في سلسلة تظاهرات نسوية تعم الشارع الإيراني، وحجب السلطات لشبكة الإنترنت في البلاد لفترة تعد الأطول في تاريخ إيران الحديث، بعد تظاهرات الحركة الخضراء في 2009، تزداد التساؤلات حول الإصرار الغريب للسلطات الإيرانية في مواجهة الاحتجاجات وتمسكها بفرض الحجاب الإجباري على النساء في البلاد؛ رغم المعارضة الواسعة له، والذي تنكر السلطة بدورها وجوده من أساسه، الأمر الذي يزيد من غرابة الموقف، فادعاء عدم وجود هذه المعارضة يضع علامات تعجب أكثر حول الإصرار السلطوي المستمر لفرض قانون الحجاب الإجباري.
يمثل الحجاب في إيران واحدةً من أبرز قضايا الجدل السياسي بين معارضة الخارج والسلطة الحاكمة في الداخل والجدالات الخجولة بين أجنحة النظام في الداخل الإيراني، إصلاحيها وأصوليها، والموقف الشعبي والنسوي في الشارع الإيراني.
مؤخراً ومع وصول الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الممثل للتيار الأصولي في البلاد، لكرسي الرئاسة، أثيرت الكثير من الجدالات حول كشف النساء لشعرهن تحت الحجاب المفروض ارتداؤه في الأماكن العامة بقوة القانون على النساء في إيران. وفي مجلس الشورى طرحت السلطة مشروع قانونٍ جديد يشدد على ضوابط الحجاب، فيما كانت شرطة الأخلاق قد قررت نشر سبعة آلاف عنصرٍ جديد حسب وكالات أخبار لضبط لباس النساء في الأماكن العامة.
مظهر المرأة الإيرانية تاريخياً كان موضوعاً مهماً من مواضيع السلطة السياسية والصراعات التي قادت لتحولات غيرت مراراً من شكل الحكم في البلاد لتتحول لرمزيةٍ مهمةٍ في تكوين الهوية السياسية لإيران، فما هي قصة الحجاب الإيراني؟.
النزع الإجباري للحجاب
في العام 1925، قاد رضا بهلوي انقلابًا عسكريًا وأجبر البرلمان على تنصيبه ملكًا على بلاد فارس وقتها -إيران حاليا- لينهي فصل العهد القاجاري المستمر لأكثر من قرنين، ويبدأ حكم السلالة البهلوية، الحاكم الذي عرف بقبضته الحديدية، وريبته المستمرة من معارضيه، واقتناصه للفرص.
على أطلال مملكةٍ غارقةٍ في التخلف وحقوق الامتياز الاستعمارية وتفتقر للسيطرة، قاد رضا بهلوي عملية تغريب للدولة، وتحديث عسكري واجتماعي لنقل إيران لبلدٍ ينافس دول العالم الغربي. من جهةٍ ما، كان رضاه شاه يرى أن الزي الذي يرتديه الناس يعبر أيضًا عن مدى رقيهم وتخلفهم، وأهم هذه المظاهر هي لباس المرأة، إذ يرتبط الزي التقليدي الذي يفرضه الدين على النساء، كعباءة الشادر والحجاب، بتخلف ورجعية الشعب، كما كان يعتقد رضا شاه. يروي رئيس الوزراء الإيراني في العام 1945، محسن صدر، في مذكراته بأن الشاه كان متأثرًا بعمليات التحديث الذي يقودها كمال أتاتورك في تركيا، الجار الغربي لإيران، وبعد عودته من إحدى زياراته لتركيا العام 1935، اجتمع رضا شاه بهلوي بالحكومة ليقول لهم: “يجب أن نكون غربيين في صميمنا وظاهرنا”.
بدأ الشاه حملته في نزع الحجاب باحتفالٍ شاركت فيها عائلته وعائلات الحكومة قبل أن يعلن عن قانون يقضي بنزع الحجاب، وقيام قوات الأمن بنزع أي غطاء للرأس أو لباسٍ ديني للنساء، عدا القبعات الأوروبية، كما وجه باستقبال توظيف النساء في الدوائر العامة في البلاد.
القرار وبالرغم من الإيجابيات التي حملها بالبدء في إشراك المرأة في سوق العمل وإتاحة الفرصة لها لمشاركة أوسع نسبيًا في المجال العام؛ إلا أنها أيضًا حملت معها الكثير من السلبيات لمواجهة رجال الدين والأسرة المحافظة لقرارات الشاه، إذ أفتى الكثير من رجال الدين ووجهوا نصائحهم للأسر المتدينة بمنع فتياتهم من الالتحاق بالمدارس، وبقيت الكثير من النساء حبيسات المنازل، ليكون نزع المرأة للحجاب مظهر الدولة البهلوية الأولى في إيران وهويتها، فيما قام الملك الثاني والأخير للعهد البهلوي، محمد رضا بهلوي، بإلغاء القانون العام 1943، وترك الحرية للنساء في ارتداء الحجاب ونزعه.
الحجاب الإجباري
على الرغم من اختيار بعض رجال الدين الشيعة في إيران التعقل وترك مواجهة قرار الشاه في نزع الحجاب، اتخذ البعض من المراجع الشيعية موقفًا متشددًا من قانون نزع الحجاب، وواجهوه طوال عقدٍ كامل حتى إلغائه العام 1943. أفتى مراجع دينٍ آخرون مثل آية الله البروجردي بوجوب الحجاب على النساء ومواجهة ما وصفه بالسفور.
ومع قدوم الثورة الإسلامية العام 1979، وبعد أسبوعين فقط من نجاح الثورة، طالب الخميني النساء الإيرانيات بغض النظر عن دينهن أو مذهبهن الالتزام بالحجاب والشادور. وفي اليوم التالي منعت النساء الموظفات في الدوائر الحكومية اللائي لم يرتدين حجابًا من دخول مراكز عملهن، الأمر الذي أدى لاندلاع تظاهرات نسوية في العاصمة طهران ومدن أخرى. تراجع الخميني عن قراره ووصف مقربون منه بأنهم لم يمنعوا أحدًا من النساء من ممارسة عملهن، وأن حديث الإمام الخميني عن الحجاب كان من باب النصح لهن خوفًا من تعرضهن للتحرش والأذى حسب مقابلة لآية الله طالقاني، المقرب من الإمام الخميني، مع صحيفة كيهان الإيرانية.
في العام 1981، خرج الخميني في رسالة يبرر فيها نيته بفرض الحجاب الإجباري بتوجيهه الخطاب للحكومة قائلًا: “لماذا لا تزال المظاهر الشاهنشاهية موجودة في مؤسسات الدولة؟”، كان يعني بذلك لباس النساء في الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية.
الحجاب كهوية سياسية في إيران
توجيه الخميني لمؤسسات الدولة لم يكن متعلقًا بمبررات مطالبه الدينية بفرض الحجاب الإجباري التي ساقها إبان الثورة؛ حيث أظهر أن المسألة متعلقة بمظهر وهوية النظام السياسي الحاكم لإيران، وليس أمن المرأة وواجباتها الدينية، بين دورة الحكم الشاهنشاهية ودورة حكم الثورة الإسلامية.
في إيران، حجاب المرأة ومظهرها ليس واجباً دينياً في المعتقد الذي تعتنقه المرأة الإيرانية أو القناعات التي تنعكس على مظهرها، فهو وجه الهوية السياسية للبلاد والسلطة الحاكمة، والطابع التاريخي للعهد الحاكم أكثر منه كهوية دينية واعتقاد شخصي خاص بالمرأة.
النظرة السياسية للحجاب في الحقبة البهلوية كانت تعني أنه يرمز لإيران الرجعية التقليدية، في حين تظهر المرأة بلباسها الحديث أو القبعة الأوروبية التي كان يشجع لها الشاه بهلوي كرمز للحداثة وتطور البلاد وهوية النظام الجديد المتسابق لتحديث البلاد. وفي عهد الثورة الإسلامية أيضاً بقي مظهر المرأة بطاقة الهوية الدينية السياسية للسلطة الجديدة التي تصر حتى اللحظة على وضع قوانين أكثر شدةً لتطبيق الزي الإسلامي الإجباري وفق مواصفات النظام السياسي.