النساء لا يشتكين من أول مرة يحدث فيها الاعتداء الجنسي، حينما يكون من الشريك الحميم، حسبما تروي سارة، إحدى ضحية اغتصاب زوجي
الاغتصاب هو إكراه الضحية -ذكرًا كان أو أنثى أو جنسًا آخر- على إقامة علاقة جنسية كاملة أو غير كاملة دون موافقة تامة وصريحة، ويكون بالإكراه المادي أو المعنوي. ونظرًا إلى أن جل القوانين لم تحدد هوية المعتدي، فإن صفة الزوجية لا تتيح الحق للقرين إجبار القرين على القيام بعلاقة حميمية. وإن حدث الإجبار الجسدي من أحد الزوجين يعرف هذا بالاغتصاب الزوجي.
سارة اسم مستعار لامراة تونسية متزوجة ولها طفلة، عانت من الاغتصاب الزوجي لمدة 6 سنوات متتالية، كانت تجد في البداية أعذارًا لزوجها على هذه الفعلة بها، سلمت راضخة لرغباته في طلب الجماع بأي وقت، حتى أثناء فترة حيضها.
وتضيف لمواطن بأنها حين قامت بالشكوى إلى والدتها قالت “أحمدي ربك أنه لا يخونك خارج البيت وهذا دليل أنه يحبك أنت”. لم يستمر الوضع كثيرا، حتى بدأت تشعر بالاشمئزاز منه عندما جامعها مباشرة إثر ولادتها؛ كان فرجها مازال يحمل جروحًا وغرزًا، فأصبحت ترى إنه لا يكن لها مثقالا من ذرة حب؛ وكل ما يبحث عن متعته فقط.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، وبدء يطلب جماعها من الخلف، “بعد الولادة أصبح فرجها واسعًا” حسبما قال لها، وهذا لا يسعده، مما أشعرها بالسوء، دخلت في حالة اكتئاب حاد، وتوقفت عن إرضاع ابنتها، أصبحت تكره وجود زوجها في البيت، وكرهت الابنة كذلك لأنها الرابط بينها وبين بيت الزوجية التعيس.
وتضيف: “أكد لي أنني مجرد ثقب، بل ثقب سيء اتسع بعد الولادة”. فاتحت زوجها حول إنه لا يفكر مطلقًا في رغبتها الجنسية وامتاعها،اعتبر الأمر إهانة لرجولته، واتهمها بإقامة علاقات قبل زواجهما، تدهور الأمر كثيرًا بعد هذه المحادثة، وتضيف: “أصبحت أفيق على استمنائه فوق وجهي، وفي أيام أخرى على عضوي داخل مني، وأنا مقيدة بحبال في السرير.
في النهاية توجهت للمحكمة طلبًا للطلاق، فأفاد القاضي أنه ليس هناك ما يثبت نية الرفض الجنسي أو وقائع اغتصاب كما تدعي، لتجدها نفسها أمًا لطفلة، وامرأة مطلقة بدون حقوق مالية.
يبقى قرار الانفصال عن الزوج المسيء، والممارس لتجاوزات جنسية في حق زوجته ليس أمرًا سهلاً؛ إذ تتحمل الضحية الكثير من اللوم، دون أن تجد من يقف في صفها.
تؤخذ دائمًا تونس كمثال للبلدان المتقدمة عربيًا في مجال حقوق النساء، ولا يمكن إنكار أنها قطعت شوطًا كبيرًا في مسار تكريس المساواة التامة بين الجنسين؛ لكن مع هذا تبقى المرأة التونسية شأنها شأن جميع النساء العربيات؛ تعاني من الاضطهاد والعنف المؤسس على أساس جندري داخل مؤسسة البيت والفضاء العام.
الاغتصاب الزوجي، من أين؟
تقع حوادث الاغتصاب الزوجي على الرجال بنسب لا تذكر، كما أن الرجل الرافض للعلاقة الحميمية يواجه تحديات وضغوطات نفسية كثيرة، كالتشكيك في قدراته الجنسية، بالإضافة إلى الخجل من الاعتراف بأن الرجل يتعرض للاغتصاب، نظرًا للخلفية الاجتماعية التي ترجح أن الذكر هو القائم والمبادر بالفعل الجنسي.
والنسب العالية في صفوف النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي، مرده الخلفية الاجتماعية، التي ترسخ فكرة أن عقد الزواج يخول للزوج امتلاك الزوجة، وهذه الملكية تخول للشخص حرية التصرف فيما يمتلك.
ونظرًا لأن بعض الأفكار الدينية تعتبر عقد الزواج هو عقد نكاح، ويحق للرجل ممارسة الجنس مع زوجته متى شاء، بموافقة منها أو بدون؛ يصل الأمر إلى أنه ليس من حق الزوجة الرفض، إذ تعد الزوجة ناشزًا.
مع إن الاغتصاب الزوجي يصنع حالة من النفور والبرود تجاه الشريك وغيابًا للمتعة الجنسية، هذا بالإضافة إلى كون الاغتصاب حتى بين الأزواج يعد جريمة، وتصفها القوانين والمواثيق الدولية بأنها ضرب من تهديد السلامة الجسدية والنفسية، ويمكن أيضًا وصفها بالتعذيب.
تضيف لمى (اسم مستعار) لامرأة مغربية تعرضت إلى تمزق مهبلي جراء الاغتصاب المستمر من قبل زوجها، كما تعرضت للحبس أكثر من 20 يومًا في البيت حتى لا تتلقى علاجًا، وتحصل على شهادة طبية تدينه بعد تعرضها لنزيف، في النهاية رفعت دعوى ضده، وتمت إدانته وحكم عليه بـ3 سنوات سجنًا.
يعد الاغتصاب الزوجي في المغرب أكثر من 67% من النساء يعانين من العنف عامة، و28 % يعانين من العنف الجنسي، بالإضافة إلى أنواع العنف الأخرى الاقتصادية والبدنية والنفسية. كذلك تعتبر النساء الأميات الأكثر عرضة للعنف بنسبة 30.38 في المئة، ويظهر أنه كلما ارتفع المستوى الدراسي للمرأة كلما قلت نسب تعرضها للعنف، حيث سجلت أقل نسبة وهي 7.63 % لدى من لديهم مستوى جامعي.
غالبا ما تبدأ الحياة الزوجية في العالم العربي بالخوف، وخاصة مع تلك العادات التي تطالب بمنديل العذرية في ليلة الزفاف،يجب على الزوج في هذه الليلة أن يثبت فحولته ورجولته، ويجب على المرأة أن تثبت شرفها وعفتها.تخيل أن هناك اشخاصًا خلف الباب ينتظرون أن تنهي تجربتك الجنسية الأولى، ينتظرون نتيجة الجماع.
سعوديات ومصريات ضد الاغتصاب الزوجي
لا تقف معاناة النساء مع الاغتصاب على تونس والمغرب، بل تمتد إلى كامل البلدان العربية تقريبًا، بسبب عدم اعتبار القوانين في تلك البلاد، إجبار الزوج للزوجة على ممارسة الجنس جريمة.
في مصر خرجت مصممة الأزياء ندى عادل إلى العلن والتصريح بأنها تعرضت للاغتصاب الزوجي من قبل طليقها المخرج تميم يونس، اشتهر تميم بأغنيته “عشان تبقي تقولي لأ” . تبرز كلمات الأغنية نظرة ذكورية للمرأة، وعدم قبول الرفض من امرأة.
وفي سياق آخر خرجت المصرية جيهان صبحي تواجه الكاميرا، وتخبرنا بقصتها بكل شجاعة وتقول للجميع: إن جسدي ليس مملوكًا لأحد”، بعد صراع طويل مع الاغتصاب الزوجي والعنف، بالإضافة إلى تطبيع الأهل مع عنف الزوج؛ الأمر الذي أدى بها إلى محاولة الانتحار.
كما دشنت نساء من السعودية هاشتاج سعوديات نطالب بتجريم الاغتصاب الزوجي، في العام 2019، ومن خلاله خرجت النساء السعوديات عن الصمت، مع قصص الاغتصاب الزوجي.
وحده من صديقاتي كانت عليها الدوره بيوم زواجها والمسعور زوجها ماقدر يتحمل ويوم عرف ان عليها الدوره قعد يسبها ويقول كان المفروض ترتبين الوقت زين وسوا معها الي يبيه غصب عنها ودخلها بحاله نفسيه موكويسه💔
— فاطِمة بِنْتُ إيمَان 🎨🦉 (@Tamiyeon) August 22, 2019
مع العلم ان المسعور هذا قريبها #سعوديات_نطالب_بتجريم_الاغتصاب_الزوجي
وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة عن الاغتصاب الزوجي في السعودية وفي الخليج العربي إجمالاً، إلا أن هذه الهاشتاج، ساهم في تعرية الوضع السائد الذي ينذر بالخطر.
الاغتصاب الزوجي بين الدين والعادات
يجرم الشرع الإسلامي رفض الزوجة لفراش الزوجية رغم أنه لا يحرم امتناع الزوج عن زوجته وذلك حسب الحديث: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح”، وهو ما يعد عقبة في طريق تجريم الاغتصاب الزوجي في العالم العربي والإسلامي.
والسبب الشرعي الذي بمقتضاه يمكن للزوجة اجتناب زوجها هو الحيض وصوم رمضان.. الخ من الحالات التي ضبطت بنص واضح، أما التعب النفسي والوضع النفسي فهي لا تعد أسبابًا يمكن الاستناد عليها شرعيًا.
تعلق ماجدة الحداد لمواطن، وهي تربوية وناشطة نسوية يمنية، “الاغتصاب الزوجي يأتي من شريك عنيف ومعتاد على ممارسة العنف عامة، وتضيف كلما كانت المرأة متعلمة ومستقلة ماديًا كلما قلت نسبة العنف المسلطة عليها؛ فالمرأة المعتمدة كليًا على الرجل تجعل هذا الشريك يسمح لنفسه بفعل الأذية لأنه يعلم أنه ليس لها الوسائل الأساسية لتتخلى عنه أو تستقل بنفسها.
ترى الحداد أن التقاليد والعادات التي تورث معتقدات تفيد بأن المرأة يجب أن تكون مطيعة، وتؤكد النصوص الدينية على هذه الطاعة، وهو ما يكرس شرعية فعل الاغتصاب الزوجي، وينزع عنه صفة “الاغتصاب”.
تضيف الحداد أخيرا “أن فكرة امتلاك الرجل لزوجته؛ كإحدى مسببات الاغتصاب الزوجي، وهذه الفكرة متواجدة عالميًا وليس عربيًا فقط”. وهو ما يجعل المعاناة عالمية لكل النساء، وإن بقت في أوطاننا أشد، إذ لا يوجد اعتراف قانوني أو شرعي، ولا مجتمعي يدين الاغتصاب الزوجي.