في حفل تنصيب الملك تشارلز الثالث، بعد وفاة الملكة الأم إليزابيث الثانية مؤخرًا، وأثناء أداء الملك قسم القيام بواجباته أمام مجلس اعتلاء العرش البريطاني، بعد أن وقع المجلس على إعلانه ملكًا للملكة المتحدة، قال ما يلي: “أنا تشارلز الثالث بحمد الله ملك بريطانيا، أعد بالمحافظة على قوانين الله والاعتراف بالإنجيل، سأحافظ على بريطانيا بالدين البروتستانتي، سأحافظ على استقرار كنيسة اسكتلندا وما يتبعها من عقيدة وعبادات ودون المساس بها، لتساعدني يا الله”.
انتهى قسم الملك تشارلز الثالث في بريطانيا، وبدأ النواح والصياح والسب، والشتائم تملأ ديار العرب، وتعلو الحناجر والمنابر وتغريدات البطولات والمساحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وما يتبعها في اجتماعات الأحزاب الإسلامية ودعاتها وصبيانها في عمل المقارنات، والمجادلات وحفلات الردح والسدح في ذم الليبرالية والعلمانية وكل ما اتصل بهما.
يحاول الإسلاميين، بعد أداء الملك تشارلز الثالث قسمه حاكمًا على بريطانيا، تذكيرنا دائمًا بأن الغرب وأوروبا، هم في الأساس حماة للدين المسيحي وأديانهم المختلفة، السماوية وحتى الأرضية، ما عدا الدين الإسلامي الذي تستباح ساحاته وشعائره وعباداته.
يقول بعضهم، وربما غالبيتهم، انظروا إلى الملك، بكل عظمته وأبهته وحاشيته، ها هو وهو يقسم على نفسه ملكًا على بريطانيا، ها هو لم يتناس دينه ولا إنجيله ولا عباداته في الدفاع عنهما وذكرهما والإشادة بالله في سبيل وصوله إلى العرش البريطاني وحكم الستة عشرة دولة.
فما بالكم أيها العرب والمسلمين تتطاولون على نبيكم ودينكم وشعائركم وعباداتكم! ما بالكم يا عرب، في الهروب والاستحياء من لهجتكم العربية والتبرؤ من تراثكم الإسلامي والعربي والبخاري!
ما قصتكم وأنتم تستمعون إلى الليبراليين العرب والعلمانيين العرب، وتتركون شيوخ وعمائم الدين والحيض والنفاس والحجاب خلف بابكم ووراء ظهوركم، بل وتطلقون عليهم النكات والسخرية والضحك في مجالسكم وهواتفكم وأحلامكم، ما بالكم لا ترون الملك العظيم وهو يدافع ويحارب ويتعهد بالدفاع عن الإنجيل والكنيسة والشعائر المسيحية؟
في الحقيقة، وحتى نكون منصفين فيما نكتب، أقول في نفسي مرات كثيرة، لربما أن هؤلاء حمقى وجهلة فيما يدعون ويقولون ويشتمون غيرهم، فكيف لا يستنتجون ما يحدث حقًا، وهو من السهولة بمكان أن يفهمه الأمي قبل الجاهل.
كيف يمكن أن يكونوا عماة العقل والفكر والذات والنفس؟ كيف يمكن أن تمر عليهم، وهم في سفراتهم وإجازاتهم ودراسات أبنائهم يعيشون في الغرب، ويعلمون تمامًا مدى وجود وتواجد الدين المسيحي وكنائسه في المجتمعات الغربية؟
بل كيف يجهلون أن بريطانيا -خصوصا- هي البلاد الآمنة المطمئنة التي يهرب إليها العرب والمسلمون ودعاتهم المتطرفون، قبل أن يهرب إليها الملاحدة والمثليون وغيرهم من اللاجئين في سبيل الحماية والرعاية والطمأنينة.
يتناسى بعضهم، أن الدين المسيحي بكل أناجيله وشعائره، وحتى تطبيقاته وصلواته، لم تعد ذات جدوى في المجتمعات الغربية بشكل علمي ومنطقي وعقلاني -رغم تواجد الآلاف من الكنائس والجامعات المسيحية وأموال التبشير-، من ناحية تقديم العلم للتفسيرات العلمية والمنطقية والفلسفية للإيمان بشكل عام، وما توصل إليه الفرد الغربي في الغالب، من أن التطور والرفاه المادي والعدالة الاجتماعية قد غلبت وانتصرت على التأجيلات الدينية والطمأنينة الأخروية.
لم يعد الدين المسيحي في الغرب إلا ديباجة في الدساتير، وإشارة في الخطابات، وذكرًا في المعابد والساحات وهايد بارك، لمن يريد أن يؤمن، أو لمن لا يزال يعتقد بأن الدين والأديان، تراث يجب المحافظة عليهما والإيمان بهما والاستمرار في توريثهما للأجيال القادمة. وهذا هو حق الاعتقاد أمام حق اللا اعتقاد في المدن والدساتير الغربية، رغما عن وجود الأناجيل والكنائس والملوك.
يغفل هؤلاء أن الرمزية الدينية في الخطابات الملكية لا تعني بالضرورة انسجامها مع القوانين المجتمعية التي تقر حقوق الانسان والحيوان والطفل والمرأة والمساواة والحريات الفردية قبل الأديان، بقدر ما لا يدركه هؤلاء، بأن الساسة يدركون تماما أهمية الدين في الحياة العامة، وحرصهم الشديد في تبيان ذلك في خطاباتهم حتى الوصول إلى السلطة والحكم لتتغير خطاباتهم إلى الصالح العام، ومخاطبة وحماية كل فئات المجتمع، بمن فيهم الملحدون والمثليون.
فلو نظرنا إلى الدساتير الغربية، وعلى رأسها الدستور الأمريكي، نجد التعديل الدستوري الأول يقر مبدأ حرية الأديان وممارسة الشعائر الدينية. ووفقًا أيضا للمؤشر السنوي للديمقراطية الذي تنشره مجلة الإيكونوميست البريطانية؛ فقد وضعت النرويج وآيسلندا والسويد على رأس أكثر الدول ديمقراطية في العالم عام 2020، علما أن اثنتين من الدول الثلاث في دستوريهما ينصان على المسيحية اللوثرية ديانة رسمية، وإذا فتحنا الباب لذكر تواجد المسيحية كدين في الدساتير الغربية، لربما احتجنا مقالاً آخر لهذا الغرض وحده.
في المقابل ماذا فعل العرب والمسلمون، والإسلام ديانة رسمية في الدساتير والمدارس والجامعات والمنابر والقوانين والطرقات والشوارع؟ ماذا فعل العرب والمسلمون والإسلام يتحكم به أمثال داعش وابن لادن وحسن نصر الله والحوثي، وكل القتلة الذين استباحوا الناس وقتلوا الأبرياء؟
ماذا فعل العرب والمسلمون والإسلام -بحسب دعاته- وشيوخه ومعمموه يقرون ضرب المرأة وتحجيب الأطفال والعبودية والرق والسبي، وكل أشكال القتل والحرب وعداء الآخر المختلف؟ ماذا فعل العرب والمسلمون والإسلام، في كل يوم -حرفيًا- يتم استغلاله في السرقات والتفجير والزنا والغواية وقتل الآخر والهروب من الأحكام، وكراهية العلم والحياة والفن والفلسفة والرقص؟
ماذا فعل العرب والمسلمون، والإسلام يهرب من بطشه وأحكامه النساء والرجال في مجتمعاتهم الإسلامية، إلى دول الغرب المسيحية؟ ماذا فعل العرب والمسلمون، والإسلام متواجد منذ أكثر من 1400 سنة، ولا تزال مجتمعاتهم متخلفة جاهلة مرعبة موحشة رثة، قذرة الطرقات والشوارع والأخلاق؟
ماذا فعل العرب والمسلمون، والإسلام يعاني من السياسة، بل وقتلته الفئة الباغية، وهم النصابون والدجالون وحملة رايات الفضيلة والتقوى والأخلاق. ماذا فعل العرب والمسلمون وقرآنهم يحثهم على التفكر فكفروا العقل، ويحثهم على الأخلاق فينافقون بعضهم، ويحثهم على التعارف والألفة فيعادون ويكرهون الآخر والمختلف وكل رأي يعارض رأيهم؟
لم يفعل العرب والمسلمون في غالبيتهم مع تمسكهم بالإسلام، ما فعل الغرب وشعوبهم مع تمسكهم بالمسيحية والكنيسة والإنجيل. فكلا المجتمعين مختلف، وكلا الأخلاق مختلفة، وكلا النفوس والقوانين والعدالة والحريات والعلوم والتحضر والمرأة والطفل كذاك، موغل في التباين والاختلاف والابتعاد والمعاداة؛ فما فهمه الغرب مع مسيحيتهم، لم يفهمه العرب مع إسلامهم.
لم يفهم الغرب المسيحية إلا بكونها دينًا فقط، فتقدمت مجتمعاتهم، ووصلوا إلى الكون الفسيح وعزفوا أجمل الأغنيات، ورسموا أجمل اللوحات، وتقدموا في التعليم والعلم والتكنولوجيا والثقافة والقوانين وحماية المرأة والعلمانية، بينما فهم العرب الإسلام، بأنه كل شيء ولا شيء بعده.
وبهكذا فهم ورؤية وصراع، انفصمت العروة الوثقى، وابتدأت حروب السنة والشيعة، وتواصل الانحدار الفكري والثقافي والعلمي إلى قاع الجهل والانحطاط، وهكذا سكن اللصوص وقطاع الطرق تحت عباءة الإسلام ومساجده وحسينياته، يقدمون خطابات رثة وتفاسير عقيمة وثرثرة لا طائل منها سوى إطالة أمد وجودهم، وجهل الشعوب، وهزيمة الفكر التنويري العقلاني.
- الآراء الواردة في المقال من حق الكاتب ولا تعبر بالضروروة عن شبكة مواطن الإعلامية