يولد الإنسان مثل الأقمشة البيضاء، لا يعرف معنى للكره والعنف أو العنصرية، لا يعرف دينه أو ربه، يتعلق بإصبع والديه، ثم بما يحملانه من أفكار، إلى أن يحدث شيء مختلف، ليضرب بما تلقن في صغره عرض الحائط، أو لا يحدث شيء على الإطلاق، ويتبنى ثقافة المجموع دون أي تفكير نقدي.
فالطفل يصرخ صرخته الأولى حين ولادته دون وعي، ولكن ماذا عن صرخته الواعية الناضجة النابعة من ألم وحب وخوف وتجربة؟ تلتقي “مواطن“ بالكاتب العُماني سعود الزدجالي ليجيب لنا عن كيف تشكلت أفكاره الخارجة عن ثقافة السائد، وآرائه في أوضاع المرأة والفكر الديني، في عمان اليوم.
- التحولات في حياتي لم تكن دفعة واحدة.
- ليس الدين أداة للفرد لهندسة المجتمعات والتدخل في حياة الناس وقناعاتهم الشخصية.
- التأييد الفقهي أو الاجتماعي لزواج القاصرات نابع من الجهل بمقاصد الشريعة.
- علينا أن نفرق بين دراسة المعتقدات الدينية، بما فيها الميتفيزيقا والاستهزاء بها بسبب التعصب الديني
- عند النظر في النص القرآني ونظام الإسلام في بداياته؛ نلاحظ أن النص يخاطب المسؤولية الفردية، وينص على القضايا الكبرى
- أعتقد أن اعتقالي كان بسبب التيار الديني وتوغل هذا التيار وتعصبه في المجتمع.
- الدولة والمجتمع في عمان يمتلكان المقومات الأساسية لبناء المستقبل عند وجود العزم والإرادة.
"هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا". فالسائد بين الناس أنهم يتبعون الأفكار التي تجرعوها في نشأتهم.
كونك أحد الذين لا يتبعون السائد، فما السبب الرئيسي في اختلاف "فكر" سعود الزدجالي؟
مسألة التغير عن السائد مسألة نسبية في حياتنا؛ فنحن في كل الأحوال قد نتشابه مع كتلة اجتماعية ونختلف عن أخرى؛ ولعل حجم الكتل والتفاوت في عدد الأفراد المنتمين إليها، وارتباط بعض الخطابات بالسلطة، أو المقدسات والدين والجنس والمرأة، هو ما يعطي لخطاب ما قدرته على تحجيم الخطابات الأخرى؛ لذا فإن التحولات في حياتي لم تكن دفعة واحدة؛ فقد كنت مع الخطابات السائدة باختلافها، على أن القراءة المتأنية والاطلاع على الحقول الفلسفية والحقوقية والفلسفة السياسية، والمنهجيات العلمية هو ما فتح لي أبواب محاولة الفهم ووضع الأسئلة مجددًا.
ما هي أهم المحطات التي أثرت في فكرك؟
أجمل المحطات في حياتي هي المرحلة الجامعية الأولى في جامعة السلطان قابوس، تلك الجامعة التي أحببتها، وتفاعلت مع مكتبتها وأساتذتها، كما أن مراحل الدراسات العليا كانت مهمة في حياتي في الجامعة نفسها؛ لأنها شكلت الشخصية العلمية في تفاعلي مع أبرز الأساتذة في كلية الآداب؛ مثل الدكتور أحمد يوسف، والدكتور الحواس المسعودي والدكتور الهادي الطرابلسي والدكتور عبد الحليم حامد رحمه الله، كما أن التحولات الدينية والقراءة في التراث الإسلامي كانت لها تأثيراتها في فتح آفاق المعرفة.
كيف تنظر إلى الدين كأحد أدوات الضبط الاجتماعي والاستلاب في يد السلطة؟ أم إنه قد يكون أحد ديناميات التغيير والدفع إلى الأمام؟
الدين في أصله هو علاقة وجدانية بين الإنسان وربه؛ وهو يتضمن الجوهر الأخلاقي ما قبل السياسي للفرد؛ ومن ثم يضبط الدين العلاقة بينه وبين المحيط، من حيث يتحول الفرد إلى كائن متصالح مع نفسه ومحيطه، ويحاول استيعاب الأنماط الأخلاقية التي يدعو إليها الدين، وليس الدين أداة للفرد لهندسة المجتمعات والتدخل في حياة الناس وقناعاتهم الشخصية، كما أن الدين ليس أداة سياسية للدولة لاحتكار السلطة.
عندما تحول الدين بين الفرقاء إلى أداة أو أدوات لتبرير السعي إلى السلطة، خضع الدين للدولة وأصبح يتلون للمضاربات السياسية، ولذلك نلاحظ أن المشهد الديني في العالم العربي مشهد مضطرب مائج بالأهواء باسم الله.
حين يطالب المثقف العربي بواقع أفضل لبلده ومجتمعه، غالبًا ما يتعرض إلى الإيقاف والتقييد لمدة أو الحصول على أحكام بالسجن. وكان لك تجربة سابقة؛ كيف يؤثر التقييد والعقوبات على المثقف، خاصة وأن لك تجربة في هذا؟
سبب اعتقالي هو كتابتي لمقال بعنوان “تأملات في الإفتاء الشرعي” يتأمل ظاهرة الإفتاء والخطاب الديني؛ لذا فإن الاعتقال له علائق متشابكة، ولا أستبعد تدخل التيار الديني بسبب التعصب المذهبي، وعلى الرغم من مرارة تجربة الاعتقال والظلم الذي أحسست به من حيث أنني أعتقل لمجرد بعض الآراء التي كتبتها حول ظاهرة دينية، ولا زلت مقتنعًا بتلك الآراء؛ إلا أنني حاولت تجاوز تلك التجربة المرة، ولكن تظل هذه التجربة لي ولغيري من الكتاب والنقاد مشكلة أو عقبة أمام الكتابة في البلدان العربية.
قلت في مقال لك: “تتحول الذات المعلِّمة في سياق تعليم الدين وتلقينه إلى ذات مقدَّسة مباركة”. كيف ترى حدود السلطة الدينية؟ وإلى أي حد يجب أن تقف؟ خاصة وأن هناك اتهامات دائمة بتوغل السلطة الدينية في عمان وتنكيلها بالمخالفين؟
العبارة المقتبسة من مقال لي بعنوان “تعليم الدين وتسليعه” والمقال يحاول فهم ظاهرة تعليم الدين وفق نظرة ماركسية ترتبط بظاهرة توثين السلع؛ إذ يتحول الدين إلى منتج تحتكره فئة تدعي أنها المخولة بالنطق عن الله وفهم النصوص الشرعية، وهي صاحبة الاختصاص بسبب أنها تمارس الإفتاء والوعظ مقابل أجر مادي؛ ومن هنا تبدأ السلطة الدينية في مصادرة أفكار الناس ومعتقداتهم؛ فهي تقدم النسخة الصحيحة والأرثوذوكسية للدين؛ فليس لأحد أن يتأمل الظاهرة الدينية أو أن يتدبر نصًا شرعيًا، أو أن يتناول بالنقد ظاهرة من الظواهر الدينية والاجتماعية، ومن هنا تبدأ ظاهرة “الكهنتة الدينية” والتسلط؛ وقد أشرت إلى أنني أعتقد أن اعتقالي كان بسبب التيار الديني وتوغل هذا التيار وتعصبه في المجتمع، حيث لا يسمح لأحد أن يمارس حق الاختلاف معه أو مع غيره.
"تسييج العقل الديني" من قِبل عُلماء الدين؛ هل ترى أن ذلك يحول الإنسان إلى روبوت مِلك لرجل الدين؟ بما أن الدين تغطي تعاليمه جميع جوانب حياة الإنسان وغرائزه؛ بداية من المأكل والمشرب حتى ممارسة الجنس؟
عند النظر في النص القرآني ونظام الإسلام في بداياته؛ نلاحظ أن النص يخاطب المسؤولية الفردية، وينص على القضايا الكبرى؛ بدءً من الإيمان بالله، وانتهاء بالعدالة والمساواة والأخلاق واحترام حرية الإنسان، وأن حسابه على الله تعالى؛ فلا وجود في الإسلام للوظائف الدينية أو التوسط بين الله وعباده، وهذا منصوص عليه في القرآن، ولاحظه ابن خلدون في مقدمته، وسوف يجد القارئ ذلك في مقالي المنشور في مجلة الفلق الإلكترونية؛ بعنوان “ما وراء النص والتأويل” في العام (2016)، وبينت فيه كيف أن النص قد يخضع للتسييس، والمضاربات الأيديولوجية؛ مما يجعلنا نقف متأملين لظاهرة الكهنتة الدينية التي نشأت متأخرة بفعل السياسة، ورغبتها في تحديد نسخة محددة للدين، تتناسب وأهدافها في المجتمعات؛ كما أن وجود فئة تحتكر فهم النص ينبع من تجهيل المجتمع، ووضع الديني في خانة الاختصاصات الصعبة؛ كالطب، والهندسة الوراثية، والطب، وعلوم الذرة، وهذا يتعارض مع الإسلام؛ لأن القرآن يخاطب الجميع، ويطلب إليهم التدبر، وإذا كان المجتهد مرفوعًا عنه الإثم في الخطأ الذي يؤديه إليه اجتهاده؛ فإن المتلقي مسؤول مسؤولية فردية عن قبول لرأي والعمل به، والإسلام حدد المحرمات وترك الإنسان وشأنه في الحياة؛ بما أنه لا يخالف الإيمان بالله والعدالة والأخلاق، ووجود تفاصيل كثيرة تنسب إلى الدين يجعل الدين ثقيلاً على الفرد والمجتمعات، وهنا علينا أن نفرق بين “الإسلام النص” و”الإسلام التاريخي” المتمثل في الفهم والتفسير والتحيزات المذهبية والكهنتة.
ينحاز الكثيرون لأحاديث البخاري أو لآراء الفقهاء، حتى لو كان ما يقولونه يضر بمقاصد الشريعة الإسلامية أكثر مما ينفعها، بم تُحلل هذه الظاهرة ؟
الانحياز دائمًا يجانب التفكير العلمي والسلوك العقلاني، والبخاري كغيره من علماء التراث له اجتهاده في ظرف التاريخي، وله مرتكزاته المنطقية والعلمية وفق الحقل العلمي الذي يعمل فيه، ونعني به حقل مصطلح الحديث ونظام تدوينه استنادًا إلى جودة السند والمتن، وعندما نعود إلى مقدمة ابن الصلاح في علم الحديث، وهو كتاب محقق ومطبوع، أو إلى منظومة السيوطي أو غيرهما، نلاحظ أن الغرض من علم الحديث هو التشكيك المنهجي في المرويات لحذف الضعيف والموضوع، وأن الحكم على الصحة والضعف بناء على “الظاهر” من السند، وقبول المتن وعدم تعارضه مع النصوص القطعية، وكل ذلك لا يعني أن الحديث صحيح مطلقًا أو ضعيف مطلقًا، وإنما يعني أن الأمر خاضع للاجتهاد، وعندما يدرك الفرد هذا الجانب العلمي في تدوين السنة النبوية فإنه يتجنب التعصب لقناعاته؛ لا سيما وأن المقاصد الشرعية الكبرى في الإسلام هي السياج الذي يحمينا من الانزلاق في التعصب أو قبول ما يتعارض وروح الإسلام.
"إذا أعدنا التأمل؛ نستنتج أن كل مشكلاتنا تتمحور حول السلطة، وتدور في رحاها واستبدادها المقدس؛ فهي الثقب الأسود في فضاء الوطن العربي"اقتباس لك من كتاب "المواطنة في سلطنة عمان"، هل يوجد حلول لهذا الثقب؟ أم أن السُلطة ستبتلع كل من يحاول الاقتراب منها؟
أنا أشكركم على هذا الاقتباس؛ بيد أنني لم أعد مقتنعا بهذا الرأي الذي سطرته في كتابي (المواطنة، 2013)، وإنما أتبنى رأي ميشيل فوكو في تشظي السلطة إلى سلطات مختلفة انتهاء بسلطة الخطاب؛ والذي نلاحظه – أعني الخطاب – بوصفه سيرورات إنتاج تابعة لسلطات مختلفة في المجتمع؛ كسلطة الأعراف، وسلطة الطبقة الدينية، وسلطة الحقول المعرفية؛ فالفرد لا يواجه سلطة محددة تتمثل في “الثقب الأسود”؛ وإنما يواجه ثقوبًا سوداء كثيرة؛ لا سيما في التحولات الإعلامية التي تلغي المساحة بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي، ولعل الوعي بلغة الخطاب، وامتلاك مهارات تحليله وفك سحره يؤدي إلى التقليل من هذا الاستبداد المتشظي.
كل دين له غيبياته وميتافيزيقياته التي يطعن فيها أو يسخر منها اللادينيون وأتباع الديانات الأخرى، فما الدوافع من وجهة نظرك التي تحرك هذا السلوك؟ وهل هذا الصراع الفكري مفيد في المجتمع؟
علينا أولا أن نفرق بين دراسة المعتقدات الدينية، بما فيها الميتفيزيقا والاستهزاء بها بسبب التعصب الديني؛ فإذا كان الاتجاه الأول محمودًا ومقبولاً في الأعراف الاجتماعية والسياسية والتقاليد العلمية؛ فإن الثاني يتعارض مع القيم والأعراف الإنسانية؛ لذا فعلى المجتمعات أن تحترم الإنسان في إطار المواطنة والقانون دون المساس بحريته، وحقه في الاختلاف، أو التحريض عليه، أو الاستهزاء باختياره الديني، واللاديني شأنه في الدولة المدنية شأن الديني يتمتع بحقه، وبالمساواة أمام القانون، كما أنه لا ينبغي له أن يسخر من معتقدات الآخرين؛ وإلا فإن هذا السلوك ليس له من دافع سوى التعصب والتطرف وهو أمر منبوذ.
علاقة الفرد بالدولة علاقة "تبادلية"؛ فكما يوجد التزامات وواجبات على الفرد تجاه دولته؛ هناك أيضًا حقوق يجب أن تكفلها الدولة للفرد؛ ماذا لو كان هناك خلل في هذه العلاقة، ولم تقم الدولة بإشباع الحاجات الأساسية للأفراد؛ هل ذلك يؤثر على شعور الفرد بانتمائه لوطنه؟ أم حب الفرد لوطنه هو حب "غير مشروط"؟
عندما نعود إلى كتابي “المواطنة” والذي اقتبستم منه العبارة السابقة؛ تجدون أنني حاولت الإشارة إلى وجود بعض المفاهيم المغلوطة عن المواطنة، كتلك التي تختزل المواطنة في الانتماء إلى الوطن أو الحب له، وهذا أمر يشبه الأمر الغريزي؛ بينما تنشأ المواطنة من فعل التعاقد والعلاقة بين الفرد والسلطة؛ وتسريب مثل هذه المفاهيم المغلوطة كان له كبير الأثر في نشر الوعي الزائف عن المواطنة.
عند حديثك وكتابتك عن أهمية المساواة بين الرجل والمرأة، تهاجم بواسطة الكثير من النساء؟ من وجهة نظرك؛ لماذا يقمن بمهاجمة أفكارك وإن كانت في صالحهن؟
أعتقد أن الهجوم الذي أتعرض له في مواقع التواصل الاجتماعي، أو الحياة العامة نابع من عوامل معقدة مذهبية واجتماعية ومعرفية؛ حيث إن العوامل الدينية وتياراتها تحاول إذكاء هذا الهجوم ضدي في ظل جو اجتماعي يغيب فيه الوعي بقضايا المرأة والسياسة باستعدائي ووضع في خانة العدو للدين والأخلاق.
تجيز المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية العماني للقاضي تزويج القاصرات إن كان في ذلك “مصلحتهن”، وفي نفس الوقت تحصل المرأة على ميراثها في “سن الرشد”. كيف ترى هذا التناقض في ظل اعتراف بعدم الأهلية للقاصر في استخدام ميراثها؟ وفي نفس الوقت يمكنها أن تصبح زوجة وربما أمًا؟
أعتقد أن التأييد الفقهي أو الاجتماعي لزواج القاصرات نابع من الجهل بمقاصد الشريعة؛ وهو ضرب من التناقض من جهتين: الأولى المذكورة في صدر السؤال بشأن تسليم المال؛ والأخرى ترتبط أن الزواج يرتبط بالمسؤولية والأهلية، لتتميم أركان الزواج من حيث هو عقد ينبغي أن يتسم بالديمومة والاستقرار؛ وعليه فإن هذا النوع من الزواج هو هدم لمقاصد الشريعة ونظامها وحفظها للحقوق ومنعها الضرر بأي شكل كان.
من وجهة نظرك هل "السيدة الأولى" في كل دولة يجب أن يكون لها دور رئيسي في الدفاع عن حقوق المرأة وقضاياها؟ وهل ذلك يحدث في عُمان؟
لا أعتقد ذلك؛ ولكن ظهور السيدة الجليلة في سلطنة عمان، ورعايتها الجوانب الاجتماعية والاهتمام بها؛ يعد داعما فعليًا ونفسيًا لدور المرأة في السلطنة، والاعتناء بحقوقها، وسلطنة عمان تعد من الدول السباقة في هذا الجانب، وذكرت ذلك في كتابي المواطنة.
لا يوجد عقوبة على الاغتصاب في القانون العماني، لأنه واجب على الزوجة الطاعة والخضوع لرغبات زوجها حسبما يرى المشرع، كيف تؤثر تلك التشريعات على كرامة وحرية المرأة من وجهة نظرك؟
مسألة اغتصاب الزوجة مسألة معقدة لها علاقة بالجذور الثقافية والاجتماعية التي غذتها بعض المرويات في السنة النبوية؛ ولا يمكن حلها بالتشريعات القانونية بقدر ما يكمن حلها في تأسيس الثقافة والوعي المرتبط بالزواج والعلاقة بين الرجل والمرأة؛ كما أن اللقاء الجنسي شرعه الدين وفق الزواج تحت أسس مقاصدية محمية بسياق الود والرحمة والسكن كما نص القرآن العظيم.
فإذا تجاهلنا النص القرآني وسعينا خلف المرويات التي تلعن المرأة بسبب امتناعها عن الفراش؛ فنحن نهدم الأصول القرآنية ونسعى خلف الأوهام لترسيخ ثقافة الاستعباد للمرأة، وهي ثقافة مرفوضة في الدين؛ إذا قرأنا النصوص القرآنية في تضافرها السياقي.
عندما يثور شعب ما على نظام يجزئُ مفهوم "الحرية"، الشعب يريد إسقاط النظام الحالي، فقط يريد قطع الشجرة وليس اقتلاع جذور شجرة الاستبداد، فتعود الشجرة لتنمو من جديد بشكل أقوى؛ فنجد من يطالب بحريته يُكفر الآخر ويقمع زوجته في المنزل، وينظر للمرأة غير المحجبة على أنها عاهرة؛ هل تجزئة الحرية هو طلب للانتقام من شخص، وليس تبديلاً للاستبداد؛ استبدال مرض بمرض، وطاغية بطاغية آخر؟
مسألة الاستبداد في العالم العربي مسألة متجذرة ومعقدة، ترتبط بالجذور التاريخية والاجتماعية والسيكولوجيا لهذه الشعوب، وقد دونت ذلك في كتابي “المواطنة في سلطنة عمان” في العام (2013)، والصادر عن دار الفارابي؛ كما لاحظ ذلك مفكرون من أمثال الكواكبي في طبائع الاستبداد، أو قاسم أمين في تحرير المرأة؛ أو ما لاحظه الياباني نوبوآكي نوتوهارا في كتابه “العرب من وجهة نظر يابانية“، ولعلها تتعلق بنظام التنشئة العربية في الأسرة وممارسة العنف على الأطفال، وطبائع التعليم والتكريس الديني، وكلها عوامل تؤدي إلى تضخم السلطة وممارسة الاستبداد دون وجود أطر تعاقدية متأسسة على منظومة الحقوق والواجبات، وحتى نستطيع اقتلاع الاستبداد؛ لا بد لنا من مراجعة المسارات التاريخية ومواجهة الماضي وتعديل منظومات التعليم، وتطوير الوعي السياسي بشأن نظرية الدولة وفصل السلطات؛ وإلا فإن السلطات تتشظى وتتضخم في البيئة العربية بدءً من الأسرة، وانتهاء بسلطة الدولة ومركزيتها.
أخيرًا، لو افترضنا أن سعود الزدجالي أصبح القائم على الأمر، وكان على رأس السلطة، ما أهم التغييرات التي قد تشهدها عمان في حينها؟
لا يمكن لسعود ولا لغيره فرض تغييرات على مجتمع متعدد؛ وإنما ينبغ التغيير من الوعي به ومن شتى الشركاء على اختلافهم في ضوء المشتركات العادلة؛ وسعود هنا فردٌ في أي مكان كان؛ له أن يسهم في التغيير دون أن يفرضه أو يعتقد أنه النهائي الحق؛ لذا فأنا أعتقد أن الدولة والمجتمع في عمان يمتلكان المقومات الأساسية لبناء المستقبل عند وجود العزم والإرادة.