يبدو أن صناع الدراما البدوية اختاروا الأردن لتكون مركزًا لصناعة هذا النوع من الأعمال، وربما يعود ذلك إلى اعتبار الأردن المثال الكلاسيكي للدولة القبلية، أو أن دراسة نمو وتطور المجتمع القبلي تبدأ من المملكة الهاشمية، التي لطالما حافظت بيئتها العشائرية والقبلية على ثقافة البدو حتى هذه اللحظة، من تراث ولغة وأسلوب الحياة البدوية بشكل عام.
فما الفرق بين البدوي والخليجي؟ وما الأسباب الحقيقية التي جعلت الأردن محل تصدير وتكريس الثقافة البدوية؟ ومن يدفع فواتير إنتاج هذه المواد الفنية؟ وما هدف هذه الصناعة؟
الدراما البدوية؛ ما هي؟
تعتبر الدراما البدوية هي أحد أنواع الدراما التي تعالج وتنقل واقع حياة أهل البدو في الصحاري وكيف يعيشون، بما في ذلك أساليب حياتهم وملابسهم وقضاياهم، وتنقسم حياة البدو إلى قسمين: الأول هو حياة البدو القديمة التي تنحصر في رعي الأغنام والسير في الصحراء بحثًا عن الماء والطعام، والثاني انتقال البدو إلى الحداثة ومحاكاة العصر، وربما هذا المشهد يغيب عن وعي الدراما الأردنية التي تركز على ماضي البدو فقط، دون التطرق الدرامي لرصد واقع البيئة البدوية وحياة البدوي التي تغيرت وتغلغلت فيها الحداثة والانفتاح المجتمعي، حتى لو أن البدوي لازال محافظًا على لهجته البدوية وتراثه، فإنه تأثر بالتأكيد بالتطور الثقافي على المجتمعات من حوله.
ما الفارق بين البدوي والخليجي؟
يظن الكثيرون أن البدوي هو نفسه الخليجي، أي أن جميع مواطني الخليج هم البدو، وهذا خلط واضح؛ فالخليجي ثقافيا هو من يسكن الدول التي تقع على شاطيء الخليج، ويشمل حتى سكان إيران والبصرة بجنوب العراق فعليًا، ولكن وسائل الإعلام أطلقته على جميع سكان دول مجلس التعاون الخليجي العربية الست، وأخرجت سكان إيران والعراق من التسمية، بينما البدوي هو من عاش حياة البداوة بالصحراء.
يؤكد الفنان التشكيلي السعودي مشعل العامري في حديثه لمواطن، أن التسميتين؛ “البدوي والخليجي” تسميات ملتبسة، بسبب حروب سياسية وإعلامية وردات فعل من أهل الخليج، ويضيف: “عند عرب الشمال في سوريا وفلسطين والعراق، نجد أن البداوة سبة وعار للشخص الذي يمارسها، لأنها ملازمة للتخلف والجهل، بينما يراها أهل الخليج فخرًا وانتماءً وأصالةً لأنها تفرق بين ابن القبائل العريقة، وبين المتمدن الحضري ساكن المدن الذي جاء من وراء البحار عبر البحر”.
الدراما البدوية، في الأردن.. ماذا تناقش؟
بالقطع لا تساعد الدراما البدوية الأردنية المرأة في من التخلص من الأفكار المقيدة لها؛ فلا زالت بحاجة لكثير من الدعم ولكثير من الأعمال التي تدعم هذا التوجه، ويشير الممثل الأردني جميل براهمة، في حديثه لمواطن، إلى مسرحية “حليمة” للكاتب المسرحي محمد البطوش، إخراج محمد الضمور، التي قدمتها فرقة مسرح الرواة المقدسية، ضمن فعاليات مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 2004م، وتدور أحداثها حول قضايا الشرف في البادية؛ حيث كانت حليمة ضحية للمفاهيم الثقافية السائدة وأحاديث الناس، فيما أن الكثيرين اعتبروا هذا العمل أحد أبرز جماليات الموروث البدوي الشعبي الذي ينبع من أخلاق بدو الأردن، ويضيف براهمة : ” مسرحية حليمة أفضل عمل كونه تعرض وطرح قضايا الشرف، فيه بعض المناطق من الوطن خاصة الريف والبادية.
بحسب تصريحات، ليث نصراوين، أستاذ القانون في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية، أن مصطلح جريمة شرف أو جرائم الشرف، لا يوجد لها سند قانوني في الدستور الأردني؛ بل يتم تداول هذا المصطلح داخل المجتمع الأردني، مؤكدًا أن الشخص الذي يرتكب جريمة قتل في حق إحدى محارمه؛ فإنه يعرض للمسألة القانونية، ويتم محاسبته بأحكام مخففة، بخلاف ما كان قبل عام 2001م؛ حيث كان الرجل لا يعاقب ولا يحاسب إن قتل إحدى محارمه إذا ما أمسك بها متلبسة في جريمة زنا، وبعد التعديل على المادة 98 من قانون العقوبات الأردني، أصبح للمرأة الحق في الحصول على الحكم المخفف حالة الإمساك بزوجها متلبسًا في جريمة زنا، وفي عام 2011م تم تقديم مشروع لتعديل العقوبات الأردني بهدف إزالة العذر المخفف في جرائم القتل، لكن المشروع قوبل بالرفض من قبل مجلس النواب الأردني، ويصل عدد حالات جرائم الشرف في الأردن 20 جريمة قتل ترتكب سنويًا ضد النساء بزعم الشرف، وفق ما أعلنت عنه جمعية معهد تضامن النساء الأردني.
التكرار في دراما "البدو"
منذ ما يزيد عن 50 عامًا وتقدم الدراما البدوية الأردنية نفس الصراع في معظم الأعمال الفنية التليفزيونية؛ إذ لا تخرج عن إطار نزاع على منصب شيخ العشيرة وقضايا الثأر وقصص الحب، ثم تأتي بيئة الأحداث مخالفة للواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية المعاصرة؛ إذ دائمًا ما تظهر صحراء قاحلة. ويمثل لنا مسلسل “جلمود الصحاري” أحد الأعمال الفنية البدوية التي تظهر فيها المرأة بلا قيمة، لا تستطيع أخذ حقها في التعليم إلا بموافقة والدها شيخ العشيرة الذي يجبرها على الزواج من شخص لا تقبله، وهو ما يكرس صورة بائسة للمرأة، ويحصر دورها في الحياة على الزواج وإنجاب الأطفال وخدمة الزوج، وهي صورة متكررة في معظم الأعمال الدرامية البدوية، والتي تختلف عن الصورة الواقعية التي أصبحت عليها المرأة العربية الآن داخل مجتمعاتها، لكن الأمر يدعو إلى تساؤل هام؛ وهو لماذا الأردن بالتحديد اختيرت لتكون مصنع الأعمال البدوية الدرامية؟ يجيب على هذا التساؤل براهمة، قائلًا: ” الدراما البدوية اشتهرت بها الأردن وأبدعت فيها حتى أصبحت رائدة في الدراما البدوية، لذلك تطلب المحطات الخليجية أعمالاً بدوية من الأردن”.
شركات الإنتاج الخليحي ودورها
تحتل الأعمال التليفزيونية البدوية الأردنية مكانة خاصة لدى المشاهد الخليجي الذي يطلبها وبشكل خاص، والتي تمثل له جزءً من تراثه الثقافي، وتقول الكاتبة الأردنية سميحة خريس في تصريحات خاصة لمواطن، أن العادات البدوية موجودة فقط في بعض المسلسلات التي تُطلب تحديدًا من دول الخليج، بينما معظم الدراما الأردنية تلفزيونيًا ومسرحيًا وسينمائيا لا تتطرق لها”.
تعتبر قناة "بدوية" واحدة من القنوات الفضائية السعودية المتخصصة في بث المواد الفنية البدوية القديمة والحديثة من المسلسلات البدوية، وأيضًا الأفلام البدوية، تم إطلاقها عام 2013، وتركز على نقل حياة البدو في المملكة وحياة البدو في جميع البلاد العربية بشكل عام.
من أبرز المسلسلات التي تعرض من خلالها مسلسل “آخر الفرسان” 2002، وهو عمل تليفزيوني من إنتاج الشركة العربية للإنتاج دبي، وكذلك مسلسل “الدمعة الحمراء” 1980، من إنتاج السعودية، ومسلسل “عيون عليا” الذي تم إنتاجه بشراكة بين تليفزيون MBC والمركز العربي للإنتاج الإعلامي بالأردن، إضافة إلى مسلسل “عيون ترقب الزمن” الذي تم إنتاجه بشراكة السعودية وسوريا.
ساهم تلفزيون دبي، التابع لمؤسسة دبي للإعلام في إنتاج العديد من الأعمال الدرامية البدوية، ومن أبرز أعماله مسلسل نمر العدوان، 1975م، ومسلسل رجم الغريب، إلى جانب مؤسسة الخليج للأعمال الفنية بدبي، التي أنتجت العديد من الأعمال الدرامية البدوية التليفزيونية، من أبرزها مسلسل محاكم بلا سجون، 1985م.
يعد مسلسل “طوق الإسفلت” من أبرز المسلسلات البدوية الذي أنتجته شركة أبوظبي للإعلام، كما قامت قطر بإنتاج مسلسل “سيف الدحيلان” 1982م، وغيرها من الأعمال الفنية البدوية الأردنية التي تم إنتاجها بتمويل من دول خليجية.
إن تسويق المجتمعات الخليجية للإرث البدوي يأتي في إطار خدمة السياسة للأنظمة الحاكمة، التي اعتمدت في تسويقها على ثرواتها النفطية وقدراتها المالية. حسبما يرى الباحث البحريني، عباس المرشد في مقالة بعنوان: “الانتفاضة ضد الإرث البدوي لدول الخليج وفتح مجتمعاتها” منشورة في صحيفة البيت الخليجي.
كانت الدراما الأردنية البدوية تنافس الدراما المصرية، وبسبب موقف الأردن من حرب الخليج عام 1990م، قاطعت الدول الخليجية الأعمال الدرامية الأردنية، وتراجعت في تلك الفترة، حينها رفضت شركات الإعلان رعاية أي عمل فني يحمل الجنسية الأردنية، بالرغم من أن الأعمال الدرامية كانت تصنع خصيصًا بناءً على مزاجية المحطات الخليجية.
لماذا يتم إنتاج الدراما البدوية في الأردن؟
يذهب المنتجون الأردنيون إلى إنتاج الدراما البدوية، التي تعتمد على تسويقها في سوق الخليج، وهو السوق الذي يتعطش لها، لأن الدراما الحديثة تنتشر في العديد من القنوات الفضائية وتشرف على إنتاجها مصر ولبنان وسوريا، وتكلفتها عالية بعكس الدراما البدوية التي تنخفض تكلفة إنتاجها، في الوقت الذي يفتح لها المشاهد الخليجي الأبواب، حتى التصقت الدراما البدوية بالأردن دون غيرها، على الرغم أن هناك أعمالاً درامية حديثة تنتجها الأردن، إلا أنها لا تحظى بالقبول أو الاهتمام.
ويقول المخرج والممثل الأردني إياد شطناوي، المدير التنفيذي لمهرجان المسرح الحر الدولي في حديثه لمواطن، إن تكلفة إنتاج المواد الفنية البدوية انخفضت مع مرور الزمن، ووصلت تكلفة إنتاج العمل الدرامي الواحد إلى ما لا يزيد عن 600 ألف دينار أردني، بعكس الأعمال الحديثة التي تصل تكلفتها إلى الملايين، ويضيف: ” إنتاج المواد الفنية البدوية يتم لجني الأرباح؛ سواء تمت بإنتاج أردني أو إنتاج خليجي، ومن خلالها يتم تكريس الموروث الثقافي البدوي بكل ما فيه للأجيال، وتكرس الدراما البدوية عادات وتقاليد تخلت عنها المجتمعات العربية ولم تعد باقية الآن”.
يعتبر مسلسل “الحنين إلى الرمال” أحد الأعمال الدرامية البدوية التي تكرس للمفاهيم الثقافية القديمة، وقد شارك بالعمل فيها شطناوي، وتدور أحداث المسلسل حول شخص يدعى عفاش، يهجم على مجموعة من القبائل ويجور عليهم، وينهب أموالهم وممتلكاتهم، لكن أحد شيوخ هذه القبائل ويدعى رتعال، ينجح في التصدي له ومواجهته، وقد علق علي فريج، وهو كاتب ومخرج أردني، على شخصيات المسلسل بأنها متكررة والسياق الدرامي متكرر ولا يقدم للمشاهد جديدًا.
المرأة والدراما البدوية
إن الأعمال الفنية الدرامية التي تبتعد عن الخط البدوي تكون مرفوضة جماهيريًا؛ سواء على الشاشة المحلية أو الشاشات الخليجية، وإن كان هناك تغير واضح في أي مجتمع عربي؛ فإن ذلك لا يغير من حاجة المشاهد إلى العمل الفني البدوي، ويضيف شطناوي، قائلًا: “حتى الأعمال الحديثة تمضي في إطار البداوة والثقافة البدوية، إننا نرفض إضفاء أي نوع من الحداثة خاصة المشاهد التي تثير نوعًا من الانفتاح خوفًا من انحراف المشاهد”.
لم يكن مسموحًا للمرأة الأردنية في الماضي تجسيد أدوار فنية بالأساس، وكان ينظر لمشاركة المرأة بجانب الرجال في الأعمال الفنية بأنه شيء مخجل يخرج عن إطار العادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف بالأردن؛ مما جعل صناع الأعمال الفنية يلجأون إلى حيلة ارتداء الممثلين من الرجال للملابس النسائية والقيام بدور النساء؛ خاصة أن المجتمع الأردني نفسه كان لا يقبل مشاركة المرأة في الفن، وبفضل جهود نسائية استطاعت المرأة أن تدخل حلبة الدراما، لكن الأعراف البدوية التي ظلت تقلل من قيمة ودور المرأة مجتمعيًا أحد أبرز المظاهر التي طغت على الكثير من الأعمال التليفزيونية.
وتعلق الناشطة الحقوقية ديما الخرابشة، على هذا خلال حديثها لمواطن، بأن بعض الأعمال الفنية لازالت ترسخ الأفكار النمطية حول المرأة، والدور الذي تقدمه في المجتمع، كما قارنت مستوى الأعمال الدرامية الأردنية وما يجاريها من أعمال درامية في مصر وسوريا، لتؤكد بذلك أن الفن في الأردن ضعيف بالمقارنة مع المستوى المحيط به، وتضيف: “الفن الأردن بعيد جدًا عن الانخراط في تقديم القضايا المجتمعية بشكل عام وقضايا المرأة بشكل خاص”.
لاشك أن الاهتمام بقضايا المرأة فنيًا يخلق نموذجًا حقيقيًا يراه المجتمع ويقتدي به من خلال مواءمة التشريعات للحفاظ على حقوق المرأة وحمايتها، وأن تلمس الدراما حياة المرأة اليومية، وبحسب خرابشة؛ فإن الدراما الأردنية تحتل فيها الأعمال البدوية الحيز الأكبر، وبسبب ذلك فإنها لا تغطي حاجة المشاهد إلى التنوع أو إعطاء صورة حقيقية لوضع المرأة، وفي بعض الأحيان تكرس وجود المرأة في المنزل لتربية الأبناء أو معلمة في أحسن الأحوال.
هل تعبر الدراما البدوية عن واقع البدو اليوم؟
يتقاتل أبناء القبيلة حول ابنة الشيخ ذات العيون الساحرة، لكن الفارس بينهم هو من يستطيع الفوز بها، بعد أن يأخذ الثأر من القبيلة المعادية التي هزمت قبيلتهم بالغزو، ثم يتزوج الفارس من ابنة الشيخ ويتولى قيادة القبيلة بعد وفاة أبيها، ربما تكون هذه اللقطة الدرامية هي القصة الرئيسية التي تقتبس منها أغلب روايات الدراما البدوية التلفزيونية، فهل تعبر هذه الدراما عن واقع البدو المعاصر؟ يجيب على هذا التساؤل، قس بن سعادة، من بدو السعودية، في حديثه لمواطن، قائلًا: “من أحداث وقصص ممكن يصير، لكن من ناحية لبس أو طريقة كلام لا فيها أخطاء وتهويل مثل مسلسل غليص”.
ربما لا تعبر الدراما البدوية في الأردن عن الواقع المجتمعي لا للأردن نفسه، أو لأي دولة خليجية أو عربية؛ إذ لم تعد حياة العرب تعتمد على المراعي في الصحراء، ولا يعيش العرب في الخيام كما كان قديمًا، وقد بات التطور الثقافي والتكنولوجي يغزو كل بيت عربي.
انصرف بعض من محبي الأعمال البدوية عن متابعتها بسبب ضعف الدراما، بينما الفنان التشكيلي السعودي مشعل العامري انصرف عن متابعة هذه الأعمال بسبب تحولها من فن إلى تجارة؛ حسب قوله ويضيف: “المسؤول عن التلفزيون يتابع رغبات الشيوخ والمسؤولين الذين يعشقون مثل هذه المسلسلات، ويعتقد أن الشباب يعشقها، ولم يجر أي دراسة لمعرفة اتجاهات واهتمامات المشاهدين خصوصًا من الشباب”.
صحراء ونزاعات بين القبائل وثأر، حب وأشعار وزواج، رعي للأغنام وحياة في الخيام، هل هذه حياة البدو؟ لم تتغير؟ وهل ظهرت هذه التغيرات على الدراما؟ يقول خالد قمبر، أحد سكان الخليج، في حديثه لمواطن، إن القصص الدرامية التليفزيونية متشابهة ومبالغ فيها، ويسيطر عليها مشاهد القتل والجرائم، وتصور للمشاهد عكس ما يعيشه البدوي في الصحراء، ويضيف: “حياة البدو الكويتيين اختلفت، ماعندناش بدو عايشين في الصحراء وخيم، دلوقتي البدو تحضروا وساكنين في بيوت فارهة، وفيهم المثقف والدكتور والمهندس والمدرس، ولكن أغلبهم محافظين على لهجتهم البدوية”.