عرضت قناة الجزيرة فيلمًا وثائقيًا عام 2014، باسم: “الصندوق الأسود” الزواج السياحي في مصر، يظهر فيه رجل قادم من إحدى دول الخليج من أجل الزواج في مصر، ويذهب إلى سمسار الزواج، ويتفق معه على تكلفة الزيجة ومواصفات الزوجة التي ستقضي معه فترة إجازته.
خُدعت إحدى الفتيات من الزوج الخليجي الذي عرض عليها بواسطة صديقتها، وبعد أن سافرت إلى بلده وجدته متزوجا من اثنتين أخريين غيرها، وخدعت أخرى بعد أن حصلت على زوج خليجي بواسطة سمسار زواج، وذهبت إلى بلده لتجد نفسها تعيش في غرفة ضيقة، مع معاملة سيئة وتعنيف وضرب وحبس، وثالثة هربت للسفارة المصرية بعد أن وجدت نفسها تعمل خادمة للزوجات الأخريات.
“النساء والفتيات الراغبات في الحصول على المال يقبلن إلى الحوامدية من مختلف المحافظات والمدن المجاورة، ثم يبحثن عن السماسرة المقيمين هناك، ويعرضن على خلايجة أثرياء بغرض زواج المدة. بحسب شهادة من أحد أهالي المنطقة لـ مواطن. ليست الحوامدية وحدها بؤرة الزواج السياحي في مصر؛ فهناك عدة قرى أخرى تتشابه معها في نفس ظروف الفقر والجهل والطابع الريفي.
الزواج السياحي وأسبابه
ربما يلعب عامل التقارب الثقافي في إزالة حواجز إقامة العلاقات بين الرجال من الخليج والنساء المصريات، كذلك السينما لعبت دورًا آخر في رسم صورة المرأة المصرية المثيرة الجذابة، وربما قلة التكاليف المالية التي يدفعها الرجل مقابل هذه العلاقة تلعب دورًا أساسيًا في علاقات الزواج السياحي.
يؤكد لـ “مواطن” أبو مسعود العتيبي، باحث سعودي في العلوم الإنسانية، “أن حديثي النعمة؛ سواء في الخليج أو أي قطر عربي تصرفاتهم مرتبطة بغرائزهم، منهم من يذهب للزواج من القاصرات ومنهم من ينغمس في المخدرات والمقامرة”. ثم يتطرق العتيبي إلى استغلال بعض الخلايجة حاجة الناس وفقرهم لتنفيذ رغباتهم، بل ويعتبر ذلك جريمة حين يتم مساومة البعض على الموافقات الدنيئة ومنها “الزواج السياحي”.
كما قدم مركز “عيون” للدراسات وتنمية حقوق الإنسان، دراسة تؤكد أن السبب الرئيسي الذي يدفع الآباء إلى تزويج بناتهن في ضوء نظام الزواج السياحي هو الفقر الشديد، فنسبة كبيرة من هؤلاء الآباء لا يعملون من الأساس، وأشارت الدراسة إلى مدة الزواج السياحي تبدأ من أسبوعين وقد تصل إلى شهرين.
الزواج السياحي ومساوئه
بعض الأهالي يستقبلون سمسار الزواج السياحي في بيوتهم من أجل إتمام الاتفاق، وكان يتم أحيانًا تقديم فتاتين بسعر فتاة واحدة، إذ يقدم الأب الأولى في إطار المبلغ المتفق عليه والثانية هدية له. بحسب شهادة خاصة لـ مواطن من مصدر شهد وقائع زواج سياحي.
نشرت وحدة منع الاتجار بالبشر “النساء والأطفال” دراسة بحثية حول الزواج السياحي في مصر، أكدت خلالها أن سن الفتيات اللائي يتزوجن زواجًا سياحيًا وأعمارهن اثنا عشر عامًا، يقدر عددهن بنسبة 67%، والفتيات اللائي أعمارهن ثمانية عشر عامًا نسبتهن 33%، من إجمالي عينة الدراسة، ومن بينهن من تزوجت ثلاث مرات زواجًا سياحيًا، وبموجب الاتفاق السابق بين السمسار والرجل الخليجي، فإن المرأة بعد انقضاء مدة الزواج لا يدفع لها أي نفقات مالية، كما اعتبرت الدراسة أن الزواج السياحي، أحد أشكال الاتجار بالبشر.
في عام 2010م، قدمت الباحثة والناشطة الحقوقية عزة الجزار، دراسة بحثية بعنوان “العبودية المعاصرة” تناولت خلالها إشكالية الزواج السياحي في مصر، بعد أن اختبرت نتائج الدراسة على عدد (200) سيدة مررن بتجربة الزواج السياحي، وأكدت الدراسة أن هذا النوع من العلاقات نتج عنه انتشار أمراض جنسية، منها مرض الزهري، وفيروس التهاب الكبدي الوبائي، وكشفت الدراسة وجود حالات لأطفال مجهولي النسب. كذلك عرضت الدراسة الأثر النفسي السيئ على الفتاة التي تمر بتجربة الزواج السياحي، واللاتي يصيبهن للاضطرابات النفسية المؤلمة بسبب تكرار التجربة.
يشير تقرير نشرته جريدة الرياض السعودية عام 2009م، بعنوان “الزواج السياحي خيانة للمرأة ووليها” اعتبرت فيه أن الزواج السياحي يمثل خيانة كبيرة من قبل الرجل للمرأة التي يتزوجها؛ خاصة أنه يبيت النية على الطلاق دون أن يخبرها بعد انقضاء فترة إجازته الصيفية، بل قدم التقرير الزواج السياحي على أنه من صور الفجور؛ أي كعلاقة غير شرعية لعدم تحقق مقاصد الزواج الشرعي بها.
يعلق الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر لـ مواطن “أن الزواج المؤقت باطل قولاً واحدًا، وأدلة تحريمه هي أدلة تحريم نكاح المتعة” وهذا يعني أن الزواج السياحي لا يجوز شرعًا وإن كان يتم بشكل قانوني.
بينما يضيف المحامي المصري مايكل رؤوف لـ “مواطن”، وهو عضو مركز النديم، لمناهضة العنف والتعذيب: “لا يمكننا بأي حال أن نصف هذا النوع من العلاقات بأنه علاقة زوجية، والأطراف التي تجمع بينهما هذه العلاقة المحددة زمنيًا يسمونها زواجًا مؤقتًا بهدف إضفاء شرعية لهذه العلاقة التي تتساوى كليًا مع الدعارة”.
“هذا الزواج في ظاهره زواج صحيح، ويتم بشكل قانوني لكنه في الباطن هو اتجار بالبشر خاصة أنه ينتشر بين الفتيات الصغيرات والنساء المهمشات وضحايا العنف الأسري”. تؤكد لـ “مواطن” وفاء علوان،محامية مصرية وعضو مجلس حقوق الإنسان.
تضيف علوان: “الحل الوحيد أمام هذه الظاهرة أن يتم تشريع قوانين مشددة تضمن للمرأة المصرية المتزوجة بأجنبي حقوقها كاملة”.إذ تعد ظاهرة الزواج السياحي إهانة للمرأة المصرية إذ تبيع نفسها أو يبيعها أهلها مقابل، ويستوجب على الحكومة المصرية أن تحصل على الضمانات الكافية عند زواج المصرية من أجنبي، التي تكفل لها جميع حقوقها، وحتى لا تصبح الفتيات الصغيرات والنساء الففقيرات مرتعا للأوبئة، والاستغلال الجنسي والوقوع تحت ممارسات الاتجار بالبشر.
الزواج بين رجال الخليج ونساء مصر ليس كله شر
على الجانب الآخر يرى البعض أن هناك زيجات نجحت واستمرت، وأن الزواج الواقع بين المصريات ورجال من الخليج ليس كله شرًا، يقول أبو عبد الله النيادي، مواطن إماراتي إنه شهد على زيجات مصريات من الإماراتيين، زواجًا مكتمل الأركان وليس سياحيًا، وأن هذه الزيجات بدأت في التناقص بعد أن بدأت الحكومة الإماراتية تقدم منح مالية للشباب الإماراتيين عند الزواج من فتيات الإمارات مع بداية الألفية الثانية”. يضيف فيصل العماري، مواطن سعودي، “أنا من عشاق مصر، وليا اثنين من أبناء عمومتي متزوجين من مصريات وحياتهم مستقرة وسعداء وأتمنى الزواج من مصرية”
ليست مصر وحدها قبلة الزواج السياحي لرجال الخليج
تعتبر اليمن واحدة، من الدول العربية التي تشهد حالات زواج سياحي، والذي يبدأ موسمه خلال فصل الصيف، يعلق إبراهيم الشعبي، صحافي يمني “أن الوافدين إلى اليمن يستدرجون الفتيات الصغيرات ويدفعونهن إلى قبول الزواج السياحي، الذي لا يتعلق بالفقر وحده؛ بل سببه الرئيسي هو قدرة السائح العربي داخل اليمن على خداع تلك الصغيرات وخداع أولياء أمورهن، ثم ينتهي هذا الزواج بالعديد من المشكلات الأسرية؛ على رأسها امرأة بدون عقد طلاق رسمي وبدون حقوق وبدون نفقة، بعد أن تعيش الفتاة في وهم العيش الرغد والحياة الكريمة والخروج من ظلام الفقر.
أطفال منسيون وعلاقات دون زواج في أمريكا وأوروبا
لم يقف هذا الزحف الجنسي للرجال العرب من الخليج على التوغل في محيط البلدان العربية؛ بل امتد إلى العالم الغربي، خاصة عن طريق الطلاب الذين يذهبون للدراسة في بلاد غربية، وعند استخدام عبارة “أطفال سعوديون منسيون” توجد الكثير من قصص أبناء لرجال سعوديين، أقاموا علاقة مع أمهات هؤلاء الأبناء، أثناء الدراسة في الخارج، وبمجرد المعرفة بالحمل كان يختفي هؤلاء الرجال، تاركين نتاج علاقاتهم من أطفال خلف ظهورهم.
وثق هذه القصص موقع “أطفال سعوديون منسيون” وقد أسست هذا الموقع، سيدة تدعى جينيفر كريستال، المرأة التي تركها صديقها السعودي، بعد ولادة طفلهما، الذي يعاني من مشكلة صحية وأصبح في حاجة إلى معلومات وراثية، وكان هذا الموقع وسيلتها للبحث والد هذا الطفل.
سمحت فرص الدراسة في الغرب للشباب السعودي بإقامة العلاقات الجنسية المحظورة في بلدهم، لكن خلف هذا عددًا كبيرًا من المعاناة لأطفال كثر لا ذنب لهم، في فتح أعينهم على الحياة بلا آباء. مثلما سمحت فرص السياحة في دول عربية كمصر واليمن والمغرب للبعض من رجال الخليج، بإقامة جنسية تحت إطار الزواج قد تنهي بالمرض أو التعنيف أو خدمة زوجات أخريات، أو مشاكل للحصول على الطلاق. وفي كل الأحوال باسم الزواج أو الحرية؛ تتعرض هؤلاء النساء إلى الاستغلال، تحت رغبة في ثراء سريع أو حاجة ماسة إلى المال.