يعتبر الرقص الشعبي السعودي، أحد أبرز الفنون الأدائية بالمملكة، ويرمز إلى تنوع الإرث الثقافي لقرى ومدن السعودية، لكنه يواجه العديد من التحديات والصعوبات التي قد تؤثر على بعض الرقصات وتتسبب في اندثارها، فما الأسباب التي تقود إلى اندثاره؟ وما الجهود المبذولة للحفاظ هذا الفن؟
كيف نشأ الرقص الشعبي السعودي؟
“ظهر الرقص الشعبي السعودي، بأغانيه وموسيقاه؛ ليس لغاية فنية بحتة بل أوجدته ظروف اجتماعية ومواقف حياتية، ثم تطورت تلقائيًا نتيجة اهتمام الناس بهذا الفن”؛ بهذه الكلمات افتتح الدكتور سامي الجمعان، أستاذ النقد الدرامي بجامعة الملك فيصل، حديثه لمواطن، متحدثًا عن بعض المناسبات الاجتماعية التي أوجدت الرقص الشعبي، وذكر على سبيل المثال حرص قبيلة ما، في الدفاع عن نفسها، ولكي يكون هناك ثبات في الموقف يختلقون نشيدًا حماسيًا يبث في الأفراد روح العزيمة والقوة والحماسة.
تختلف رقصات البيئة الساحلية عن البيئة الجبلية؛ فنجد أن المناطق الجبلية تؤدى الرقصات فيها وقوفًا بعكس رقصات الساحل؛ حيث تؤدى أغلب الرقصات وهم جلوس. الإيقاعات الجبلية سريعة وقوية في حين أن ايقاعات الساحل تميل إلى الهدوء أكثر.
ويضيف الجمعان: “يحدث هذا تمامًا مع فن العرضة السعودي، وهو فن حربي بامتياز، هدفه صنع حالة من الثبات والحماس”، ونجد أيضًا رقصة العرضة في منطقة الباحة وهي رقصة حرب، وكذلك رقصة التعشير بمنطقة الطائف، لأنها رقصة تعتمد على استخدام البنادق النارية القديمة، وكذلك رقصة الحرابي، في منطقة تبوك، التي تستخدم خلال أدائها السيوف كعنصر مهم بالرقصات.
تتنوع الرقصات الشعبية السعودية بتنوع الظروف والطقوس والمناسبات لذلك نجد أغانيها متنوعة بحسب الحالة حتى في إيقاعاتها بين الهادئ والحماسي والصاخب، ويلفت الجمعان، إلى الفنون البحرية الخليجية التي يؤديها البحارة الذين يصطادون اللؤلؤ، ومنها فنون مخيفة في إيقاعها نتيجة ما يواجههم في البحر من أهوال، كما تختلف رقصات البيئة الساحلية عن البيئة الجبلية؛ فنجد أن المناطق الجبلية تؤدى الرقصات فيها وقوفًا بعكس رقصات الساحل؛ حيث تؤدى أغلب الرقصات وهم جلوس. الإيقاعات الجبلية سريعة وقوية في حين أن ايقاعات الساحل تميل إلى الهدوء أكثر.
لكل رقصة طابعها الخاص الذي يرمز إلى أهل منطقة معينة في المملكة العربية السعودية، في كلمات الأغنية، والحركات، والموسيقى، والملابس أيضًا، وبحسب الشاعر الغنائي السعودي، أحمد إدريس، فإن أهل الشمال يتميزون بالدحة؛ إذ يتجمعون في صفين متقابلين ويقولون الأشعار معها رقصة وقفزة، أما أهل الجنوب لديهم الدمة أو المتقال والخطوة، وهذه الرقصة تقام بدون مناسبة، أي أنها رقصة رسمية للجنوب.
ويضيف إدريس خلال حديثه لمواطن، إن أهل نجران يتميزون برقصة القزوة، وبلاد قحطان، أما أهل الشرق متأثرين بباقي مناطق الخليج العربي مثل الكويت وقطر والإمارات، والبحرين؛ إذ يفضلون ملابس البحارة ومواويل معينة ويتمايلون في رقصاتهم بين اليسار واليمين، ويتحدث إدريس، عن رقصة الأمراء؛ وهي “الرقصة النجدية” أي المأخوذة عن أهل نجد، وفيها يتمايل الراقصون بالسيوف، ويؤكد: “الرقص النجدي المعروف بالتمايل بالسيوف كما يفعل الأمراء أو الأسرة الحاكمة، وهي رقصة نجدية معروفة، كما نجد ثيابهم محزومة من عند الخصر ويضعون فيها السلاح”.
لكل رقصة طابعها الخاص الذي يرمز إلى أهل منطقة معينة في المملكة العربية السعودية، في كلمات الأغنية، والحركات، والموسيقى، والملابس أيضًا
كما قدمت الدكتورة ميساء الخواجة، أستاذ مشارك الأدب والنقد، قسم اللغة العربية، بجامعة الملك سعود، في مهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية، الذي نظمته السعودية في يناير من العام الماضي، ورقة بحثية بعنوان: “الفنون الأدائية – نظرة تاريخية وثقافية”، واستعرضت فيها تاريخ ونشأة فنون الرقص الشعبي السعودي، وتضيف خلال حديثها لمواطن، أن الرقص قديمًا ظهر كطقس من طقوس العبادة، وأحيانا كان يؤدى في رحلات الصيد على شكل فريق منقسم بين نصفين في صفوف متقابلة يقلدون حركة وصوت الحيوانات، وتستطرد: ” ظهر توظيف بعض أصوات الحيوانات عند الرقص بالتقابل في صفوف، مثل رقصة الدحة، التي يقلدون فيها صوت الإبل في بعض المقاطع”.
مشاركة المرأة السعودية في فرق الرقص الشعبي
النساء قديمًا كن يرقصن بشكل جماعي مع الرجال، وبسبب ظهور ما عرف بعصر الصحوة وهيمنة بعض الجماعات المتطرفة على المجتمع السعودي تم حجب المرأة والفصل بينها وبين الرجال
للنساء أيضًا نصيب من الرقص الشعبي السعودي، وكان هناك رقصات شعبية قديمة خاصة بهن تمارس بأفراح النساء، لأن المجتمع السعودي تم تقسيمه بين ذكري وأنثوي، ولكن يوجد بعض القبائل أو المناطق سمحت للمرأة أن تمارس الرقص قديمًا، ومع ظهور موجة التشدد الديني بالأربعين سنة الماضية تم إيقافه ومنع ظهوره، وتعقب أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك سعود”، ميساء الخواجة في هذا الصدد، أن النساء قديمًا كن يرقصن بشكل جماعي مع الرجال، وبسبب ظهور ما عرف بعصر الصحوة وهيمنة بعض الجماعات المتطرفة على المجتمع السعودي تم حجب المرأة والفصل بينها وبين الرجال في العديد من المجالات.
وتضيف الخواجة: “صارت هذه الرقصات النسائية تؤدى بشكل خاص مثل رقصة الخطوة والرقصات البدوية، وهناك رقصات نسائية بدأت تندثر مثل رقصة التركي وربما لاختفاء المؤديات لهذه الرقصة”.
الآن يوجد فرق تركز على إحياء الفنون الشعبية ومنها فرق نسائية، لكن لا تظهر المرأة السعودية، وهي تشارك في عروض الرقص الشعبي السعودي علنًا، ظهور المرأة صعب جدًا ثقافيًا واجتماعيًا ويحتاج إلى وقت حتى تستطيع المرأة أن تشارك علنا، وحاليًا هناك فرق نسائية تعمل على توثيق الرقص الشعبي السعودي النسائي حتى لا يندثر، وتؤكد الخواجة: “في المناطق الجنوبية نجد النساء يتحدثن عن حكايات جداتهن عن فرق الرقص الشعبي النسائي السعودي، وكانت هناك اشتراطات تلتزم بها المرأة حالة رغبتها في الرقص، إما أن تكون غير متزوجة، أو متزوجة وتجلب موافقة من الزوج”.
الرقص الشعبي.. في الدراما المسرحية السعودية
“يختلف شكل عروض الرقص الشعبي السعودي المشاركة في الأعمال المسرحية عن عروضها في المهرجانات والاحتفالات والمناسبات؛ فالمشاركات في المهرجانات تكون استعراضية وغير خاضعة لأي سياق درامي؛ ولا تخضع لقوانين المسرح والإخراج؛ وهي مشاركات لاستعراض هذه الفنون، وعادة ما تقدم في مهرجانات مثل الجنادرية أو مهرجان قمم الدولي؛ أو حتى المشاركات الخارجية في الأسابيع الثقافية أو في المعارض الدولية مثل معرض اكسبو دبي”؛ يفتتح الكاتب المسرحي السعودي، عباس الحايك، حديثه لمواطن، بهذه الكلمات متحدثًا حول الفوارق الاستعراضية للفلكلور الاستعراضي التراثي السعودي، على خشبة المسارح الدرامية والمهرجانات العامة؛ حيث يتم تقديم الرقص الشعبي السعودي، أو فرق الفنون الأدائية، ضمن سياق درامي وليس استعراضيًا فقط؛ ففي العرض المسرحي كل عنصر يستخدم يجب أن يكون له مبرر درامي، وبنية النص المسرحي هي التي تحتم المزج بين الدراما والعرض الأدائي.
ويضيف الحايك إن اختيار الفرق الأدائية للمشاركة في عرض مسرحي في السعودية يعتمد على بيئة العمل المسرحي؛ فالعرض المسرحي الذي تدور أحداثه في بيئة بحرية يتم اختيار فرقة تقدم عروضًا أدائية بحرية مثل: “الفجري والليوة والنهام“، وحين يكون العمل في بيئة صحراوية يتم اختيار فرقة تقدم فنون مثل: “العرضة والدحة والسامري“، وإذا كان العرض المسرحي يدور في بيئة جبلية فيتم اختيار الفرق التي تتمكن من تقديم فنون جبلية مثل: “الخطوة العسيرية“.
إعادة إحياء الرقص الشعبي السعودي
في مسرحية “بخور” التي يشرف على تنفيذها، حيدر الوحيمد، رئيس نادي كنون لهواية المسرح، يُقدم الرقص الشعبي، ضمن الأحداث الدرامية للمسرحية التي تسلط الضوء على العادات والتقاليد والإرث والموروث الشعبي، الذي يدمج بين الإيقاع والقصيد برقصات عبر صفين من الرجال يرددون ما يقوله الشاعر، وتدور أحداث المسرحية حول رجل حكيم، وهو مغنٍ شعبي يلقي قصائد لفن العرضة، ويحلم أن يورث مهنته وفنه لأبنائه، لكن يتعرض لتهمة ممارسة السحر والشعوذة من قبل شخص يمارس الدجل وطقوسه، ويضطر أبناء الحكيم إلى حرق كتبه ومؤلفاته، تنتهي المسرحية بالمشهد الأخير، لزوجة ابن الحكيم خيزرانه، وهي تستخرج أحد الكتب التي دفنتها، ويرفض الحكيم استرجاعه ويعتزل ويمتنع من استقبال الناس، مما يجعل خيزرانه، تستقبلهم وتساعدهم حتى لتعلم هذا الفن.
وتوجه هذه المسرحية سهامًا نارية إلى المتشددين الذين يرفضون الموسيقى والرقص، ويعتقدون أنها محرمة وغيرهم ممن يعتبرون أن هذه الرقصات مصدرها أديان وثنية من أفريقيا أو فارسية، لأنها تعتمد على وجود النار كعنصر مهم، وتستخدم ألفاظ وكلمات غير عربية مثل رقصة المزمار بالحجاز، وهناك من يربط بينها وبين السحر والجن والشعوذة مثل رقصات السامري والدوسري ويحرمها أو يكرهها من هذا الجانب.
يختم الوحيمد، حديثه لمواطن بأن الكثير من الرقصات الشعبية السعودية، أخذت في الاندثار، بسبب عدم الاهتمام بها، ويستطرد: “في السابق كانت الحياة صعبة وما كان في هذا الاهتمام الذي نعيشه اليوم وأغلب من مارس هذا الفن أما رحل أو تعب ونسبة قليلة جدًا من تمسك بها”، وهذا ما دفعه إلى إعادة إحياء هذه الفنون من جديد ودمجها بالعمل المسرحي الدرامي؛ خاصة منطقة الأحساء، التي كانت مشهورة بتصدير فرق الرقص الشعبي السعودي إلى دول الخليج.
جهود للحفاظ على الرقص الشعبي السعودي
تعتبر مجموعة “حيوما” للفنون والموروث، إحدى الفرق التي تساهم بدورها في إحياء تراث الرقصات الشعبية السعودية، ويظهر نشاطها واضحًا جليًا في المناسبات الرسمية بالمملكة والخاصة، وتساهم في حفظ التراث والارتقاء به وتقديمه بشكل لائق؛ خاصة موروث أهل “الطائف أو مكة”، ويرى ابراهيم السفياني، رئيس الفرقة، خلال حديثه لمواطن، أن الفرقة تعمل على تقديم العديد من أشكال الرقصات الشعبية السعودية، وتساهم بدورها في تقديم التراث بشكل متقن وجميل، ويضيف: “كل فرقة تؤدي تراث منطقها؛ فنجد فرقة الطائف تؤدي تراث الطائف وفرقة الباحة تؤدي تراث الباحة، ولكن فرقة حيوما، متطورة يمكنها تقديم العديد من العروض الأدائية للعديد من المناطق، وهذا ما يميزنا عن غيرها”.
تحرص فرقة حيوما، على اختيار الأشعار والقصائد المغناه بشكل يتوافق مع الثقافة والتراث الشعبي السعودي؛ إذ إن هناك قصائد تتوافق مع فرق المجرور وغيرها مع حيوما وحسب المناسبات، ويؤكد السفياني أنه لا يوجد اختلاف كبير بين العروض الأدائية قديمًا وما يتم عرضه اليوم، ويستطرد: ” تغير الاهتمام بالرقص الشعبي السعودي وبطريقة عرضه وإخراجه حسبما وصلت له الجهات المسؤولة عن التراث من تقنية وتحديث وتنظيم وتنسيق؛ بحيث تكون مناسبة لخروجها على السوشيال ميديا”.
توثيق الرقص السعودي، والحفاظ عليه
يأتي اختيار الفرق الأدائية للمشاركة في الفعاليات السياحية والمواسم والمهرجانات في السعودية من قبل جهات معنية تتمثل في وزارة الثقافة في كافة هيئتها وجمعياتها؛ حيث تولي المملكة اهتمامًا كبيرًا بهذا الجانب من حيث وضع قوانين للمحافظة على بقاء هذا الفلكلور الشعبي وعدم تحريفه وتغييره، بهذه الكلمات يفتتح محمد الهمش، مرشد سياحي متخصص في التراث، حديثه لمواطن، وقد يتمثل التحريف المقصود في ظهور جيل جديد يضيف بعض الحركات المستوردة من رقصات أجنبية أو مناطق أخرى بهدف التطوير والتحسين أو تطورها بتغيير الألحان أو كلمات الأشعار والأهازيج المستخدمة ضمن تلك الرقصات، وكذلك التعديل والتطوير بالأزياء من قبل الفرق الشعبية.
ويؤكد الهمش، أن الحكومة السعودية تسعى لتسجيل الرقص الشعبي السعودي ضمن الموروث غير المادي في منظمة اليونيسكو، ويضيف: “تظهر مساهمات الحكومة من خلال التوثيق الشفهي والميداني لهذه الفلكلورات من خلال كبار السن في المدن والقرى بالمملكة”.
وزارة الثقافة وهيئة التراث بالسعودية تهتم بحفظ الفرق وتوثيقها من كبار السن، الذين وضعوا القواعد الأساسية لهذا الفلكلور، والذين عايشوه وشاهدوا نشأته في صورتها الأولى، فيتم صياغة هذا وتأريخه من خلال كتابته وتحريره وتسجيله، بواسطة جهات معنية، ويضيف الهمش: الرقص الشعبي منذ أن كنا أطفالاً صغارًا ونحن نشاهده، ولهم بصمة ثقافية واضحة من خلال تقديمهم للعروض الشعبية السعودية في جميع المناسبات حتى في احتفالات المدارس، ولا توجد فعالية بالمملكة رسمية وغير رسمية إلا وكانت هذه الفرق جزءً أصيلاً من فعاليات الحفل”.
لا يمكن فصل الرقص الشعبي السعودي عن الإرث الثقافي للمملكة نظرًا للقيمة التراثية التي يحظى بها هذا الفن، ورمزيته المجتمعية التي توثق جزءً أصيلًا من تاريخ الشعب السعودي، ما يجعل هذا الفن التراثي يحتاج إلى المزيد من الاهتمام به في سبيل الحفاظ على بقائه واستمراره، فهل تنجح جهود المملكة في حماية تراث الفنون الأدائية؟ أم يذهب هذا التراث كله للاندثار في طي النسيان؟