جريمة بشعة ارتكبت في مدينة طنطا شمال مصر، أعقبتها الكثير من ردود الفعل الغاضبة، حين أقدم عريس على قتل عروسه بعد يومين من زفافهما، والسبب الذي أوضحه أنها رفضت أن تعطيه “حقه الشرعي “. ثار الناس في وسائل التواصل الاجتماعي بعد الحادثة، أغلب ردود الفعل كانت غاضبة مستهجنة؛ إلا أن عددًا لا بأس منه من الشباب الذكور كان لهم رأي مختلف؛ فالبعض اعتبر الرجل محقًا فيما فعل، لأنه ببساطة سدّد مهر العروس، وعليها أن تستجيب فورًا، ولسان حالهم يقول: “اشتراها بماله ليستمتع”.
لا يمكن المرور سريعًا على تلك التعليقات دون الشعور بالخوف من طريقة تفكير جيل يعول عليه في بناء المستقبل، كما يجب التوقف عند هذا الرأي لتحليل نتائجه وأسبابه، نحن في القرن الحادي والعشرين، وفئة لا يمكن الاستهانة بها ترى المرأة بضاعة تشترى بالمهر/المال، وتنظر للعلاقة الزوجية على أنها عقد ملكية يتملك فيه الرجل المرأة، وفي نفس الوقت، وللإنصاف؛ لا يمكن أن ننسى الكبت الجنسي الذي يعاني منه كل من الشباب ذكورًا وإناثًا، والطريقة الوحيدة المقبولة شرعيًا ومجتمعيًا لتفريغ هذا الكبت هو الزواج، الذي أصبح اليوم أصعب من أي وقت مضى نتيجة للغلاء والتضخم.
قد يتساءل البعض؛ لماذا رفضت العروس عريسها؟ فهي تزوجت حديثًا، ومن المفترض أنها هي الأخرى راغبة في الجنس مثله، وهنا يجب أن نأخذ طريقة تربية البنت في المجتمع بعين الاعتبار..
إلأ أن الأولوية في الحديث يجب أن تكون لفكرة النظر للعلاقة الزوجية على أنه إعفاف ومتعة وحق للرجل فقط، هذه النظرة ترتب عليها ظلم كبير للمرأة المسلمة، وتشريع اغتصابها دون رضاها تحت بند “الحق الشرعي”، واعتبار رغباتها أمرًا هامشيًا أمام رغبات الرجل، وهي نظرة نابعة في الأساس عن جهل بطبيعة المرأة البيولوجية، نظرة بنيت على تحطيم لهذه الطبيعة باستخدام كل طرق التضليل والترهيب الممكنة، وتأليف معلومات ووضعها تحت خانة الفطرة والحقائق، وهي لا تنتمي لأي منهما، وهذا يبرر الهجوم الكبير على كل امرأة تحاول فتح هذا الباب الخطير الذي تقبع خلفه ملايين من النساء المحرومات جنسيًا وعاطفيًا.
إلا أن الباب اليوم فتح ولا يمكن إعادة إقفاله؛ فالمعلومات الخاصة أصبحت موجودة في الفضاء الإلكتروني ولا يقوى أحد على حجبها، والأصوات النسائية أصبحت كثيرة وعالية، ومدعومة من النساء (حتى وإن لم يكن كل الدعم معلنًا)، لم تعد نوال السعداوي وحدها في الميدان، تتكلم ويهاجمها أعداء الحقيقة بالشخصنة، وبناء عليه أصبح من المعروف أن الرغبة موجودة عند الطرفين؛ ففكرة أن يدفع طرف ما المال للطرف الآخر لكي يسود ويستقوي هي فكرة هدفها الأساسي جعل العلاقة غير متكافئة ونفعية لطرف واحد، ولا تؤخذ فيها رغبات الطرف الآخر ومشاعره في الاعتبار.
قد يتساءل البعض؛ لماذا رفضت العروس عريسها؟ فهي تزوجت حديثًا، ومن المفترض أنها هي الأخرى راغبة في الجنس مثله، وهنا يجب أن نأخذ طريقة تربية البنت في المجتمع بعين الاعتبار؛ فهي تربى على أن الجنس أمر كريه، وأنه عار، وأن عليها أن تتفاخر بالبرود لتظهر العفة، كما أن طريقة الزواج التي تعتمد على جيب الرجل قد تضع أمامها رجالاً غير مناسبين لا ترغب بأي منهم؛ فعامل الاختيار الحر غير موجود، في مجتمع يضع معايير معينة للرجل القادر على الزواج أغلبها مادي، معايير لم تكن لتوجد لولا العنف الاقتصادي المفروض أصلاً على المرأة، والذي يجعل الخلاص المادي دائمًا على يد رجل .
إن مجرد الحديث عن المال مقابل المتعة يصيب كاتبة هذه السطور بالغثيان، ويجعلها تشعر بقيمة المرأة المتدنية والتي لا يمكن أن تعلو إلا بالمساواة التي تجعل الزواج شراكة حقيقية بين طرفين متكافئين، على كل منهما أن يقدم لبقاء هذه العلاقة العاطفية والجنسية، ولا شك أن كل الحلول الموجودة على الساحة اليوم لحل الأزمات الاجتماعية، هي حلول ذكورية تمعن في إذلال المرأة والرجل الفقير؛ فيتحجج المشرع بما يسمى بـ “عنوسة البنات” ليقدم تعدد الزوجات كحل، بينما “عنوسة الرجال” لا يلتفت لها؛ فيصبح الميسور زوجًا لثلاث وأربع، والفقير لا يجد حلاً لحرمانه الجنسي والعاطفي؛ بينما الحل الوحيد يقبع في المساواة والمشاركة التي تجعل المرأة سندًا للرجل تحتفظ يحقوق متساوية، مساواة يجب أن تكون مدعومة بقوانين تعيد تعريف الزواج، وتكف يد العنف الاقتصادي الذي يضرب المرأة في كل مراحل حياتها .
الأمر المُلحُّ اليوم هو معالجة هذا الكبت الجنسي الذي حول البعض إلى كائنات مسعورة مستعدة للقتل من أجل الجنس، وجعل التفاهم والحوار أمرًا بالغ الصعوبة
بعض الرجال يرون أن الحل بإلغاء المهر، ويعتبرون أن المهر هو العائق الوحيد أمام بناء بيوت سعيدة، يريدون من المرأة التنازل عن المال الذي حصل على امتيازاته كزوج بسبب وجوده، امتيازات لا تقدر بثمن، وعندما تخبرهم بدعمك للفكرة، لكن مع تقديم تنازلات في المقابل كمنع التعدد والطلاق بكلمة، يعترض أو يغير الموضوع، وبعض الرجال على استعداد أن يقضي حياته بلا زواج على أن يقبل بالتنازل عن امتيازات ذكورية، هو يعرف أنها أبعد ما تكون عن العدالة في هذا الزمن.
كعادتنا في المنطقة العربية، لا أحد يبحث عن حلول للمشاكل التي تنتج عن تغيير الحياة ونمطها وظروفها، نتمسك بالقديم؛ فلا يخرج فكر مستنير يخبرنا أن الحياة تغيرت، وأن تأسيس عائلة ليس هو السبب الرئيسي للزواج اليوم؛ بل الحصول على واحد من أهم الحقوق الأساسية للإنسان، احتياج فسيولوجي أساسي، الأمر المُلحُّ اليوم هو معالجة هذا الكبت الجنسي الذي حول البعض إلى كائنات مسعورة مستعدة للقتل من أجل الجنس، وجعل التفاهم والحوار أمرًا بالغ الصعوبة، حتى أصبحنا نلمس الغضب في حوارات الشباب وتصرفاتهم، مع وجود كبت اجتماعي وكبت سياسي يفرض عليهم قائمة أخرى من المحرمات، ليس دورنا ككتاب أن نجد حلولاً مقبولة شرعيًا واجتماعيًا، المفترض أن هذا هو دور رجال الدين وعلماء الاجتماع والقائمين على سن القوانين والتشريعات، أما النائمون في عسل الأوهام سيفيقون على انقلاب لن يبقي ولن يذر، إذا لم يأخذوا التغيرات المجتمعية بعين الاعتبار.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.