في ليلة زفافه، تعرض لمضاعفات تطلبت نقله للمستشفى وتوفي لاحقًا. شاب آخر مر على زفافه قرابة الأسبوع ويبلغ من العمر 17 عامًا، ظهرت عليه أعراض ضيق التنفس وارتفاع في درجة الحرارة، والتعرق البارد والشديد في عز الشتاء القارس، لينقل للمستشفى ويفاجأ بأنه ربما يواجه جلطة.
يتداول على وسائل التواصل الاجتماعي قصص لشبابٍ آخرين يتوفون بعد تعرضهم لجلطات، يكتب الكاتب اليمني ماجد زايد على صفحته في فيسبوك عن حوادث عدة متشابهة، القاسم المشترك بينها أن هؤلاء الشباب حديثو الزواج، فهل أنهى الزواج حياتهم؟
سوق النشاط الجنسي
في العام 2019، وبتفوق عن سنوات كثيرة سابقة، فاجأت الهيئة العليا للأدوية في صنعاء في تقريرها السنوي بأرقام أدوية الضعف الجنسي المنتجة محليًا، بلغت تكلفة الإنتاج المحلي لثلاثة أنواع من الأدوية المنشطة جنسيًا هي (Sildenafil، Tadalafil، Vardenafil) قرابة الثمانمائة مليون ريال يمني، ما يعادل مليوني دولارٍ أميركي في حينه. خالد عبده، مالك صيدلية في العاصمة صنعاء، أفاد لمواطن بأن الأدوية المستوردة الخاصة بالضعف الجنسي تحتل مساحةً كبيرةً، إلى جانب المنتجات المحلية منها في قائمة الاستهلاك، أي أن هنالك ملايين الدولارات التي ينفقها المستهلك اليمني على الأدوية المنشطة جنسيًا، بعبارةٍ أخرى، شريحةٌ واسعةٌ من المستهلكين.
يقدر عبده في حديثه لمواطن أن أغلب عملائه المستهلكين للمنشطات الجنسية هم من فئة الشباب: ” يمكن أن أقدر أن 80% من مستهلكي المنشطات الجنسية من فئة الشباب و20% من كبار السن”. الصيدلي محمد مقداد، مالك صيدلية في العاصمة صنعاء، يوافقه في الرأي.
تابو اجتماعي
بثقافة جنسية شبه صفرية، وبمعزلٍ عن مصادر مرجعية موثوقة يمكن للشباب أن يصلوا لها للتعرف على عالم الجنس، يعتبر الحديث عن العلاقة الجنسية في اليمن تابوهًا اجتماعيًا، هذا عدا الحديث عن المشاكل الجنسية التي يمكن لها أن تنزع قيمة الرجولة نفسها عن المشتكي. يقدم الشاب على الزواج، لذا لا مجال للحديث أو زيارة الطبيب إذا ما واجه مشكلة، وفي المنشطات الجنسية حلٌ يغني عن الحرج.
"هناك فهم خاطئ عند الشباب في فهم العملية الجنسية وكيف تتم، لأن العديد منهم يأخذ معرفته الجنسية عن طريق الأفلام الإباحية وليس عن طريق تثقيف صحي وصحيح؛ فأمام الأوهام التي تبيعها الأفلام الإباحية كقدرات خارقة والاستمرار لأوقات ممارسة طويلة غير منطقية أو طبيعية، يشعر الكثير من الشباب بحالة النقص، وخصوصًا إذا لم يكن لديهم مصدر آخر صحيح وسليم لاستقاء المعلومات، بالإضافة إلى أن موضوع الجنس يعد تابوهًا اجتماعيًا لا يتم الحديث عنه بشكل كافٍ في إطار الأسرة أو التعليم والمجتمع".
محمد صويلح- طبيب يمني Tweet
ملثمًا وجهه بالشال، يأتي الزبون للصيدلية التي أصبحت في الغالب مقر علاقةٍ متعارفٍ عليها بين الصيدلي والزبون. يدفع المال، ويستلم بضاعته مباشرةً دون أي محادثة. يصف خالد عبده مشهد العملية: “أهم شيء هو أن كل صاحب صيدلية قادر على التعرف على زبائن المنشطات، يسلم الفلوس ويستلم المنشط الجنسي الخاص به؛ سواءً كان منشطًا للرجال أو منشطًا للنساء، وبعدها يرحل بدون أي محادثة؛ وخصوصًا إذا كان هنالك أشخاص آخرون غير الصيدلي في الصيدلية، تتحول العلاقة مع الوقت لعميل دائم ومورد يحفظ السرية”.
جميع هذه الأدوية المنشطة جنسيًا حسب صيادلة تصرف بدون وصفةٍ طبية.
تمايز جندري ورحلة شاقة للصيدلية
على الرغم من الأضرار الجانبية للمنشطات الجنسية؛ وخصوصًا الأنواع غير المأمونة منها، تعد في معظم الحالات التي تعاني من أمراضٍ معينة؛ يعد الضعف الجنسي أحد عوارضها، حلًا صحيًا واجتماعيًا مهمًا للكثيرين، لا يقف تأثيره عند صحتهم الجنسية؛ وإنما يتعداها لحياتهم الاجتماعية.
إعلان الرجال استهلاكهم للمنشطات الجنسية يعد أمراً معيباً في ثقافة المجتمع اليمني ووصمة عارٍ تلحق بصاحبها، البعض منهم يخفون تعاطيهم المنشطات الجنسية حتى عن زوجاتهم، يحكي خالد عبده عن قدوم نساءٍ إليه للسؤال عن دواء يجدنه في جيوب أزواجهن ليسألن عن ماهيته، منشطات جنسية.
أما بالنسبة للمرأة فهي الحلقة الأضعف هنا، فعلى الرغم من إفادة صيدليين عن بيعهم لكمياتٍ كبيرة من المنشطات الجنسية للنساء، إلا أن مشتريها يكونون من الذكور. يقول خالد عبده: “واحد في الألف هي نسبة النساء اللاتي يأتين لشراء منشطات جنسية، كانت لدي زبونة تأتي لشراء مضيقٍ مهبلي”.
أدوية غير آمنة
حتى مطلع الفجر، ثم استقم، هذه ليست إفيهات في سيناريوهات أفلام كوميدية، إنها مخلوطات عشبية في ما يسمى شعبيًا بالطب النبوي، تحت غطاء الدين والنقاء العشبي الخالي من الطب المستورد المليء بمواد المختبرات، يقدم المعالجون الشعبيون وأصحاب مراكز العلاج بالقرآن هذه المنتجات التي تملأ السوق اليمنية تحت مسميات دينية –قرآنية- تحمل إيحاءات جنسية للمستهلك ورمزًا لكونها طبًا نبويًا.
أحد هذه الأدوية المعروضة هي خلطات النشاط الجنسي الخاصة بمرضى السكر، وهي خلطةٌ يدخل العسل في تركيبتها الأساسية الذي يخلط مع منشطات وأعشاب غير معروفة، انطلاقًا من الاعتقاد الديني بأن العسل دواء كل شيء، حتى مرض السكر.
لا تقف أزمة الأدوية المنشطة جنسيًا في استهلاكها العشوائي دون الحاجة لها أو دون وصفة طبية، بل تتعداها للأصناف المنتشرة في السوق اليمنية، ويروج بعض المعالجين الشعبيين والصيادلة لأدوية عشبية مصنعة محليًا دون معرفة تركيبتها أو ترخيص ببيعها من وزارة الصحة كدواء مسجل. في رده على سؤالٍ وجهته مواطن حول أمان الأصناف الدوائية الخاصة بالعجز الجنسي في السوق اليمنية، يرد خالد عبده: “40% من المنشطات الدوائية تخضع للرقابة، 60% منها لا تخضع لأي رقابة، أما أمان هذه الأدوية فهذا صعب التأكد منه، نحن نروج لبعض الأصناف العشبية، لكنني لا أعتقد أنها آمنة”.
مهربة، فاسدة وأخرى مزورة
يقول محمد مقداد بأن الكثير من الأدوية المنشطة جنسيًا التي يقوم الصيادلة ببيعها هي أدوية غير مصرح بها من وزارة الصحة، فيما يرى شخصيًا بأن الأدوية العشبية هي أكثر أمانًا، ولذلك ينصح بها عن الأدوية الكيميائية.
"توجد أدوية شعبية منشطة تباع دون تراخيص، ومستوردة ومهربة بدون حساب، وأصناف متعددة من دول شتى؛ خصوصًا في ظل الحرب، كما أن هناك أدوية جنسية مزورة يتم تصنع في بدرومات المباني دون أي رقابة من وزارة الصحة، وتباع كالأدوية المهربة".
خالد عبده - صيدلاني يمني
في ظل الحرب يؤكد صيادلة تزايد الأصناف المهربة من المنشطات الجنسية والمنتجات الشعبية المحلية، في حين تتزايد شريحة المستهلكين اتساعًا عامًا عن عام، كما هو تزايد أرقام الإنتاج المحلي لهذه المنشطات وفق إحصاءات الهيئة العليا للأدوية.
الدكتور محمد صويلح يرى أن الأثار النفسية للحرب المستمرة منذ ثمان سنوات، يمكن اعتبارها واحدًا من أسباب انتشار الظاهرة وتزايد تعاطي هذه المنشطات في أوساط الشباب، ويضيف: “الحرب تسبب الكثير من الضغوط النفسية وبالذات في مرحلة الشباب، ومن المعروف أن هذه الضغوط النفسية تؤدي للكثير من المشاكل الجنسية، لتصبح المنشطات الجنسية دافعًا للكثير من الشباب لمساعدتهم مع هذه المشاكل؛ فالعملية الجنسية تحتاج للاستقرار النفسي، ومع وجود هذه الضغوط تصبح الحياة الجنسية لبعض هؤلاء الشباب صعبة”.
ويضيف: “عندما يبدأ الشخص في سن صغيرة استخدام هذه المنشطات، تحدث تأثيرات مختلفة من شخصٍ لآخر؛ فالبعض منهم يتحقق له التأثير المرغوب، والبعض أقل من ذلك، بالإضافة للأثر النفسي لعملية إدمانها بالإحساس بالعجز عن ممارسة الجنس دون اللجوء إليها وفقدان الشخص لثقته بنفسه، وخصوصًا الثقافة الاجتماعية التي تربط بين القوة الجنسية والذكورة والرجولة، الأمر الذي يخلف ضغوط نفسية أخرى”.
القات زيادة الرغبة وضعف الأداء
يرتبط القات بأحد المعتقدات الاجتماعية في اليمن بربطه كرمزٍ للقوة الجنسية، وتأثير جودة القات الذي يتعاطاه الشخص في جودة الممارسة الجنسية، الأمر الذي يتعارض مع الأدلة العلمية وآراء المتخصصين في الموضوع؛ فمع أن القات يزيد من الرغبة الجنسية، إلا أنه يرتبط بالكثير من المشاكل الصحية الجنسية. الدكتور حسن الجوشعي، أخصائي الجهاز العصبي بكلية الطب في جامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء، يؤكد في دراسةٍ له على ارتباط إدمان القات المباشر بالمشاكل الجنسية لدى الرجال في المجتمع اليمني.
"يرتبط إدمان القات بكثير من المشاكل الجنسية المختلفة، كضعف الانتصاب وسرعة القذف"
محمد صويلح- طبيب يمني
وبتزايد تأثير إدمان القات على الصحة الجنسية للشباب، يلجأ الكثير منهم لتعاطي هذه المنشطات المتاحة في السوق دون حاجةٍ لاستشارة طبية، وهنا تتفاقم المشكلة التي لا تقف آثارها عند حدوث أعراضٍ جانبية؛ بل قد تكلف البعض حياتهم؛ وخصوصًا مع ازدحام سوق الدواء اليمني بمختلف الأدوية المزيفة والمهربة وغير المرخصة أو المجربة مختبريًا وطبيًا.
ومع ازدحام السوق وتردي القطاع الصحي والرقابي، والفوضى الذي يخلفها الإدمان وحالة الحرب وآثارها النفسية، يبدو أن الشباب في اليمن سيستمرون في مواجهة هذه المشاكل لسنين قادمة، إذا لم تضع السلطات الحلول لها بمواجهة الأسباب التي تدفع الشباب لاستهلاك هذه المواد؛ سواءً كانت الأسباب الثقافية المتعلقة بالمعرفة والثقافة الجنسية، أو تلك المرتبطة بالدور الرقابي للجهات المعنية على سوق الدواء وعملية الطبابة في اليمن.
مقال صحفي رائع، أما الموضوع فهو الأكثر إثارة للتفكير في وقتنا الحالي، واليمن ليس سوى أنموذح يمكن تعميم حالته على جميع البلدان العربية والمغاربية، وليس من انعدام المنطق في شيء القول بأنه هم عالمي مقيم. تحياتي الخالصة صديقي فاروق