تزامنًا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، قدم «مواطن كافيه» ندوة حوارية تحت عنوان “حرية الصحافة في الخليج: الصحافة تحت الحصار الرقمي“، وذلك انطلاقًا من شعار اليوم العالمي للعام 2022 الذي اهتم بالتحديات التي يواجهها الصحفيون/ات من استخدام السلطات لبرمجيات التجسس الرقمي ضدهم/ن.
وقد أدارت الندوة الصحافية البحرينية نزيهة سعيد، وشارك في الحلقة مديرة السياسات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة Access Now مروة فطافطة من فلسطين، والخبير في مجال برمجيات التجسس والأمن الرقمي، وعلي عبد الإمام من البحرين، والصحافي الكويتي أنور الروقي.
افتُتِحت الندوة بالتعريف ببرمجيات التجسس وأبرز الحالات المرصودة لاستخدام برمجيات التجسس ضد الصحفيين والصحفيات، حيث أشارت مديرة السياسات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة Access Now مروة فطافطة أن البرمجية التجسسية الأبرز في هذا المجال هي برمجية بيغاسوس المصنعة من قبل شركة NSO الإسرائيلية، والتي وظفتها حكومات عربية وخليجية على رأسها حكومات البحرين والإمارات والسعودية والمغرب لاختراق أجهزة الصحفيين والصحفيات والتجسس عليهم/ن.
ونوهت فطافطة أن أول توثيق لاستعمال برنامج بيغاسوس ضد الناشطين/ات في العالم العربي يعود لاستهداف الناشط الحقوقي الإماراتي البارز أحمد منصور في العام 2016.
وأكدت فطافطة أن خطورة هذه البرمجيات في انتهاكها لخصوصية الضحية وتمكينها المخترِق من الوصول إلى بيانات شخصية لاستغلالها لاحقًا لابتزاز الضحية بهدف منعها من مزاولة مهنة الصحافة.
ومن جانبه، أوضح خبير برمجيات التجسس والأمن الرقمي علي عبد الإمام أن مخاطر برمجيات التجسس تعد “مخاطر وجودية”، على حد تعبيره، كونها تستهدف بشكل مباشر أجهزة إلكترونية خاصة تحتوي بيانات خصوصية المهنية منها والشخصية.
وأكمل حديثه: “الاختراق يحول الضحية إلى كتاب مفتوح أمام الجهة التي قامت بعملية الاختراق، وبالتالي هي قادرة على التنصت على المحادثات الشخصية دون أن يشعر الضحية بذلك، إضافة إلى كشف جميع المراسلات حتى الخاصة منها، ما يمكنها من ابتزاز الضحية من خلال البيانات التي جمعتها.”
للتجسس تداعيات نفسية على الضحايا، تؤدي إلى حالة قلق لا تشعر فيها بالأمان لخشيتها من مراقبتها عن طريق أجهزتها الشخصية، وقد تستمر الأضرار النفسية لفترة طويلة بعد عملية الاختراق الإلكتروني.
وأضاف عبد الإمام أن: “الخطر الآخر هو تعرض الآخرين ممن تتواصل معهم/ن الضحية لخطر التجسس كونهم يصبحون مكشوفين أمام جهة الاختراق، ومن المهم الالتفات إلى نقطة مهمة؛ وهي أن عملية الاختراق ليست خطأ الضحية بقدر ما أن الشركات الجشعة والحكومات القمعية تستغل ثغرات موجودة في الأجهزة لإتمام عملية الاختراق دون علم الضحية.”
وأكد أن للتجسس تداعيات نفسية أيضًا على الضحايا، تؤدي إلى حالة قلق لا تشعر فيها بالأمان لخشيتها من مراقبتها عن طريق أجهزتها الشخصية، وقد تستمر الأضرار النفسية لفترة طويلة بعد عملية الاختراق.
أما عن سؤال تأثير التقنيات الرقمية على حرية الصحافة؛ فرأى الصحفي الكويتي أنور الروقي أن بعض المؤسسات الصحافية نجحت في مواكبة التغيير، والبعض الآخر ضعف أداؤه بسبب ذلك.
وانتقد الروقي توظيف القوانين والتشريعات “الفضفاضة”، وفق تعبيره، التي شرعت لمواجهة الحراكات الشعبية التي انطلقت مع الربيع العربي كسلاح ضد كل من يمارس عملًا صحفيًا حرًا في المنصات الإلكترونية.
وتحدث الروقي بشكل مفصل حول أوضاع حرية الصحافة في الكويت بالإشارة إلى أنه: “عندما يتم استدعاء صحفي بسبب نشاطه على منصات التواصل الاجتماعي لا يتم استدعاؤه بسبب مخالفة لقوانين النشر أو تنظيم وسائل الإعلام؛ بل يستدعى بناءً على قوانين أخرى تتعلق بأمن الدولة تقضي بحبس المغردين والصحفيين. كما أكد أنه تم إغلاق عدد من الصحف والقنوات التلفزيونية لأسباب سياسية خلال الفترة السابقة.
“فالصحفي في مواقع التواصل الاجتماعي بين المطرقة والسندان؛ بين أن يمارس نشاطه بحرية مطلقة، وبين وجود قوانين ممكن تؤدي إلى استدعائه والتحقيق معه على خلفية اتهامات تخص “أمن الدولة”.
وتعليقًا على الخطر الذي تمثله برمجيات التجسس على العمل الصحفي والصحفيين، قال الروقي “إن العمل الصحفي يتقاطع مع العمل الحقوقي؛ حيث إن حساسية بعض المعلومات قد تعرض كلًا من الصحفي ومصدر المعلومة إلى خطر حالَ تم اختراق أي من أجهزتهما من قبل برنامج مثل بيغاسوس”.
ختامًا، ناقش المشاركون الوسائل والأساليب الوقائية التي يمكن أن يتبعها الصحفيون والناشطون للتقليل من مخاطر الاختراق والقرصنة، أو الاستهداف من قبل السلطات الأمنية.
وأشار عبد الإمام أن من ضمن برامج التواصل الأفضل من ناحية أمنية هو برنامج Signal، ولكن حذر من أن يتم الائتمان بالبرنامج وعدم الالتفات إلى تأمين الجهاز نفسه من ناحية نظام التشغيل، وشدد على ضرورة اتباع خطوات أمنية سليمة؛ مثل مواكبة التحديثات الأمنية للتطبيقات وأنظمة التشغيل والتأكد من صحة هوية المراسلين ومصادر المعلومات.
شركات المنصات التواصل الاجتماعي لديها السلطة في تحديد ما هو مسموح وما هو غير مسموح به، وبالتالي في الكثير من الأحيان يُزال الخطاب المعارض أو الثوري الصادر من منطقتنا من على المنصات تحت ذريعة سياسات متحيزة وغير شفافة وتعسفية."
ومن جانبها رأت فطافطة أن قمع الآراء وتقييد حرية التعبير لا يصدر فقط من الحكومات؛ وإنما من شركات منصات التواصل الاجتماعي أيضًا، وقالت “شركات المنصات التواصل الاجتماعي تمارس دورًا أقرب للسلبي منه إلى الإيجابي في الكثير من دول العالم في الحد من حرية التعبير عن الرأي؛ وخاصة في المحتوى العربي أو اللغات غير الإنجليزية، وأصبح لهذه الشركات اليوم قوة مخيفة في تحديد ما هو مسموح وما هو غير مسموح به في هذه المنصات، وبالتالي في الكثير من الأحيان يُزال الخطاب المعارض أو الثوري الصادر من منطقتنا من على المنصات تحت ذريعة سياسات متحيزة وغير شفافة وتعسفية.”