“كانت أيام الثورة والمشاركة في المظاهرات، وسماع الأغاني الوطنية من أجمل الأيام التي قضيتها في حياتي؛ لقد كنت طفلًا في سن الخامسة عشر ولا أعلم شيئًا عن الثورة، لكني أيقنت بعد أن أصبحت شابًا بأنها كانت ضرورية، لكن المؤامرة عليها حطمت طموحنا”، وبعد مرور 12 عامًا على الثورة اليمنية، تذكر أشرف أمين (27 عامًا) معنا بهذه الكلمات، مرحلة دراسته الإعدادية، عندما كان يذهب برفقة شقيقه الأكبر إلى ساحة التغيير في صنعاء للمشاركة في ثورة 11 فبراير.
وفي حين يستعد شباب ثورة فبراير في اليمن للاحتفالات بالذكرى الـ12 للثورة في بعض المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، من بينها محافظة مأرب، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، يشن أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح حملات تحريضية مكثفة على الثورة ويحملونها مسؤولية الأحداث الجارية بما فيها الحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثماني سنوات.
يعلق عدنان هاشم الكاتب الصحافي وأحد شباب ثورة فبراير اليمنية لمواطن: “انتفاضة فبراير ضرورة فرضها نظام علي عبدالله صالح آنذاك، كل شيء وصل إلى طريق مسدود ووضع مزرٍ، كانت ضرورة لا بد منها، وإلا كان الانفجار سيكون أسوأ ووضع البلاد سيصبح أسوأ بكثير مما كنا نتوقع”.
ويضيف “كانت الثورة طريقًا إجباريًا، ولم يكن لأحد القدرة على إيجاد طريق آخر، مشيرًا إلى أن نظام علي عبدالله صالح هو من دفع الناس لهذه الانتفاضة”.
فبراير بين الندم والغضب
بحسب استطلاع للجارديان البريطانية؛ فإن الشعب اليمني من أكثر الشعوب العربية ندمًا نتيجة القيام بالثورة؛ إذ تقول الصحيفة بأن نحو 74٪ من اليمنيين عبروا عن الندم على المشاركة في ثورة 11 فبراير، في حين عبر نحو 26٪ عن عدم ندمهم.
لكن عند سؤال أشرف أمين، الذي حضر الثورة مراهقًا وعاصر ما بعدها شابًا أجاب: “لست نادمًا، ولو عادت الثورة سأكون أول المشاركين” مضيفًا: “صحيح نعيش اتعس أيامنا بسبب الحرب والحصار وانعدام فرص العمل وفقدان الحرية، لكننا سوف نحتفل بذكرى ثورة فبراير، لأننا نعلم بأنها كانت طريقنا نحو المستقبل”.
يعمل أشرف محاسبًا ماليًا بإحدى الشركات الخاصة في العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي والمدعومة من إيران، بعد أن تمكن من إكمال دراسته الجامعية في قسم المحاسبة بكلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، ويؤكد: “كل عام أحتفل بثورة فبراير، مرت 12 عامًا على الثورة، كنا أطفالاً، لكننا كبرنا وتعلمنا وأصبحنا شبابًا بالرغم من الحرب والبؤس”.
أما عصام غالب 28 عامًا فيعلق بأنه يشعر بالندم بسبب مشاركته في الثورة، ويتذكر عندما كان طفلًا في مرحلة دراسته الثانوية الأولى، وهو في سن السادسة عشر، كان يذهب إلى ساحة الحرية بشكل متواصل في مدينة إب الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وسط اليمن.
يضيف غالب لمواطن: “لو كنت بهذه العقلية اليوم؛ فمن المستحيل أن أخرج للمشاركة في ثورة، لقد تسببت الثورة بتدمير البلاد، لا يمكن أن تعود اليمن إلى ما كانت عليه سابقًا، حتى بعد مئة عام سأستغرب ممن يحتفلون بالثورة”. مشيرًا بأنهم قلة يعيشون خارج البلاد، يحتفلون بذكرى الثورة، مع أطفالهم، بينما يعيش الإنسان اليمني ظروفًا معيشية قاسية.
هل استفاد اليمنيون من ثورة فبراير حتى يحتفلوا بها؟
يوافقه في الرأي علي قاسم 50 عامًا، وهو موظف حكومي في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران، و يعبر عن امتعاضه من ثورة فبراير، وممن يحتفلون بالثورة ويقول بأنها “تسببت بتدمير البلاد وسقوط الجمهورية”.
ويضيف قاسم متسائلًا: “هل استفاد اليمنيون من ثورة فبراير حتى يحتفلوا بها؟”، مضيفًا أن العامل والموظف ومعظم فئات المجتمع يعيشون أسوأ أيامهم، نتيجة تدهور الأوضاع أوضاعهم المعيشية، وعجزهم عن تأمين متطلبات الحياة لأفراد عائلتهم.
في حين عبر قاسم عن غضبه من الثورة، ويفسر الصحافي اليمني هاشم عدنان: “وضع طبيعي أن يشعر الناس بغضب من ثورة فبراير وممن قاموا بالانتفاضة، لقد دفعتنا الثورة المضادة ونجحت في أن نشعر بالعجز والضعف، وأن نظام صالح كان أفضل” .
لكن مع كل ذلك يؤكد هاشم بأنه، لا يشعر بالندم مطلقًا الخروج في فبراير: “بلا ندم ما يزال هو شعار شباب فبراير، ولو عادت الأمور من جديد لخرجنا من جديد”، لافتًا إلى أن كل ما فعله الناس في فبراير كان لأجل مستقبل مزدهر لكل اليمنيين، لكن التحدي كان كبيرًا ولا يزال؛ مشيرًا بأن موقف شباب فبراير ورجالها إلى اليوم هو استكمال ما حلموا به لأجل المستقبل”.
عمل الرئيس السابق علي عبدالله صالح علي التحالف مع الحوثيين، وإسقاط الدولة وطرد الرئيس هادي في يناير 2015، لتدخل بعدها البلاد حالة حرب أهلية، تدخلت فيها دول خليجية وعربية وإقليمية، تسببت بمقتل مئات الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين.
المؤامرة على الثورة
كانت المبادرة الخليجية وتوقيع الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية المشاركة في الثورة المضادة، بمثابة الخطوة الأولى نحو التآمر على تحقيق أهداف ثورة فبراير الشبابية؛ حيث مكنت لبقاء النظام السابق؛ إذ لم تكن حلّا مرضيّا يلبي تطلعات شباب ثورة فبراير اليمنية.
عقب التوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر من العام 2011، وانتخاب الرئيس هادي في فبراير من العام 2012 بتوافق الأطراف السياسية، والحوار الوطني في مارس 2013؛ عمل الرئيس السابق علي عبدالله صالح علي التحالف مع الحوثيين وإسقاط الدولة وطرد الرئيس هادي في يناير 2015، لتدخل بعدها البلاد حالة حرب أهلية، تدخلت فيها دول خليجية وعربية وإقليمية تسببت بمقتل مئات الآلاف من المدنيين ونزوح الملايين، فيما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
الآن وبعد 12 عامًا، وعند سؤال أشرف عن المبادرة الخليجية كان جوابه: “وقعت الأطراف المتحالفة مع ثورة فبراير على المبادرة وأنا بعمر 16 لكن حاليًا وأنا بعمر 28 عامًا أستطيع القول بأن المبادرة الخليجية هي السبب وراء عدم تحقيق أهداف ثورتنا، لقد باعت الأحزاب السياسية شباب فبراير، وما يمر به اليمن والبلاد من حرب وجحيم هو نتيجة التآمر على ثورة فبراير الشبابية”.
ويوافقه في الرأي رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد بأن ثورة فبراير الشبابية كانت طموحًا شعبيًا شبابيًا للعيش بحياة أفضل والانتقال إلى دولة مدنية ذات قدرة على تحقيق طموح الإنسان اليمني، ومنافسة بقية الدول الأخرى في التقدم والازدهار”.
ويضيف عبد السلام: “لكن هذا الطموح انصدم مع تدخلات محلية ودولية أدت إلى فشل الثورة، من بينها الصراعات السياسية المحلية والصراع الكبير بين السعودية وإيران في اليمن، بالإضافة إلى توجه المجتمع الدولي إلى جعل البلاد بؤرة تهديد لدول الخليج النفطية، كل ذلك تسبب بفشل الثورة.
وعلى وقع الحرب في اليمن يدعو الشاب اليمني غالب ومعه ملايين الشباب الذين يعيشون أوضاعًا قاسية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانعدام فرص العمل، أطراف النزاع في البلاد، إلى إيقاف الحرب و عمل مصالحة سياسية تضم كافة الأطراف المتنازعة في البلاد، كي يتمكن من العيش بأمان وسلام وحياة كريمة.
يعقب غالب: "لقد أنهكت الحرب المواطن اليمني، وأثقلت الأزمات المتتالية كاهلة؛ فهو بعد سنوات من الحرب والدمار يتطلع إلى الحياة الكريمة نريد تعليمًا وصحة واقتصادًا، وفرص عمل وعدالة اجتماعية وحقوقًا متساوية.
الفشل في تحقيق الأهداف
وفي ظل فشل الثورة، والحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثماني سنوات يؤكد رئيس مركز أبعاد للدراسات لمواطن: “لا بد من البحث عن آليات وأدوات لاستعادة الدولة التي ذهبت نتيجة انقلاب جماعة الحوثي المدعومة من إيران، مشيرًا إلى أن فشل الثورة، وانقلاب الحوثيين لم يكن لينجح لولا وجود صراع سياسي بين الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى انتقام النظام السابق من مطالب وطموح اليمنيين” .
ويضيف: “ليس من العيب القول بأن ثورة فبراير فشلت في تحقيق طموح اليمنيين، ولكن العيب أن نبقى متمسكين بحلم الماضي وننسى الحاضر والواقع الأليم، لافتًا إلى أهمية التحرك باتجاه إخراج الشعب من حالة البؤس والعناء الراهنة، واستعادة الدولة والتوجه نحو المستقبل لتحقيق طموح كل اليمنيين، وليس طموح شباب ثورة فبراير فقط”.
يوافقه في الرأي الكاتب الصحفي هاشم عدنان قائلًا: “لم يتحقق شيء مما خرج من أجله شباب ثورة فبراير، لأن الثورة المضادة والأحزاب السياسية وقادتها ومشكلاتهم السابقة التي اعتمرتها عقود من الخلافات، أخرجت الثورة عن تحقيق أهدافها، لافتًا إلى أن الحوثيين وانقلابهم كانوا جزءً كبيرًا من هذا الفشل، والسبب الرئيسي وراء العودة إلى زمن أسوأ بكثير من الزمن السابق”.
الحديث عن ثورة فبراير ومستقبلها كان ومايزال محل جدل كبير. “لكن سيحفظ الشعب لثوار فبراير خروجهم وعظمة سلميتهم وقدرتهم على تحويل المحنة إلى فرصة، الفرصة التي فشلت الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية في استلهامها من أجل المستقبل”. بهذه الكلمات ختم هاشم حديثه.