لم تكد النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة التركية التي جرت في 28 مايو الماضي تظهر، حتى سارع أمير قطر تميم بن حمد آل ثان إلى تهنئة الرئيس رجب طيب أردوغان بفوزه في الانتخابات، ليكون بذلك أول زعيم يقدم التهنئة له، كما قامت دولة قطر بتقديم التهاني مع نهاية الجولة الأولى التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه بأغلبية أصوات البرلمان، وأضاءت أبراج الجابر في مدينة لوسيل بعلم تركيا وبصورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وما أن تأكد فوز أردوغان حتى انطلقت المسيرات في العاصمة الدوحة بمنطقة “كتارا”، احتفالًا بتقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وحمل المشاركون الأعلام التركية، مرددين هتافات الفرحة العارمة بفوزه.
ويقول المحلل السياسي القطري صالح غريب: “إن الشعب القطري كان يتابع ويترقب الانتخابات في مرحلتها الأولى والثانية، ولم يكف عن الدعاء للرئيس أردوغان بالفوز؛ خصوصًا بعد تصريحات مرشح المعارضة بأنه سوف يلغي الاتفاقية العسكرية والمصنع المشترك، وأنه سوف يمنع تملك العقارات في تركيا للقطريين، وفي حال خسارة أردوغان فإنه سوف يبارك أولاً للأمير تميم، وهذا ما أثار غضب الشعب القطري”.
ويضيف غريب لـ “مواطن“، أنه بعد فوز أردوغان كانت الفرحة كبيرة في شوارع قطر؛ حيث خرجت مسيرات ترفع العلم القطري والتركي، وهذا يؤكد على عمق العلاقات والحب الذي يجمع الشعبين”.
فلماذا كل هذا الاهتمام والفرحة بانتخابات تقام في دولة أخرى؟ حيث بدت فيها قطر وكأنها جزء من العملية الانتخابية حامية الوطيس التي شهدتها تركيا.
أسباب الخوف القطري من فوز المعارضة التركية
بسبب العلاقات القوية التي بين أردوغان وتميم، استهدفت المعارضة التركية دولة قطر حتى وصل الأمر إلى تهديد زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو ومرشحها الرئاسي بتأميم الاستثمارات القطرية في بلاده حال فوزه.
وقال كليتشدار أوغلو: “إن الحكومة التركية منحت قطر 500 مليار ليرة، بدلاً من منحها للتجار، ولم يعط حتى قرشًا واحدًا لآلاف التجار، وأعطى خصما قدره 90 مليون دولار لشركة قطرية دفعة واحدة”.
كما ندد بمنح حصة في مصنع دبابات تركية إلى قطر، وأكد أن مصنع الدبابات هذا يعد “شرف هذا البلد”، متسائلا: “أي من الدول حول العالم تسلم مصنع دبابات لدولة أخرى؟ إذا كان الأمر هكذا؛ فإذا أسست قطر مصنع دبابات؛ فلنقم بالاستفادة منه نحن أيضًا”.
ووسع زعيم المعارضة التركية، دائرة التهديد بتأميم الممتلكات، لتشمل أيضًا رجال الأعمال الموالين للرئيس رجب طيب أردوغان.
وأضاف: ” تستثمر قطر وتجني الأرباح، ونحن لا نفعل شيئًا، يجب على كل مواطن أن يحقق ويبحث عن حقه في هذه القضية، ويجب أن يتم محاسبة هذا النظام على كل قرش ينفقه”.
وخلال حملته الانتخابية وقبل يوم من جولة الإعادة، قدم كليتشدار أوغلو آخر وعوده الانتخابية، والذي تمثل في إلغاء تشفير الدوري التركي لكرة القدم وعرضه مجانا على قناة “تي آر تي TRT” الحكومية، وهو مملوك حصريًا لقناة بي إن سبورت القطرية التي اشترت حقوق البث من الاتحاد التركي لكرة القدم لمدة سنتين مقابل 2.2 مليار ليرة.
يعتقد المحلل السياسي التركي جواد غوك، أن هناك تنسيقًا كاملاً وترابطًا ودعمًا من قطر لحكومة أردوغان ماليًا وسياسيًا وعسكريًا، وصارت مصالح قطر مرهونة بأردوغان، وما حدث خلال الأزمة الخليجية كان مثالاً؛ حيث قدم أردوغان الدعم لقطر في مواجهة باقي الدول الخليجية، وأرسل لهم قوات عسكريةً؛ في المقابل تحصل تركيا على دعم قطري لا محدود في ليبيا وسوريا؛ حيث تقوم بتقديم الدعم المالي في هذه الملفات.
وأضاف غوك، لموقع “مواطن“، لو فازت المعارضة كانت ستسحب القوات التركية المتواجدة في قطر وفي ليبيا وسوريا، كما كانت هناك تهديدات صريحة من المعارضة حول تأميم الأموال القطرية والاستثمارات الموجودة في تركيا؛ حيث كان للمعارضة موقف قومي تجاه قطر، بسبب دعمها المتواصل لأردوغان، وكانت المعارضة ستعمل على قطع جميع التعاملات المالية معها.
لو فازت المعارضة كانت ستسحب القوات التركية المتواجدة في قطر وفي ليبيا وسوريا
وأشار إلى أن قطر هي الداعم الأكبر لقناة اسطنبول، التي وعد أردوغان بشقها، وتعترض عليها أحزاب المعارضة وترى فيها تهديدًا لأمن البلاد القومي.
وكشف أن تهديدات المعارضة لم تكن مجرد تصريحات للدعاية الانتخابية؛ بل كانت هناك نية قوية لو وصلوا للسلطة لعرقلة التواجد القطري في تركيا، من مبدأ عدم التدخل في شؤون العرب الداخلية، وعدم تدخل العرب في شؤون تركيا الداخلية.
ويتفق معه المحلل السياسي التركي، ناصر سنكي في حواره مع “مواطن” في أن قطر كانت تخشى فوز المعارضة بسبب توجهاتها التي تميل إلى الغرب أكثر من الشرق، ووعد كليتشدار أوغلو بإعادة تركيا إلى الحلف الغربي، مقابل الابتعاد عن الشرق والدول العربية؛ حيث ينظر قيادات المعارضة إلى الشرق على أنه متخلف ولا يأتي تركيا منه أي خير .
علاقات ثنائية قوية
تجمع تميم بن حمد أمير قطر بالرئيس أردوغان علاقة صداقة قوية منذ تولى الأول مقاليد الحكم في عام 2014، تمثلت في العدد القياسي من اللقاءات الثنائية التي جمعتهما، والتي وصلت إلى 32 لقاءً في أقل من 9 سنوات، والتي قالت عنها وكالة الأناضول الرسمية التركية “بالرقم القياسي في تاريخ العلاقات بين البلدين، وربما في تاريخ الدبلوماسية الدولية”.
وبحسب وصف الأناضول؛ ترتبط تركيا وقطر بعلاقات صداقة وأخوة استثنائية في تميزها وعطائها، نتيجة التقارب الكبير على مستوى القادة والشعب والقواسم المشتركة بين البلدين، والتضامن اللا محدود بينهما وقت الأزمات، وتتميز علاقات البلدين بتقارب فريد في وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وتناغم الرؤى السياسية إزاء كثير من الملفات.
ويقول ناصر سنكي: “إن أمير قطر له زيارات متعددة إلى تركيا، وأردوغان ضيف دائم في الدوحة، ويصف المسؤولون العلاقات بأنها قوية وأخوية”.
كما تم تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة بين البلدين؛ في ديسمبر عام 2014، وتعقد اجتماعاتها كل عام على أعلى مستوى، وهي آلية للتشاور حول العلاقات القطرية التركية، وتمثل أحد أهم مؤشرات العلاقات الثنائية المكثفة والقوية.
ونتج عنها ما يزيد عن 80 اتفاقية في جميع المجالات، تسهم في تعزيز وإثراء العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين البلدين.
العلاقات بين قطر وتركيا تعود لأكثر من 50 عامًا، ولكن تلك العلاقة تطورت بشكل كبير مع وصول الرئيس أردوغان للحكم في عام2002ً
وكانت الأزمة الخليجية عام 2017، عندما قامت أربع دول عربية “السعودية ومصر والإمارات والبحرين”، بقطع علاقاتها مع قطر، هي الاختبار الأكبر لمتانة العلاقات بين البلدين، وقتها كانت تركيا الحليف الأكبر والأكثر موثوقيةً؛ حيث عرضت على قطر إمدادها بالمنتجات التي كانت تستوردها من هذه الدول، كما قامت بإرسال قوات عسكرية للدوحة؛ في إشارة إلى أن أنقرة مستعدة لتقديم كافة الدعم لقطر في مواجهة الأزمة، ومازالت هذه القوات متواجدة حتى بعد “صلح العلا“.
ويقول صالح غريب، إن العلاقات بين قطر وتركيا تعود لأكثر من 50 عامًا، ولكن تلك العلاقة تطورت بشكل كبير مع وصول الرئيس أردوغان للحكم في عام2002ً؛ حيث تطورت تلك العلاقات بين القيادتين والشعبين، وبذلك ارتفعت الصادرات والواردات بين الجانبين، وخلال الزيارات المتبادلة بين القيادتين تم توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية، ورفع عدد الشركات الاستثمارية في البلدين.
ويضيف المحلل القطري، لـ”مواطن” أن هذه العلاقات توثقت خلال الأزمة الخليجية في العام 2017، والدعم الذي قدمته تركيا لقطر في المجال الاقتصادي أو العسكري بتواجد قاعدة عسكرية في قطر، وكان موقف قطر الداعم لتركيا خلال المحاولة الانقلابية في العام 2016، وأيضًا الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا، كلها أمور وثقت تلك العلاقة القطرية التركية.
نمو العلاقات الاقتصادية
في ظل العلاقات المتطورة بين البلدين؛ أصبحت تركيا من أكثر الدول الجاذبة للاستثمارات القطرية في عدة مجالات.
ويوجد ما يزيد عن 700 شركة تركية تعمل في قطر في مختلف القطاعات، بجانب 200 شركة قطرية تعمل في مجموعة واسعة من القطاعات في تركيا.
وزادت استثمارات قطر المباشرة في تركيا بشكل كبير، بـ 33.2 مليار دولار، بينما بلغت قيمة المشاريع التي نفذتها شركات الانشاءات التركية في البنية التحتية في قطر 22 مليار دولار أمريكي.
ويقول ناصر سنكي، إن تركيا وقطر لهما علاقة خاصة في جميع المجالات؛ لاسيما الاقتصادية والتجارية؛ حيث بلغ حجم العلاقات التجارية في 2022 حوالي ملياري دولار، وخلال 2023 وصل إلى 2.2 مليار دولار.
ويضيف سنكي، أن الشركات التركية من أهم الشركات العاملة في السوق القطري في مختلف المجالات، وهناك أيضًا تعاون كبير في مجال الصناعات العسكرية والتعاون العسكري؛ حيث اشترت قطر عددًا كبيرًا من الطائرات المسيرة تركية الصنع، وهناك تواجد عسكري أمني في قطر منذ الخلافات التي كانت موجودة بين قطر ودول الخليج، وتولت قوات أمنية تأمين كأس العالم 2022 التي أقيمت في قطر.
اشترت قطر عددًا كبيرًا من الطائرات المسيرة تركية الصنع، وهناك تواجد عسكري أمني في قطر منذ الخلافات التي كانت موجودة بين قطر ودول الخليج
بدوره يقول السفير التركي في قطر، مصطفى كوكصو: “إن الملف الاقتصادي كان ضمن المسارات الأساسية في التعاون بين البلدين، وشهد تطورًا لافتًا خلال السنوات الخمس الماضية؛ حيث زاد حجم التبادل التجاري، وتدفقت الاستثمارات المتبادلة؛ سواء من جانب رجال الأعمال القطريين في كافة المجالات في دولة تركيا، أو دخول رجال الأعمال الأتراك السوق القطرية عبر شركات الإنشاءات وقطاع الضيافة، وشركات التصدير وقطاع الأغذية واللوجستيات والتكنولوجيا، والصناعات الدفاعية والإعلام”.
وأضاف كوكصو؛ في مقال له: “مما لا شك فيه أن التنسيق في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثمار بالملف الصناعي يعتبر مسارًا أساسيًا؛ خاصة في ظل موجات الركود والتضخم التي تضرب العالم، والتقلبات الهائلة التي تشهدها أسعار الطاقة، واضطراب العديد من الصناعات عبر العالم”.
خلاصة
الفرحة الكبيرة التي سادت قطر بعد فوز أردوغان، كان سببها المخاوف من وصول المعارضة إلى الحكم، وما كان يمثل تهديدًا للدوحة على كافة الأصعدة؛ سواء سياسيًا أو اقتصاديًا وحتى عسكريًا؛ حيث هددت المعارضة بتأميم الاستثمارات القطرية وتغيير توجهها غربًا، وسحب قواتها العسكرية من قطر، لكن بقاء أردوغان في السلطة أدى إلى انطلاق العلاقات نحو أفق أوسع، ويمكن الدوحة من زيادة محفظتها الاستثمارية، وبقاء الجنود الأتراك يمثل جدارًا للحماية في حال عادت الخلافات مرة أخرى مع جيرانها من دول الخليج.