عندما نتصفح “كتالوج” السياحة الطبيعية في سلطنة عمان، نجدها مكتظة بالكثير من الألوان والأشكال والبيئات التي تُرضي أذواقًا مختلفة من الراغبين في السياحة؛ حيث البحر والجبل والتراث المادي وغيره، والطبيعة الخلابة التي تنتظم جميعها في سياق جمالي يمنح السلطنة مكانة طبيعية؛ خاصة في منطقة الخليج العربي.
رغم ذلك عانى هذا الرأسمال السياحي من سوء الإدارة والاستغلال من قِبل الدولة التي بدورها اعتمدت على عائدات النفط في موازنتها طوال الـ 50 عامًا الماضية، ولم تضع تنمية القطاع السياحي ضمن أولوياتها حسب تصريح سابق لوزير التراث والسياحة.
وفي عام 2016 أي قبل حوالي 6 سنوات من الآن، تم إطلاق “الاستراتيجية العمانية للسياحة” كاستراتيجية داخلية لوزارة التراث والسياحة، هي فريدة من نوعها تهدف إلى “أن تصبح السلطنة في عام 2040م من أهم المقاصد السياحية التي يزورها السائح لقضاء العطلات، والاستكشاف والاجتماعات، وأن تجذب 5 ملايين سائح دولي”.
لكن سرعان ما بدأ الحديث عن الاستراتيجية يختفي تدريجيًا عن الأضواء، الأمر الذي فتح بابًا من الأسئلة مثل: هل تجري هذه الاستراتيجية وفقًا لرؤية عمان 2040 وبناءً عليها؟ وما مصيرها في الوقت الحالي؟ ولماذا تأخرت الحكومة في التركيز على السياحة بالرغم من تنبّه عدد من الدول الخليجية لهذا الجانب في وقت مبكر والتركيز عليه؟
من ناحية أخرى علّق الكاتب يعقوب البلوشي في مقال بجريدة “وجهات” على الغموض الذي يحيط بالاستراتيجية وتأخر تنفيذها على أرض الواقع قائلًا: هل من منقذ لخارطة الاستراتيجية السياحية العُمانية 2040؟ أم أنها ذهبت أدراج الرياح مع تغيير الإدارة الجديدة لوزارة السياحة والتراث، ومنح المحافظات دورًا هيكليا جديدًا واستقلالاً في منظومة التنمية؟
تعزيز التنويع الاقتصادي
“سنحرص على توجيه مواردنا المالية التوجيه الأمثل، بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل، وسنوجه الحكومة بكافة قطاعاتها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني في أعلى سلم أولوياتها، وأن تعمل على تطوير الأنظمة والقوانين بكل هذه الجوانب”.
بهذه الكلمات افتتح السلطان هيثم بن طارق عهدًا تواجهه الكثير من الملفات العالقة والتحديات الاقتصادية، منها ما هو عالمي كانتشار فايروس كورونا والإجراءات التي ترتبت عليه، ومنها ما هو داخلي وجاء نتيجة لعقود من الفساد المالي والإداري الذي أرهق ميزانية الدولة وأنتج حالة من الغضب الشعبي السائد بين أفراد المجتمع، ومن أهم هذه الملفات وأكثرها حضورًا ملف “تنويع مصادر الدخل” فقد ظل هذا الملف في ذهن المسؤول العماني منذ الثمانينيات، ومع حقيقة أن النفط لا يعتمد عليه لكثرة تقلبات أسعاره وفق النظام الاقتصادي للعالم.
ولعل أحد أهم القطاعات التي تعوّل عليها سلطنة عمان منذ عقود وحسب رؤية عمان 2020 ورؤية عمان 2040، هي قطاع السياحة، فقد قال قابوس بن سعيد – السلطان السابق – في أحد خطاباته عام 1999م: ” إذا كان لا بد من كلمة أخيرة في مجال الاقتصاد؛ فإننا نؤكد على ضرورة منح السياحة أولوية في برامج التنمية المستقبلية؛ فهذا القطاع يتميز بإمكانيات كبيرة للنمو والإسهام الفعال في تحقيق التنويع الاقتصادي، لما يزخر به هذا البلد العزيز من مقومات سياحية تتمثل في التراث التاريخي والطبيعة المتنوعة، والبيئة النقية، والفنون والصناعات الشعبية، بالإضافة إلى الأمن والاستقرار، والروح السمحة للمواطن العماني، والحمد لله».
السياحة في رؤية عمان 2040
تطمح حكومة سلطنة عمان من خلال رؤية عمان 2040 إلى الوصول لنسبة 90% في اعتمادها على القطاعات غير النفطية، ومن ضمنها السياحة من خلال مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ فقد وضعت الرؤية ضمن أولوياتها: التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، وينص التوجه الاستراتيجي لهذه الأولوية على بناء ” اقتصاد متنوع ومستدام قائم على التقنية والمعرفة والابتكار، أطره متكاملة وتنافسية متحققة، مستوعب للثروات الصناعية، ويحقق الاستدامة المالية“.
ونظرًا لتمركز أغلب النشاطات الحيوية في العاصمة مسقط؛ فقد كانت الأولوية الأخرى التي تمس بشكل غير مباشر تنمية القطاع السياحي هي “تنمية المحافظات والمدن المستدامة” وتسعى من خلالها لتحقيق ” تنمية شاملة جغرافيًا تتبع نهجًا لا مركزيًا وتطور عددًا محدودًا من المراكز الحضرية”. وفق وثيقة الرؤية
وفي لقاء مع قناة العربية تحدّث وزير التراث والسياحة العماني سالم المحروقي عن السياحة في عمان بناءً على رؤية عمان 2040، حيث قال بأن عمان ليست متأخرة في القطاع السياحي، ولكن كانت هناك أولويات أخرى خلال السنوات الماضية؛ كالتعليم والصحة والبنية التحتية وكل تلك الأولويات تمثّل “روافد رئيسية لبناء قطاع السياحة“. وشبّه التجربة العمانية في عدم وضع السياحة كأولوية في السنوات الماضية بالتجربة الأوروبية قائلًا: ” أعتقد أننا نمر بنفس التجربة التي مرت بها أوروبا”، حيث زعم بأن الانتعاش السياحي الأوروبي لم يتحقق إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد عبّر الكاتب حسين الراوي في مقال له على موقع الراي عن نقده لبعض مما طرحه الوزير في المقابلة حيث قال: في الحقيقة، لا أعلم من أين أتى معالي وزير التراث والسياحة العماني بتلك المعلومة الخطأ التي ذكرها حول أن أوروبا لم تكن منتعشة سياحيًا قبل الحرب العالمية الثانية! بل الحقيقة أن أوروبا كانت منتعشة سياحيًا من قبل الحرب العالمية الثانية، وكان السياح يأتونها من كل أنحاء العالم من أجل الراحة والاستجمام والسياحة العلاجية وسياحة التسوّق، وغيرها.
وأضاف مستنكرًا مزاعم الوزير بأن هناك أولويات كانت مقدمة على السياحة: “وأما عن الأولويات التي ذكرها معالي الوزير التي لا بد أن تسبق أولويات القطاع السياحي في البلد، فأقول لمعاليه إن تاريخ تأسيس سلطنة عمان الحديثة هو في 23 يوليو 1970، مع حكم جلالة السلطان قابوس، رحمه الله تعالى، أي ما يقارب من 50 سنة، فهل يرى معاليه بأن الـ 50 سنة التي مضت لم تكن كافية للانتهاء من تشييد البنية التحتية للبلد والاهتمام بقطاعي الصحة والتعليم؟! وهل هذا هو السبب الوحيد الذي يعتقد معاليه بأنه وراء التأخر السياحي في عمان؟ ألا يعلم الوزير المحروقي بأن هناك دولًا عديدة حصلت على استقلالها بعد استقلال عمان عام 1970، وهي الآن تعتبر من الوجهات السياحية المميزة في العالم؟”.
ماذا تحتاج السياحة في عمان؟
عبّر مصدر خاص لـ “مواطن”، عن اللبنات الأساسية التي يحتاج إليها القطاع السياحي للنهوض والازدهار والمنافسة بقوله: تحتاج السياحة إلى عين شمولية تراقب الحالة السياحية في المنطقة خصوصًا والعالم عمومًا، وبناءً على ذلك تبني خططها وتصوراتها، وفي الحقيقة، أصبح التنفيذ هو الشغل الشاغل للعمانيين في هذا القطاع؛ فهناك الكثير من اللجان والخطط والمشاريع التي لم ترى النور، وبعضها رأى النور ولكن بصورة مشوهة.
واستطرد: “التحسين في المجال السياحي في عمان يحتاج إلى حزمة شاملة من التغييرات؛ سواءً في الإجراءات أو التراخيص، وحتى التسهيلات التي يحتاج إليها كل شخص مختص في القطاع السياحي، فضلاً عن سياسات التنفيذ والمراقبة والتقييم الجاد التي يجب أن تعمل عليها الجهات المختصة؛ الأمر الذي يضمن التطوير المستمر وحماية النفقات أو توجهيها التوجيه الصحيح، هذه الأمور في الغالب هي أساس لأي نقلة نوعية في أي قطاع، ولكن كما نلاحظ هي أمور تحتاج إلى نظر في سلطنة عمان”.
وعلى مستوى التحديات التي تواجه القطاع السياحي أشار (أ. ع) خبير في المجال السياحي في تصريح خاص لـ”مواطن” بأنه يجب صراحةً على المطوّر السياحي لأي بيئة سياحية أن يستحضر في نفسه أن لكل بيئة عواملها وثقافتها الخاصة؛ سواء في المشاريع أو بالخدمات والفعاليات، لذلك عليه أن يواكب ويوازن بين التطور السياحي والحفاظ على خصوصية المكان والمجتمع وعدم التسليم بأن يكون التطوير بصفة حديثة دون النظر إلى لمسة جمالية من عمق المجتمع “.
وأضاف مشددًا على ضرورة الاستفادة من الخبرات والتجارب الناجحة في القطاع السياحي: “أستطيع القول بأن القطاع السياحي قطاع يلامس شرائح داخلية ويستقطب زوارًا من الخارج، فيجب أن يشرف على هذا القطاع أعلى الناس خبرةً في هذا المجال، ويجب حقيقةً أن نعلم أنه ليس عيبًا أن نستغل الخبرات الدولية والتجارب الناجحة لكي تمكن القائمين على هذا المجال في عملهم، ولربما يتم الاستغناء عنهم لاحقًا، ولكن يجب ألا نغفل عن هذه النقطة المهمة”.
وختامًا: أمام عالم يعاني من أزمة التغيرات المناخية التي تهدد الكوكب، ويسعى حثيثًا نحو إيجاد بديل للطاقة أقل ضررًا بالبيئة من النفط، في عالم يزدهر فيه الاقتصاد الأخضر، تقف عُمان أمام أزمة وفرصة للحل، أما الأزمة فهي تراجع عائدات النفط مستقبلاً؛ فهل يكون الخلاص هو تحويل سلطنة عمان لوجهة سياحية عالمية، تستحقها بموقعها وطبيعتها الخلابة؟