في 20 شباط/ فبراير 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدء الحرب على أوكرانيا، ما كان له بعض التداعيات في العديد من المناطق، على رأسها الشمال السوري، الذي كانت موسكو تشن فيه غارات جوية عسكرية، ضد تنظيم داعش الإرهابي.
فرصة داعش للصحوة
وحاليا يستغل داعش غياب الضربات الجوية الروسية في سماء سوريا؛ نظرا لانشغال موسكو بالحرب على أوكرانيا، في تكثيف عملياته ضد الجيش السوري والعسكريين، ونجح بالفعل في إسقاط العديد منهم خلال الفترة الأخيرة، عبر هجمات متفرقة، خاصة في البادية بين محافظتي دير الزور والحسكة.
ومن المحتمل إذا استمرت الحرب الروسية الأوكرانية، وتدهورت قدرات روسيا في مكافحة تنظيم داعش، بسبب التحول الكبير نحو كييف، أن تتعزز قدرة التنظيم الإرهابي في البادية (أي المنطقة الصحراوية الوسطى في سوريا)، خاصة أنه لن ينسى هزيمته وخسارة معاقله الأساسية في دمشق وبغداد منذ أواخر عام 2017، ويسعى من آن لآخر لإثبات وجوده، وقدرته على العودة والظهور بالقوة ذاتها مجددًا.
اعتاد التنظيم الإرهابي دائما على استغلال الأزمات في استعادة رونقه، وإثبات بقائه وقدرته على مواصلة الصمود والعمليات الإرهابية، خاصة إذا كان ذلك بعد هزيمة فادحة لحقت به، وهو ما يعيشه حاليا؛ إذ يعاني حالة من التخبط، بعد مقتل زعيمه السابق، أبو إبراهيم الهاشمي، في غارة أمريكية، شباط/فبراير الماضي، ولا مجال للشك أن الحرب الروسية الأوكرانية، خففت الضغط العسكري والاستخباراتي عن داعش، ما جعله يتنفس الصعداء، ليجد لنفسه مقرات جديدة أو موطئ قدم حديث، بالإضافة إلى تثبيت نفوس أتباعه.
فرصة داعش لإنقاذ عناصره من "مراكز الاحتجاز"
ويعد الشيء الأبرز والأهم بالنسبة لتنظيم داعش في هذه الأزمة، مراكز الاحتجاز ومخيمات النزوح في شمال شرقي سوريا، الخاضعة لسيطرة الأكراد؛ خاصة أنه حاول مرارًا اقتحامها لإخراج عناصره المحتجزين بداخلها، الذين يقدرون بالآلاف، وربما يسمح انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية، وهدوء الضربات الجوية، في بدء التخطيط إلى ذلك، خلال الفترة المقبلة.
وتمثل “مراكز الاحتجاز” صداعًا في رأس التنظيم، ولا يتوانى من آن لآخر في تحفيز أتباعه لإخراج من يسمون بـ”إخوانهم” من هذه المقرات، وهو ما استجابوا له مؤخرًا، وتحديدًا في كانون الثاني/يناير الماضي، عندما هاجموا سجن غوريان، الذي يضم الآلاف من المقاتلين، وتمكن الكثير من الهروب.
وتأتي أهمية اقتحام السجون، كونها تحوي آلاف المقاتلين الأجانب، ويمكن بالطبع الاستفادة بخدماتهم في دعم التنظيم داخل سوريا ضد قوات النظام والأكراد، أو في محاولة تجهيزهم للتسلل مرة أخرى إلى موسكو، لإيجاد موطئ قدم للتنظيم في أوروبا.
إلى جانب ذلك، كعادتها هي الحرب تخلف آلاف اللاجئين، وهي الفرصة التي لا يمررها التنظيم الإرهابي دون استغلالها، فقد يعمل على استقطاب الفارين الأوكرانيين من الحرب الروسية، ومحاولة إدخالهم إلى سوريا أو أي من المناطق التابعة له، وتجهيزهم بدعوى الثأر من “بوتين”، أو الإبقاء عليهم في كييف، في ظل مخاوف من تحولها إلى بؤرة للتنظيم المتطرف في قلب القارة العجوز.
كما أن العداء لـ”بوتين” جراء الحرب، قد يدفع العديد من الساخطين، روسيين أو غيرهم، إلى الانخراط في صفوف التنظيم، والدخول في تحت ولائه ومبايعته.
الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة
وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة أيضًا، فربما إذا استشعرت خطر استفاقة التنظيم الإرهابي في سوريا، ربما تعيد النظر في حساباتها واستراتيجيتها بشأن مكافحته، خاصة أن التنظيم شن هجمات متعددة منذ انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية على الأكراد وما اعتبرهم “جواسيس أمريكيين”، بحسب ما جاء في أعداد صحيفة النبأ الناطقة باسم داعش.
هذه الهجمات قد يكون لها بالغ الأثر على المدى الطويل، خاصة بشأن مقرات الاحتجاز، فإذا تمكن عناصر داعش من الفرار، سيمنحه قوة في محاربة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، للتحكم في النفط السوري، الذي يخضع لسيطرة الأكراد، برعاية من الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن رغم المخاوف من صحوة تنظيم داعش ضد الأكراد (أصدقاء الولايات المتحدة)، ترى الاستخبارات الروسية أن أمريكا تعمل على تدريب عناصر التنظيم في سوريا، داخل قاعدة “التنف” التي تحتلها، ومن ثم تدفع بهم إلى دونباس، شرق أوكرانيا، لمواصلة الحرب ضد موسكو.
وإذا كانت رؤية الاستخبارات الروسية صحيحة، فإن ذلك يعد تأكيدًا على ما ذكر آنفا، بشأن منح الفرصة لتنظيم داعش للتواجد مجددًا في القارة الأوروبية، وشن هجمات مكثفة، أو خفيفة عبر ما يعرف بـ”الذئاب المنفردة”.
موقف تركيا من الصراع في سوريا
في الآونة الأخيرة، صدرت تحقيقات وتقارير دولية عدة، أشارت إلى روابط متعددة بين تنظيم داعش وتركيا، تقضي بتسهيل انتقال عناصر التنظيم إلى دمشق، عبر بوابة الشمال السوري، وتسهيل بيع النفط الذي يتحكم فيه التنظيم، مقابل إغداق الأموال على أنقرة.
ويتبين من ذلك أنه في حالة استطاع داعش مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية قسد (الأكراد)، والتحكم في موارد النفط، فإنه حتما وفقا للتقارير، سيلجأ إلى التقارب مع تركيا، من أجل بيعه وزيادة موارده المالية لدعم أتباعه.
ويأتي ذلك بالتزامن مع “غزوة الشيخين”، التي أعلن تنظيم داعش عنها مؤخرًا، ثأرًا لمقتل زعيميه السابقين “أبو بكر البغدادي، وأبو إبراهيم الهاشمي”، وربما سيؤتي ذلك بثماره في زيادة عدد الهجمات بجميع المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وهو الذي بدأ يظهر جليًا بالفعل؛ إذ إنه وفقا لأعداد صحيفة النبأ الأخيرة، وصل العدد إلى ( 85 ) في جميع الولايات، منها استهداف عسكريين وأكراد في سوريا.
وقد يبدو واضحا أنه في حالة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وانشغال موسكو بهذا الأمر عما عداه، سيعزز هذا من فرص تنظيم داعش للتواجد والصحوة في الشمال السوري، الذي امتلأت سماؤه في الوقت السابق بالغارات الجوية، أما الآن فأتيحت الفرصة لعناصره في التحرك بسهولة، إلى جانب احتمالية الصحوة في أوروبا من بوابة كييف.