الجميع يشاهد الأفلام الإباحية.. كلنا نرغب في الثراء السريع
في الفيلم الوثائقي hot girls wanted لــ جيل باير ورونا جرادوس والمعروض على نتفليكس، تستعرض المخرجتان الآليات المتبعة لاجتذاب الفتيات للعمل في صناعة الترفيه الإباحي من خلال عرض تجارب حقيقية لفتيات سابقات وأخريات ما زلن يعشن تجربة الدخول في صناعة البورنو جرافيا، كما يسلط الفيلم الضوء على معاناة هؤلاء الفتيات في تلك الصناعة وطرق استغلالهن جنسيًا.
عن طريق وكلاء لشركات الإنتاج الإباحي ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي مواقع الإعلانات كـ “كريجزليست” وغيرها، وعبر إعلانات توظيف “عارضات” بمبالغ مالية من غير الممكن أن تتقاضاها فتاة صغيرة ذات مستوى تعليمي متواضع، يتم استدراج الفتيات حال بلوغهن السن القانونية.
حلم الشهرة والسفر بعيدًا عن القرية أو المدينة الصغيرة، الثراء السريع والهروب من رقابة الأهل، كل تلك الأمور تدفع الفتيات لخوض التجربة، نسبة قليلة منهن تتمكن من أن تصبح نجمة إباحية وتحافظ على نجاحها، الأخريات يخرجن من الصناعة سريعًا بعد تقديم بضع مقاطع إباحية بمقابل مادي في متوسط الألفين دولار للفيلم الواحد، بعد ذلك تبدأ سلسلة التضحيات بدءً من قبول أنواع فانتازيا وخطيرة صحيًا في المحتوى الجنسي المصور، وهو علامة على نهاية المشوار المهني في الترفيه الإباحي، تستمر سلسلة التنازل تدريجيا، تستدين لأن العمل لا يغطي تكلفة الحياة الجديدة، لتخضع في النهاية تحت رحمة قواد وتنخرط في العمل كبائعة هوى.
الفيلم من إنتاج العام 2015، تأسست OnlyFans في العام 2016، فكيف غيرت شكل صناعة الترفيه الإباحي للأبد؟
ما هي OnlyFans؟
هي منصة تواصل اجتماعي كفيس بوك وتويتر وإنستجرام، لكنها تتميز عن المنصات السابقة بسمتين رئيسيتين؛ الأولى أنها على عكس تلك المنصات؛ لا تضع قيودًا على المحتوى، والسمة الثانية هي إمكانية تقديم الخدمة مقابل اشتراك مادي.
يقوم المشترك إذا كان صانع محتوى بتقديم محتواه من صور وفيديوهات؛ أيًا كان المضمون، مع غلبة المحتوى الجنسي، ويقوم المتابعون في حال رغبتهم مشاهدة المحتوى المقدم من قبل صانع محتوى معين، بدفع رسوم عضوية شهرية تتراوح بين 5-50 دولار لكل صانع محتوى.
كما تتيح المنصة تقديم خدمات خاصة مقابل "هبة مالية" يقدمها المتابع لمقدم المحتوى، كأن يطلب صورًا أو فيديوهات في أوضاع خاصة أو في ظروف معينة، بناءً على ذوق أو مزاج طالب الخدمة/المتابع.
تتقاضى المنصة 20% على كل معاملة مالية، ويتحصل مقدم المحتوى على 80% كصافي أرباح، بحسب influencer marketing hub، بلغ عدد مشتركي الموقع/المنصة 30 مليون مشترك، و450 ألف صانع محتوى، كما دفعت الشركة 600 مليون دولار أرباحًا لصناع المحتوى حتى الآن.
في البدء كان شريط الفيديو
لا تخلو حضارة من اهتمام بالجنس واهتمام بالمواد الإباحية، فقط يختلف الوسيط باختلاف الإمكانات التكنولوجية المتاحة، ربما بردية تورينو الإباحية، تلك البردية التي اكتُشفت في مطلع القرن التاسع عشر بدير المدينة في طيبة، والموجودة في المتحف المصري بتورينو إيطاليا الآن، البردية التي تصور رجلاً مع نساء مختلفات في أوضاع جنسية مختلفة، هي أقدم مادة إباحية عُثر عليها حتى الآن، ويرجع تاريخها لحقبة الرعامسة حوالي العام 1150 قبل الميلاد. أغلب الظن أنها كانت ملكًا لأحد الأثرياء، أو كتالوج في منزل للبغاء.
بعد ظهور السينما بسنوات قليلة، أو الصور المتحركة كما أطلق عليها في البداية، تم إنتاج أول مادة إباحية مرئية عبر هذا الوسيط الجديد. في العام 1896 أُنتجت أول مادة إباحية في فرنسا مدتها سبع دقائق، عُثر على الدقيقتين المتبقيتين منها في الأرشيف الوطني الفرنسي في العام 1996.
كانت ستينيات القرن العشرين هي ذروة صالات السينما التي تعرض محتوى إباحيًا جنسيًا، رغم ذلك لم تكن صناعة البورنوجرافيا قد استقلت عن صناعة السينما، واتخذت ملامحها حتى اختراع جهاز الفيديو المنزلي وانتشاره في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، حيث يمكن بيع آلاف النسخ من الفيلم الواحد على طول البلاد دون الحاجة لانتظار صالة عرض سينمائية شاغرة تقبل بعرض نسخة واحدة من الفيلم.
بعد اختراع DVD أواخر التسعينيات وانتشار أجهزة الكمبيوترات الشخصية وإمكانية تخزين محتوى أكبر من المواد على قرص صلب، وانتشار خدمات الدفع نظير المشاهدة على الكابلات التليفزيونية راجت وانتشرت صناعة البورنوجرافيا، حتى ظهر الإنترنت.
الإنترنت.. عصر جديد للبورنو جرافيا
في بداية ظهور الإنترنت وانتشاره السريع لم يكن أي من رجال الصناعة يتوقع أن يغير الإنترنت من شكل الحياة وأنماط الاستخدام وآليات الاقتصاد الرأسمالي الصناعي التقليدي والمستقر من عشرات، ربما مئات، السنين. لم يلاحظ -إلا القلة- أننا نعيش لحظة تاريخية، لحظة ولادة وتشكل ثورة جديدة، الثورة التكنولوجية.
في السنوات الأولى من عمر الإنترنت، مكَّن منتجي المواد الإباحية المصورة من الوصول إلى عدد أكبر من المستهلكين، عن طريق شبكة الإنترنت والممتدة باتساع العالم، دون تكلفة أقراص صلبة أو تكلفة لوجستية، كانت الصناعة في ذروة رواجها حتى ظهر "يوتيوب"
مع ظهور يوتيوب وانتشار فكرة البث على الإنترنت ” Online Streaming” وليس فقط رفع وتحميل المواد من خلال الإنترنت، ظهرت الكثير من الشركات الصغيرة التي استخدمت نفس التقنية لنشر المحتوى الإباحي في مواقع شبيهة باليوتيوب في فكرته، لكن مخصصة للمحتوى الإباحي فقط.
لم يكن أصحاب تلك المواقع الإلكترونية في حاجة لإنتاج محتواهم الخاص، بل سرقة محتوى شركات البورنوجرافيا التقليدية وبثه على الإنترنت. امتازت تلك الفترة بغياب التشريعات والقوانين المنظمة لعمل الإنترنت، ولحداثة العهد به وفرادة ما يخلقه من إشكاليات جديدة يعيشها السوق الأمريكي للمرة الأولى.
لم تكن صناعة البورنوجرافيا فقط المتأثرة سلبًا من تلك التكنولوجيات الجديدة والحديثة، عاشت صناعة الإنتاج الفني الموسيقي نفس الخسائر؛ فمع ظهور خدمة نابستر الإلكترونية، والتي أتاحت الملفات الموسيقية بشكل مجاني بتقنية سميت تقنية الند للند، وهي عملية تبادل الملفات والبيانات بين جهازين شخصيين على شبكة الإنترنت، إلا أن نابستر تعرضت للمساءلة القانونية من قبل شركات الإنتاج الموسيقي التي استخدمت نفوذها الهائل على دوائر صنع القرار؛ الأمر الذي لم يتمكن منه منتجو الترفيه الإباحي.
ظهرت في النهاية شركات كبرى احتكرت أغلب المواقع الإلكترونية التي تقدم محتوى الترفيه الإباحي بتقنية البث المباشر عبر الإنترنت. تلك المواقع ابتكرت نموذج عمل جديد؛ فمن خلال الاعتماد في الإنتاج على شركات متناهية الصغر أو وسطاء إنتاج بتكلفة إنتاج متواضعة وعبر استخدام هواة بصورة متجددة كبطلات في تلك الأفلام، حققت تلك الشركات المحتكرة أغلب الأرباح، ولم يبق للوسطاء وصناع المحتوى سوى فتات الأرباح.
أونلي فانز.. الصغار يربحون الجائزة
اعتمدت أونلي فانز في نموذجها التجاري على معاملين جديدين في عالم الترفيه الإباحي؛ الأول هو رغبة المشاهد في الفانتازيا لا العري، والفانتازيا متعددة ومتنوعة بعدد البشر ولا يمكن حصرها في قوائم وتصنيفات، كما تفعل مواقع البث الإباحي على الإنترنت في أفلامها، والعامل الثاني هي قدرة الإنترنت المبهرة على تحقيق تواصل مباشر، دون وسطاء ولا شركات بين مقدم المحتوى ومستهلكه. فاكتفت بتقديم المنصة بصورة مجانية لصناع المحتوى، ولا تتكسب من بيع بيانات العملاء ولا من الإعلانات كيوتيوب وفيسبوك مثلاً، لكن اكتفت بدورها كوسيط له الحصة الصغرى من الأرباح، ولصانع المحتوى القادر على التواصل المباشر مع المستهلك، وتلبية تصوراته الفانتازيا، نصيب الأسد.
الأمر المغاير في استعراض OnlyFans وصناعة الترفيه الإباحي كنموذج هو قدرة التكنولوجيات الحديثة على قلب التراتبية الاقتصادية الهرمية، وكسر امتصاص أصحاب الأعمال لأغلب الأرباح المتولدة من العملية الإنتاجية. ربما يمتد هذا الأثر لأنشطة اقتصادية أخرى، ويولد حالة جديدة وعلاقة جديدة بين العامل وصاحب رأس المال.