في مطلع أكتوبر الماضي انتشر مقطع فيديو مسجل لسيدة تظهر في وضع مخل على أحد الطرق بمدينة المنصورة، شمال مصر، وتبين بعد ذلك أنها أستاذة جامعية، تدعى إسراء السعيد، ذهبت مع شقيقها الأصغر لإنهاء إجراءات قانونية بالشهر العقاري حتى تستلم ميراثها.
كانت إسراء برفقة أخيها وصديقه، وخلال عودتهم من الشهر العقاري أوقف الأخ سيارته على جانب الطريق بحجة قضاء الحاجة، لكنها فوجئت بتهجمه عليها برفقة صديقه، قيداها من يديها ووضعا على فمها لاصقًا طبيًا، ثم طلب منها الأخ أن توقع على عقد تنازل عن ميراثها له فرفضت وحاولت الهروب لكنها لم تتمكن. نزع الأخ ملابسها الداخلية ليسهّل على صديقه اغتصابها وتصويرها عارية لاستخدام الفيديو الجنسي في ابتزازها لاحقا وإجبارها على التنازل عن ميراثها. حاولت الهرب من السيارة فلاحظ المارة مهاولتها في الهروب فسارعوا لإنقاذها.
ليست تلك القصة شاذة ووحيدة عمّا تتعرض له النساء من ظلم وانتهاك لهن ولحقوقهن، الكثير من النساء المصريات، خاصة في صعيد مصر ودلتا النيل تعرضن لهضم حقوقهن في الميراث بحجة العرف والتقاليد، والحٌجة الجاهزة هي عدم رغبة العائلة تفتيت الميراث خاصة الأراضي الزراعية بانتقال ملكيتها خارج العائلة.
القتل طمعا في الميراث
السيدة “ح . ع” 55 عامًا، تقيم بمحافظة المنيا في صعيد مصر،وقّعت في غياب ابنها الأكبر على عقد تسوية ميراثها من زوجها الراحل، العقد الذي قدمه لها رجال العائلة، ليفاجأ الابن بعد خروجه من السجن، والذي كان محتجزا فيه لأسباب مالية، أن والدته الأمّية تعرضت لخديعة ابنها الأصغر وأخيها الأكبر للاستيلاء على حقها في الميراث.
في تصريحات خاصة لمواطن تقول “ح. ع “: “لما عاتبته على اللي عمله ضربني وطردني من البيت”، حاول الابن الأصغر إسكات أمه التي تعاتبه بغضب، مستخدمًا أسطوانة الغاز، التي شعرت وكأنه يحاول قتلها حتى صرخت لينقذها الجيران من بين يديه، لم تجد أمامها إلا الشرطة لتستنجد بهم حتى يردوا لها حقها: “عملت له محضر في القسم واتحكم عليه بشهر حبس عشان ضربني”.
لم يكتف الأبناء بهضم حق أمهم بل رفضوا إعطاء أخواتهم الإناث الثلاث حقوقهن في الميراث، بحجة أن تركة أبيهم لا يجوز أن تصل لأزواج الإناث الثلاثة. لازالت ” ح. ع” تحارب حتى الآن من أجل استلام حقها وحق بناتها في ميراثهن من أبيهن، بين محاولات الإخوة الذكور في أكل حقوقهن فقط لأنهن إناث.
ليس للذكر مثل حظ الأنثيين
فوجئت “سعاد” 52 عامًا، والتي تقيم في محافظة المنيا، أن إخوتها الذكور قاموا بتقسيم منزل والدها الذي يقدر سعره 300 ألف جنيه دون ذكر حق لها،أو حضورها، تعجب ابن أخيها المتوفى من عدم إعطائها حقها في الميراث فسألهم قائلًا: “أمال فين حق عمتي” قالوا له: “ملكش دعوة احنا مش هنديها”.
تقول سعاد، في تصريحات خاصة لمواطن: إنها تعيش في بيت زوجها حياة كريمة ولم تكن في انتظار أخذ نصيبها الشرعي من تركة والدها، لكنها تعيب موقف إخوتها وتصرفهم الذي ترى أنه كان غير منتظر منهم، وتعلق قائلة: ” أنا كان نفسي بس يحضروني ويعتبروني موجودة وأنا كنت هتنازل لهم عن حقي، مكنتش عاوزة حاجة من بيت أبويا بس على الأقل يقدروني”.
لم تفكر سعاد، في اللجوء إلى القضاء لأخذ نصيبها من تركة والدها، وإجبار أخويها على دفع حقها لها بالقانون، إذ تعتبر ذلك تصرفاً معيبًا لها ولاسم عائلتها، كما أنها تخاف أن يصمها الناس بالعار من طلب حقها الشرعي والقانوني في الميراث: “الناس تاكل وشي وتقولي شكوتي اخواتك عشان الفلوس”.
تحكي “م . ن” 30 عامًا، وتقيم بمحافظة المنيا أيضًا في تصريحات خاصة لمواطن، أن زوجها تعرض لضائقة مادية ولجأ إلى جميع الأقارب كي يساعدوه في تخطي هذه الأزمة، لكن محاولاته باءت بالفشل، قررت هي أن تطلب حقها في ميراث والدها المتوفي من عمها الذي تزوج والدتها بعد وفاة أخيه، رغبة في مساعدة زوجها في عبور أزمته، لكن عمها غضب غضبًا شديدًا وحاول المماطلة في تسليمها حقها، فرفعت دعوى قضائية ضده حتى تأخذ حقها، مما ترتب عليه أن استلمت نصيبها في الميراث، لكن عمها وأخوتها وأمها قطعوا حبال التواصل معها ورفضوا استقبالها في بيتهم مرة أخرى.
السجن والحرق طمعا في الميراث
تعرضت إسراء لتجربة مرعبة لم تتوقع حدوثها، لكنه ليست أصعب مما تعرضت له السيدة فادية إسماعيل، 56 عامًا، التي تقيم الآن في قرية تلا، بمحافظة المنيا بصعيد مصر، إذ عاشت حبيسة في حجرة صغيرة لمدة 22 عامًا لا يعلم عنها أحد شيئًا، وكل ذلك من أجل الاستيلاء على حقها في الميراث. ثم أخذها من حجرة منزله إلى حجرة أخرى خارج بيته أشد قسوة، لا تصلح للعيش أو البقاء فيها لتصبح حبيسة من جديد، لكن هذه المرة لم يستمر الحبس طويلا؛ فقد قام الجيران بتقديم بلاغ رسمي ضد أخيها خلف إسماعيل، بعد 11 شهرًا.
استقبلت السيدة فادية، بعد انتشار قصتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عروضًا لحياة أفضل من قبل المجلس القومي للمرأة ودور الرعاية الاجتماعية، وغيرهم، لكنها رفضت أن تغادر الحجرة الضيقة التي تعيش فيها، بعد أن فقدت الثقة الكاملة في الناس لما صدر من أخيها، وخيل إليها أن جميع الناس بلا رحمة.
قصه أخري عن ظلم تعرضت له امرأة في محافظة الدقهلية بشمال مصر فقد قاد الطمع أخًا إلى إشعال النار في جسد أخته العروس قبل زفافها بأسبوعين كي يستولي على ميراثها. يقول شهود العيان إن الحادث وقع في الساعة الثامنة صباحا عندما قام المتهم بأخذ عبوة بنزين، وسكب نصفها على أخته ثم أشعل فيها النار، بعد ذلك انتقل إلى الشقة التي تعيش فيها الأخت مع أمها وأحرق منقولات الزواج “جهاز العروسة”. ظلت النيران تأكل في جسد الفتاة لمدة 15 دقيقة متواصلة، وحينما طلبت زوجته منه المفتاح لكي تنقذها رفض وقال لها: “أنا عاوزها تتفحم”. عبارات صادمة وأفعال أكثر صدمة، لكن كيف تغير الناس هكذا وأصبحوا وحوشًا مفترسة في هيئة بشر؟
الشرع يرفض الأعراف الظالمة
اتصل أحد الأشخاص يسأل أحد رجال الدين الإسلامي في برنامج تلفزيوني، وأخبره إن والده كتب كل تركته لأولاده الذكور فقط، وحرم جميع بناته، فماذا يفعل هذا الابن وكيف يتصرف؟
كانت إجابة الشيخ أن الأب وقع منه ظلم على بناته ويجب على الذكور رفع هذا الظلم عنهن وأن يردوا لكل واحدة منهن حقها من تركة هذا الأب. بعض الآباء أو الذكور على وجه التحديد يعتبرون أن إنجاب الإناث عارًا كبيرًا، فيتخلصون من هذا العار بالزواج، ويعتبرون أن الفتاة لطالما أكلت وشربت في بيت أبيها ثم تزوجت سقط عنها كل منح الأب حتى الميراث، ولا يجوز أن تأخذ من مال أبيه وتعطي زوجها أو أبناءها، رغم أن هذا حق لها كلفته لها الدساتير السماوية والدساتير الأرضية، فلماذا يخرج البعض على قانون الله ويطلبون منه الجنة والنعيم؟
أسمع كثيرًا أصواتًا نسائية تدعو للمطالبة بالمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى خاصة في مصر، بعد أن نجحت تونس في تطبيق هذا القانون، وإنني أضحك من شدة اليأس عندما أقابل مثل هذه الدعوات، فهذا يقتل أخته وهذا يهتك عرضها، وابن يضرب أمه، وأم تقاطع ابنتها حينما قررت أن تطلب حقها في الميراث الذي كفله لها القانون والشرع. فماذا يفعل بنا هؤلاء إن قررت الحكومة أن تصدر قانونًا يساوي بين الذكور والإناث في المواريث؟