لم يُثر جدل في المنطقة العربية حول كيان تجاري مثل الذي يُثار حول غرفة تجارة وصناعة الكويت. تتمتع الغرفة بصلاحيات فريدة عن نظيراتها في الخليج والدول العربية؛ فهي تتولى مهام تدخل في نطاق عمل الجهاز الإداري للدولة، ولها رأي ملزم في التشريعات التي تتعلق بالاقتصاد.
تلك المكانة السابقة جعلت لها خصومًا متعددين، تجمعهم أسباب متفرقة. من يرى أنّ الغرفة هي “الدولة العميقة”، ومن ينتقدها لأسباب تتعلق بالفساد، وآخرون يرونها جزء من الواقع السياسي الذي يريدون تغييره.
من جانب آخر، يُطرح سؤال حول مسؤولية مجلس إدارة الغرفة عن المشاكل الاقتصادية المزمنة في البلاد، تبدو الكويت عاجزةً عن اللحاق بجيرانها في الخليج الذين ينتقلون من عصر الدولة الريعية إلى الدولة متعددة مصادر الدخل. فما حدود صلاحيات غرفة تجارة وصناعة الكويت؟ وهل تتدخل في الحياة السياسية؟ وما مسؤوليتها عن الوضع الاقتصادي؟
مرسوم تأسيس سابق على الدستور
في صفحة فرعية على موقع الغرفة الإلكتروني، توجد عدة جمل تعريفية؛ منها أنّ الغرفة “تأسست بموجب مرسوم بقانون صدر عام 1959 أكسبها وضعًا مؤسسيًا متميزًا”. بعد ثلاثة أعوام من صدور مرسوم الغرفة، صدر مرسوم أميري بدستور الكويت لعام 1962، بل بمرسوم قبل الاستقلال الذي حدث في العام 1961، ما يعني أنّ الغرفة تعمل بمرسوم سابق على دستور البلاد، ذلك الوضع لا يُرضي الكثيرين.
من بين صلاحيات الغرفة التي تتداخل مع العمل الحكومي، ما نصّت عليه الفقرة (3) في المادة (15) في قانون غرفة تجارة وصناعة الكويت “لا تقبل الدوائر الرسمية المعاملات المقدمة إليها من قبل التجار وأرباب الصناعة غير المسجلين في الغرفة، كما لا يجري تسجيل هؤلاء في السجل التجاري عندما يوجد، إلا بعد أن يسجلوا في الغرفة”.
تبعًا لما سبق، تحصل الغرفة رسوم على تسجيل الأعمال التجارية والصناعية في الكويت، حيث إنّ قانونها يلزم المؤسسات الحكومية بعدم قبول معاملات من ليس مسجلًا كعضوٍ فيها. وتثير مسألة الأموال التي تملكها الغرفة الكثير من النقاش؛ خصوصًا أنّ مصادرها تشمل مهام تتداخل في عمل الحكومة، مثل التصديق على تأسيس الشركات الجديدة، والتصديق على شهادات المنشأ أو المصدر ومنحها، وكذا التصديق على فواتير البضائع بعد تدقيقها وصحة تواقيع التجار وأرباب الصناعة. تحدد المادة (6) من قانون الغرفة هذه الصلاحيات، وغيرها، وجميعها تمثل مصادر دخل كبيرة للغرفة.
بينما تنصّ المادة (4) على دور للغرفة يمس السلطة التشريعية، “يكون أخذ رأى الغرفة التجارية فيما يتعلق بدوائر اختصاصها لازمًا مقدمًا في إنشاء البورصات والموانئ والأسواق والمعارض، وفى منح حقوق الامتياز المتعلقة بالمرافق العامة وفى دراسة مشاريع القوانين والمراسيم التي لها الصبغة الاقتصادية والمالية وفي وضعها وتعديلها”.
النقد يطال صلاحيات الغرفة
يقول الصحفي الكويتي فالح الشامري، بأنّ غرفة تجارة وصناعة الكويت هي واحدة في البلاد، ومجلس إدارتها يهيمن عليه تجار يحصلون رسوم على الرخص والتصديقات، واتّهم الشامري في حديثه لـ”مواطن” الغرفة بأنّ لها أذرعًا في مجلس الأمة، ودور في الانتخابات، كما أنّها تتدخل في عمل الحكومة.
من جانبه، أشار الباحث الاقتصادي الكويتي سلمان صلاح النقي، إلى أنّ ثلاثة أسباب جعلت الغرفة في مرمى النقد، على رأسها الوضع القانوني. وأضاف لـ”مواطن” بأنّه منذ إنشاء الغرفة في 1959 إلى اليوم، فهي لا تخضع لتنظيم الدولة ولا يوجد قانون رسمي ينظم أعمالها ويفرض عليها إشرافًا ورقابة من النواحي المالية والإدارية. وأشار إلى أنّه رغم صدور قرار وزاري سنة 1999 بإلزام أصحاب الأعمال والرخص التجارية بالتسجيل ودفع الرسوم السنوية لغرفة التجارة، لا يوجد ما ينظم ويشرف على الدخل السنوي الهائل. ولفت الباحث الكويتي إلى أنّ “انتخابات الغرفة ولوائحها هي الوحيدة التي لا تشرف عليها الدولة ولا تقوم بتنظيمها”.
توظف الغرفة جزء من مداخيلها المالية لضمان مصالحها، بشبكة من العلاقات السياسية بكلٍ من رأس البلاد والحكومة، وكذلك السلطة التشريعية عبر دعم مرشحين في انتخابات مجلس الأمة.
في السياق ذاته، أوضح المحلل السياسي الكويتي، إبراهيم دشتي، بأنّ الغرفة التجارية من المفترض أنّ يقتصر دورها على الخدمات الاستشارية والتسويقية إلا في الكويت؛ فهي تأخذ أبعادًا أخرى. يرى دشتي في حديثه لـ”مواطن” بأنّ الغرفة لها طابع سياسي؛ حيث تتدخل في الشأن السياسي والرياضي والاجتماعي، ولا تقدم أي خدمات للتجار من أعضائها المنتسبين. كما شدد دشتي على رفض صلاحيات الغرفة التي تتعلق بالتصديقات على أختام وزارات الدولة، وأضاف بأنّ هناك مطالب شعبية بتعديل قانون الغرفة، لتصبح إحدى مؤسسات المجتمع المدني بدلًا من دورها الحالي الذي يتداخل في كل أوجه الحياة في الكويت.
الغرفة والحياة السياسية
وحول تداخل الغرفة بالحياة السياسية، قال الباحث سلمان صلاح النقي، بأنّه في الأوضاع السياسية الجارية، وبحكم النفوذ السياسي والإعلامي والاجتماعي للطبقة المسيطرة على غرفة التجارة وتأثيرها على المشهد السياسي، جعلها ذلك تحت مرمى النيران وورقة للهجوم بكل أزمة سياسية يكون أحد أطرافها منتميًا لتلك الطبقة. واستشهد النقي بالهجمة الأخيرة التي نالت من الغرفة، بسبب خلاف أعضاء من مجلس الأمة مع رئيس مجلس الأمة السابق، مرزوق الغانم، والذي ينتمي للطبقة المسيطرة على غرفة التجارة.
من بين الأسباب الأخرى التي تغذي الموقف الشعبي المناوئ للغرفة، ما يصدر عن أعضاء من الغرفة من آراء تستفز المواطنين؛ مثل الدعوة لفرض الضرائب على المواطنين وإلغاء الدعم عنهم، وكذلك ما تنشره وسائل إعلام مملوكة من قبل المسيطرين على الغرفة من آراء مرفوضة شعبيًا.
في السياق ذاته، قال المحلل السياسي إبراهيم دشتي، بأنّ المطالب الشعبية التي تنادي بتحويل غرفة التجارة إلى نقابة أو كيان خاص، والتي ترجمها أعضاء في مجلس الأمة بطرح مشروع قانون بشأن غرفة التجارة، ردت عليها الغرفة بحملة عدائية عبر وسائل الإعلام التابعة لها، وتوقع دشتي بأنّه بعد تشكيل الحكومة، واستئناف جلسات مجلس الأمة، سيُعاد طرح مشروع القانون المقدم من النائب شعيب المويزري.
اقتراح بقانون :
— شعيب المويزري (@ShuaibMuwaizri) November 24, 2022
الغاء العمل باحكام قانون غرفة التجاره والصناعه لسنة 1959 وانشاء نقابه عامه لاصحاب الاعمال التجاريه والصناعيه ( النقابه العامه للتجاره والصناعه) pic.twitter.com/XSsiVBkOL8
ترى أصوات كويتية عديدة بأنّ الغرفة بما تحققه من مداخيل مالية كبيرة، توظف جزء من ذلك لضمان مصالحها، عبر خلق شبكة من العلاقات السياسية القوية بكلٍ من رأس البلاد والحكومة، وكذلك السلطة التشريعية عبر دعم مرشحين في انتخابات مجلس الأمة. ربطت بعض الأصوات المكانة الكبيرة التي حازتها الغرفة في عام 1959، بوضع سياسي كان للتجار فيه مكانتهم الكبيرة لدى الأسرة الحاكمة. تغيرت تلك الظروف في الكويت لاحقًا، مع التنمية والنهضة التي شهدتها البلاد، وانعكاس ذلك على الحياة السياسية والاقتصاد وتطلعات المواطنين.
سبق طرح مشروع القانون بتحويل غرفة تجارة وصناعة الكويت إلى نقابة، من النائب بمجلس الأمة شعيب المويزري، ثلاثة مشاريع قوانين للغرفة، باسم “مشروع قانون بشأن غرفة تجارة وصناعة الكويت” منذ أعوام. الأول قدمه مجلس الوزراء، والثاني من اللجنة المالية البرلمانية في دورات سابقة، والثالث من النائب حسن جوهر. وتختلف مضامين المشاريع الثلاثة من حيث أنها أبقت اقتراح مجلس الوزراء على كافة صلاحيات الغرفة، عدا صلاحية الغرفة في إبداء الرأي الملزم فيما يتعلق بالتشريع والقرارات الاقتصادية؛ حيث جعل رأيها استشاري.
بجانب أنّ المقترح الحكومي تضمن تبديل توصيف الغرفة من “مؤسسة ذات نفع عام” إلى “مؤسسة أهلية اقتصادية”، واعتبرها مقترحا القانونين الأخيرين “مؤسسة خاصة ذات نفع عام”. ويحرم مشروع قانون اللجنة المالية ومشروع قانون النائب حسن جوهر الغرفة من كافة الصلاحيات التي تعتبر من مصادر دخلها الأساسية، وكذلك من أي دور يتداخل مع العمل الحكومي والتشريعي، وغير ذلك من المواد التي تجعلها مؤسسة خاصة ترعى مصالح منتسبيها.
ويقدم قانون “اتحاد الصناعات الكويتية” لعام 1989 نموذجًا للوضع الذي تكون عليه غرف التجارة والصناعة في المنطقة. يعرف القانون الاتحاد بأنّه هيئة منظمة تضم أصحاب الصناعات الكويتية (المستثمرين في القطاع الصناعي). ويهدف إلى خدمة الصناعة والصناعيين ورعاية مصالحهم وتحسين الأداء ورفع مستواه ومؤازرة الاقتصاد الوطني، ورفع مستوى العاملين في الصناعة من النواحي الفنية وتنمية قدراتهم.
المسؤولية الاقتصادية
كما منح قانون غرفة تجارة وصناعة الكويت صلاحيات واسعة للغرفة، تتداخل مع العمل الحكومي، أناط بها مهام تتعلق بترقية التجارة والصناعة في البلاد، حتى إنّه منحها حق إيفاد بعثات دراسية للخارج ترتبط بتنمية التجارة والصناعة. تلك الرؤية السابقة تُفهم في سياق مختلف عن السياق الاقتصادي للكويت اليوم؛ سياق العام 1959 لم تكن البلاد حصلت على الاستقلال إلا في العام 1961، ثم كتابة الدستور في العام 1962، فضلًا أنّ السجل التجاري لم يكن قد ظهر بعد؛ لكن مع عالم اليوم الذي يشهد تحولات اقتصادية كبيرة، باتت قوة القطاع الخاص الذي يستثمر في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي معيارًا لقوة الدول اقتصاديًا.
غرفة التجارة والصناعة هي أول من نبه الحكومة والشارع العام بالكويت بقرب حدوث أزمة سوق المناخ عام 1982.
بحسب تقرير منشور للباحثة دلال موسى في مركز “الخليج لسياسات التنمية”، بلغت نسبة الأجانب إلى المواطنين في الكويت لعام 2015: 69% غير مواطنين، 31% مواطنين. ساهم غير المواطنين بنسبة 84% مقابل 14% من العاملين في الدولة. تتوزع قوة عمل المواطنين إلى 79% في القطاع العام مقابل 21% في القطاع الخاص؛ بينما يعمل من الأجانب 7% فقط في القطاع الحكومي.
أما عن مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي في الكويت بحسب موازنة العام (2022/2023)؛ قدرت الإيرادات بنحو 23.4 مليار دينار، كان نصيب الضرائب والرسوم منها 564.7 مليون دينار. ووفق وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، بلغت نسبة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي 43%، مقابل 40% قبل طرح رؤية 2035. وبحسب الوزير فإن المستهدف بلوغ مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة 65% في عام 2030.
يرى البنك الدولي أنّ على الكويت تنويع مصادر الدخل، باعتبار أن الإيرادات النفطية تشكل 90% من الميزانية العامة، فيما يساهم القطاع النفطي بنحو 53% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وبسؤاله حول دور الغرفة في تنمية التجارة والصناعة، قال الباحث الاقتصادي سلمان صلاح النقي، بأنّه لا يمكن تحميل الغرفة مسؤولية الاختلالات الاقتصادية في البلاد، وأضاف بأنّها في النهاية كيان يجمع أصحاب الأعمال التجارية والصناعية ويقوم بتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم محليًا وفتح العلاقات التجارية أمامهم خارجيًا.
وأشار إلى أنّ الغرفة كان لها دور في دعم الاقتصاد؛ فهي أول من نبه الحكومة والشارع العام بالكويت بقرب حدوث أزمة سوق المناخ عام 1982، عبر نشر مذكرة قدمتها آنذاك لرئيس الوزراء وولي العهد على عدة حلقات بالصحف. لكن ما تتحمله الغرفة من مسؤولية فيتعلق بعدم تمثيل الغرفة لكافة شرائح أصحاب الأعمال التجارية، وهيمنة مجموعة من أصحاب شركات التجارة على إداراتها لعقود.
يقول الباحث النقي، بأنّه في آخر 10 سنوات، بالتزامن مع تنامي المبادرة والمشروعات الصغيرة بين الشباب الكويتي، أصبح هناك امتعاض من الغرفة لدى بعض المبادرين؛ بسبب عدم وجود تمثيل لهم داخل مجلس الإدارة وعدم تناول خطط الغرفة ومرئياتها لمشاكل المبادرين. ونوه النقي بأنّ ذلك الامتعاض برز خلال جائحة كورونا، مما تمخض عن نزول قائمة من المبادرين وأصحاب المشروعات الصغيرة في الانتخابات الأخيرة ضد التجار التقليديين.
يقيم الباحث الكويتي مطالب تأسيس غرفة تجارة خاصة لأصحاب المشروعات الصغيرة ،أو تأسيس غرف تجارية لكل محافظة بالكويت. ويقول بأنّها لا جدوى منها، معللًا ذلك بوجود جمعية رسمية خاصة للمشروعات الصغيرة. وأضاف أن الكويت ليست بقعة شاسعة أو متباعدة جغرافيًا حتى يتم تأسيس أكثر من غرفة تجارة فيها. وعما يحتاجه قانون غرفة تجارة وصناعة الكويت من تعديلات، نوه بضرورة وجود قانون ينظم أعمالها ويبسط إشراف الدولة عليها ماليًا وإداريًا.
من جانبها ترد الغرفة على النقد الذي يطالها، والمقترحات الشعبية والبرلمانية بشأنها، وترفض المساس بوضعها، وتنظر إلى نفسها على أنّها إحدى مؤسسات الدولة، أو كما كُتب عنها في إحدى الصحف “منارة غرفة الكويت”.
وفي سياق أعمّ تعيش الكويت أزمة سياسية مزمنة، نتيجة تردي علاقات الحكومات بمجلس الأمة على مدار أعوام، ما تسبب في عدم استقرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية، واستهلاك الكثير من الوقت والموارد دون تحقيق تنمية مستدامة. ويعاني الاقتصاد الكويتي من أزمات بنيوية عميقة بسبب الإنفاق الحكومي الكبير على الرواتب والدعم الاجتماعي، وضعف التوظيف في القطاع الخاص بالنسبة للمواطنين، في بلد تعتمد على عائدات النفط كمصدر إيراد أساسي للخزينة العامة، التي تتأثر بالتذبذب في أسعار النفط.