لم تجف الدموع على فراق “أمل” إلا وتنهال مجددا على رحيل “ابتسام”، جريمتان شنيعتان ضد النساء في وضح النهار وأمام أعين الناس، لم تكن تعلم أمل التي مارست روتينها اليومي في الذهاب للمحكمة لمباشرة عملها بأن روحها ستصعد إلى السماء، وتقع ضحية غدر من كان شريكًا لها يومًا ما، ولم تعلم حين كانت تطالب بالعدالة بأن “دار العدل” ستتلطخ بدمائها، ابتسام أيضا لم تعلم حين غادرت قاعة الاختبار بأنها سترحل بغدر شاب راغب في الزواج منها فقط لأنها قالت كلمة لا.
توشحت عمان بالسواد مودعةً خلال أقل من أسبوع امرأتين قتلتا غدرًا وظلمًا بجرائم تقتنص النساء وتختارهن بشكل خاص، جريمتان جعلتا العمانيين يتساءلون مرة أخرى: أين الأمن والأمان؟ من يحمي النساء؟ لماذا يقتلن؟ أين القوانين، أين المؤسسات، أين قوات الأمن؟ أين وأين وأين!
أمل.. شهيدة دار العدل!
في السابع من ديسمبر الحالي، وقعت حادثةٌ هزت كل ذي قلب في عمان، بعد تداول أخبار أولية تؤكد مقتل المحامية أمل العبري التي كانت تشغل منصب أمين السر في محكمة الاستئناف بالسيب قبل تقاعدها وعملها كمحامية في مكتب الدكتور أحمد الجهوري، أمام بوابة المحكمة الابتدائية من قبل طليقها الذي تسلل بين الحشود مشهرًا سلاحه ليطعنها عدة طعنات أدت لمقتلها، ونشر حساب شرطة عمان السلطانية حينها تغريدة تؤكد الحادثة بعد إلقاء القبض على القاتل، في حين تم التأكيد بأن سبب هذه الجريمة كانت مجرد خلافات عائلية نشبت بين الأطراف، وبحسب مصدر خاص لمواطن؛ فإنه قد تم تقديم بلاغ قبل يومٍ واحدٍ من الحادثة لكنه لم يؤخذ على محمل الجد.من جهته، أكد المحامي الدكتور أحمد الجهوري لإذاعة الوصال بأنها تعرضت للتهديد عدة مرات، ولم يتصور أحد بأن هذه التهديدات ستتحول إلى واقع.
القبض على مواطن بتهمة الاعتداء بالسلاح الأبيض على مواطنة بولاية السيب نتيجة خلافات أسرية بينهما مما نتج عنه وفاتها، وتستكمل بحقه الإجراءات القانونية.#شرطة_عمان_السلطانية
— شرطة عُمان السلطانية (@RoyalOmanPolice) December 7, 2022
وقال عضو مجلس الشورى ممثل ولاية صحار ورئيس جمعية المحامين العمانية الدكتور محمد إبراهيم في تغريدة على تويتر: “يد الغدر تمتد لتغتال المحامية أمل العبري، الإنسانة المتعاونة مع الجميع ذات الخلق الرفيع، عرفها المحامون ولجؤوا إلى خدماتها عندما كانت تعمل في محكمة السيب، وازدادوا تعلقًا بها عندما زاملتهم، اليوم تلقى حتفها مغدورة أمام المحكمة نفسها، التي طالما آمنت بعدالتها موظفةً أو محاميةً“.
ابتسام.. ضحية كلمة "لا"
وفي الحادي عشر من ديسمبر، انتشرت أنباء حول مقتل فتاة من ولاية عبري تدعى “ابتسام المقرشية” بجريمة في وضح النهار، بعد أن ترصد لها الجاني ولاحق سيارتها ليصدمها ويكمل جريمته بطعنات أدت لمقتلها، وأشارت أنباء متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الجريمة كانت بسبب رفض أسرة الفتاة لهذا الشاب، مما دفعه لارتكاب جريمته التي هزت قلوب العمانيين. كما أكد أخو الضحية في لقاء مع إذاعة “هلا إف إم” بأن ما حدث كان جريمة مع سبق الإصرار والترصد بسبب وجود طعنات في أجزاء مختلفة من جسدها.
♦️ "آخر رسالة بيني وبين أختي الساعة 6:02 مساء يوم الأحد، كنت أسألها ولم ترد علي، وانتابني شعور سيء، وبعد نصف ساعة وردني خبر بوقوع حادث عليها.. أختي قُتلت، ضربات ظهرت عليها".
— Hala FM | هلا أف أم (@Halafmradio) December 13, 2022
👤| نايف المقرشي
أخ المغدور بها #ابتسام_المقرشيه@naifs1988_
🎙️| #كل_الأسئلة مع @KhuloodAlwai pic.twitter.com/HUmbWpzcgq
وتحدث الصحفي المختار الهنائي حول تكرار هذه الجرائم وضرورة التدخل في إيجاد الحلول عبر حسابه في تويتر، قائلًا: “تكرار الجرائم بهذه الصور البشعة بحاجة لوقفة جادة من الحكومة بدراسة هذا المؤشر الخطير ومعالجة الأسباب، والتي لا أعتقد بأنها ستخرج عن الإطار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، ارتفاع معدلات الجريمة في أي مجتمع لا يمكن أن تكون نتيجة لعامل واحد فقط“.
خطاب متطرف !
تقول وفاء البوسعيدي متخصصة في علم النفس الإكلينيكي عبر حسابها على الانستغرام، مشيرة إلى العوامل التي قادت إلى وقوع هذه الجرائم: “خطاب متطرف لا يخلو من التحريض في مجمله، موجه نحو النساء منذ أكثر من عام ونصف العام، جرائم عنف في الخارج تصلنا تفاصيلها وأحيانًا حتى فيديوهات الجرائم عن طريق السوشيال ميديا، ضغوطات اقتصادية وحياتية ونفسية عاطفية صعبة، نقص وضعف الخدمات النفسية المتوفرة، كل هذه العوامل مجتمعة مع وجود أشخاص لديهم قابلية للتطرف والعنف، عبارة عن مثيرات كالقنبلة الموقوتة وكان من المرجح أن تنفجر”.
تضيف: “من يعود لحسابي يرى أني قد لامست كل هذه العوامل؛ حتى موضوع التحريض بشكل غير مباشر أحيانًا وبشكل مباشر أحيانًا أخرى، نالني منه ما نالني من أذى حين نقل البعض كلامي لساحة حرب تويتر، أشعر بألم شديد ومسؤولية أنني توقفت بعد الأذى ولم أفعل أكثر مما فعلته كأخصائية نفسية تعلم أثر كل ما ذكرته أعلاه”.
وتجيب على سؤال: ما الحل؟ بأنه يجب أن يتم التدخل لمنع أي خطاب متطرف أو تحريضي من أي نوع، ومنع نشر وتداول تفاصيل أي جريمة، لأن ذلك يعمل كمثير لمن لديه قابلية للعنف، بالإضافة إلى توفير خدمات نفسية واجتماعية على نطاق أوسع وجودة أعلى، مع التشجيع على وجود أخصائيين علم نفس إكلينيكي وعلم نفس الجريمة في القطاعات المختلفة المتعلقة بالجريمة والأمن للمساهمة في الخطط الوقائية، وتوفير خدمات للعنف الأسري تبدأ بسن قوانين لحماية المرأة.
تطبيع العنف ضد النساء
وتحدثت (هـ . ب) الناشطة في حقوق المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي لـ”مواطن” حول أبعاد هذه القضايا قائلةً: “فيما يخص جريمتي قتل المغدورتين أمل العبري والمغدورة ابتسام المقرشي وردة فعل المجتمع الاستنفارية على ذلك، فما أود قوله؛ إنها جرائم لا تختلف بشاعةً عن جرائم العنف المنزلي التي تتعرض لها النساء في المنازل، والتي لا تقتصر على القتل والضرب (العنف الجسدي)؛ بل تصل لأبعاده النفسية والاقتصادية، والتي يطبّعها المُجتمع ويبررها في كثير من الأحيان؛ بل يمتد ذلك إلى التعامل الذكوري من مؤسسات الدولة تجاه هذه القضايا.”
وأردفت: “يجب ألا ننسى أن جريمتي قتل المغدورتين لها جذورها الاجتماعية التي تتيح للذكر ممارسة العنف تحت جدوى التأديب والسلطة النفسية والاجتماعية التي يمنحها إياه المجتمع”.
كما صرح ناشط في مواقع التواصل الاجتماعي فضّل عدم ذكر اسمه لـ “مواطن” : ” بضرورة سن قوانين واضحة وصريحة لحماية المرأة من العنف أولًا، يقول: “العنف هو الشرارة الأولى لكل جريمة ضد النساء، فالتطبيع مع العنف وشرعنته تحت بند التربية والوصاية، ما هو إلا فتح لباب من أبواب الجريمة، وأتحدث عن كل أنواع العنف باختلاف المستويات؛ فالعنف عمل لا “إنساني” في المقام الأول، ولا أخلاقي في المقام الثاني، ولن أتواني في تسمية العنف بالجريمة الصغرى التي تحط من كرامة الإنسان”.
وأضاف: “إن الحديث عن قانون شامل وواضح يختص ” بالأسرة” النساء والأطفال، لم يعد من قبيل الكلام الإنشائي الذي يقال في الاجتماعات والندوات، ولكنه يجب أن يبدأ بخطوات حقيقية وبأيدٍ صارمة تحقق العدالة في المجتمع إذا اختل ميزانها، وتبني واقعًا يفرض فيه احترام الآخر وينبذ فيه العنف، بالإضافة إلى تصحيح المناهج التربوية التي تحرض على أسباب العنف وتبريره، كما أوصي بضرورة الاهتمام بالجانب النفسي بصورة أكبر للتعامل مع الظواهر الاجتماعية النفسية بصورة علمية “طبية” مثلى”.