أسئلة عديدة مطروحة حول واقع اتفاقيات “إبراهيم” اليوم، بعد عامين ونصف على التوقيع في واشنطن، في ظل متغيرات إقليمية ودولية كبيرة، لم تكن المنطقة -بما فيها إسرائيل- بمنأى عن تأثيرها.
بعيدًا عن الأحكام الجامدة المقترنة بفكرة التطبيع، وتناولًا للأحداث من طرف الفاعلين المباشرين وغير المباشرين؛ يمكن القول بأنّ إسرائيل أضاعت فرصتها الذهبية لتحقيق حلمها بالاندماج في المنطقة؛ لأنّها أسست تلك المقاربة بالاستثمار في عهد الأزمات بين دولها، ولهذا حين اتجهت المنطقة نحو تقليل التأزم لم يعد الوضع يصب في صالح إسرائيل؛ فكل تقارب بين دول المنطقة هو خصم من رصيد إسرائيل فيها.
ومع الانعطافة الكبرى التي يشهدها الإقليم منذ العام 2022، والتي تمثلت في الانفراجة الخليجية الإيرانية، التي تُوجت بالاتفاق السعودي الإيراني، ومن قبل استئناف العلاقات الإماراتية الإيرانية، والانفتاح الخليجي على دمشق، الذي تُوج بزيارة الرئيس السوري إلى أبو ظبي، وزيارة وزير خارجيته إلى القاهرة والرياض، فضلاً عن تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي منحت دول الخليج خصوصاً السعودية هامش مناورة أكبر في علاقاتها مع واشنطن، ظهرت متغيرات ألقت بظلالها على الرؤى الإسرائيلية للاندماج الفاعل؛ بل القيادي في المنطقة، وكان لها تأثير على العلاقات مع دولة الإمارات، التي تعتبر الأهم والأشد إثارةً للجدل في اتفاقيات التطبيع الرباعية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب).
سنحاول، في ظل السيولة الإقليمية والدولية الحالية، أن نرصد واقع اتفاق السلام (التطبيع) الموقع بين الإمارات وإسرائيل، انطلاقًا من أربعة محددات هي: الرؤية الإماراتية، الرؤية الإسرائيلية، الواقع الإقليمي والدولي، والأخير القضية الفلسطينية، التي أثبتت أنّها رقم صعب في معادلة التطبيع لا يمكن تجاوزه.
عامان ونصف من التطبيع
بدايةً؛ من حقّ الإمارات كدولة ذات سيادة انتهاج ما تراه مناسبًا في علاقاتها الإقليمية والدولية. وقعت الإمارات اتفاق السلام مع إسرائيل في واشنطن، برعاية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في 15 سبتمبر 2020. مضي على ذلك التاريخ ما يزيد عن عامين ونصف بقليل، حققت البلدان خلالهما طفرة في العديد من مجالات التعاون، وهي:
- سياسيًا: تبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، وفي حين زار الإمارات الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مرتين (يناير، ديسمبر) 2022، ووزير الخارجية، ورئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بعد خروجه من المنصب في مارس 2023، كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد أعلى زيارة لمسؤول إماراتي حتى اليوم. كان أحدث تواصل بين قيادة البلدين، خلال الاتصال الهاتفي من الشيخ محمد بن زايد برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، للتهنئة بأعياد الفصح.
- اقتصاديًا: ستدخل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين حيز النفاذ في أبريل 2023 الجاري، والتي تتكون من 17 فصلًا، وتشمل تخفيضات جمركية كبيرة، ومزايا للشركات الإماراتية للنفاذ إلى السوق الإسرائيلي.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 953 مليون دولارًا حتى نهاية سبتمبر 2021، كما تجاوزت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية بين الجانبين نحو 790 مليون دولار، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021. وفي عام 2022 بلغ التبادل التجاري بين البلدين 2.5 مليار دولار، لا تشمل البرمجيات والخدمات.
من الملاحظ أنّ ميزان التبادل التجاري يميل لصالح الإمارات، ومن المتوقع أنّ تتضاعف التجارة البينية بين الدولتين بعد دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة حيز النفاذ، وهي ضمن اتفاقية الشراكة الاقتصادية.
- أمنيًا: وقع البلدان صفقات عسكرية تتعلق بأنظمة الدفاع الجوي، وحصلت أبو ظبي على منظومات دفاع جوي من إسرائيل. وهناك تعاون بين شركات عسكرية وأمنية من البلدين في مجال التصنيع والتطوير، كما شارك البلدان في مناورات عسكرية جنبًا إلى جنبٍ مع الولايات المتحدة.
- ثقافيًا وتعليميًا: ناقش البلدان التعاون في المجالات الإبداعية والثقافية والفنية، ومن ذلك توقيع اتفاقية تعاون أكاديمي وعلمي بين جامعة حيفا وجامعتي خليفة والإمارات على هامش مؤتمر المناخ في شرم الشيخ (كوب 27)، واستضافت دبي معرضًا حول ذكرى الهولوكوست، كما تعتزم الإمارات إدخال قضية الهولوكوست في المناهج التعليمية، بجانب الحدث الهام؛ وهو افتتاح مبنى “بيت العائلة الــ”إبراهيم”ية” في أبو ظبي مطلع العام 2023. إلى جانب تأسيس صندوق مشترك للبحث والتطوير لتعزيز المشاريع التكنولوجية بين البلدين، وتخصيص الإمارات مليارات الدولارات للاستثمار في إسرائيل.
- سياحيًا: زار مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين الإمارات وخصوصًا دبي، وبلغ عددهم خلال الأشهر الأخيرة من العام 2022 ومطلع العام الحالي نحو 200 ألف سائح، بينما زار 1600 سائح إماراتي إسرائيل في العشرة أشهر الأخيرة من 2022، ووقع البلدان اتفاقية اعتراف متبادل برخص قيادة السيارات في مارس 2023، لتعزيز السياحة.
بالإضافة لكل ذلك، افتتحت قناة “أي 24 نيوز” الإسرائيلية مكتبًا في مدينة دبي للإعلام.
يقول الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط في دبي، أمجد طه، بأنّ العلاقات الإسرائيلية الإماراتية وصلت اليوم إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من الازدهار والتطور، ما يعكس التزام الجانبين بتعزيز علاقاتهما والتعاون في مختلف المجالات، وأضاف لـ”مواطن” بأنّ ذلك يأتي في سياق تطورات إقليمية ودولية هامة، مما يجعلها أكثر أهمية وجدوى.
وأشار إلى ما حققه البلدان من تقدم كبير في العلاقات الشاملة بينهما منذ توقيع اتفاق السلام، وقال: “تشير الأرقام والإحصاءات إلى أن هذا التطور ينعكس على جميع المستويات، بدءً من التجارة والاقتصاد إلى التعاون الأمني والعلمي والثقافي”. وتابع بأنّ “العلاقات في حالة تطور سريع وغير متوقفة، وما يحصل في الداخل الإسرائيلي شأن داخلي”.
وذكر الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، أنّه تم توقيع اتفاقيات أخرى بين البلدين في مجالات مختلفة، مثل الطيران والرياضة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والتعليم والبحث العلمي. وقال: “يعكس ذلك التزام الجانبين بتعزيز التعاون المشترك وتحقيق الازدهار والتقدم”.
أهداف البلدين
بحسب المعلن من تصريحات رسمية من مسؤولين في الإمارات وإسرائيل، فإنّ الهدف من اتفاق السلام هو إقامة علاقات سياسية كاملة، وتعاون شامل في جميع المجالات بين البلدين.
وفي قلب الأهداف كان التعاون الأمني والعسكري لمواجهة الخطر المشترك المتمثّل في إيران؛ خاصة أن توقيع اتفاق السلام بين البلدين حدث في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بموقفه المتشدد تجاه إيران، والذي انسحب في (2018) من الاتفاق النووي المبرم بين إيران ودول (5+1) في عام 2015 في عهد سلفه الرئيس السابق باراك أوباما.
بالعودة إلى عهد ترامب، تمتعت الإمارات والسعودية بعلاقات قوية مع البيت الأبيض، وحظيتا بدعمٍ كبير في مواجهة إيران، وكذلك الحال لإسرائيل. كانت دول الخليج تتبنى سياسة المواجهة مع إيران، في ظل حالة من التوتر الشديد التي عاشتها المنطقة؛ خصوصًا السعودية والإمارات والبحرين. شهد العام 2016 قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وسحب السفراء بين أبو ظبي وطهران.
لولا إدارة الرئيس ترامب لم تكن إسرائيل قادرةً على إحداث الاختراق الكبير في ملف العلاقات مع الدول العربية. تبنت إدارة ترامب تسوية شاملة للعلاقات العربية الإسرائيلية، قامت على مبدأ “الجميع رابحون” لكن على حساب القضية الفلسطينية، التي طرح ترامب حلًا لها قوضّ حلّ الدولتين، واعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، بينما لم يقدم للفلسطينيين سوى وعود اقتصادية، بعد أنّ سلبهم حقوقهم كاملةً، بالمخالفة للشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن الدولي.
من حقّ الإمارات كدولة ذات سيادة انتهاج ما تراه مناسبًا في علاقاتها الإقليمية والدولية
علاوةً على ذلك، لم تقتصر رؤية الإمارات على القضايا الأمنية والعسكرية، وشملت رؤية للتعاون الشامل؛ خصوصًا في مجال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والفضاء والسياحة، والاستفادة من التطور التكنولوجي والعلمي في إسرائيل.
مقارنةً بالدول العربية الأخرى في اتفاقيات “إبراهيم”، تبدو الإمارات صاحبة رؤية واضحة في علاقاتها مع إسرائيل، ويعود ذلك جزئيًا إلى طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والمجتمعي فيها.
بالنظر إلى بقية دول اتفاق “إبراهيم”، ركزت المغرب على التعاون العسكري والأمني في المقام الأول، بعد حصولها على مكسب الاعتراف الأمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية، وعززت البحرين من التعاون العسكري في المقام الأول لمواجهة التهديدات الإيرانية، بينما جاء التوقيع مع السودان في ظل حالة من السيولة السياسية، ورغبة لدى المكوّن العسكري في استعادة العلاقات مع واشنطن، والحصول على دعمها.
المتغيرات الإقليمية والدولية
كما كانت إيران حجر الزاوية في توقيع اتفاقيات “إبراهيم”، أصبحت إيران حجرة عثرة في سبيل التطبيع، وأخفقت آمال الثلاثي الخليجي (المملكة، الإمارات، والبحرين) في التعويل على الولايات المتحدة لتقديم الدعم العسكري والأمني في مواجهة التهديدات الإيرانية المباشرة، وعبر حلفائها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
تعرضت المملكة للعديد من الهجمات الصاروخية والهجمات بالطيران المسير انطلاقًا من اليمن على يد الحوثيين المدعومين من إيران، وبعض الهجمات نُسب مكان انطلاقها إلى إيران. وتعرضت الإمارات لهجوم بصاروخ باليستي وطائرة مسيرة في العام 2022.
لئن كانت المملكة تعرضت لهجوم على خلفية دورها العسكري في اليمن في المقام الأول، كان الهجوم على الإمارات مرتبطًا جزئيًا بدورها في اليمن، خصوصًا أنّه جاء بعد تحرير قوات العمالقة الجنوبية المدعومة من الإمارات للمديريات التي احتلها الحوثيون في محافظة شبوة الجنوبية في اليمن.
وسبب آخر لا يقل أهميةً؛ هو توقيع اتفاق التطبيع. وجهت طهران تهديدات إلى أبو ظبي، على لسان الرئيس السابق حسن روحاني، ومسؤولين عسكريين، منهم رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد باقري، الذي قال: “نهج طهران تجاه الإمارات سيتغير، إذا حدث شيء ما في منطقة الخليج (الفارسي) وتضرر أمننا القومي مهما كان الضرر صغيرًا، فسنحمل الإمارات مسؤولية ذلك ولن نتهاون معه”.
وفي حين لم تقدم واشنطن في عهد بايدن الدعم الذي كان متوقعًا تجاه أمن الخليج، فضلًا عن عجز إسرائيل -دون دعم واشنطن- في التصدي لإيران من جانب، ومن آخر إخفاق خيار الحسم العسكري في مواجهة إيران في مناطق الصراع الإقليمية خصوصًا في اليمن، اتبعت السعودية والإمارات مقاربة مختلفة مع إيران، تعتمد الحلول السلمية بدلًا من الصراع؛ تلك المقاربة كانت إيران في أمس الحاجة إليها، ما يعني أنّ التحول الإقليمي في علاقات السعودية والإمارات تجاه إيران كان مشتركًا بين طرفي الصراع.
ألقت الاستدارة في العلاقات الإماراتية مع إيران، التي سبقت نظيرتها السعودية، كما سبقتها في تبادل السفراء، (عينت إيران رضا عامري سفيرًا في أبو ظبي في أبريل 2023)، بظلالها على العلاقات مع إسرائيل؛ لم تعد الإمارات شريكًا لإسرائيل في مواجهة إيران.
وجاءت أولى التبعات في الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية عن تجميد أبو ظبي صفقات عسكرية مع إسرائيل، وهو الأمر الذي نفاه مكتب نتنياهو. ومهما يكن من أمر؛ فبانتفاء مواجهة إيران كهدف مشترك ستتأثر علاقات البلدين، ولن تكون وفق المستوى الذي كانت تصبو إسرائيل لبلوغه، الذي وصل بها إلى التفكير في إنشاء ناتو عربي بقيادتها لمواجهة إيران.
ومن أهم المتغيرات الأخرى موقف الإدارة الأمريكية من منح أبو ظبي الموافقة على صفقة طائرات إف – 35، والتي لم تمرّ؛ سواء في عهد إدارة ترامب، أو خلفه جو بايدن، وذلك لاعتبارات تتعلق بالتفوق الجوي لإسرائيل. يتحدث عديد من المراقبين عن رفض إسرائيلي لمنح الصفقة لأبو ظبي.
فضلًا عن ذلك، لا ينفصل موقف الإمارات من إسرائيل عن الموقف السعودي. يقول الناشط الفلسطيني من عرب الداخل، عبد القادر وتد، بأنّ ذهاب إدارة ترامب، وتنصيب إدارة بايدن التي اتخذت موقفًا عدائيًا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان لهما تأثير على العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
وأضاف لـ”مواطن” بأنّ محللين إسرائيليين كتبوا كثيرًا أنّ الضوء الأخضر السعودي للإمارات للتطبيع خفت كثيرًا. وذكر أنّ إسرائيل كانت تطمح في الجائزة الكبرى وهي التطبيع مع السعودية، ولكن ذلك بات محالًا بعد الاتفاق مع إيران، والتغيرات الدولية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، التي جعلت الخليج أقرب إلى المعسكر الصيني – الروسي.
ونوه الناشط الفلسطيني بأنّ التوجه الخليجي المنفتح على سوريا يصب هو الآخر في اتجاه الفتور بين الإمارات وإسرائيل على المستوى السياسي.
لم تتخل أبو ظبي عن القضية الفلسطينية؛ إذ كان شرط التطبيع وقف ضمّ الضفة الغربية، الذي كان نتنياهو يلوح به في ظل الدعم غير المحدود من ترامب
من جانبه، لا يتفق الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، أمجد طه، مع الطرح السابق، ويرى أنّه لا يوجد أي توتر بين الإمارات وإسرائيل، وأرجع تأجيل زيارة نتنياهو إلى تغيير بسبب بروتوكولات معينة.
وأضاف بأنّ العلاقات الإماراتية الإسرائيلية في حالة تطور وصحية، وتخدم متطلبات شعب فلسطين وتضغط على تل أبيب لإيجاد حلول سلمية للصراع. وحول ما يحدث في الداخل الإسرائيلي من خلافات حول الإصلاحات القضائية وتزايد العنف ضد الفلسطينيين، قال “بالنسبة لما يحصل من تعددية في داخل إسرائيل واختلاف فلسطيني – فلسطيني وتوترات أمنية، فإن الحوار هو اللغة الوحيدة المطروحة لحل المشاكل، وأعتقد دعوة نتنياهو للحوار الأخير مع المعارضة تعتبر قرارًا حكيمًا”.
المعادلة الفلسطينية حاضرة
بالعودة إلى اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، لم تتخل أبو ظبي عن القضية الفلسطينية؛ إذ كان شرط التطبيع وقف ضمّ الضفة الغربية، الذي كان نتنياهو يلوح به في ظل الدعم غير المحدود من ترامب. وتبعًا للاتفاق وحتى اليوم لم يعد ساسة إسرائيل للحديث عن ضمّ الضفة، دون التخلي في الوقت نفسه عن سياسة الضمّ عبر الاستيطان، خاصةً في عهد حكومة أقصى اليمين بزعامة نتنياهو.
لا شك أنّ إسرائيل باتت في موقف صعب فيما يتعلق بأهداف التطبيع مع دولٍ عربية أخرى؛ حيث قابلت السلام مع أربع دول بمزيد من التعنت ضدّ الفلسطينيين، فهي تريد الفصل بين القضية الفلسطينية وجوارها العربي، لتكسب كل شيء؛ التطبيع وإنهاء الحقّ الفلسطيني، وريادة المنطقة.
وفيما يلي تسليط للضوء على المواقف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين منذ اتفاقيات “إبراهيم” 2020 حتى اليوم، ويمكن عرضها في النقاط التالية:
- العدوان على غزة مايو 2021، بعد أحداث الشيخ جراح في القدس، وحملت اسم عملية “حارس الأسوار” و”سيف القدس” بتسمية الغرفة المشتركة للمقاومة في غزة.
- عدوان أغسطس 2022، في عملية عسكرية على غزة استهدفت بالأساس حركة الجهاد الإسلامي.
- التوترات الأخيرة في شهر أبريل 2023، الموافق لشهر رمضان، والذي يتزامن مع أعياد الفصح اليهودية.
- في عام 2021 قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية 319 فلسطينًا في الأراضي المحتلة.
- في عام 2022 استشهد 247 فلسطينيًا على يد قوات الاحتلال، ووقعت معظم تلك الأحداث في عهد حكومة نفتالي بينيت – يائير لابيد (تحالف اليمين ويسار المركز).
- منذ بداية 2023 بلغ عدد القتلى الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال، 86 شهيدًا، حتى تاريخ 17 مارس.
- في عهد حكومة نتنياهو – وقع اتفاقيات “إبراهيم” – الحالية التي تولت السلطة بعد نيلها الثقة مطلع العام الجاري 2023، يظهر الآتي:
- تمرير قانون جديد في الكنيست يتعلق بإلغاء مواطنة أو إقامة (ناشط إرهابي). وينصّ على طرد الفلسطينيين من عرب الداخل الذين اعتقلوا على خلفية نشاط مرتبط بالمقاومة، ويتلقون مخصصات من السلطة الفلسطينية، بعد سحب الجنسية والإقامة. صوت لصالح القانون كامل أعضاء الائتلاف الحكومي، ونواب من المعارضة.
- مشروع قانون إعدام منفذي عمليات المقاومة من الفلسطينيين، مرّ مشروع القانون بالقراءة الأولى في مارس 2023.
- في مارس 2023، إلغاء الكنيست قانون فكّ الارتباط لعام 2005، ما يسمح بالعودة إلى 4 مستوطنات تم إخلاؤها في الضفة، ومستوطنات غزة، وتغير اسمه إلى قانون “تعويض ضحايا فكّ الارتباط”.
- أدانت الإمارات اقتحام القوات الأمنية الإسرائيلية المسجد الأقصى خلال شهر رمضان الجاري (أبريل 2023).
بتفحص تشكيلة حكومة نتنياهو الحالية، وُزعت الحقائب الوزارية بعد تعديلات واسعة داخل العديد منها، لمنح كلٍ من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير سلطة الأمن في الضفة الغربية، ومنح وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، صلاحيات تتعلق بتعيينات القادة العسكريين في الضفة الغربية (لم يُحسم بعد نظرًا لمعارضة الجيش).
في السياق ذاته، صدرت جملة من الاستفزازات والانتهاكات والتصريحات العنصرية عن وزراء في حكومة نتنياهو، منها اقتحام إيتمار بن غفير الأقصى، وتصريحات سموتريتش التي هدد فيها بمحو قرية حوارة الفلسطينية، ونفى فيها وجود الشعب الفلسطيني، ونشر خريطة تضم دولة الأردن وكامل فلسطين ضمن خريطة إسرائيل.
حزم أبو ظبي يتصاعد
يتعارض ما سبق ذكره مع الهدف من اتفاقيات “إبراهيم”، التي قامت على عدم ضمّ الضفة الغربية، وبالنظر إلى ما سبق؛ قدمت الإمارات العربية الكثير لإسرائيل، مقابل عدم تقديم الأخيرة شيئًا يُذكر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ بل زادت من التعنت ضد الوجود الفلسطيني ككل، بعد أنّ ضربت عرض الحائط بالقوانين والقرارات الدولية.
دفع ذلك أبو ظبي إلى ردود أفعال، منها:
- تأجيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أبو ظبي، والتي كانت مقررة مطلع العام الجاري، إلى أجلٍ غير مسمى.
- عبرت أبو ظبي عن رفض الانتهاكات الإسرائيلية في أكثر من مناسبة؛ منها انتقاد إلغاء قانون فكّ الارتباط، إدانة تصريحات الوزير سموتريتش عن محو قرية حوارة في إطار بيان جماعي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وإدانة قوية لعرض سموتريتش خريطة تضم حدود الأردن وفلسطين.
- زيارة مستشار رئيس الإمارات، رئيس صندوق استثمارات أبو ظبي “مبادلة”، خلدون المبارك، إلى إسرائيل في 21 مارس 2023 على خلفية توتر الأوضاع في الأراضي المحتلة، وتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين أبو ظبي وطهران. حملت تلك الزيارة رسالة شديدة اللهجة للمسؤولين في إسرائيل، بحسب ما نشرته وسائل إعلام عبرية.
- نشرت صحيفة جيروزاليم بوست ووسائل إعلام إسرائيلية أنباء عن طلب الإمارات من سفيرها في تل أبيب محمد الخاجة عدم مقابلة أي مسؤول إسرائيلي، فضلًا عن بحث أبو ظبي تقليص بعثتها الدبلوماسية في إسرائيل، وأشارت أبو ظبي إلى قلقها من تأثير الإصلاحات القضائية على التعاون المالي بين البلدين.
- نشرت وسائل إعلام عبرية خبرًا عن تجميد الإمارات صفقات عسكرية مع إسرائيل، احتجاجًا على تصريحات وزراء الحكومة المتطرفة بحقّ الفلسطينيين والأردن. نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك الأنباء.
- وفي خطوة لها دلالة، أمر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد بتقديم 3 ملايين دولار لإعادة بناء قرية حوارة الفلسطينية، التي شهدت هجومًا عنيفًا من المستوطنين، وتصريحات سموترتيش بمحوها.
يقول الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي، محمد فيصل الدوسري، بأنّ هناك حالة تخبط في حكومة نتنياهو فيما يتعلق بالإصلاحات القضائية من جانب، والتصعيد غير المقبول في عدة مواقف؛ منها بلدة حوارة وتصريحات سموتريتش حول الأردن والشعب الفلسطيني، وشدد الدوسري على إدانة الإمارات لتلك التصريحات من واقع إيمانها الرافض لخطاب التحريض والكراهية والعنف.
وأفاد لـ”مواطن” بأنّ تلك الممارسات التصعيدية غير المبررة تهدد جهود السلام الشامل في الشرق الأوسط، وتتناقض مع الاتفاقيات الـ”إبراهيم”ية بشكل يمنع تقدمها، وتخدم أجندات المتطرفين الباحثين عن نافذة يقوضون من خلالها الأمن والاستقرار.
وتابع بأنّ الكثير تحقق على كافة الأصعدة: “يجمعنا الكثير من المشتركات، ولا أعتقد أن حكومة نتنياهو ستغامر فيما تحقق من إنجازات لنعود إلى المربع الأول، بسبب عدم قدرتها على ضبط تصريحات مسؤوليها، وغيرها من الإجراءات التصعيدية”.
وشدد الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي على ضرورة “خفض التصعيد ومواجهة خطاب الكراهية والمواقف المتشددة بحزم، مع أهمية تعزيز قيم التسامح والتعايش”.
القواعد الكلاسيكية للتطبيع
لا تعبر جملة “القواعد الكلاسيكية للتطبيع” عن مجموعة قواعد مُتعارف عليها؛ بل هي مجموعة صفات ميزت التطبيع بين إسرائيل والبلدين الرائدين في التطبيع (مصر والأردن)، باعتبارهما أهم تجربتين في التطبيع، نظرًا لأنهما طرفان أصيلان في الصراع العربي الإسرائيلي.
كما هو معروف لدى الجميع، رغم مرور ما يزيد عن 40 عامًا من التطبيع بين مصر وإسرائيل، وما يقرب من 30 عامًا من العلاقات الأردنية الإسرائيلية، إلا أنّ العلاقات بين الدولتين وإسرائيل ظلت حبيسة المستوى الرسمي بشكلٍ كبير، دون تشجيع رسمي لتعميقها في مجالات تتعدى القضايا الأمنية والسياسية. وعلى المستوى الشعبي ما تزال الأغلبية في البلدين ترفض التطبيع الثقافي وكل ما يتصل بالعلاقات بين الشعبين.
أثبتت القضية الفلسطينية أنّها الأساس غير القابل للتجاوز في العلاقات العربية - الإسرائيلية، ما يجعل استمرار الزخم في العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية مرتبطًا بالأوضاع في الأراضي المحتلة.
يعتبر ما سبق قواعد كلاسيكية، كسرتها دولة الإمارات، حين قدمت مقاربة شاملة للعلاقات مع إسرائيل، جعلت الأخيرة تعيش حلمها في العلاقات الشاملة مع العرب واقعًا.
بالنسبة للشعوب العربية، دون حلّ حقيقي للقضية الفلسطينية، بحدها الأدنى وفق حلّ الدولتين الذي قامت عليه مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة وتبنتها الجامعة العربية عام 2002؛ فلن تحدث انفراجة شعبية تجاه إسرائيل كدولة جارة جغرافيًا (بحكم الأمر الواقع).
بسؤال الناشط الفلسطيني من عرب الداخل، عبد القادر وتد، حول واقع التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، قال بأنّ الشركات الأمنية تملك علاقات جيدة جدًا مع أبو ظبي، لكن الشركات ذات الطابع الخدماتي – غير الأمنية – لم تلق الترحيب بعد من الإماراتيين.
ووصف لـ”مواطن” واقع علاقات البلدين بأنّها عبارة عن “علاقات أمنية”. يستند الناشط الفلسطيني في تحليله إلى لقاءات مع العديد من العرب في إسرائيل ممن لديهم علاقات اقتصادية مع الإمارات، وعلاقات بمجمل التعاون بين البلدين. ويقول: “يريد الإماراتيون القبة الحديدية من إسرائيل، وتريد الأخيرة التواجد قرب إيران من أجل التجسس”.
يرى الناشط الفلسطيني، بأنّ قلة في إسرائيل هي القريبة من ملف العلاقات مع الإمارات، وذكر أنّ العلاقات بين البلدين تمرّ بحالة شديدة الحساسية، مستشهدًا بأنّ الإفطار الذي نظمه السفير الإماراتي في تل أبيب اقتصر على عددٍ محدود لم يفصحوا بذهابهم. وأضاف: “حتى الآن لم تعط الإمارات الأمان لإسرائيل”، معللًا بما يلي:
- تعمل الرياض وأبو ظبي جنبًا إلى جنبٍ في ملف العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي ظل عدم ثقة الخليج في الولايات المتحدة تأثرت علاقة أبو ظبي وتل أبيب.
- أزمة طائرات (F-35) التي ما تزال إسرائيل متمسكة برفضها لأي دولة في الشرق الأوسط.
- لا تحتاج الإمارات إلى أية مساعدة من إسرائيل خارج الملف الأمني.
- سبب آخر يتعلق بالحديث السابق عن القواعد الكلاسيكية للتطبيع، يقول وتد: “الالتفاف العربي الواسع حول فلسطين إبان مونديال قطر ما يزال حاضرًا في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وله تأثير على أبو ظبي”.
خلاصات
بناءً على الطرح السابق يمكن التوصل إلى عدّة خلاصات حول مستقبل العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، وهي:
تتأثر العلاقات بين البلدين تبعًا للتحولات الإقليمية والدولية، والتي تشمل: التقارب الخليجي – الإيراني، عودة سوريا المرتقبة إلى الجامعة العربية، توجه الإدارة الأمريكية نحو مواجهة الصين وتخفيف مسؤوليتها الأمنية تجاه الخليج العربي.
أثبتت القضية الفلسطينية أنّها الأساس غير القابل للتجاوز في العلاقات العربية – الإسرائيلية، ما يجعل استمرار الزخم في العلاقات الإماراتية – الإسرائيلية مرتبطًا بالأوضاع في الأراضي المحتلة.
أدت التحولات الإقليمية والدولية السابق ذكرها إلى فقدان إسرائيل لأهميتها للأمن الخليجي؛ دون واشنطن لا تستطيع إسرائيل تقديم الكثير للخليج سوى تقنيات عسكرية، ليست فريدة من نوعها، ويوجد لها بدائل أخرى.
بالنظر إلى الأوضاع الداخلية في إسرائيل، والتي تشهد تناميًا لمعسكر اليمين المتطرف، الذي أفصح عن سياسات عنصرية بحق الفلسطينيين، وقوض أية آفاق لحل سلمي يقوم على المبادرة العربية للسلام، ستتخذ أبو ظبي مواقف أكثر تشددًا تجاه إسرائيل، التي لم تقابل اليد الممدودة من أبو ظبي بالسلام.
ستظل العلاقات الاقتصادية بين البلدين في نمو مطرد، مع ميل الميزان التجاري لصالح دولة الإمارات، والحال كذلك في ملف السياحة الذي شهد استقبال مليون سائح إسرائيلي منذ التطبيع مقابل عدة آلاف من مواطني الإمارات زاروا إسرائيل.
في ظل التعنت الإسرائيلي تجاه إيران، ورفض أي تسوية دولية للملف النووي، ستتخذ الإمارات مسافة أبعد من إسرائيل، للحفاظ على علاقاتها بإيران، والتي تعتبر أهمّ لأبو ظبي من العلاقات مع تل أبيب.
بناءً على ما تشهده المنطقة من تحولات تجاه إيران وسوريا وتركيا، وتطلع عربي؛ وخصوصًا خليجي من السعودية والإمارات إلى تتبوأ مكانة في العالم متعدد الأقطاب الجاري تشكله، ستضع أبو ظبي العلاقات مع إسرائيل في مكانها الطبيعي، كعلاقات مع دولة خارجية، وسيخفت الزخم الذي رافق اتفاقيات “إبراهيم” بشكلٍ كبير.
Hello there, just became alert to your blog through Google,
and found that it is really informative. I’m going to watch out for
brussels. I will appreciate if you continue this in future.
A lot of people will be benefited from your writing.
Cheers!
Can you be more specific about the content of your article? After reading it, I still have some doubts. Hope you can help me.
Your article helped me a lot, is there any more related content? Thanks!