الطعام والشراب شيئان لا يمكن أن يستغني عنهما الكائن الحي، وخصوصًا الإنسان؛ فبدونهما يموت الإنسان، ومن أجلهما تقاتلت الشعوب وقامت الحروب، وفني البشر على مدار التاريخ.
بينما نجد عادات دينية وتقاليد تراثية إسلامية تقوم على حرمان الجسد من الطعام والشراب من أجل الطاعة والالتزام والثواب لمدة شهر كامل. ويعتبر رمضان شهرًا ذا مكانة عظيمة، وهو أحد أركان الإسلام.
لدى العديد من المذاهب والنحل الإسلامية اختلافات حول موعد وميقات الإفطار، ناهيك عن خلاف آخر حول بداية ونهاية رمضان؛ حيث تنادي بعض المذاهب بالرؤية المباشرة للهلال، وبعضها الآخر يعتمد على الرؤية الفلكية والعلمية.
تطالب غالبية الصائمين بتحجيب وقمع وتغطية النساء والبنات، حتى لا تثار شهواتهم الجنسية، ويفسد صيامهم.
ومن حق جميع البشر أن يختلفوا حول المعتقدات الدينية بالالتزام بالرفض أو القناعة، طالما لا تخرج عن الحدود الشخصية إلى الفضاء العام بالمجتمع.
الصيام تطبيق فرض ديني والتزام يحث على العبادة وحسن الخلق ودعم المحتاجين والتفرغ للطقوس الدينية طمعًا في الثواب وهروبًا من العقاب، لكن ما يحدث في شهر رمضان، وفي غالب مجتمعاتنا العربية هو على النقيض من ذلك تمامًا؛ نرى الكسل والتخمة والتباهي والعصبية والهروب من العمل والتسيب واللامبالاة.
والأدهى من ذلك، لا يتوقف الأمر عند هذه السلبيات المهلكة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا؛ بل يتعداه إلى ماهو أسوأ، بفرض الوصاية القهرية على الآخرين، بفرض الإسلام وتعاليمه بقوة القانون والسلطة والأغلبية.
يقول لسان حال المسلم: “أنا صائم وأنت يا غير المسلم، يا من لا تصوم مثلي، لا يحق لك الأكل والشرب أمامي، لا يحق لك أن تعبر عن ذاتك، أن تمارس حياتك سعيدًا؛ فأنا غاضب، جوعان، عطشان، هلكان، وعليك أن تحترم ذلك؛ رغما عنك”.
في رمضان يتهرب المسلم النمطي من العمل ويطالب بالإجازات، لا يلتزم بقوانين المرور من أجل اللحاق بموعد الإفطار، ينام طول النهار إن سنحت له الفرصة، وينشغل بالأكل طوال الليل. وتطالب غالبية الصائمين بتحجيب وقمع وتغطية النساء والبنات، حتى لا تثار شهواتهم الجنسية، ويفسد صيامهم.
في رمضان ترتفع أصوات الميكروفونات الخارجة من المساجد والحسينيات، ولا يحق لأحد الاعتراض. تقطع وتغلق الشوارع من أجل صلاة التراويح، ولا يحق لأحد الاعتراض، ومن لم يلتزم بالصيام في الشهر الكريم أمام المسلمين معرض لشتى أنواع الغضب والتنكيل.
فهل من اللائق أن يتم منع إنسان من الطعام والشراب؟ ناهيك عن سجنه وتأديبه، لمجرد أن هناك من يصوم من المسلمين؛ فالأمر الصحيح، والتصرف الإسلامي الحضاري المتوقع أن يكون، هو في اعتبار الإنسان حرًا في الصيام من عدمه، حرًا في الأكل في شهر رمضان أو غيره، حرًا في أن يكون اختياره للصيام.
لم نجن من الدروشة و البروباغندا الإعلامية، سوى زيادة النفاق وتكديس التكيات الدينية، وتفريخ أجيال لا تفقه شيئًا عن الإيمان والإسلام سوى أنه طقوس وشكليات ومظاهر ولباس، بينما يختفي الصدق والأمانة والنزاهة والحريات والتعايش واحترام المختلف.
في مجتمعاتنا العربية لا يفهم البعض من شهر الصيام سوى أنه له وحده، لا يحق لغيره أن يمارس حياته، لا يحق لغيره أن يعمل بانتظام، لا يحق لغيره أن يأكل دون خوف، يشرب دون خوف، لا يحق للنساء أن ترتدي ما تشاء دون الرعب من خدش غريزة الصائمين.
تربى الكثيرون منا على الشكليات فقط، على المظاهر الدينية، على زيادة الطقوس، على كثافة التبرعات، وبالمقابل لا تزال مجتمعاتنا هي الأكثر فسادًا، الأكثر انحلالاً، الأكثر كراهية للمختلف، الأكثر سبًا ولعنًا بين المذاهب الإسلامية، الأكثر تراجعًَا وانحدارًا في التعليم والصحة والأخلاق والعلوم والفكر.
فأين ذهبت تبرعاتهم وأعمالهم الخيرية وبناؤهم لدور العبادة؟ إنهم كمن يقايضون غضبهم و ذنوبهم ومعاصيهم بدفع المال لحصد ثواب الآخرة، ولكن دون مردود على أرض الواقع، دون أي تغيير فكري وحضاري وعملي وعقلاني، إنهم يمارسون ما يعتقدون أنه الدين، ولكنهم بعيدون جدًا عن الانسانية والحضارة والأخلاق.
لم يحصد العرب في شهر رمضان من سمعة سوى التفاخر بقوانين قمعية بائسة أضحكت العالم علينا بحبس المفطر في نهار رمضان، بتشويه معاني العمل والإنتاج والصناعة والإبداع، بتقديم صورة سلبية عن أنفسهم عن كمية التبذير والإسراف وحب الطعام.
يجعل شهر رمضان من بعض الصائمين كائنات مرعبة في الشوارع، كائنات تتسابق في السب والشتم وضرب النساء والأطفال وإزعاج الناس لمجرد أنهم صائمون، كائنات ترتعد وتجفل من ماء وطعام، كائنات لم ترق إلى مصاف التسامح والتعايش مع الاختلاف.
فهل من اللائق أن يتم منع إنسان من الطعام والشراب؟. ناهيك عن سجنه وتأديبه، لمجرد أن هناك من يصوم من المسلمين
والعجيب أن من يذهب من هؤلاء إلى الغرب يصوم في صمت أمام المطاعم والبارات المفتوحة، يخافون معارضة القانون أو فرض دينهم بالقوة والقهر في دول العلمانية تلتزم الحياد أمام جميع المعتقدات. في الغرب يلتزمون بما يخرقون في بلاد الاستبداد والقمع.
لا تصوموا مثل غالبية المسلمين، هي نصيحة أوجهها كل عام إلى غالبية الصائمين حتى يحافظوا على إيمانهم من النفاق، وحتى يملأ ذكرهم الطيب الآفاق، وحتى لا يؤدلجوا مع تيارات الإسلام السياسي الداعية إلى استثمار واستغلال الأديان، وتشويه معاني وقيم الإيمان، وطمس حرية الإنسان.