يرى المستشرق الفرنسي إرنست رينان أن “العبقرية الفارسية” هي أحد ثلاثة عوامل أسهمت في بناء “الحضارة الإسلامية”، فهل تراجعت تلك العبقرية باتخاذ إيران لولاية الفقيه مرجعية للدولة؟ هل العبقرية الفارسية أثْرت الإسلام وأثَّرت فيه أم العكس؟ أم أن الإسلام في نسختيه السنية ثم الشيعية حدَّ من تلك العبقرية؟ وهل تخلت إيران عن إرثها القومي باتخاذها للمرجعية الشيعية؟ ولماذا تقدمت دولة الشيعة وتخلفت دول السنة؟
أطرح السؤال في صيغته الأخيرة، على افتراض أن وراء التقدم والتخلف عوامل دينية وخصائص مذهبية مثلت دافعًا للسعي نحو التقدم عند الشيعة، وحالت دونه عند السنة. هذا النوع من الأسئلة الذي يربط مسألة التقدم والتخلف بالدين قديم، فقد طرحه وزير خارجية فرنسا هانوتو قائلًا: “إذا كان الإسلام لا يحول دون التقدم كما يقول المسلمون؛ فلماذا إذًا تقدم المسيحيون في الغرب في حين تأخر المسلمون في الشرق؟”
لا شك أن للدين أثره في تقدم أو تخلف الأمم، لكن المسألة الدينية كما حللها إيريك فروم في كتابه "الدين والتحليل النفسي"، ليست "دينًا أو لا دينًا"؛ بل أي نوع من الدين؟
هل هو من النوع الذي يساعد على تطور الإنسان، وعلى الكشف عن قواه الإنسانية الخاصة؟ أم من النوع الذي يصيب هذه القوى بالشلل؟”
السؤال في شكله السابق يحصر سؤال النهضة في عامل واحد هو الدين أو المذهب الديني، ويلزم طرح السؤال على نحو يضع في الحسبان عوامل أخرى تسهم معًا في التقدم. الصيغة الأنسب للتساؤل برأيي هي: لماذا تسعى إيران نحو التقدم؟ بينما يقنع العرب بالوضع القائم؟
طُرح هذا السؤال بصيغ مختلفة من قبل المهتمين بمسألة التقدم والتخلف، وتوصلوا إلى إجابتين رئيستين: الأولى دينية تُرجع السبب إلى الابتعاد عن الإسلام، والأخرى موضوعية ترى أن “للتقدم الحضاري سُنَنا كما أنّ للانحطاط سُنَنًا وعوائد وأمارات وعلامات”. وبما أن هذه المقالة تتخذ من الحالة الإيرانية نموذجًا مقارنًا مع الحالة العربية؛ فقد تأملتُ في الوضعين الإيراني والعربي وخلصت إلى العوامل التالية التي أسهمت في نهضة الأمة الإيرانية:
- الإرث الحضاري الفارسي.
- طبيعة المذهب الشيعي وظروف تكوينه.
- وجود خصوم تاريخيين لإيران.
- القطيعة مع القومية العربية والمذهب السني.
دور العامل الفارسي
الشعب الإيراني شعب فارسي قبل أن يكون مسلمًا وقبل أن يكون شيعيًا، ولهذا العرق حضارة تمتد لآلاف السنين، وله مجد غابر مازال متغلغلا في الجينات الثقافية للشعب الإيراني الطموح لاستعادة ذاك المجد، وإن كان ذلك تحت عباءة جديدة؛ هي الثقافة الإسلامية الشيعية. وإذا أخذنا على محمل الجد اعتبارات بعض المفكرين من المستشرقين الذين يُرجعون عامل التقدم والتخلف إلى أصول آرية ولغوية؛ نجد أن العرق الفارسي يندرج تحت ما يسمى بالعرق الهند-أوروبي. وفقًا لهذه النظرية؛ فإن السعي نحو الصدارة مكتوب في جينات هذا العرق، والنهضة قدرها، خلافًا للعرق السامي الذي يميل للكسل والتواكل وتغييب العقل والطاعة العمياء والقناعة!
ربما يكون لامتزاج هذين العنصرين: العرق الفارسي والثقافة الفارسية، إضافة إلى العامل الجغرافي القريب من الحضارات السلافية، دور في التنميط الحضاري، وحتى لو قللنا من أهمية العامل الإثني واللغوي، يتبقى لدينا العامل المذهبي ودوره في مسألة النهضة، كما يتبقى أثر الإرث الحضاري والاحتكاك الجغرافي والثقافي بالحضارات القريبة المجاورة، وهي عوامل تنعدم أو تضعف بالمقارنة مع الحالة العربية. والفاصل الحضاري الذي عرفه العرب، إنما عرفوه بفضل المسلمين، وإليهم تُنسب الحضارة، فيقال؛ “الحضارة الإسلامية”؛ لأن أغلب الذين أسهموا في تشكيلها مسلمون من قوميات غير عربية.
ولأن الإرث الحضاري الفارسي ضارب بجذوره في عمق الثقافة الإيرانية، فربما يكون لغلبة العبقرية والثقافة الفارسية الدور الأكبر في سعي إيران نحو التقدم اليوم، وربما يعود الأمر أيضًا إلى جوهر الفكر الشيعي في جزئيّته الرافضة للاستكانة وعدم القناعة بالمكانة المتأخرة، وذلك خلافا للاتجاه الغالب في المذهب السني الذي يرى أن مشروع النهضة مرتبط بمدى القرب أو البعد من الدين.
طبيعة المذهب الشيعي
يقول المستشرق فلهاوزن: “إن حركة التشيع العلوي نشأت في تربة عربية خالصة، ويؤيد فلهاوزن في هذا الرأي المستشرق جولدتسيهر والبروفيسور آدم متز؛ فالعرب قد التفوا حول “علي” في بدء الأمر، ثم انحازوا أخيرًا إلى الحزب الأموي، وبهذا أخذ حزب التشيع يبتعد تدريجيًا عن البيئة العربية ويتجه نحو الفرس والموالي”.
هذا التشيع المطرود من البيئة العربية تلقفه الفرس الذين كانوا في الغالب- قبل ظهور الصفويين- من أهل السنة والجماعة. ولو تأملنا في طبيعة المذهب الشيعي لوجدنا فيه بذور الثورة والتمرد وعدم الخضوع أو الرضوخ للأمر الواقع والرغبة في مخالفة السنة وهي كلها عوامل تسهم في التقدم ونبذ التخلف خلافا للفكر الغالب في المذهب السني الذي يغلب عليه فكر التواكل، فضلا عن الثقافة الشعبية العربية القانعة بما قُسم لها.
يذهب علي الوردي في كتابه “وعاظ السلاطين” إلى أن عقيدة الإمامة عند الشيعة “في ثورة متواصلة جعلتهم لا يفترون عن انتقاد الحكام وعلى معارضتهم بالقول والفعل في كل مراحل تاريخهم؛ فهم يرون الحكومة غاصبة ظالمة ما لم يكن على رأسها إمام معصوم من آل البيت. والسبب في هذه الثورة المتواصلة أنهم وضعوا لنظام الحكم نموذجًا عاليًا جدًا، هو أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع، وهم يقيسون كل حاكم بما عندهم من مقاييس الإمامة المعصومة؛ فيرونه ناقصًا غاصبًا، وعلى هذا استمروا ثائرين في السر أو العلن على توالي الأجيال”، كما أن للشيعة نزعة عقلية؛ فهم “ورثة المعتزلة في نزعة التفلسف وحرية التفكير؛ فالمعتزلة ذابوا في التشيع بعد مطاردة الخليفة المتوكل لهم، وصبّوا معظم تراثهم الفكري فيه. ومن يقرأ كتب الشيعة في الأصول يجد التفلسف المعتزلي ظاهرًا فيها بوضوح”.
ويرى الوردي أن النهضة العربية الحديثة مدينة للفكر الشيعي، “فلو درسنا حركة التجديد التي قام بها الشيخ محمد عبده في مصر، نجد أن الذي بذر بذرتها ورعاها فقيه شيعي هو جمال الدين الأفغاني، وهو سيد علوي من إيران، تلقى علومه الدينية والفلسفية في النجف، وعندما ذهب إلى مصر أطلق على نفسه لقب الأفغاني من باب التقية، ولولا ذلك لما استطاع أن يُحدِث تلك الثورة الفكرية الكبرى في مصر”.
ثمة جوانب أخرى يلاحظها الوردي في مقارنته للحالتين الإيرانية والعربية من خلال المذهبين الشيعي والسني؛ منها أن فقهاء الشيعة عضدوا مختلف الثورات التي حدثت في إيران والعراق وسوريا في القرن العشرين. يمكن أن نضرب مثلًا بحركة الدستور التي قامت في إيران في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ودعمها رجال الدين بفتاواهم، ورفعوا راية تلك الحركة وهيجوا العامة في سبيلها، بينما ناهضها رجال الدين السُّنة في الدولة العثمانية وأفتوا بكفرها أو تفرنجها.
وبالرغم من أن قرآن المذهبين واحد؛ إلا أن التشيع “كان- كأي حزب ثوري آخر- يضع اللوم في فساد النظام الاجتماعي على عاتق الحكومة ويرفعه عن عاتق الرعية”، بينما حزب السنة -كان ولايزال- يضع اللوم على عاتق الرعية المحكومين، انطلاقًا من تفسير آية في القرآن تقول بأن ظهور الفساد في البر والبحر سببه ذنوب المسلمين؛ فالتقدم والتخلف مسألة إلهية ترتبط بدرجة القرب والبعد عن الله، وتنفيذ أوامره ونواهيه. مثال آخر يستشهد به الوردي، هو أن مصر لم تعرف الازدهار والحرية مثلما عرفته في عهد الدولة الفاطمية (الشيعية).
يجوز القول بأن الصفويين خدروا مذهب التشيع وروضوه وأزالوا عنه النزعة الثورية التي كانت لاصقة به في العهود السابقة وجعلوه مذهبًا رسميًا لا يختلف عن غيره من المذاهب الدينية الأخرى، وأن مشاركة المرجعيات الشيعية في ثورة 78م تأتي من باب الصراع على السلطة وبالسيطرة على الحكم يكف المذهب عن أن يكون ثوريًا. ويصح هنا القول إن إنجاح ثورة 78 ودعم الخميني من قبل الغرب ليكون قائدها، وتحويل إيران من واجهتها القومية إلى واجهة دينية، هدفه أن تكون هذه الواجهة عائقًا حضاريًا أمام النزعة التقدمية القومية من جهة، ومن جهة أخرى استنزاف إيران بالصراع الشيعي السني.
الاضطهاد التاريخي
يستشهد الوردي في هذا السياق بما لقيه الشيعة من الاضطهاد في عهد بني أمية، والذي لم يكن يختلف كثيرًا عما لقيه المسيحيون الأولون في عهد الرومان؛ فقد “أخذ ولاة بني أمية يتتبعون الشيعة وراء كل حجر ومدر، وصاروا يقطعون أرجلهم وأيديهم، ويصلبونهم على جذوع النخل، ومر على المسلمين حينٌ كانوا يفضلون فيه أن يقال لهم زنادقة أو كفرة، ولا يقال إنهم من شيعة علي بن أبي طالب”.
لعل للاضطهاد دورًا في استنهاض همة الإيرانيين لاحقًا حين يُولِّد الاضطهاد اعتدادًا بالنفس الجماعية للشعب المضطهد، ويخلق فيه ميلاً للتحدي والإصرار على التقدم والتميز بالحصول على عوامل القوة التي تمكنهم من الانتقام ولو بالنجاح. وهذا أمر لا غرابة فيه؛ “فالمضطهد يميل في سبيل التنفيس عن همه إلى إتباع ما يسمى في علم النفس الحديث بالتسامي”، الذي ينطبق على الأفراد كما على الجماعات.
وجود خصم تاريخي
يعطي المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي للعامل الجغرافي دورًا أساسيًا في تفسير الحضارة انطلاقًا من عامل (التحدي)، الذي يُعرفه مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة” بأنه “مذهب يفسر الحضارة كرد فعل معين يقوم به شعب أو أمة في مواجهة تحدٍ معين؛ فالتحدي يستلزم عمليًا تعاضدًا وتعاونًا بين أفراد مجموعة بشرية معينة يقتضي منها الرد على هذا التحدي بصورة جماعية متآزرة. وحسب مستوى التحدي وفعالية الرد عليه تكون الحضارة أمام ثلاثة احتمالات: إما أن تقوم بوثبة إلى الأمام، وإما أن تصاب بالجمود، وإما أن يصيبها الفناء. في هذا السياق يقول أمبرتو إيكو: “وحدهم أعداء الأمّة يقدرون على توفير هويّة لها”.
اتخاذ إيران لأمريكا وإسرائيل عدوين، منذ بداية عهد الثورة الإيرانية، إضافة إلى الصراع السياسي الإقليمي والديني المذهبي، بين الشيعة والسنة، خلق لدى إيران جوًا من التنافس والاستعداد، كما أن الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ عقود جعلها تعتمد على سواعد أبنائها وجهودهم الذاتية في التصنيع والابتكار والتطوير. ومن خلال هذا الحصار وعت إيران الدرس الذي علمته أمريكا للعالم بغزوها للعراق وأفغانستان، ذلك الدرس الذي لخصه نعوم تشومسكي- في كتابه “الهيمنة أم البقاء”- بلسان الولايات المتحدة: “إذا كنتم تريدون حماية أنفسكم منا، يُحسن بكم أن تحاكوا كوريا الشمالية وتشكلوا تهديدًا عسكريًا معقولًا”.
التحدي وعنصر الصراع ووجود خصم في حياة الأمة عوامل مهمة في تقدمها، وهي عوامل أثبتت فعاليتها في الحالة الإسرائيلية والحالة الأميركية أثناء الحرب الباردة، وبسقوط هذا العدو راحت أمريكا تبحث عن عدو آخر يكون ملهمًا ودافعًا من أجل مزيد من التقدم والسيطرة. وعلى الرغم من وجود خصوم تاريخيين للعرب، لكن هذا العنصر لم يستثمر بالشكل المطلوب، ويبدو من تأمل السياسات التي تتبعها الأنظمة العربية الحاكمة، كأن المنطقة تخلو من أسباب الصراع؛ فتراهم يتخبطون في سياساتهم ولا يحتكمون إلى استراتيجية محددة؛ فبدلًا من البحث عن تسوية معقولة للقضية الفلسطينية -وهي الأقرب والأولى والأكثر تأثيرًا على أمنهم- انشغلوا بتحرير أفغانستان من (الشيوعيين) تارة، ومن الأميركيين تارة أخرى.
حتى تنظيم (القاعدة) يعجز عن تحديد مفهوم العدو؛ فمرة أمريكا ومرة الحكام العرب، ومرة الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية قاطبة، وإلا كيف نفسر التفجيرات والأعمال الإرهابية التي يقوم بها أنصار وأتباع القاعدة والتي تستهدف الأبرياء في كل مكان!
دور القطيعة
يمكن اعتبار سقوط إيران في أيدي الصفويين (1502م) نوعًا من القطيعة الدينية المذهبية، يضاف إلى القطيعة القومية. وبهذه القطيعة المزدوجة تكون إيران قد حققت شرط القطيعة الحضارية -ولو جزئيًا-؛ لأنها لم تكن قطيعة بمعناها الجدلي (الهيجلي) الذي يضمن التجدد، مع ذلك فقد مكنتها من إعادة فهم الإسلام وفقًا للروح الفارسية وجوهر المذهب الشيعي، وهو ما لعب دورًا في إثراء التجربة الإيرانية الحديثة.
وفي سياق المقارنة بين المذهبين الشيعي والسني؛ لابد من ملاحظة الفارق في مستوى العقلانية الفقهية؛ خصوصًا المعاصرة منها؛ ففي السياق الشيعي نجد أن الشيخ المطهري كان يرى ضرورة تأسيس كرسي لتدريس الماركسية في جامعة طهران؛ على أن يكون أستاذ هذه المادة ماركسيًا حقيقيًا، وهو يرى أن كتب الماركسية لا تعد كتب ضلال إذا كانت تنطلق من موقع الفكر والبحث العلمي.
هذا لا يعني أن المطهري، مثله في ذلك مثل أغلب الفقهاء، “استطاع أن يتعامل مع جميع مفردات العقيدة والفقه من منطلق العقلانية، ويعبر من مرحلة (العقل الخادم والمدافع) إلى مرحلة (العقل الناقد)، لكن لابد من الالتفات إلى أن الأدلة التي ذكرها الشيخ المطهري حول حرية الفكر كلها أدلة عقلية وغير فقهية” مما يعني أن “مثل هذه المعرفة الدينية العقلانية ممكنة في هذا العصر”، كما يذهب عبدالكريم سروش في كتابه “الدين العلماني”. وتفسير مرونة الفقه الشيعي في تقدير سروش “ليس هو التوفيق في مقام إيجاد الحلول للعقبات الفقهية؛ بل بسبب كونه متوافقًا مع عقلانية الأقوام السابقة”؛ أي مع التراث العقلاني الفارسي.
صورة أخرى من صور العقلانية الفقهية الشيعية، تتمثل في إرجاع حكم الطلاق إلى المحكمة الشرعية خلافًا لما كان في السابق؛ حيث كان حكم الطلاق بيد الزوج يوقعه حيثما شاء، حتى إذا كان بدون مبرر. وكذلك “ورود عنصر المصلحة في عملية التقنين والتفقه، وتأسيس هيئة عليا لتشخيص المصلحة كما في الجمهورية الإسلامية، كل ذلك من مقومات الفكر والعقل الديموقراطي”.
لكن مثلما أن النزعة الثورية والعقلية في المذهب الشيعي عامل دفع نحو التقدم والبناء، يمكن للمذهب نفسه أن يكون عامل هدم وتأخر. فالملاحظ أن رجال الدين في إيران اليوم يمثلون التيار المحافظ الرجعي الذي يعيق كل مطالب التيار الإصلاحي التقدمي. ويبدو أن مرجعية (ولاية الفقيه) ولاعقلانية كثير من فقهاء الشيعة، وقمع الحريات بمختلف أشكالها تقف عائقًا أمام استكمال نهضة إيران.
والخلاصة أن آلية ما قد تكون أداة لإنجاز مشروع نهضوي تقدمي في زمن ملائم لها، لكن الآلية نفسها قد تعجز عن مسايرة التقدم حين تبلغ مرحلة الشيخوخة. لذا ينبغي النظر دائمًا إلى الآلية التي نسعى بها من أجل التقدم. بعبارة أوضح؛ قد تفرض الظروف التاريخية استخدام مرجعية تكون مناسبة لتلك الظروف، فتنجح في قطع شوط مهم من مشوار النهضة.
لكن الإصرار على استخدام المرجعية نفسها في ظروف تاريخية أخرى ومتغيرة يؤدي إلى السقوط. هذا ما حدث، على سبيل المثال، مع التجربة الماركسية التي أحدثت نهضة ما في الاتحاد السوفيتي ثم صارت عامل هدم، وهذا ما قد تؤدي إليه مرجعية “ولاية الفقيه”، إن لم تُستكمل شروط القطيعة بالمعنى النقدي الضامن للحريات، ويبدو أن تحقيق هذا الشرط قد تجاوزته الأحداث الأخيرة؛ فما لا يتحقق بالإصلاح تنجزه الثورة.
- الآراء الواردة في المقال من حق الكاتب ولا تعبر بالضروروة عن شبكة مواطن الإعلامية