ترك “عبد القوي” عمله بعد ارتفاع تكاليف الإقامة ومحدودية المهن المتاحة للعمال اليمنيين في السعودية، في ظل سياسة سعودة المهن التي تتبعها السلطات السعودية ضمن رؤيتها الاقتصادية 2030. في صنعاء واجهته الإعلانات عن تأشيرة سلطنة عمان، أصدقاء آخرون أشاروا عليه بالذهاب كما فعل الكثير من المغتربين اليمنيين والعمل في عمان.
قد لا تبدو عمان وجهةً جاذبةً للعمالة الأجنبية حاليًا، حيث شهدت البلاد تخفيضًا للعمالة الأجنبية في القطاعين العام والخاص العام الماضي، متراجعةً في الربع الأول من العام 2021 بنسبة 8% بعد الاستغناء وانسحاب ما يزيد عن 200 ألف عاملٍ أجنبي خلال ثلاثة أشهر فقط؛ جراء الآثار الاقتصادية التي خلفتها أزمة جائحة كوفيد 19، والغضب الشعبي المتزايد جراء ارتفاع نسب البطالة في أوساط الشباب العمانيين، مسجلةً بذلك أعلى نسبة بطالة في وسط الشباب في الخليج.
تعمين المهن
أعلنت عمان موازنتها للعام 2022 بعجز يقدر بثلاثة مليارات دولار، الأمر الذي فرض اتباع سياسة تقشف في الإنفاق، تواجه عمان نسبًا مرتفعةً من البطالة في أوساط الشباب العماني، في حين يشغل العمال الأجانب القسم الأكبر من الوظائف في القطاع الخاص، في الوقت الذي تتجه السلطات لتعمين العديد من الوظائف في القطاعين العام والخاص وجعلها حكرًا على المواطنين العمانيين لتقليل نسب البطالة في أوساطهم.
في مايو 2021، واجه النظام العماني تظاهراتٍ انتشرت في مدنٍ مختلفة من البلاد، تشكو من ارتفاع معدل البطالة وعدم حصول الكفاءات من خريجي الجامعات على فرص العمل. أعلنت السلطات حينها في حلٍ مؤقت عن ألفي درجةٍ وظيفية في القطاع العام للشباب العمانيين، فيما تتجه منذ سنوات لتعمين المزيد من الوظائف في القطاعين؛ العام والخاص، وحضرها على العمال الأجانب.
في مايو الماضي، اتجهت السلطات لتعمين 207 مهنٍ أخرى في القطاعات العام والخاص والمختلط، وحضر العمل فيها على العمال الأجانب، تتفاوت بين وظائف قيادية وإدارية عليا، وحتى السلم الأدنى في الوظائف الخدمية، ما ساهم في تراجع أعداد العاملين الأجانب، ضمن التوجهات الحكومية لمواجهة البطالة في أوساط الشباب العماني.
تزايد توجه السلطات لتعمين المهن وإتاحة فرص عملٍ أكثر أمام الشباب العمانيين، قلص من فرص العمال الأجانب الوافدين من دول آسيا، والآن القادمين من اليمن التي تعاني من حربٍ أهلية وإقليمية منذ العام 2015، تركت أثرها في حدوث أسوأ أزمةٍ إنسانية في العالم حسب وصف الأمم المتحدة.
هجرة أموال ووجهة جديدة للعمالة
عبد القوي واحد من مئات العمال اليمنيين الذين يتجهون للعمل في سلطنة عمان عبر مكاتب سفريات وسياحة في العاصمة صنعاء تمنح تأشيرات الدخول لعمان دون فرص عمل مسبقة، في حين تروج هذه المكاتب صورةً من الوفرة في فرص العمل في الداخل العماني. يتلقى البعض وعودًا من مستثمرين أو عمال يمنيين مقيمين في عمان للحصول على عمل، وآخرون يأملون أن يجدوا فرصةً أثناء بحثهم بعد دخول عمان.
ومع الآثار الاقتصادية للحرب، بدأت الكثير من رؤوس الأموال الصغيرة الهجرة من المناطق اليمنية إلى الجوار العماني والعمل في استثمار مشاريع خدمية وإنتاجية؛ الأمر الذي شجع الكثير من العمال اليمنيين التوجه للبحث عن فرص عمل في عمان. يتحدث عبد القوي لمواطن بأنه عمل لثلاثة أشهر في مطعمٍ حديث الافتتاح لأحد اليمنيين، لكنه اضطر لترك العمل مع إغلاق المطعم أبوابه بعد أشهر فقط من افتتاحه.
يضيف: "يجازف الكثير من الشباب الذين يمتلكون رؤوس أموال في الاستثمار في مشاريع صغيرة بعدما توقفت الحياة في اليمن، لكن الكثير يصاب بالاحباط أيضًا بعد خسارة رأس مالهم وعدم وجود الحركة والشغل الذي يروج له سماسرة التأشيرات في صنعاء، أما العمال مثلنا فأغلبهم عاطلون أو يعملون براتب مئة ريال عماني".
ظروف عمل سيئة وأجور دون الحد الأدنى
محمد صالح (اسم مستعار)، يعمل في فندقٍ في مدينة صلالة منذ ثلاث سنوات، براتب شهري 200 ريال عماني، ما يعادل 519 دولارًا أميركيًا لاثنتي عشرة ساعةً في اليوم. يقول لمواطن: “هذا الأجر لا يكفي لإعالة أسرة في عمان، ولكنني أكثر حظًا من بقية العمال؛ فمعظم العمال لا يجدون فرصة عمل تقدم هذا الأجر، والأغلبية منهم لا يجد فرصة عمل”.
تحدد وزارة العمل العمانية الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بـ 325 ريالًا عمانيًا، ما يعادل 845 دولارًا أميركيًا، وهو الأجر الذي يشتكي العمانيون بأنه لا يساوي الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة. يحكي صالح بأن الكثير من العمال اليمنيين الذين يعرفهم يتقاضون رواتب لا تصل لمئتي ريالٍ عماني في الشهر، وفي ظروف عمل قاسية، فيما لا تخضع مقار عملهم لرقابة وزارة العمل.
سماسرة التأشيرات
لا تمنح السلطات العمانية تأشيرة العمل للعمال اليمنيين، لذا يضطر القادمون للعمل في السلطنة الحصول على تأشيرة عبور أو زيارة تتراوح فترة إقامتها بين الأسبوع والأسبوعين، يجد القليل منهم عملًا بعيدًا عن رقابة السلطات، والكثير تنقضي فترة إقاماتهم ويضطرون للبقاء بعد انقضاء الفترة القانونية لإقامتهم. تعرض مكاتب استخراج التأشيرات فيزا الاستثمار التي تتيحها سلطنة عمان للأجانب، وهي تمنح فترة إقامة أطول.
تشترط الشرطة السلطانية الحصول على فيزا مستثمر في عمان واستخراج ترخيص شراكة من وزارة التجارة والصناعة العمانية، وأن يكون المتقدم للحصول على الفيزا حاصلًا على عضوية الغرفة التجارية في عمان؛ وهي وثائق لا يمتلكها الكثير من العمال الذين يدخلون عمان لغرض البحث عن عمل.
وتوفر مكاتب ووكالات السفريات والسياحة في اليمن التأشيرة دون حاجة للوثائق المطلوبة في موقع الشرطة السلطانية. يقول عبد القوي لمواطن: “لم احتج للوثائق المطلوبة للحصول عليها أو توفير كشف حساب بنكي، كلفني استخراج فيزا المستثمر للدخول إلى عمان للوصول والبحث عن عمل أربعة آلاف دولار “.
استخراج هذه الفيزات دون وجود رؤوس أموال استثمارية لهؤلاء العمال القادمين لغرض البحث عن عمل تحت عناوين تأشيرات الاستثمار، وبأسعار باهظة تصل لأربعة آلاف دولار أميركي يدفعها العمال لمكاتب السفريات في اليمن، تكشف عن تواطؤ شبكات للاتجار بهذه التأشيرات على الجانبين، اليماني وبالتأكيد العماني في عملية استيفاء الشروط اللازمة لاستخراج التأشيرة من الشرطة السلطانية.
في اليمن، يواجه المستثمرون المحليون وأصحاب المشاريع الصغيرة خطر الفشل مع الانهيار الاقتصادي جراء الحرب المندلعة منذ ثمان سنوات، والإفلاس في مخاطرتهم الاستثمار في الجوار العماني في ظل ركود الحياة الاقتصادية وبطء قدرات السوق العمانية للتعافي من آثار الجائحة، فيما تتزايد أعداد العمالة اليمنية التي تنتظرها الخيبة، كضحايا لسماسرة التأشيرات في شبكاتٍ تبدأ أول خيوطها في صنعاء، وتنتهي في مسقط.