“مواطن” منذ انطلاقتها كمؤسسة صحافية مستقلة استندت على عدة ركائز في تأدية رسالتها الصحفية ومن أهمها القضايا الحقوقية. ولأن مجتمعنا العربي مجتمع ذكوري في تركيبته كان من الطبيعي دائما أن تأخذ قضايا المرأة النصيب الأكبر من التغطية. في ظل هذه المعطيات، كان من البديهي جدا عندما تقرر “مواطن” أن تطلق مشروعها الجديد “مجلة مناصرة” أن تكون موضوعة عددها الأول أحد أهم قضايا المرأة في وطننا العربي: حق المرأة العربية في نقل جنسيتها لزوجها وأبنائها.
في الدول التي لا تعطي المرأة حقا طبيعيا في نقل جنسيتها لأبنائها على قدم المساواة بالرجل وتميز بين الجنسين تربط مفهوم العائلة بالرجل فقط. وهذا ليس مستغربا، حتى لو وجدت المبررات السياسية لذلك؛ فما هي إلا نتيجة طبيعية للواقع الاجتماعي الذي تتأصل فيه الذكورية من منابع ليست فقط تقليدية مثل العادات والتقاليد والموروث بشكل عام، بل أيضا من المقدس الديني وتفسيراته. هذا الواقع بكل تأكيد لا يتوافق ودولة المواطنة المنشودة التي يتساوى فيها جميع المواطنين ذكورا وإناثا بمختلف خلفياتهم الدينية والعرقية. لذلك، السياسات والممارسات التمييزية بين الجنسين في قوانين الجنسية هي سبب رئيسي وجذري لانعدام الجنسية عند الأطفال خاصة أثناء الطفولة، وفي الغالب يستمر الحال كما هو. لا تزال هناك حوالي أربعة وعشرون دولة حول العالم تحرم المرأة من حقها في نقل جنسيتها لأبنائها مساواة بالرجل، وللأسف قرابة نصف هذا العدد هي دول عربية.
“مجلة مناصرة” هي تتويج لمشوار سنوات من التغطية التوثيقية والتحليلية لقضايا حقوق الإنسان في “مواطن”، بجانب ذلك وفي آن واحد، هي تأصيل وتنظيم لهذه الجهود لكي تنصب في مشروع أكثر تنظيما ويلبي طموحات وتطلعات فريق عملها بما يتناسب ورؤية واستراتيجية “مواطن”. هذه المجلة هي الأولى من نوعها في عالمنا العربي؛ فهي مزيج بين العمل الحقوقي والصحافي، القضية الحقوقية جوهرها والصحافة ظاهرها كأداة وقوة لتتغير الإيجابي المرجو عبر تعاون أفراد ومؤسسات في المجال الصحافي والحقوقي بجانب ذلك المتضررين وصناع القرار في المنطقة. لكن ما هو أهم أن كل عدد من المجلة لن يكون تتويجا لنهاية المشروع، بل هو في الحقيقة بداية المشروع ونقطة انطلاقة لحملات مناصرة مركزة ومتنوعة تستمر لعدة أشهر.
من خلال هذا العدد الذي شارك فيه العديد من الصحفيين/ات والكتاب/ات والحقوقيين/ات والمتضررين/المتضررات بالشراكة مع “الحملة العالمية للمساواة في حقوق الجنسية”، نأمل أن نساهم ولو بقطرة في بحر الجهود المبذولة في هذه القضية. المساواة بين الجنسين هي أكثر من مجرد غاية في حد ذاتها؛ إنها أحد الشروط المسبقة في بناء الحكم الرشيد ودولة المواطنة، فضلا عن وسيلة ناجعة في الحد من العوز والفقر وانعدام أو ضعف حق التعليم والرعاية الصحية وحرية التنقل الذي يتعرض له المتضررين من التمييز بسبب صعوبة حصولهم على شهادات الميلاد ووثائق الهوية والسفر كحقوق إنسانية، ناهيك عن حقهم في الجنسية!
*مقدمة العدد الأول من مجلة مناصرة “جنسيتي حق لي ولأسرتي“