل أن حتى اللغة المصرية، ميتقالش عنها مصرية، لأ يتقال عامية، ومع كدا كلنا بنبقى عارفين، طالما أتقال عامية، فالمقصود هو اللغة المصرية.
الترجمات الفلسفية دائما ما يصعب عليها نقل المصطلحات إلى العربية بدقة، مثلا كلمة ديالكتيك كانت تترجم في البداية عراكا ثم جدلا.. ونجدك تذهب لترجمة رواية فلسفية بالمصرية، في وجهة نظرك أيهما (العربية أم المصرية) ينقل الفكر والمعنى بشكل أدق؟
أعتقد التحدي مختلف بين اللغة المصرية واللغة العربية في الترجمة، في النهاية المترجم العربي بيحاول يثبت مدى إتقانه اللغة، ممكن جدا يعقد الكلام، بيقى فيه إضافات مش موجودة في النص الأصلي أصلا.
أما مشكلة المصرية ممكن تبقى رغبة البعد عن العربية تماما أو محاولة القطيعة معاها، مثلا عند ترجمة شكسبير باللغة المصرية هيحتاج ضبط بعض الكلمات باللجوء إلى العربية.
في رواية الغريب حاولنا نقدم رسالة، أنه ممكن تقديم أفكار كبيرة باللغة المصرية، كمان اللغة المصرية كون أنها لغة حية ومستخدمة، وغير مقدسة ده بيحميها من التعقيد والفزلكة، وخد بالك أن نهاردة مثلا بيتم ترجمة أعمال شكسبير إلى الإنجليزية. كمان الكتاب في اليونان بيكتبوا بجماليات ومصطلحات العصر الحالي بعيدًا عن الإلياذة.
"العرب اللي بيكلموا اللغة العربية مبقوش موجودين، ويمكن العربية الحالية عربية الخليج. لكن حتى برضو في الخليج مش بيكلموا العربي اللي في الكتب"
هل تنصح قراء الرواية بالاطلاع على ترجمتك، هل تعتقد أنها تقدم جديدًا؟
أي ترجمة تقدم إضافة من خلال وجود روح المترجم في نقل النص للقارئ. عن نفسي قريت الغريب بالفرنسية والإنجليزية والعربية عشان أقارن. وواحدة من الترجمات العربي تقريبا من جوجل حرفيا، وفي ترجمات تانية جيدة ملتزمة لحد ما، كل الترجمات العربي مترجمة “mamo” أمي، في الترجمة الانجليزي احتفظوا بكلمة “mamo”. وأنا احتفظت بكلمة Monsieur/مسيو بسبب اختلاف الاستخدام بينا، وشايف أن تفوقت في ترجمتي على كل الترجمات العربية التانية، وأشجع الجميع بقراءة كل الترجمات، الموضوع مش منافسة.
هل كانت هناك صعوبات في ترجمتك للمصرية؟
كانت الترجمة صعبة جدا ومعقدة، هكلم عن ترجمتي الأولى كتاب “الأمير الصغير” عشان محرقش رواية الغريب يعني حابب الناس تقراها أكتر ما أكلم عنها، في الأمير الصغير كان عندي كلمة الغابات العذراء، ترجمها الغابات اللي محدش زارها قبل كده. كان فيه برضو كلمة راجل العمود فترجمتها الراجل اللي بينور العمود. لأن في بعض المفاهيم مش موجودة في لغتنا وكمترجم بلجأ لفكرة الترجمة من خلال شرح المعنى أحيانا.
برضو كلمة ترويض. التعلب مثلا بيطلب من الأمير يقولو روضني فاستعرتها زي ما هي من اللغة العربية، أنا مش متطرف للمصرية.. واستخدمت في ترجمتي “المصرية الفصحى” اللغة الرسمية أكتر ومكنش عندي أي مشاكل في استخدام كلمات ومصطلحات اللغة العربية، واستعارتها لضبط بعض المعاني.