ما نسبته 83% من الكويتيات المتزوجات يتعرضن للعنف اللفظي، 80% يهددن بالعقاب، 50% تقيد حرياتهن الشخصية، 48% يُساء لهن في فترة الحمل والولادة، 33% يعشن تجربة عنفٍ جنسي، و 26% يتعرضن لعنف جسدي. كانت هذه نتائج دراسة اجتماعية أكاديمية تدرس سلوك العنف تجاه الزوجات في المجتمع الكويتي العام 2012.
الأرقام في 2022، تتزايد عن تلك في الدراسة قبل عقدٍ مضى، في حين تمضي الإصلاحات التشريعية والسياسات التنفيذية في توفير الحماية للمرأة الكويتية من العنف ببطءٍ شديد وقصورٍ يعرض حياة الكثيرات للخطر والموت، كما في حالات شهدها المجتمع الكويتي؛ فعلى الرغم من هذه الأرقام التي تظهرها الدراسة ودراسةٌ آخرى العام 2013 لوزارة الشؤون الاجتماعية، كانت إجراءات توفير الحماية للمرأة هو فتح مركز إيواء العام 2017 دون تفعيل، ليبقى مغلقًا في وجه المعنفات بحجة غياب القوانين واللوائح التي تنظم عمله والجهات المسؤولة عنه حتى نهاية العام 2021.
عنف أسري وخوف من الحديث
الباحثة الحقوقية في “Human Rights Watch” روثنا بيغم، ذكرت أنها استمعت لشهادات نسوةٍ كويتيات تعرضن للعنف من أقاربهن، أولئك اللاتي ذهبن لطلب الحماية من الشرطة تم ضدّهن حسب زعمها. البقية يخفن الحديث أو طلب الحماية.
عذراء الرفاعي، محامية وناشطة حقوقية كويتية تعمل في مبادرة فريق إيثار على تقديم الحماية للنساء المعنفات طوال أعوام مضت، في ظل غياب مراكز الإيواء، تقول في حديثٍ لها مع مواطن إن المشكلة الحقيقية في عدم الإبلاغ عن حالات العنف في ظل الأرقام التي تظهرها الدراسات هي آلية الإبلاغ نفسها.
تقول عذراء: “المرأة الكويتية تتمتع بالحماية القانونية منذ زمن وفق التشريعات القانونية، إلا أن استخدام حق الحماية وآلية التبليغ كانت سببًا بامتناع الإناث من التبليغ، وبتشريع قانون رقم 16/2020 بشأن الحماية من العنف الأسري قد نظم آلية تبليغ والتحقيق لتجعلها أكثر تنظيمًا للأسرة؛ فالنيابة العامة هي المختصة بذلك حاليًا مع وجود القانون والتنظيم لآلية الاستقبال وتحريك شكوى”.
تذكر الرفاعي أيضًا أن وزارة الشؤون الكويتية قامت بنشر دراسة حول العنف الأسري في المجتمع الكويتي، ووجدت أن نسبة 98.4 في المئة يؤكدون على وجود العنف العاطفي واللفظي في المجتمع، 94.8 في المئة العنف المادي، و94.1 في المئة على وجود العنف الجسدي. إضافة إلى ذلك، أظهرت إحصائيات وزارة العدل بين الأعوام 2000 – 2009 أن متوسط عدد حالات العنف المبلغ عنه ضد المرأة في الكويت هو 368 حالة سنويًا، ما يعني أن هناك حالة عنف واحدة على الأقل ضد النساء يتم الإبلاغ عنها كل يوم.
إحصائيات رسمية محدثة ذكرت تسجيل ما يقرب من 1100 حالة عنف سنويًا تجاه المرأة، في إشارة لتضاعف أعداد المعنفات وكذلك الحالات المبلغ عنها خلال العشرة الأعوام الماضية، وتتنوع حالات التعنيف بين نساء كويتيات وأخريات وافدات، فيما تعاني مراكز الاستماع والإيواء من قصور في توفير الحماية اللازمة للنساء المعنفات.
قوانين تفتقر للتنفيذ
في العام 2017، افتتحت وزيرة الشؤون الاجتماعية مركز “فنر” للاستماع وإيواء النساء المعنفات، وبقي المركز مهجورًا دون تفعيلٍ لدوره في تقديم الحماية للنساء المعنفات كما هو الغرض المزمع من افتتاحه. وطوال سنوات حتى العام 2022 بقي الحال كما هو عليه في دور المركز. الجهات المعنية في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة الكويتي أرجعت أسباب عدم تفعيل المركز لغياب القوانين واللوائح الخاصة بالدور الإداري للمركز والجهات المشرفة عليه في ذلك الوقت.
في سبتمبر 2020، أقر مجلس الأمة الكويتي قانون الحماية من العنف الأسري، والذي وجّه تفعيل مراكز الإيواء وفتح خطٍ ساخن لتلقي الشكاوى والاستماع، وكذلك إنشاء لجنة من مختلف الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لوضع سياسات لتوفير الحماية من العنف الأسري، والتوصية بإلغاء القوانين التي تتعارض مع قانون الحماية من العنف الأسري، إلا أن القانون لم يشمل الحماية من الأزواج السابقين أو العلاقات خارج إطار الزواج الرسمي. وعلى الرغم من إقرار القانون، بقي مركز الإيواء والاستماع مغلقًا.
في سبتمبر 2021، كانت ثلاث نساء كويتيات قد تعرضن للقتل على يد أقاربهن خلال شهرٍ واحد. شغلت القضايا الرأي العام وواجهت ضغط منظمات المجتمع المدني تجاه السلطات لتفعيل دور مراكز الاستماع والإيواء وتفعيل دور القوانين الخاصة بالعنف الأسري.
عذراء الرفاعي، في لقاءٍ سابقٍ أفادت بأنها وفريق إيثار واجهن صعوبات كثيرة في توفير ملاجئ مؤقتة للنساء المعنفات والمعرضات للخطر على حياتهن؛ فبالإضافة لنقص الإمكانيات، كانت الجهات المعنية لا توفر هذه الحماية، وتواجه مشاكل اجتماعية في المقابل في قبول المؤجرين إيواء نساء معنفات.
تتحدث عذراء اليوم مع مواطن عن المشاكل التي تعاني منها مراكز الإيواء بأنها: “مبانٍ أعدت بالفعل منذ عام 2017 ولكن مازال ينقصها الكثير من التنفيذ، والقائمون على إدارتها لا يمتلكون الخبرات والإمكانيات لتفعيلها بالصورة المرجوة التي تغياها المشرع، وبسبب المادة 5 من القانون نجد أن القائمين على تنفيذ القانون كانوا سببًا في عدم تفعيل مراكز الإيواء بالصورة الصحيحة”.
تشير الرفاعي إلى أن الجهات المعنية بمراكز الإيواء تنقصها الخبرات والإمكانيات التي يجب أن تكون لديها في التعامل مع هذا النوع من المشاكل، وترى وجوب الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني المختصة بهذا الجانب والتي تمتلك خبرات سابقة في التعاطي مع هذا النوع من المشكلات.
وعلى الجهة المسؤولة الاستعانة بمؤسسات المجتمع المدني ذات الاختصاص من تعاملت بالفعل منذ سنوات مع حالات العنف الأسري وضحايا النساء.
عذراء الرفاعي – محامية كويتية
تشريعات تنتظر التنفيذ وأخرى تحمي الجاني
على الرغم من القوانين التي تشرع الحماية للمرأة من التعرض العنف في قانون الحماية من العنف الأسري وقانون العقوبات، لا تزال قوانين أخرى توفر الغطاء التشريعي للعنف ضد المرأة وتوفر الحماية للجاني؛ إذ لا تزال الكويت تشرع قانون جرائم الشرف التي تضمن الفرار من العقوبة للرجل عند ارتكاب الجريمة بحق المرأة؛ حيث تنص المادة 153 من قانون العقوبات الكويتي على أن كل من فاجأ زوجته أو ابنته وهي في حالة زنا، أو فاجأه برجل فقتلها في الحال، أو كليهما، يُحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات.
شمل قانون الحماية من العنف الأسري للعام 2020، إنشاء لجنة من الجهات الرسمية والوزارات المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني تهتم بوضع السياسات اللازمة لتنفيذ القانون وتوفير الحماية والتوصية بإلغاء القوانين التي تتعارض مع قانون حماية الأسرة. كل ذلك لم يخرج للنور بعد.
وفق مسؤولين كويتيين في مجلس حماية الأسرة، تتمثل العوائق الرئيسة في تطبيق قانون حماية الأسرة وتوفير الحماية للمعنفات في وجود اللوائح التي تشكل آليات تنفيذ القانون، وهو الأمر الذي كان منوطًا باللجنة المنبثقة عن القانون، والتي لم تتحدد بعد. قالت المحامية عذراء في رأيٍ آخر: “هناك بعض الأمور تحتاج إلى قرارات ولائحة لتنفيذ القانون من وجهة نظر المسؤولين المعنيين في القانون لتتمتع الإناث أكثر بالحماية، وأنا أجد أن اللائحة ليست عائقًا في ذلك، كون القانون قد نص عليها في المادة الـ 17 منه”.
يجوز في حال وجود خطر جسيم يهدد حياة أو صحة أو سلامة المعتدى عليه، طلب أمر الحماية مستعجل، وذلك لضمان استمرار الإقامة في منزل الأسرة أو عدم الاقتراب من مكان الإقامة البديلة وتوفير النفقة الواجبة لمن يعولهم ودفع تكاليف العلاج
مادة 17 – قانون الحماية من العنف الأسري رقم 16/2020- الكويت Tweet
ووفقًا لصحيفة القبس الكويتية، فإن 80% من حالات العنف الأسري المسجلة هي للنساء، فيما يبدو أن نفَس السلطات الطويل في الكويت لا يدرك حجم المشكلة التي تتضاعف أرقامها، في الوقت الذي يقف فيه القانون عاجزًا منتظرًا التنفيذ، أو لجرائم مأساوية أخرى بحق النساء يمكن أن تثير الرأي العام وتضغط على السلطات من جديد.