سيناريو مرعب قد يواجه السعودية حال استمرت الانبعاثات الكربونية في تزايد؛ فإن درجة الحرارة قد تصل إلى 60 درجة مئوية بحلول عام 2041، حسبما ذكرت دراسة بحثية أجراها مركز النظم الهندسية المعقدة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في المملكة، ومن المتوقع أن تزداد نسبة الإصابة بالأمراض بسبب انتشار الجسيمات الملوثة التي تصيب العين مباشرة وينتج عنها السعال الحاد.
التدهور البيئي في السعودية.. كيف بدأ؟
منذ أكثر من نصف قرن، كانت السعودية تحظى بتنوع إحيائي يتمثل في الأشجار المعمرة والحيوانات النادرة التي كانت حين ذاك مهددة بالانقراض، لكن السلوكيات البشرية الخاطئة تسببت في اختلال هذا التنوع، وانقرضت الأرانب البرية والذئب الرمادي، والوعل والنعام السعودي وغيرها، كل هذا كان ضحية للتوسع العمراني خاصة في منطقة الرياض، إضافة إلى الصيد والاحتطاب الجائر.
شهد عام 1979م، انقراض الوعول وبعد محاولات عديدة قام بها الأمير سعود الفيصل لتوطين الوعول في شمال الرياض، لكن كل محاولاته عادت بالفشل، كما انقرضت الأرانب البرية والنعام، اتجهت السعودية إلى استقدام أغنام من أفريقيا، التي تسببت في القضاء على ما يصل 99% من الغطاء النباتي مما أدى إلى التصحر.
ولهذه الأسباب استجابت العديد من الجهات الخاصة إلى مبادرة السعودية الخضراء واتجهت إلى التشجير، ومن ضمنها شركة روف للاستشارات الهندسية، التي بدأت نشاطها في ديسمبر من العام الماضي بزراعة وغرس الأشجار، ويقول ناصر المطيري، مهندس معماري، وأحد المشاركين خلال حديثه لمواطن: “مشاركتي جاءت في إطار زراعة الغضا وتشجير منطقة القصيم بشكل عام إيمانًا من التخوف المستقبلي بشأن البيئة كما حدث في الماضي”.
وقد تم إطلاق مبادرة السعودية الخضراء، سعيًا لتحقيق الأهداف المناخية العالمية التي تستهدف الحد من الاحترار، إلى 1,5 درجة مئوية، تنفيذًا لاتفاقية باريس المبرمة عام 2015، إلى جانب دعم استراتيجية التنمية المستدامة التي من شأنها الحفاظ على حقوق الأجيال الحالية والقادمة للحياة الكريمة، وتقوم أهداف الاستدامة للمملكة، على أسس توحيد جهود القطاعات الحكومية والخاصة للمساهمة في مكافحة التغير المناخي، وفتح الباب أمام أصحاب الأفكار المبتكرة لخدمة المناخ والبيئة، بما يعزز الاقتصاد الأخضر.
أطلقت الحكومة السعودية ما يزيد عن 60 مشروعًا ومبادرة في هذا الإطار خلال العام الماضي، وتقوم المبادرة على ثلاث ركائز أساسية؛ وهي "تقليل الانبعاث الكربوني، تشجير المملكة، وحماية جميع المناطق البحرية والبرية".
كوارث تهدد العيش في السعودية
يقول الدكتور عبدالله السند، أستاذ المناخ ونائب رئيس الجمعية السعودية للطقس والمناخ، إن هناك مجموعة من المخاطر التي تهدد منطقة الخليج بما فيها السعودية، ومنها زيادة عدد الأعاصير المدارية التي تضرب الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، لافتًا إلى الجفاف المميت الذي قد تتعرض له المنطقة خلال فصل الشتاء، وأيضًا ارتفاع عدد العواصف الغُبارية، إضافة إلى ظهور الأمطار الصيفية التي تعتبر ظاهرة مناخية نادرة على مناخ الخليج ولا تحدث إلا في الأماكن المرتفعة فقط.
في تقرير صادر عن وكالة “أسوشيتد برس” تفيد بأن السعودية واحدة من الدول الخليجية التي ستواجه تضييقًا اقتصاديًا كارثيًا بسبب توقف الكثير من الدول المستهلكة لطاقة النفط والغاز، عن الاستيراد، تنفيذًا لدعوات تقليل الانبعاثات الكربونية، التي تسبب الاحتباس الحراري، وتصدر السعودية ما يصل إلى عشر الطلب العالمي على النفط، ويصل احتياطي النفط في المملكة إلى 265 مليار برميل من جهة أخرى، كما أن الدول الخليجية جميعها بسبب ارتفاع الحرارة العالمي، سوف تواجه موجات احترارية قاسية تجعل البلاد الخليجية غير صالحة للعيش. وفق تقرير أسوشيتد برس.
مبادرات وحملات لحماية البيئة
في مطلع عام 2022، أطلق مجموعة من الشباب الفلبينيين، المبادرة الفلبينية للسعودية الخضراء التطوعية، بهدف دعم مبادرتي السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وتستهدف المبادرة زراعة الأشجار وجمع القمامة ودعم النشاط البيئي التطوعي والمحافظة على نظافة البيئة. ويقول جيمري دابين وشهرته “جيم” أحد الأعضاء النشطين في المبادرة خلال حديثه لمواطن: “نجتمع يوم الجمعة من كل أسبوع ويعمل معنا في عمليات التنظيف الكثير من الأسر السعودية الكبار والصغار”.
إذا كنت ترغب أن تشعر بالسعادة ، ازرع شجرة. 🌿🇸🇦 pic.twitter.com/mqwRNPrtSj
— JIM🇸🇦🇵🇭🌱 (@jimreydaps) December 12, 2022
استطاعت المبادرة الفلبينية للسعودية الخضراء، زراعة 1000 شجرة بمحمية الملك عبدالعزيز الطبيعية في اليوم العالمي للتطوع، كما تم زراعة 5000 شجرة في منطقة سدير، بالإضافة إلى تنظيف المنتزهات البرية القريبة من مزارع ومشاتل حدائق اليمامة، والعديد من الإسهامات البيئية الأخرى. وتقدم العديد من الشركات والمؤسسات السعودية الدعم الكامل للفريق المتطوع في المبادرة من الطعام ومواد التنظيف ووسائل النقل، ويضيف جيم: “نحرص دائمًا على وضع الطعام والشراب داخل حقائب صديقة للبيئة”.
أطلقت العديد من المؤسسات حملات تشجير تفاعلًا مع مبادرة السعودية الخضراء، وفي هذا الصدد يقول عبدالله الجلعود رئيس رابطة حائل الخضراء، ومستشار بيئي في إدارة البيئة بحائل، ومختص بالاشراف والتخطيط على المزارع وعمل نظم الري الحديثة، خلال حديثه لمواطن: “إن جهود رابطة حائل الخضراء لها العديد من الحملات التطوعية لزراعة الأشجار، ويؤكد أن الرابطة تساهم في نشر الوعي البيئي لدى فئات المجتمع؛ خاصة بين طلاب المدارس والجامعات”.
ويضيف: “التشجير مهم جدًا ويجب أن يكون في المخيمات وعلى الطرق السريعة، وسيكون له دور كبير في مكافحة التصحر”. ويؤكد الجلعود، على ضرورة إشراك طلاب المدارس في الحملات البيئية ضمانًا لتعليم الأجيال الناشئة أهمية حماية البيئة وعدم إهدار ثرواتها ويضيف: ” نخصص أيام معينة للطلاب ونعلمهم كيف يهتمون بالبيئة وزراعة الأشجار”.
حظيت رابطة حائل بإقبال الكثيرين من المتطوعين، الذين يقومون بتوزيع شجرتين لكل بيت مجانًا، كما رصدت الرابطة مشكلة تآكل أشجار الطلح وتغير ملامح التربة في منتزه مشار البري.
أعضاء #رابطة_حائل_الخضراء في تقرير بقناة العربية ينادون بمعالجة المشكلات التي يعاني منها منتزه مشار و من أهمها تآكل أشجار الطلح و تغير ملامح التربة.
— رابطة حائل الخضراء | Hail Green Association (@hail1439) November 27, 2022
pic.twitter.com/FhZk0cXbob
وتمثل جمعية رؤية لتعزيز القدرات الشخصية، وهي واحدة من الجمعيات التي تطلق وبشكل مستمر حملات تستهدف خدمة الإنسان والبيئة، وبحسب تصريحات موسى حمدي، رئيس مجلس الإدارة خلال حديثه لمواطن، فإنه في ظل الموجات المناخية الصعبة مثل هطول الأمطار الغزيرة يخرج أعضاء الجمعية من المتطوعين لإنقاذ الأماكن الغارقة وتقديم المساعدات العامة.
احتفالاً بـ #اليوم_العالمي_للتطوع ومساهمة في مبادرة #السعودية_الخضراء التي أطلقها سمو ولي العهد؛أقام #مهرجان_الملك_عبدالعزيز_للإبل مبادرة تطوعية بيئية، من تنظيم #جمعية_تكاتف وتنفيذ فريق رؤية وطن التطوعي @ksa_2030vision وذلك بزراعة أكثر من ٣٠٠شجرة في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد pic.twitter.com/EZdPUZGuhD
— جمعية رؤية لتعزيز القدرات الشخصية (@vision_epc) December 5, 2022
شاركت الجمعية في أكثر من 18 مبادرة كلها تخدم البيئة، ويضيف موسى: “أطلقنا مؤخرًا حملة لتوزيع الشتلات أمام المنازل وتعليم الأهالي زراعة الأشجار وتثقيفهم عن أنواعها وفوائدها وطرق التعامل معها”.
في العيد الوطني للسعودية أطلقت الجمعية احتفالًا بهذه المناسبة؛ حملة تشجير بالتعاون مع هيئة تطوير مدينة الرياض، وتتعاون الجمعية مع العديد من الجمعيات الأخرى لتطبيق مشروعات الاستدامة البيئية الخضراء، ومنها جمعية آفاق خضراء وجمعية اليسر، وجمعية تكاتف. ويضيف موسى: “نحن نشارك مع الجمعيات دائمًا بالفرق التطوعية”.
خصصت وزارة البيئة والمياه والزراعة بالسعودية، إدارة خاصة لمتابعة التغير المناخي والاتفاقيات البيئية، وتقوم على إعداد الخطط والبرامج للتكيف المناخي ومتابعة خط سير هذه البرامج والتأكد من نتائجها التي تخدم استراتيجيات وسياسات المملكة لتخفيض الانبعاثات الكربونية، وتقليل نسبة التلوث البيئي، وكذلك إعداد الدراسات والأبحاث العلمية المتعلقة بالبيئة.
ويقول أمجد عبد الله، نائب مدير مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بأملج، خلال حديثه لمواطن: “مكاتب وزارة البيئة تساهم بشكل كبير في إطلاق المبادرات والفعاليات الميدانية التي من شأنها خدمة التنمية المستدامة، وذكر على سبيل المثال الشراكة مع مع الجمعيات البيئية المتخصصة وغيرها من الجمعيات التي تساهم في توفير ودعم الشتلات البرية وزراعتها، ويضيف: “هناك تحديات وليست مخاطر؛ منها عمليات الري للنباتات الصحراوية وقلة الأمطار قد تشكل تحديًا لهذه المبادرات”.
تحديات مناخ السعودية وزراعة الأرز
أثر المناخ الصحراوي الحار الذي يطغى على مناخ المملكة على إنتاج المحاصيل الزراعية الاستهلاكية، ما دفع السعودية إلى الاستيراد، وفي ظل ما يمر به العالم من أزمات سياسية؛ مثل الأزمة الأوكرانية الروسية، وأيضًا الأزمات البيئية كالتغير المناخي وما يتعلق به من عوامل تؤثر على التربة وملوحتها والتصحر وغيره، يبقى الاستصلاح الزراعي واستحداث أساليب للزراعة لتوفير الأمن الغذائي هدفًا غير قابل للتهميش، وهذا ما دفع المهندس الزراعي يوسف بندقجي، إلى تنفيذ ما يصل إلى 220 تجربة لزراعة الأرز والقمح والشعير وغيرها منذ مطلع عام 2009، ليصل في النهاية إلى التمكن من زراعة أربعة أنواع من الأرز بمواصفات الأرز المستورد المطروح في الأسواق، وتمكن من إنتاج ثلاثة أجيال من الأرز.
يتحدث بندقجي لمواطن، عن انخفاض المحاصيل الاستراتيجية بالسعودية بسبب ندرة المزارع وصعوبة زراعتها، ومحاولات بعض الشركات الأوروبية والآسيوية للزراعة؛ قامت بعدة تجارب لزراعة الصحراء، لكن تكلفة زراعتها كبيرة؛ حيث يكون من الصعب على المستهلك شراء هذه المحاصيل، وتجربة طبقات المياه عن الرمل نجحت نوعًا ما، لكن النجاح لم يستمر بسبب الترسيب الكيميائي، ونتج عنها محصول ضار لا يصلح للاستهلاك، ويضيف: “وفقنا الله باستخدام طرق عضوية صديقة للبيئة بتكلفة أقل، ونتج عنها جودة في محصول الأرز توافق الأرز المتوفر في الأسواق، وسيتم بيع الكيلو بسعر 6 ريال سعودي، ويصل سعر الكيلو في الأسواق السعودية من 15 ريال وحتى 85 ريال”.
تصل درجة المناخ في صحراء مكة إلى 52 درجة مئوية، ودرجة البرودة 15 درجة مئوية، وتمكن بندقجي من تحسين بذور تتحمل العطش ودرجة الحرارة المرتفعة، وأطلق عليه اسم “أرز الرؤية” واستخدم نظام الري بالآبار، وهو خمس مرات خلال الشهر بمعدل مرة واحدة كل أسبوع، واستخدم نظام التقطير وتوزيع المياه بالرشاشات المحورية، وكلها طرق عادت بالنفع علينا، وزرعنا 4 أنواع من أصناف الأرز، ويضيف: “سوف تكون هناك خطوات لزراعة الأرز في جميع أنحاء السعودية، وسوف نتوسع في زراعة الأرز في العالم العربي”.
تمكن بندقجي من ابتكار أسلوب جديد يساهم في معالجة البحيرات الكبريتية والمياه التي تحتوي على الملوحة العالية، وتوفير مياه صالحة للاستهلاك الزراعي، ومن ثم للاستهلاك الآدمي، كما وصل لتركيبات تناسب الزراعة في الصحراء.
كما ابتكر طريقة تساهم في إنتاج الطحالب في البحر المفتوح، وتحويل الطحالب إلى وقود حيوي عن طريق عمل مولد للهيدروجين الأخضر يعمل تحت سطح البحر ويضيف: “المولد يعمل عن طريق حقن أوتوماتيكي، ويعتبر من الطاقة الصديقة للبيئة المستدامة”.
السؤال الذي يطرح نفسه أخيرًا: ما هو مصير المملكة في ظل التغيرات المناخية التي لا مهرب من تأثيراتها؟ هل تتعرض السعودية للخراب المناخي، وتضحى مساحة غير صالحة للعيش؟ أم أن المبادرات التي تطلقها المملكة حكومة وشعبًا قادرة على تغيير خارطة المستقبل وتحويلها من مخاوف الانبعاثات الكربونية إلى جنة خضراء؟