بينما كانت الصور الذهنية السلبية عن دول الخليج وخصوصًا السعودية، تتراكم لدى المصريين، كانت تلك الدول تخطو بثبات لتتجاوز مرحلة التأسيس التي كان للمصريين حضور قوي فيها. جاء وقت الانكشاف خلال العقود القليلة الماضية، حين مكنت الثورة الهائلة في الاتصالات من التواصل والانفتاح بين شعوب المنطقة، فضلًا عن التحولات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي عصفت بها.
وظهرت تلك الصور النمطية في محطات عدة للاختلاف المصري السعودي؛ إبان أحداث ثورة 25 يناير، وأزمة تركي آل الشيخ مع النادي الأهلي، وآخرها ردّ الفعل من قطاع من المصريين على تغريدات الكاتب السعودي تركي الحمد عن الأزمة الاقتصادية المصرية، التي تناولت دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد.
وفي مجتمعات مصرية أقل عددًا، من دعاة العودة للجذور المصرية القديمة (الفرعونية)، أو بتعبير أدق (كيميت)، حدث تطاول وسخرية واسعة من استضافة قطر لكأس العالم، ومن الفعاليات الترويجية والفنية والثقافية في السعودية منذ الانفتاح، وترافق ذلك مع مقارنة تلك الأحداث بأخرى شبيهة لها في مصر، تبرز عظمة الأخيرة مقابل تقليد الخليجيين، الذين هم مجرد أموال متحركة، تشتري كل شيء، وذلك تعبير مخفف لما يقوله بعض المصريين.
ورغم أنّ مقال تركي الحمد لم يجلب اهتمامًا سوى النخب، إلا أنّه وجد طريقه إلى قطيع آخر في مصر، وهم مؤيدو السلطة الذين رددوا عبارات مُعلبة، كان مقال رئيس تحرير جريدة الجمهورية خير معبرٍ عنها، حين تحدث عن رعاة الأغنام والبدو.. وإلخ، تلك العبارات العنصرية عن السعودية.
تضخم الذات المصرية
ليس الخليج وحده من تناله الصور النمطية السلبية من المصريين -دون تعميم-؛ فتلك مشكلة يكررها المصريون مع جوارهم الأفريقي، رغم أنّ مياه النيل التي هي مصدر حياتهم تأتي من تلك الدول، وهو أمر ينقل التساؤل إلى كيف يرى المصريون أنفسهم؟
لا ينكر الصحفي والناقد المصري محمد نبيل، بأنّ هناك حالة شوفينية مصرية مستشرية في مصر بسبب الإعلام المصري منذ ثورة يوليو 1952. ويقول لـ”مواطن“، بأنّ الإعلام هو المرشد القومي للشعب بإدارة سلطوية، وتربينا على أننا أعظم بلد في العالم والأهم عربيًا، لكن حينما اصطدمنا بالواقع وجدنا أن الأهل والأقرباء يهاجرون الخليج، معظمهم يهاجر مصريًا متسامحًا طيبًا مثل طمي النيل، ثم يعود متشددًا يتبنى أفكارًا وهابيةً لم نترب عليها وشاردة عن ثقافتنا.
يرى نبيل أنّ هناك ظواهر لاحتلال خليجي لمصر على مستوى الديموغرافيا والفن وأشياء أخرى، وبحكم التربية القومية الوطنية للمصريين في الإعلام والمدارس تحدث الحساسية والحنق حين الاصطدام مع تلك الظواهر الخليجية.
يثير الحديث السابق إحدى القضايا الشائكة بين المصريين والسعوديين، وهي مسؤولية العاملين في الخليج عن نشر نمط التدين السلفي (الوهابي تجاوزًا) في مصر. وليس هنا مجال تناول تلك القضية التي تحتاج إلى دراسة منهجية واسعة، لكن يدرك الباحثون المتخصصون في الدراسات الدينية الحديثة أنّ ظواهر التدين المتطرف ظهرت في المدن المصرية أولًا ارتباطًا بتحوّلات محلية بعد العام 1967، وتحوّلات عالمية شهدت نمو الأصولية الدينية، تناولها كتاب “الدين ووظائفه السياسية: مصر – الهند – أمريكا” للكاتب سكوت دبليو هيبارد. ومع ذلك لا يمكن إنكار انتشار موجة جديدة من التدين السلفي المتشدد المتأثر بهجرة العمالة المصرية إلى الخليج، والدعم الكبير من الخليج للجمعيات والمؤسسات التي تحمل ذلك الفكر.
ليس الخليج وحده من تناله الصور النمطية السلبية من المصريين -دون تعميم-؛ فتلك مشكلة يكررها المصريون مع جوارهم الأفريقي، رغم أنّ مياه النيل التي هي مصدر حياتهم تأتي من تلك الدول، وهو أمر ينقل التساؤل إلى كيف يرى المصريون أنفسهم؟
وكما عانى المصريون من عقود التدين السلفي المتشدد، لم يسلم المجتمع السعودي منه؛ إذ تعتبر بشكلها الحديث جديدة عليه، خاصة بعد التحوّلات الإقليمية مع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ونمو التوظيف السياسي للدين عالميًا.
إلى جانب ذلك، لعبت السينما والدراما المصرية دورها في تنميط المواطن الخليجي، في صورة الثري الذي يأتي ليتزوج الفتيات القاصرات، مستغلًا العوز المالي للأسر، وهي ممارسات موجودة في الواقع، غير أنّها محدودة، وارتبطت بأجيال لم تعد تتصدر المشهد السعودي اليوم.
وما بين ما تربى المصريون عليه من خلال أدوات السلطة؛ في التعليم والإعلام والخطابات السياسية، إلى جانب الصور السلبية التي نقلتها الأجيال الأولى التي سافرت إلى السعودية؛ سواء عبر تأثرهم بنمط الحياة السلفي المتشدد (الصحوة في السعودية)، وما تناقلوه من حكايات عن تفوق المصريين على أقرانهم السعوديين، ترسخت الصور النمطية للخليج والسعودية تحديدًا.
ماذا يعرف المصريون عن السعودية؟
لا يتحمل المصريون وحدهم المسؤولية عن الصور النمطية تجاه السعوديين؛ فقد لعب السعوديون أنفسهم دورًا كبيرًا في ترسيخ تلك الصور، سواء عبر ممارسات من شريحة من السائحين خلال العقود السابقة، وما خلفه نظام العمل “الكفالة” من إجحاف بحقوق جزء من العمالة المصرية في الخليج خلال العقود السابقة.
فضلًا عن ذلك، تتحمل السلطات السعودية مسؤولية عن الصور النمطية التي لحقت بها خلال العقود الماضية في مصر والعالم؛ حيث لم تدعم برامج للتبادل الثقافي والتعريف بالثقافة السعودية في الدول التي ترتبط بها بعلاقات حيوية في محيطها. ومثال ذلك غياب أي دور ثقافي على المستوى الشعبي للملحقية الثقافية السعودية في القاهرة؛ بل وعدم إنشاء مركز ثقافي سعودي يقدم برامج تستهدف الشرائح المتوسطة، على غرار المراكز الثقافية لدول أوروبية عديدة. فضلًا عن المقاربة السعودية الرسمية للتواصل مع المثقفين والإعلاميين المرتبطين بالسلطة في مصر، دون توسيع القاعدة لتصبح عملية تبادل ثقافي حقيقي، ما جعل الفئة التي دعمتها السعودية تقيس علاقتها بالمملكة من حيث الدعم المالي والامتيازات فقط.
مقابل ذلك، حظيت الجهود التي بذلتها وتبذلها المملكة لتسهيل أداء شعائر العمرة والحج بتقدير كبير على المستوى الشعبي في مصر، وتعتبر بمثابة أحد دعائم تشكيل صور إيجابية عن المملكة.
يتحدث المواطن السعودي عبد الله الصادق، الذي أقام لأعوام في مصر عن تكوين المصريين لصورهم الذهنية عن السعودية، ويقول لـ”مواطن“، بأنّه من واقع تجربتي الطويلة نسبيًا أعتقد أن المصريين الذين لم يخرجوا خارج حدود وطنهم لديهم الكثير من الأفكار المغلوطة تجاه السعودية والسعوديين.
ويلفت الصادق إلى انتشار بعض المقولات السلبية عن السعودية على ألسنة الناس، وينوه بأنّ تلك الصور النمطية تتغير لدى المصريين الذين عاشوا في الخليج، أو كان لهم قريب أو صديق في الخليج، أو حتى إن تعاملوا في الفضاء الافتراضي مع شخص من هذه البقعة.
ويرى الصحفي والناقد المصري محمد نبيل، بأنّ الرأي الشعبي المصري تجاه الخليج غير واضح المعالم، لكن ما هو واضح هو الرأي الرسمي؛ رأي وسائل الإعلام في دول غير ديمقراطية. ويقول بأنّ تداول المعلومات في تلك الدول يخضع للسلطة وليس الشعب؛ سواء في مصر أو الخليج أو الشام أو أي بلد عربي. ويشدد على أنّ تناول صحفيين سعوديين للأوضاع المصرية لا يعني أن الشعب السعودي هاجم مصر، كما أنّ رد رئيس تحرير صحيفة قومية مصرية لا يعني أن المصريين يتحسسون النقد السعودي، بل للأمر حسابات أخرى يستطيع أن يتناولها المحللون السياسيون بشكل أكثر دقة.
وبسؤاله حول استدعاء المصريين لصور نمطية كرد على أي انتقاد يأتي من الخليج وخاصة السعودية، يرى الروائي السعودي محمد فلاج العنزي، بأنّ ذلك قد يكون مصادفة. وتابع لـ”مواطن” بأنّ هناك مبالغة من بعض المتنفذين في وسائل الإعلام وقلة من المثقفين ومشاهير السوشيال ميديا، تبعث برسائل سيئة. ولفت إلى أنّ الأحداث مثل تغريدات الكاتب تركي الحمد وغيرها لم تكن السبب لردود هؤلاء، بل ضغينة مكتنزة تنتظر الفرص؛ سواء بحق المملكة والخليج، وهي قليلة جدًا، لا تمثل شيئًا يُذكر، ولن تهز مكانة مصر عربيًا وإسلاميًا.
تعتبر تجربة الصحفي والناقد محمد نبيل في التواصل مع نظرائه من الشعراء والأدباء في الخليج مثالًا للصور الذهنية النخبوية، خارج الإطار الرسمي، ويقول نبيل، “في تجربتي الشخصية كناقد وكمثقف عربي لم ألتحم بالشعب الخليجي؛ بل التحمت بالمثقفين الخليجيين، والحقيقة أن هؤلاء مجتمع آخر غير ما نسمع وما نعتقد عن الخليجيين”.
ويتابع نبيل الحديث بأنّ هذه الفئة لديهم أزمات وجودية تنتاب أي مثقف عربي آخر في أي بلد، ولديه معركة مع تاريخ بلاده، ورؤية مستقلة للعالم وإدارته، وللشرق ولبلاد ما بعد الاحتلال. يرى نبيل أنّ هذا الهم الخليجي هو هم المثقف المصري تجاه وطنه والتونسي وإلى آخره، وهذا مخالف تمامًا للصورة الذهنية المنتشرة عن الخليجي في مصر، وفي دول عربية أخرى مثل ليبيا وتونس ولبنان.
كيف ينظر السعوديون لمصر؟
تبعًا للتقسيم السابق عرضه؛ السعودية في مرحلة التأسيس التي كان للمصريين حضور ملحوظ فيها، والسعودية الجديدة التي قامت على الابتعاث الخارجي الواسع، وما شهدته من تحولات اجتماعية واقتصادية، جاءت خطط الانفتاح الأخيرة لتواكبها، تنقسم الرؤية تجاه مصر وفقًا لذلك.
يعبر عبد الله الصادق عن الجيل الجديد في السعودية اليوم، ويقول عن رؤيته لمصر قبل الحضور إليها وبعد، بأنّه لا ينكر تأثره بالصورة النمطية في الخليج عن انتشار النصب والاحتيال في مصر خصوصًا تجاه الخليجيين. وتابع بأنّ تلك الصور النمطية تغيرت بمعاشرة المصريين، وفي المجمل؛ فالمصريون ذوو أمانة وشهامة وبشر (عِشَريّة) بالفطرة، وهذا الأصل لا يمنع وجود الاستثناءات السيئة. “تعلمت بالتجربة أن المصريين ليسوا بهذا السوء في المجمل”.
ومن جيل أكبر، يقول الروائي محمد فلاج العنزي، بأنّ المجتمع السعودي يرى لمصر مكانة خاصة تاريخية، مهما حدث من خلافات فكرية على مستوى المثقفين أو من عامة المجتمع، وهي خلافات تحملها قلة من المصريين.
ويتناول عبد الله الصادق، رؤية السعوديين لمصر، بأنّ كبار السن في الخليج يحملون شعور الامتنان للمصريين أكثر من الشباب؛ ذلك لأنّ جيل كبار السن درس على يد مدرس مصري أو تدرب في عمله على يد مصري. ويتابع الصادق بأنّ رؤية الشباب السعودي لمصر تتمثل على أنها مكان مميز للسياحة؛ سواء سياحة الآثار والمتاحف أو سياحة الملاهي الليلية والمطاعم أو سياحة الشواطئ والطبيعة، لكن شعور الامتنان السابق ذكره قد لا تراه عند الشباب، أو يكون بنسبة قليلة، وذلك لقلة تجاربهم مع المصريين في العموم.
ومثلما يتحمل السعوديون على المستوى الشعبي والرسمي المسؤولية عن الصور النمطية التي علقت بهم في مصر والعالم، يتحمل المصريون على المستويين السابقين نفس المسؤولية؛ إذ إنّ الصورة الذهنية تتكون من مجموع العوامل الذي يؤثر في رؤية الجمهور المستهدف لكيان ما، وفي تلك الحالة عن مصر والسعودية، فالجمهور هو الشعبان والكيان هما الدولتان.
وتدخل عوامل لا تحصى في تكوين الصور الذهنية المتبادلة بين الشعبين؛ السعودي والمصري، وفي حالة الثاني، تحدث مواطن مصري وُلد وعاش حتى ما بعد مراهقته في السعودية لـ”مواطن” حول ذلك.
يجب على السلطات القيام بدور لتنمية التواصل بين الشعوب، حتى تتخلص المنطقة من عقدة المقارنات التي يُستدعى فيها الماضي وتترسخ الصور الذهنية المغلوطة، من أجل مواجهات لا تسمن ولا تغني من جوع بين شعوب تعاني من أزمات عميقة ممتدة.
يرى أحمد نادر قاسم عن الصورة الذهنية التي تكونت عن مصر لدى الجيل الأكبر سنًا في السعودية، الذي واكب مرحلة التأسيس، بأنّ لديه صور ذهنية جيدة عن مصر، تسربت من خلاله إلى أجيال أحدث، لكن كان للمصريين دورٌ في تحوّل هذه الصور التي بُنيت على المتخيل إلى صور سلبية.
يوضح قاسم بأنّ الالتقاء الذي حدث بين الشعبين بشكل كبير خلال العقود الماضية جعل السعوديين يختبرون في الواقع صورهم المتخيلة عن مصر، والتي كشفت عن الفرق بين مصر والمصريين، ويحيل الحديث السابق إلى قضية الافتخار بالماضي لدى المصريين واستدعائه في التطاول على السعوديين وغيرهم من الشعوب اليوم في الخلافات التي تملأ الفضاء الافتراضي.
ويوجب ذلك الإشارة إلى أنّ الصورة الذهنية عن مصر تكونت من عوامل فوقية في الأساس، وليست عوامل شعبية؛ بدايةً من مرحلة التحديث في عهد الوالي العثماني محمد علي باشا، ثم خلفائه، وصولًا إلى عهد الجمهورية منذ عام 1952. في تلك الفترات التاريخية كانت مصر المتخيلة حتى لدى المصريين أنفسهم ليست هي مصر الشعب، بل مصر الصغيرة في الإنتاج المعرفي النخبوي والرقي الاجتماعي الحضري الطبقي، وحتى الإنجازات السياسية والاقتصادية كانت مرتبطة بالسلطة، وهو أمر مستمر إلى اليوم.
ويعني ما سبق أنّ المصريين يستدعون ماضيًا نخبويًا في مواجهة واقع عام متهالك، كما يعني أنّ الصورة الذهنية التي رُوجت لمصر هي نخبوية، وبعيدة عن واقع الشعب، الذي يدين معظمه اقتصاديًا لعقود الهجرات بحثًا عن العمل في العراق والخليج وأوروبا.
ولهذا هناك فرق بين الصور الذهنية عن مصر حتى العهد الناصري والشعب، وعن الصور الذهنية التي تشكلت في مراحل الانفتاح في عهد السادات والاتصال بين عموم المصريين ونظرائهم في دول العالم، ونفس الأمر مع الأجيال الأكبر سنًا في الخليج ومصر.
وفي الحالة الثانية، اختبر السعوديون والخليجيون بشكلٍ عام صورهم المتخيلة عن مصر من خلال السفر لأغراض متعددة إلى مصر. ويذكر المواطن المصري أحمد نادر قاسم مثالًا حول ذلك الالتقاء، وهو مفهوم “المياه” بين الشعبين. ويقول بأنّ أحد أكبر مآخذ السعوديين على المصريين هي الطريقة التي يتعاملون بها مع مياه نهر النيل، من خلال الممارسات التي تزيد من تلوث النهر، بينما السعودي لديه تقدير كبير للمياه، وذلك لأنّها شيءٌ نادر في بلده.
ولا حاجة لتعداد الكثير من الأمثلة التي تجعل غير المصري يكون صورًا سلبيةً عن مصر والمصريين؛ فهي ممارسات لا يمكن حصرها، وساهمت في الإساءة لمصر وشعبها لدى مواطني دول العالم، وليس ببعيد التقييمات السيئة عن تجارب السائحين الغربيين لمصر. وخلاصة القول؛ إنّ تكوين الصور الذهنية مسؤولية مشتركة بين السلطة والشعب، وبين المصري والآخر السعودي.
وما يبعث الأمل نحو تغيير تلك الصور النمطية، هي أنّ الآلاف من الأجيال الأصغر سنًا في مصر تنظر بإعجاب إلى التحوّلات الإدارية والثقافية والاقتصادية في السعودية، فضلًا عن تغير أنماط التفكير لدى الأجيال الأصغر سنًا.
يقول المواطن السعودي عبد الله الصادق، “كبار السن تحديدًا من الجانبين؛ السعودي والمصري إن كانوا مقتنعين بفكرة معينة فتغييرها أشبه بالمستحيل، بينما الشباب في رؤيتهم نوع من المرونة ووجود مبدأ الأخذ والرد”.
نحو تأسيس جديد
ليس من السهل تغيير الصور النمطية التي تجد لها الكثير من المتبنين بين مواطني الدولتين، وهو أمر طبيعي حيث إنّ تغيير ذلك يتطلب جهودًا كبيرة، وفق رؤية شاملة تغطي جميع جوانب تشكيل الصورة الذهنية.
وتجب الإشارة هنا إلى أنّ المناخ العام الذي يطبع الدولتين من حيث التحديات التي تواجه الحريات، والفعل السياسي له دورٌ كبير في استمرار وجود السلطة في تشكيل العلاقات بين الشعبين، وهي مشكلة كبيرة تواجه بناء العلاقات غير الرسمية بين دول المنطقة، التي ما زالت تعيش في جزر منفصلة نسبيًا. وهو الأمر الملحوظ من مقارنة حجم معرفة شعوب المنطقة بشعوب دول غربية بأخرى جارة لها. ومثلًا فإن حجم التواصل غير الرسمي والمعرفة لدى المصريين على سبيل المثال بألمانيا يفوق نظيره بدولة جارة مثل السودان، وليبيا. وفي الحالة الخليجية وخاصة السعودية تتوافر عوامل عديدة لتنمية العلاقات بين الشعبين، ومنها حجم الحركة غير الرسمية عبر العمالة والسياحة والسفر بشكل عام.
يرى الروائي السعودي، محمد فلاج العنزي، بأنّ كثيرًا من السعوديين والمصريين في السعودية تجمعهم علاقات متنوعة متعددة، أسست لعلاقات طيبة بين الشعبين، وقدرة على تجاوز الاختلاف، وإبقائه في حيزه الطبيعي بين الدول.
ورغم أنّ المنخرطين في سجالات مصر والسعودية من الشعبين قد لا يكونون الأغلبية، إلا أنّهم من المؤثرين في دوائر أوسع على المستوى الشعبي، وربما يطغى صوتهم في أوقات الأزمات البينية على صوت الكثير من التجارب الطيبة بين شعبي البلدين. لهذا يجب على صانعي القرار في البلدين الوصول إلى الفئات المؤثرة بهدف تدعيم التواصل، وإتاحة الفرص للالتقاء الحقيقي الذي لا ينمط شعبًا بأكمله في ممارسات محدودة.
وخلاصة القول، بناءً على واقع مجتمعات المنطقة، التي رغم سلطوية نظمها السياسية؛ فهي تتأثر بالتيار الشعبوي، يجب على السلطات القيام بدور لتنمية التواصل بين الشعوب، حتى تتخلص المنطقة من عقدة المقارنات التي يُستدعى فيها الماضي وتترسخ الصور الذهنية المغلوطة، من أجل مواجهات لا تسمن ولا تغني من جوع بين شعوب تعاني من أزمات عميقة ممتدة.