وسط أزمة اقتصادية عنيفة يعيشها العالم ناتجة عن جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها من أزمة في إمدادات الطاقة وارتفاع أسعار خام البترول والغاز الطبيعي، انعكست في ارتفاع مستويات التضخم داخل البلدان الصناعية الكبرى بشكل لم تشهده منذ أربعة عقود، مع التوقعات بدخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود تضخمي لم يشهده منذ الثلاثينات من القرن الماضي. في خضم كل هذا وفي الخامس من أكتوبر الماضى، آتى قرار مجموعة “أوبك” والدول المتحالفة معها “أوبك بلس” بخفض إنتاج خام النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، ليحدث دوي صدمة عميقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها من الدول السبع الكبرى، ما زال يتردد صداها إلى اليوم بعد أكثر من خمسة أشهر على القرار.
تسببت سياسات ” بلس” بحالة من التصعيد السياسي بين الولايات الأمريكية التي كانت تسعى لزيادة الإنتاج ثم جاء القرار على النقيض تمامًا من قبل دول مجموعة “أوبك”، بزعامة المملكة العربية السعودية. كانت الإدارة الأمريكية قد ضغطت على دول أعضاء في المجموعة؛ وخاصة المملكة العربية السعودية بوصفها أكبر مصدر لخام النفط عالميًا، من أجل عدم اتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج، لأن من شأن ذلك رفع أسعاره عالميًا وزيادة نسبة التضخم المرتفعة بالفعل.
لذلك جاء الاتهام شديد اللهجة من الإدارة الأمريكية؛ إذ اتهمت مجموعة أوبك بلس وعلى رأسها السعودية بالانحياز إلى روسيا عضو المجموعة، ودعم موقفها في الحرب ومساعدتها في الحصول على مزيد من الأرباح نتيجة رفع أسعار النفط، وفي المقابل يزيد القرار من الآثار التي تعانيها الاقتصادات الغربية والعالمية بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يهدد العلاقات السعودية الأمريكية؛ حيث صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن: “أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لإعادة التفكير في علاقتها مع السعودية”، في حين تنفي المملكة هذه الاتهامات، وترى أن ما يحدث “عاصفة سياسية مستغربة”، على حد وصف وزير الخارجية السعودي، وتدافع المملكة العربية السعودية عن نفسها بأن اعتبارات تخفيض الإنتاج اقتصادية، في الوقت الذي تأتي فيه ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها لاعتبارات سياسية قد لا تهم المملكة.
أوبك بلس
ظهرت مجموعة “أوبك بلس” لأول مرة على الساحة الدولية في عام 2016 في الجزائر.، وضمت هذه المجموعة دول الأوبك الأساسيين، بالإضافة إلى عشر دول منتجة للنفط لا تحمل عضوية منظمة أوبك، وفي مقدمتهم روسيا التي تعتبر ثاني أكثر دولة منتجة للنفط بعد المملكة السعودية، بحجم إنتاج يصل لأكثر من عشرة ملايين برميل يوميًا، ليشكل كل من أوبك وأوبك بلس على رأسهم السعودية وروسيا تحالفًا قويًا، وظهرت أهمية الدور التي تلعبه المنظمة مع قيام الحرب الروسية على أوكرانيا وتصاعد أزمة الطاقة؛ حيث تغطي دول أوبك بلس ما يصل إلى نصف إمدادات النفط العالمي، بالإضافة لامتلاكها ما يصل إلى 90% من احتياطات النفط المؤكدة.
ولمعرفة أهمية قرار أوبك بلس وأهمية المنظمة والدور الهام والمحوري التي تلعبه في تحديد أسعار برميل النفط، نتوقف قليلًا لمعرفة المفاهيم الأساسية التي تتعلق بالسوق العالمي لخام النفط، والعوامل التي تؤثر بشكل أساسي على الإنتاج والتسعير، وننظر لسياق الصراع التاريخي للسيطرة على أسواق النفط العالمية.
من الذي يحدد سعر النفط ؟
تتحدد أسعار خام النفط عن طريق ما يتم الاتفاق عليه من قبل أكبر المصدرين في العالم، الذين اجتمعوا معًا في منظمة أوبك؛ حيث يتفقون بشكل علني على الكمية وحصص إنتاج النفط التي ستنتجها كل دولة من الدول الأعضاء، وبالتالي يلعبون دورًا رئيسيًا في التأثير على اتجاهات الأسعار على مستوى سوق النفط. يوضح المحلل والخبير النفطي كمال الحرمي تلك العملية في حواره مع “مواطن” قائلا بأنه: يجب أن يكون هناك إجماع بين الدول الأعضاء على تسجيل قرار زيادة أو خفض إنتاج النفطـ، وهو ما فعلته أوبك بلس المنظمة المولودة من رحم الأم أوبك.
هناك أيضًا عملية العرض والطلب التي تلعب دورًا جانبيًا في الاستقرار النفطي العالمي، بوصف النفط سلعة يتحدد سعرها حسب قانون العرض والطلب، يأتي العرض النفطي من الدول المالكة للنفط على رأسهم دول مجموعة أوبك التي تضم الدول الخليجية، بينما يأتي الطلب من الدول المستهلكة له وهي الدول الصناعية الكبرى على رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول آسيا وأهمهم الصين والهند.
تبعًا لهذه القوانين الذي يجري العمل بها في تحديد سعر النفط؛ فإن المدخل الأساسي لفهم الازمة الحالية ومعرفة سبب اتخاذ أوبك بلس قرارها بخفض الإنتاج يكمن في أن الدول المنتجة لخام النفط داخل تكتل “أوبك بلس” ترى أن الاقتصاد العالمي مُقبل على أزمة ركود اقتصادي، وبالتالي فإن الطلب على النفط سينخفض، وإذا خضعت لإملاءات الدول السبع الكبرى ورفعت كمية الإنتاج؛ فإن هذا سينعكس في انخفاض أسعاره نتيجة زيادة جانب العرض على جانب الطلب، وهو ما ترفضه الدول الأعضاء داخل أوبك بلس.
في العام 2020 تراجعت أسعار النفط بمعدلات سريعة حتى وصل سعر البرميل إلى أدنى مستوياته في ذروة الجائحة خلال أبريل من نفس العام، وكان السبب الرئيسي لذلك هو تراجع الطلب العالمي على النفط بفعل الإغلاق الكامل للأنشطة الاقتصادية بهدف القضاء على الجائحة. وقد وصل سعر برميل النفط لنحو 12.2 دولارًا للبرميل. وهو ما تسبب في عجز في الموازنات العامة لدول الخليج، ولتعويض نقص إيراداتها من النفط لجأت إلى أصولها من صناديق الثروة السياسية لتمويل عجز الموازنة وجهود مواجهة جائحة كورونا والآثار المترتبة على الإغلاق. وهذه الصناديق التي يعول عليها في إنقاذ اقتصادات الدول الخليجية في وقت الأزمات يتم تمويل استثمارتها من فوائض النفط أيضًا، وانهيار أسعار النفط لن ينتج عنه فوائض تمول هذه الصناديق فضلًا عن تمويل الميزانية السنوية لاقتصادات دول الخليج، التي تعتمد بشكل شبه كلي على الإيرادات الآتية من النفط.
وبينما تضغط الولايات المتحدة والدول الغربية على دول أوبك بلس، وفي مقدمتهم دول الخليج لزيادة الإنتاج من أجل أهداف سياسية في حربهم ضد روسيا؛ فإن دول المجموعة تخوض في المقابل حربًا وجودية من أجل المحافظة على استقرار أسعار النفط، والذي يؤثر وينعكس على اقتصادها بشكل عميق، ويمكن تلخيص هذا التأثير ببساطة عن طريق النظر إلى أن كل واحد دولار زيادة في أسعار النفط يتم ترجمته لزيادة بمقدار مليارات الدولارات في ميزانيات هذه الدول، وفي المقابل فإن كل دولار انخفاض يعني النقيض تمامًا بحدوث تقلص في إيرادتها بمقدار مليارات الدولارات أيضًا.
في كتاب “التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية:قراءة نقدية” للدكتور والمفكر الاقتصادي السعودي “عبد العزيز محمد الدخيل“، وفي تناوله لأهمية النفط لدول مجلس التعاون وبالأخص المملكة العربية السعودية، يقول: عندما يحدث انخفاض وانهيار لأسعار النفط في السوق العالمية؛ فإنه يحدث العديد من الأضرار الاقتصادية في ميزانيات وبرامج الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة النفطية؛ مثل المملكة العربية السعودية، وقد تتبعها مشاكل اجتماعية وسياسية تعرض أمن هذه البلدان وسلامتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للخطر، لأن النفط هو المادة الرئيسية الذي من استخراجه وتصديره تحصل معظم الدول المصدرة للنفط ومنهم السعودية على أكثر من 90% من عملاتها الأجنبية، وتكون الإيرادات النفطية المورد المالي الأساسي لتمويل ميزانيتها السنوية، لذلك فإن الانخفاض الحاد في أسعار النفط يؤدي مباشرة إلى انخفاض حاد مماثل في إيرادات الميزانية، وبالتالي يؤثر على قدرة الدولة في تنفيذ خططها وبرامجها الإنفاقية والتنموية. حيث إن اقتصاديات الدول النفطية، وخصوصًا أن الخليجية تعتمد اعتمادًا رئيسيًا ومباشرًا على الإنفاق الحكومي؛ فإن الأثر يكون مباشرًا وقويًا على حركة النمو الاقتصادي والدخل الفردي.
لذا فإن دول “أوبك بلس” لا ترغب في العودة خطوة إلى الخلف لعصر النفط الرخيص. وفي ظل التداعيات الاقتصادية للركود المتوقع حدوثه خلال العام الحالي 2023، ومع ارتفاع أسعار واردات الغذاء وأسعار السلع الصناعية، لم يعد مقبولًا أن يتراجع سعر برميل النفط دون حاجز 90 دولارًا.
تاريخ طويل من الصراع بين الدول المنتجة والمستهلكة؟
نشأت منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك في بغداد عام 1960 في ظل وضع اقتصادي عالمي تسيطر فيه شركات البترول الغربية على سوق النفط العالمي؛ سواء كان في مجال الاكتشاف أو الإنتاج أو النقل، ومن ثم فهي من تحدد سعره. وقد كان لوزير النفط السعودي الشيخ عبد الله الطريفي الفضل في ولادة أوبك، بالاشتراك مع وزير النفط الفنزويلي آنذاك “بيريز الفونسو”. وكان هدف المنظمة خدمة مصالح خمس دول منتجة ومصدرة للنفط؛ وهي السعودية، العراق، إيران، الكويت، فنزويلا، لتحقيق السيادة الكاملة على ثرواتها النفطية.
يتناول “الدخيل” في كتابه الظروف التي ولدت فيها أوبك وصراعها التاريخي للسيطرة على سوق النفط، فيقول: “في السنوات الأولى من إنشائها صارعت منظمة الأوبك شركات البترول الغربية وفي مقدمتهم الشركات الأمريكية المسيطرة على النفط وسوقه، وللمرة الأولى منذ اكتشاف النفط في أراضيها، استطاعت الدول المشاركة في المنظمة أن تحقق السيطرة على حجم الإنتاج والتسعير للنفط المنتج من بلدانها، والذي يمثل بطبيعة الحال الجزء الأكبر من إمدادات النفط العالمية واستهلاك الدول الغربية الكبرى”.
حققت الأوبك الكثير من المنجزات لأعضائها، ومكنتهم من انتزاع سيادة ثرواتهم النفطية من الشركات الغربية المهيمنة؛ فاستطاعت تحسين الشروط المالية والقانونية المتعلقة بمعاهدات الامتياز المبرمة بين هذه الدول وشركات النفط العالمية، وأيضا رفع أسعار النفط تدريجيًا، حتى أتت حرب أكتوبر 1973 التي وجهت الضربة الكبرى للدول الغربية، بعد إعلان منظمة أوبك تخفيض إنتاج النفط وحظر تصديره للدول التي تساند إسرائيل في حربها ضد العرب، وهو ما تسبب في أكبر أزمة طاقة عرفها الغرب، وارتفعت أسعار النفط بمقدار أربعة أضعاف سعر ما قبل الحرب. انعكس هذا الارتفاع على الإيرادات النفطية المرتفعة وغير المسبوقة التي حصلت عليها الدول الخليجية، وبعد أن انتعشت اقتصاداتها بشكل لم يكن في الحسبان أضحى الرجوع إلى أسعار نفط ما قبل أكتوبر فكرة مستحيلة، وكان على دول أوبك أن تخوض جولات أخرى من الصراع الوجودي للمحافظة على أسعار النفط.
أحدثت قرارات الأوبك خلال حرب أكتوبر صدمة لدى الدول الغربية المستهلكة للنفط لا تفارق ذاكرة الحكومات الغربية حتى الآن، وشيطن الإعلام الغربي منظمة أوبك، واشتهرت بين الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية بأنها السبب الرئيسي لفراغ مخزون الوقود في سياراتهم نتيجة اختفاء وارتفاع أسعار الوقود، وصدحت الأغاني الموسيقية ورفعت الشعارات المعادية لدول أوبك نتيجة قرارهم بحظر تصدير خام البترول إلى بلدانهم الداعمة حكوماتها لإسرائيل في حربها ضد العرب؛ وهو ما سهل على الأعلام الغربي إعادة شيطنة مجموعة “أوبك” والدول المتحالفة معها “أوبك بلس” من جديد، بعد القرار التي اتخذته في أكتوبر من العام الماضي؛ حيث يجري تصويرها على أنها السبب في أزمة الطاقة التي يعانيها العالم.
وكما ولدت أوبك كرد فعل من الدول المالكة للنفط على سيطرة وتحكم الدول الغربية في إنتاج وتسعير النفط، ولدت منظمة الطاقة الدولية عام 1974 كرد فعل من الدول الغربية المستهلكة للنفط على سيطرة دول أوبك على سوق النفط العالمية وافتعالهم لأزمة الطاقة التي أدت لارتفاع أسعار النفط وقتها.، وكان ذلك بقيادة وزير الخارجية الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة “هنري كاسينجر” الذي كان مهندس ومخطط هذا التجمع في مواجهة دول الخليج التي تناصب العداء لإسرائيل، وتجرأت على استخدام قوتها النفطية في مواجهة الولايات المتحدة، وكما يقول الدخيل: “كان هدف كسينجر اقتلاع تلك القوة من أيدي العرب ووضع لهذا الهدف استراتيجية تتضمن تحقيقه”
ونستطيع أن نقول إن كيسنجر تمكن من تحقيق هدفه، وانتزعت الدول الصناعية الكبرى السيطرة مجددًا؛ حيث أقرت المنظمة في عام 1977 هدفًا محددًا؛ وهو تقليل الاعتماد على خام البترول (خفض الطلب) إلى مستوى 26 مليون برميل/يوم، وفي الاجتماع التالي عام 1979 خفض أعضاء المنظمة سقف الطلب على خام البترول ليصل إلى 6.24 مليون برميل/يوم، والتزموا بسقف الطلب التزامًا أكبر في السنين التي تلتها لتفقد بذلك الدول المنتجة والمصدرة للنفط في أوبك تأثيرها وسيطرتها الكاملة على سوق النفط العالمي، وهو ما تسبب في انخفاض إيرادات دول أوبك وأوقع اقتصادات تلك الدول في أزمات اقتصادية عنيفة وعانت من عجز في الموازنة العامة.
الحرب الروسية الأوكرانية: رؤي متباينة
تريد الإدارة الأمريكية من “أوبك بلس” اتخاذ مواقف من شأنها معاقبة روسيا عن طريق زيادة الإنتاج النفطي مما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط وبالتالي العائدات التي تجنيها روسيا من النفط والتي تستخدمها لتمويل حربها ضد أوكرانيا؛ في الوقت الذي تعتبر فيه روسيا لاعبًا رئيسيًا في تجمع أوبك بلس، يرى الحرمي خلال حديثة لـ”مواطن” أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من دول “أوبك بلس” تبني مواقفها السياسية وتحمل الفاتورة الاقتصادية لمعاقبة روسيا، وهو ما يلغي المصالح الاقتصادية لدول المجموعة على رأسهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي ستتضرر عند زيادة الإنتاج وانخفاض أسعار برميل النفط؛ مما يؤثر على مستقبل الاقتصاد والاستقرار السياسي والاجتماعي في ظل عالم مليء بالتحديات.
إذًا تريد الولايات المتحدة والدول السبع الكبرى من “أوبك بلس” تغليب القرارات السياسية التي تخصها على الاعتبارات الاقتصادية للمجموعة، والذي يظهر أن الولايات المتحدة غير راضية من الموقف المملكة العربية السعودية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، وكانت تنتظر من الرياض موقفًا سياسيًا أكثر صرامة يصب في مصلحة الإدارة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية. لكن السعودية ومعها الإمارات وربما بقية الدول الخليجية تنظر إلى الأحداث الأخيرة على أنها فرصة لإعادة موازنة علاقتها بكافة الأطراف الدولية، والاستفادة من تنامي العوائد المالية التي تُدر عليها نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، واحتياج العالم إلى هذه الموارد بعد حظر النفط والغاز الروسي، ثم احتياج اقتصادات العالم المتقدمة والنامية على السواء إلى التدفقات المالية للصناديق السيادية لدول الخليج، تريد استغلال كل ذلك من أجل تعزيز حضورها الإقليمي والدولي أكثر.
قانون نوبك: التلويح الأمريكي بالعقوبات
لم يعد خيار فرض عقوبات أمريكية ببعيد،؛ حيث تهدد إدارة بايدن بشكل غير مباشر بدعم مشروع قانون “نوبك ” NOPEC في الكونغرس، وهو المشروع الذي يهدف إلى تقليص قدرة الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” على تحديد أسعار النفط ورفع الحصانة السيادية عنها أمام المحاكم الأميركية، ما يعني إمكانية مقاضاتها أمام المحاكم الأمريكية على أساس قوانين مكافحة الاحتكار. كما يهدف مشروع قانون “نوبك” إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاع في أسعار الطاقة. قُدّم مشروع القانون أول مرة في عام 2000، ومنذ ذلك الحين تضعه الإدارة الأمريكية في الأدراج، وبين الحين والآخر تهدد بإخراجه وتفعيله، وعبر أكثر من عقدين من الزمن تم تقديمه للكونغرس ست عشرة مرة. وفي عام 2007 كاد أن يتحول إلى قانون بعد أن صوتت عليه الأغلبية من الحزبين في مجلسي النواب والشيوخ، وأقرته لجنة مجلس الشيوخ، لولا اعتراض الرئيس جورج بوش واستخدامه حق الاعتراض (الفيتو).
عاد الحديث حول “نوبك” مجددًا بعد أن قام النائب الجمهوري تشاك جراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار بإعادة طرح القانون، الذي حظي بتأييد 17 عضوًا في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، مقابل رفض أربعة. ولا يستبعد “الحرمي” قيام الإدارة الامريكية بمعاقبة دول أوبك بلس على رأسهم السعودية، خصوصًا بعد أن اتخذت بالتعاون مع الدول السبع الكبرى قرارًا بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي عند 60 دولار. ويعلّق الخبير الكويتي كامل الحرمي أن هذا القرار كان صادمًا بالنسبة للدول المصدرة للنفط، بعد أن اكتشفت أن ليس هناك ما يردع الإدارة الامريكية عن اتخاذ قرار مماثل يطال المجموعة في المستقبل، وهو ما جعل الدول الخليجية تعيد التفكير في علاقتها مع الولايات المتحدة، وتعيد ترتيب دورها كحليف استراتيجي وتبحث عن خيارات أخرى عبر المحافظة على علاقتها مع روسيا وتعزيز علاقتها بالصين.
"بترو- دولار": فكّ الارتباط
وعن إمكانية قيام دول “أوبك بلس” ببيع وتداول خام النفط بعملات أخرى غير الدولار في المستقبل، فاجأنا الخبير والمحلل النفطي “كامل الحرمي” بمعلومات هي الأولى من نوعها، وتنم عن خطوة تاريخية بالغة الأثر بدأت في الحدوث بهدوء وبصمت، ربما لا يليق بأهميتها وتأثيرها، كما يظهر في الأفق أن سياسات جديدة تتشكل وبوتيرة مسرعة، ربما تجعلنا نحتاج إلى وقفة ووقت طويل لاستيعاها. وكانت معلومة “الحرمي” ان دولة خليجية كبرى (فضل عدم ذكر اسمها) بدأت في بيع نفطها للصين بعملة “اليوان الصيني”، ويضيف الخبير الكويتي: هذه الخطوة تم الاتفاق عليها والترتيب لها أثناء القمة الصينية الخليجية بالرياض، والتي أقيمت في ديسمبر الماضي، وأن الأمر لا يزال في البداية وهو لا يعني أن هذه الدولة ستبيع كامل مبيعاتها من النفط للصين بعملة اليوان وتستبعد الدولار نهائيًا؛ إذ تم الاتفاق على أن يقتصر الأمر في البداية على بعض الشحنات، ويتم زيادة الكمية بالتدريج في المستقبل، كما أن هذه الدولة لا تغرد منفردة؛ بل أن هناك بعض الدول الخليجية تدرس وتخطط لتتبع خطاها والقيام بأمر مماثل”.
ويضيف “الحرمي”: أن هذه الخطوة انتظرناها طويلًا، وهي بداية طريق تسعير برميل النفط بسلة من العملات بدلًا من تسعيره بالدولار فقط، وهو ما يربط الاستقرار الاقتصادي لدول الخليج باستقرار الدولار”، وهو ما يعني انتهاء عصر ما يسمى “بالبترودولار” الذي بدأ منذ عام 1974، حينما توصلت الحكومة السعودية لاتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لتسعير كافة صادرات السعودية النفطية بالدولار. ولكون السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، سارت كل دول العالم تقريبًا على خطا السعودية، وأصبح العالم يسعر البترول بالدولار، وهو ما أسهم في هيمنة العملة الخضراء وترسيخ مكانتها العالمية إلى اليوم، بوصفها عملة التجارة العالمية والمفضلة والمهيمنة على احتياطات النقد الأجنبي حول العالم.
وإذا كان “الحرمي” يقصد بحديثه المملكة العربية السعودية؛ فإن من شأن ذلك أن يثير التساؤل، عن إمكانية أن تُحدث هذه الخطوة بداية لفك ارتباط النفط بالدولار على الصعيد العالمي، مثلما حذت دول العالم حذوها عند تسعيرها لنفطها بعملة الدولار من قبل.
أوبك بلس: لا تراجع ولا استسلام
خلال الاجتماعات التالية التي أقامتها مجموعة “أوبك بلس” بعد قرارها بخفض الإنتاج، قرر وزراء التكتل عدم التراجع وتمديد السياسة المتبعة؛ بل إنهم درسوا إمكانية القيام بتخفيض الإنتاج مرة أخرى في المستقبل القريب، نظرًا للمخاوف بشأن النمو الاقتصادي وتراجع الطلب وحالة عدم اليقين التي تسود الأسواق الدولية؛ إذ تهدف مجموعة “أوبك بلس” إلى تعزيز الاستقرار طويل المدى في سوق النفط الدولي، والحد من التقلبات غير المرغوبة في السعر. كما أن قرار خفض الإنتاج هو جزء من الاستراتيجية والنهج التي تريد المجموعة اتباعه، والذي يتمثل في أن تكون قرارات التكتل من النوع الاستباقي، من خلال رصد كافة المتغيرات الاقتصادية واستباقها بقرارات تساعد في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمي على المدى الطويل.
وبعدما عانت الدول الأعضاء في أوبك عبر عقود عديدة جراء الهيمنة الغربية على سوق النفط العالمي، وصدمات العرض والطلب التي هوت بأسعار النفط في العديد من المرات، فيبدو أن دول التكتل تعلمت الدرس جيدًا، وتريد تحقيق الاستقرار والتوازن في هذه السوق، ومعاودة السيطرة وإحكام القبضة من جديد بعد سنوات طويلة من الصراع الذي تخلله فوز في جولات قليلة وخسارة جولات كثيرة أخرى.