على مشارف عقد جديد، ننتهز هذه اللحظة من تاريخ “مواطن”، ننتظر مشروع الصحافة المستقل في الخليج، الذي نؤمن باستقلاله وتأكيده على النهج المستقل والحر، لدور الصحافة المستقلة في المنطقة، لمناقشة هذا العالم من الصحافة بجرأة نقدية، وتمسكٍ بأهمية الدور الذي تمارسه ومشاريع الصحافة المستقلة الأخرى لمستقبل شعوب المنطقة في آن معًا، ونتحدث عن أهمية الدور الذي تمارسه “مواطن” كمشروع صحافة مستقل في المنطقة، والبيئة الصحفية التي تمارس فيها “مواطن” مهمتها تجاه الشعوب.
هل يحتاج الخليج الصحافة المستقلة؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج أن نلقي نظرة سريعةً على المؤشرات الدولية المختلفة، على مؤشر مدركات الفساد، شهدت دول الخليج التي تحتل منتصف التصنيف من بين مائة دولة يشملها المؤشر، تراجعًا العام 2023. شهِدَت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات(67)، قطر (58)، السعودية (51)، البحرين (44)، عُمان (44)، والكويت (42)) تراجعًا لهذا العام؛ فيما وصلت اليمن لقاع التصنيف.
يقول المؤشر: في أعقاب الربيع العربي، تحوّلت دول الخليج إلى قوميةٍ مُفرطة، وإلى المزيد من القمع للمساحة المدنية. لذا وبدون قنوات للمشاركة المدنية والوصول إلى المعلومات، يُترك المواطنون خارج عملية صنع القرار وبدون سُبُل متاحة لدفع عجلة التغيير الاجتماعي.
مؤشر مدركات الفساد 2023
وصول المواطنين للمعلومة يتيح لهم المشاركة في الرقابة على حكوماتهم، ومساندة السياسات الإصلاحية التي تنتهجها السلطات الخليجية في رؤاها التنموية، وهنا يأتي دور الصحافة المستقلة؛ ليست نشاطًا معارضًا، وإنما نافذة الجماهير على الحقيقة ووسيلة وصولهم للمعلومة المحجوبة عنهم.
الصحافة المستقلة مشروعٌ ينحاز لحقوق الإنسان وحرياته؛ فأعتى السلطات الدكتاتورية لا يمكنها أن تنكر في عالم اليوم أنها تتخذ موقفًا سلبيًا من القضايا الرئيسية لحقوق الإنسان، أو تنتهج سياسةً تنتهكها، وإن كانت تمارس ذلك. لذا يحتاج المجتمع الإنساني، -وليس المجتمعات الخليجية وحدها- للصحافة المستقلة كنافذة محايدة على وضع حقوق الإنسان في المجتمعات.
السلطة والصحافة المستقلة
على الرغم من أن دور الصحافة المستقلة هو دورٌ تكاملي يساهم في نجاح الخطط الإصلاحية، بتعزيز قيم مثل الشفافية والحوكمة، والمساهمة في عملية المشاركة الشعبية في الشأن العام، عبر فتح قنوات للوصول للمعلومة، تقمع السلطات في الخليج مشاريع الصحافة المستقلة دون تمييز بتصنيفها كصحافة معارضة. إلا أنها تختلف كليًا عن الصحافة المعارضة؛ فالصحافة المعارضة تخدم أجندةً سياسية تمثل القوى السياسية التي تحركها؛ فيما الصحافة المستقلة تخدم مبدأ حق الوصول للمعلومة.
لتسليط الضوء على هذه المشكلة في واحدية التصنيف السلطوي لوسائل الإعلام في دول الخليج، يتحدث رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر “عادل مرزوق”، لـ “”مواطن”” ويشير إلى أن المشكلة تكمن في أنه: “لا تزال دول الخليج تصيغ مفهومها للصحافة والإعلام باعتبارها أداة للدولة، ولترويج سياساتها الداخلية والخارجية. صحيح أن هناك تطورًا حدث بالفعل في الحالة المؤسساتية في بعض دولنا، وذلك عبر نشوء الصحف المستقلة عن الدولة في الملكية، لكن هذه المؤسسات في غالبيتها لا تزال تتصرف أو يفرض عليها العمل باعتبارها مؤسسات حكومية”.
مؤكدًا أيضًا بأن تجارب الدول الخليجية ليست سواء؛ حيث إنه يمكن أن نجد حتى في الدولة الواحدة فترات متباينة ونتائج متضاربة لتجربة الصحافة المستقلة، مشيرًا إلى أنه قد تتطور بعض التجارب بشكل مضطرد، لكنها سرعان ما تعود إلى نقطة الصفر.
ويرى عادل مرزوق أن الجهود لتغيير نظرة السلطات وسياستها تجاه الصحافة المستقلة، لا يجب أن يتوقف أمام العوائق الحالية: ” يجب أن لا يكف الصحافيون ونشطاء المجتمع المدني عن محاولاتهم في صناعة التغيير ولو بالتدرج؛ فالقول بأن لا أمل في التغيير، وأن توسيع فضاءات حرية الرأي والتعبير غير ممكن هو خيار سلبي لا معنى له. أعتقد أن مثل هذا الرأي هو خيار مريح للبعض، لأن صناعة التغيير عملية مرهقة، شاقة ولا نهاية لها. في أفضل التجارب الدولية لا يزال الصحافيون يعملون ويحاولون تعزيز هذه الحريات والحفاظ عليها”.
بيئة الصحافة الحرة في الخليج
في نسخة العام 2023، وصف مؤشر حرية الصحافة البيئة الصحفية في الشرق الأوسط بأنها “لا تزال تئن تحت وطأة السيطرة الخانقة في الشرق الأوسط؛ سواء على أيدي الأنظمة الاستبدادية، أو بفعل الرقابة التي تفرضها الميليشيات على وسائل الإعلام”. فيما حلت دول منطقة الخليج تباعًا (السعودية 170، عمان 155، الإمارات 145، قطر 105، الكويت 154، البحرين 171، واليمن 168) من أصل 180 دولة شملها المؤشر.
منذ تأسيسها في السادس من يونيو 2013 في العاصمة العمانية مسقط، تعرضت “مواطن” للإيقاف في يناير 2016، لتعود مجددًا في اليوم العالمي لحرية الصحافة العام 2017 من العاصمة البريطانية لندن. ولتحجب في نفس اليوم في عمان، والسعودية لاحقًا العام 2021.
يعلق على ذلك “عادل مرزوق” في وصف البيئة الصحفية وحرية التعبير في الخليج وموقف السلطات من الصحافة المستقلة، بالنظرة الشمولية في تصنيف أي جهدٍ صحفي خارج المؤسسات الإعلامية الحكومية بالمعارض.
عمار الأصبحي، رئيس تحرير موقع بيس هورايزونس، يصف هذه البيئة من واقع تجربته في الشأن اليمني لـ “مواطن” بالملغمة، ويضيف: “ينطبق عليها مقولة: الصحافة مهنة المتاعب، لكن يمكن القول بأن المواقع أو الموسسات الإعلامية التي تصطف مع أطراف الصراع هنا في اليمن مثلًا، هي وحدها التي تحظى بالدعم الوفير، إلا أنها لا تلتزم بالمهنية في التعاطي مع مجريات الأحداث؛ فالمتابع لما تنشره تلك المؤسسات الإعلامية يشعر بفداحة ذلك الخطاب الإعلامي، وصعوبة صمود المؤسسات الإعلامية المستقلة “المحدودة”، وهي تحاول جاهدة وبجهود ذاتية الاستمرار في تقديم خطاب إعلامي مهني”.
أما عادل مرزوق فيقول: “البيئة مسمومة بطبيعتها؛ أي مادة يتم نشرها تنتقد الدولة ستكون موسومة بأنها نتاج صحافي معارض، وهي منشورة في مؤسسة صحافية معارضة، هذا مربك بالطبع، وفي هذا السياق، تحديدًا يجب أن يكون الأفراد والمؤسسات على وعي كافٍ بضرورة عدم الانسياق لهذه الاتهامات. أيضًا يجب على الصحافيين المستقلين التأكد من أنهم ليسوا منساقين لمشروع المعارضات السياسية بلا وعي؛ ليس لأن المعارضات سيئة أو شريرة؛ بل لأن واجبه هو أيضًا مراقبتها ونقدها. في بعض الأحيان، بعض المؤسسات في المعارضة الخليجية هي أسوأ من الأنظمة السياسية التي تنتقدها”.
ويتحدث الأصبحي بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاق “مواطن” بالتجربة التي يمكن الاستلهام منها: “إنجاز كبير حقيقة أن تحتفل “مواطن” بالذكرى العاشرة، لانطلاقها كمشروع صحفي مستقل في الخليج واليمن، ويشمل اليوم تجربة إعلامية خلاقة نأمل أن تستمر وتتعزز بمشاريع إعلامية جديدة هنا وهناك؛ فهذا يعطينا حافزًا كبيرًا وأملاً في أننا قادرون على المضي والاستمرار”.
الصحافة المستقلة في الخليج والوسائط الحديثة
مع انتشار الطباعة وامتلاك الناشرين لمطابعهم الخاصة في القرن السابع عشر في إنجلترا، بدأ عهدٌ جديد من وسائل الإعلام والنشر المستقلة بعيدًا عن الخطاب العام للسلطة. كانت فرصةً لفتح آفاق جديدة أمام حرية التعبير، لكن بدأ كل من البرلمان البريطاني والكنيسة المطالبة بفرض الرقابة على النشر وضرورة منح الموافقة الحكومية على ما يتم نشره. ردًا على ذلك، كتب الشاعر الإنجليزي “جون ميلتون” خطابه الذي وزعه في منتصف القرن السابع عشر على الكنيسة والبرلمان متحدثًا عن أهمية حرية التعبير معبرًا في خطابه بأن “قتل إنسانٍ أهون من قتل كتاب”.
كان هذا أحد أقدم الخطابات التي تؤكد على أهمية الإعلام المستقل وحرية النشر والتعبير، لكن المسافة ما زالت طويلةً لتحقيقه. في منطقة الخليج كان المشهد مزدحمًا بصوتٍ واحد، هو صوت السلطة وخطابها العام، لكن فرصةً أخرى كما كانت الطباعة في إنجلترا تعلن عن نفسها مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً أوسع للصحافة المستقلة والقدرة على الوصول للجمهور بعيدًا عن أدوات الرقابة السلطوية، ولكن في المقابل كانت هناك مخاطر لهذا الفضاء الجديد من الاجتماع كما هي فرص؛ إذ أتاحت لسلطة استخدام ذات الأدوات في هذا الفضاء، توجيه الرأي العام بالخطابات السلطوية وتزييف الحقائق، الأمر الذي يجعل من وجود صحافة مستقلة وحرة يثق بها المواطنون ضرورةً ملحةً لا غنى عنها.
" ثقافة الانتفاع تهيمن على كثير من الصحافيين الذين يجدون في التوافق مع سياسات الدولة طريقًا قصيرًا لبناء الثروات، وصناعة النفوذ والشهرة. دولنا ترعى هذا النوع من الصحافيين وتشجع المؤسسات الإعلامية على توليد المزيد من هذه النماذج".
عادل مرزوق| رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر
استجابةً لهذه الضرورة تأسست “مواطن” كمشروع صحافة مستقل، أغلقت مرارًا، وحجبت في دولٍ مثل عمان والسعودية، وتعرض صحفيوها للانتهاكات، وتكمل اليوم عشرة أعوامٍ على انطلاقها. يعلق “عادل مرزوق” عن تجربة “مواطن” كمشروع صحافة مستقلة في الخليج: “مواطن” كانت ولا تزال إضافة مغايرة ومتطلعة في الصحافة الخليجية. تطور هذا المشروع بشكل مضطرد وهو يشتبك مع ملفات خليجية مهمة تسكت عنها المؤسسات الصحافية داخل دولنا، وتجربة يحتذى بها ونتمنى أن يكون بإمكانها العمل من داخل دولنا ذات يوم”.