شهد موسم انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، التي أُجريت في 6 يونيو/حزيران الحالي، ضعف الحالة الانتخابية؛ خاصة أنه لم يمضِ على انتخابات مجلس 2022 المُبطل أخيرًا، سوى 6 أشهر تقريبًا، التي لم تنفك عنه بعد حالة الانتخابات الجديدة، وعدم وجود قضية كبرى عليها إجماع من قِبل الفاعلين السياسيين، وغاب طرح المشاريع السياسية في الحملات الانتخابية عن الجزء الأكبر من المرشحين، سوى بعض الاستثناءات.
أيضًا، شهد موسم هذه الانتخابات تراجع الخطاب الموجّه نحو المرأة، على خلاف الانتخابات الماضية، والتي جاءت بعد تطور لافت في حراك المرأة خلال السنوات الأخيرة، تصدّرته مجموعة من النسويات اللواتي يصنّفنَ أنفسهنّ على أنّهنّ غير مرتبطات بجمعيات النفع العام النسائية، وعملن على قيادة حملات توعية وضغط من أجل نساء الطبقات الدُنيا المُنتميات إلى المجتمعات القبلية، وخرجن إلى الشارع أكثر من مرة للاحتجاج، نتيجة تزايد جرائم العنف ضد المرأة في الكويت.
دعا هذا بعض المرشحين في الانتخابات الماضية، إلى طرح خطاب مُختلف يتقاطع وخطاب المرأة الجديد؛ مثل حقها في تمرير الجنسية إلى أبنائها وتملّك أرض سكنية أسوةً بالمواطن الكويتي، وتفعيل مراكز إيواء النساء المعنّفات وغيره، وهو ما تراجع في انتخابات مجلس الأمة 2023 إلى نفس الخطاب القديم، ومناقشة القضايا التي تعتبرها النسويات قضايا هامشية أو ثانوية، أو قضايا لا ترقى حتى إلى ما راكمته خلال السنوات الأخيرة، وهو بالمجمل “دون الطموح” على حد تعبيرهنّ.
على الرغم من كون العديد من المرشحين؛ إما يُخصص ندوات انتخابية واحدة للرجال وأخرى للنساء؛ خاصة في الدائرتين الرابعة والخامسة، وبدرجة أقل في الدائرة الثانية، بحكم طبيعة المجتمع في هذه الدوائر، التي تستحوذ عليها المجتمعات القبلية، أو يخصص ندوة انتخابية واحدة مختلطة يحضرها الرجال والنساء على السواء؛ خاصة في الدوائر الأولى والثانية والثالثة، والتي تُعدّ أكثر انفتاحًا لما يغلب على تكوين مجتمعاتها من عوائل الحضر.
لكن مع ذلك اعُتبرت معظم الندوات الانتخابية النسائية كأنها تحصيل حاصل، وليست أكثر من تأدية واجب، أو من أجل تحشيد النساء بهدف التسويق الانتخابي، من خلال استعراض أعداد الحضور في حظوظهم على المنافسة، وبعيدًا عن المرشحين الذين انشدوا أبياتًا حماسية أو ركزوا على التضامن الاجتماعي وخلافهما، لم يأتِ معظم المرشحين الآخرين إلا على تحسين الوضع المعيشي للمرأة العاملة على تنوعاتها؛ العزباء والمتزوجة والمُطلقة وإلخ.
قالت الباحثة في قضايا الجندر؛ فاطمة عادل، التي حرصت في هذه الانتخابات على الاستماع والحضور إلى الندوات النسائية؛ خاصة “للمرشحين المصنفين من ضمن المرشحين الإصلاحيين”، وفق تعبيرها؛ في حديث مع “مواطن“، أنه “لم تكن الندوات في هذه الانتخابات ترتقي إلى مستوى ندوة؛ بل أقل حتى من حلقة نقاشية؛ فلا عرض لبرنامج انتخابي ولا حتى مناقشة للناخبات، على العكس من الخطابات الموجهة للناخبين الرجال، من الجدية في الطرح، والاستعداد والتحضير، ومحاولة إقناع الناخب بالتصويت له”.
وتابعت: “خلت كل الندوات النسائية من الطرح الجديّ، وكانت المخاطبات معظمها عاطفية من خلال تحفيز القبلية والعنصرية، والحديث عن قوة تأثير المرأة على نتائج الانتخابات، ولكن دون مخاطبة عقل هذه المرأة”، وأعطت “عادل” مثالًا قائلة: “حتى وصل الوضع في إحدى الندوات إلى تعريف مصطلح مجلس الأمة، وعرض دوره في تنظيم القوانين، والإشارة إلى أن هذا العرض من أجل تبسيط المفاهيم إلى الناخبات، وكأنهنّ جاهلات إلى هذا الحد”.
وأكّدت “عادل” على أن “الخطاب الموجّه إلى المرأة يجب ألا يعزلها عن الحالة السياسية العامة؛ بل يكون الخطاب نفسه الموجّه إلى الرجال، من قضايا الأولويات السياسية ومحاربة الفساد والحلول المُقترحة، ولا يستقيم أن يتحدث المرشح عن ذلك في ندوة الرجال، ومن ثم في ندوة النساء يتحدث بخيال حالم عن حقوق المرأة الأرملة والمطلقة والعزباء والمتزوجة، وأنه سيكون معهنّ وصوتهنّ”.
وأضافت: “كان من الواجب على المرشحين عدم الاستهزاء بالنساء، من حيث المُبالغة بالتجهيزات، وكأنها عبارة عن كسب تأييدها بالهدايا الرمزية والضيافة المُعتبرة، أو بتنظيم الندوة في فندق ضخم، أو من خلال تقديم الفتيات فقرة رقص أثناء استقبال المرشح”.
وأشارت عادل إلى أنه “إن لم تكن الندوة النسائية للمرشح تحمل خطابًا حقيقيًا إليهنّ، عليه ألا يقوم بتنظيمها”، وتابعت: “ما المانع من مخاطبة المرأة مثلًا عن سوء النظام الانتخابي، أو عن سوء الأداء الحكومي، وما هو السبيل إلى تقويمه، وماذا لو قررت الحكومة تعطيل عمل المجلس، كيف تتم مواجهتها، كما لو أراد تخصيص الحديث مع وإلى المرأة؛ فعليه على الأقل أن يتطرق إلى القضايا التي تمسّها بشكل مباشر؛ مثل حقّها في تملّك سكن خاص أسوة بالرجل، وحقّها في الجنسية، وغيرها من القضايا التي لا يتسع المجال إلى حصرها هنا”.
وأوضحت “عادل”: “كل ما تطلبه المرأة أن يُعرض عليها برنامج المرشح الانتخابي كما يُعرض على الرجل، حتى تُقيّم هذا البرنامج وُتدلي بصوتها بناءً على البرنامج الأفضل من وجهة نظرها، ولكن استمرار الخطاب مع النساء بهذه السطحية، وفي قالب أنها الأم والأخت والزوجة، ما زال خطابًا قاصرًا، ولن يساهم من رفع وعي المرأة، أما التي لديها وعي سياسي فإنها لن تأخذ هذه الخطابات على محمل الجد، وقد يكون المرشحون سببًا في كفر المرأة بالعملية السياسية؛ تحديدًا مع لغة التعميم بأنها لا تمتلك الوعي الكافي، ومحاولة ترسيخ ذلك عبر السلوكيات التي تُمارس خلال هذه الندوات، وأشرت لها سلفًا”.
معظم المرشحين يضمّنون برامجهم الانتخابية في ندواتهم النسائية بمقترحات تقليدية لحل بعض القضايا، ووعود فضفاضة وغير واقعية
شفية العجمي Tweet
من جانبها، عبّرت الناشطة النسوية، شفية العجمي؛ في حديث مع “مواطن“، عن أسفها كون الخطاب الموجّه إلى المرأة في الانتخابات “دون الطموح”، واستطردت قائلةً: “لاحظت أن معظم الندوات النسائية غير مصوّرة أو غير متاحة بسهولة على منصة اليوتيوب، ولم نرَ منها إلا مقتطفات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نقلًا من هواتف بعض الناخبات المحمولة”، وتابعت: “يتضح من ذلك أنه لا يوجد اهتمام كبير لتغطيتها ونشرها”.
ولفتت إلى أنه “بحسب آراء بعض الصديقات الناشطات النسويات، يعتقدن أن معظم الطرح في الندوات النسائية في هذه الانتخابات، يتشابه مع طرح الندوات السابقة لانتخابات مجلس الأمة 2022، وهذا طبيعي لأن المدة الزمنية قصيرة جدًا بين المجلسين”.
وعمّا ينقص الندوات النسائية، وضحّت “العجمي“: “فتح باب الأسئلة أمام الناخبات لمحاورة المرشح، وإعطاء المجال لهنّ للاستفسار ولطرح أهم قضاياهنّ؛ خصوصًا المصيرية والعاجلة”، وأضافت: “كنت أنتظر طرحًا متطورًا يلامس واقعنا، وخطابًا تقدميًا يليق بتطور حالة المرأة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، ويتوافق مع تطلعاتنا كمواطنات نحلم بمعاملتنا كمواطنين”.
وأشارت العجمي إلى ملاحظاتها على الندوات النسائية قائلةً: “معظم المرشحين يضمّنون برامجهم الانتخابية في ندواتهم النسائية بمقترحات تقليدية لحل بعض القضايا، ووعود فضفاضة وغير واقعية، وغالبًا تكون هذه الندوات مدتها قصيرة، وخطابها مقتضب ومتوقع ما فيه مُسبقًا، ويطغى عليه حثّ الناخبات على التصويت مرارًا وتكرارًا، معوّلين بذلك على الفكرة النمطية التي تصوّر النساء على أنهنّ بعيدات عن الساحة السياسية بقضاياها وصراعاتها، ولا يملكن ثقافة ووعيًا يخولهنّ لاختيار مرشح أو مرشحة جيدًا”، وأضافت: “مع إدراك الناخبة لأهمية صوتها ومدى تأثيره في تغيير المشهد السياسي، واستقلالها نسبيًا في الاختيار، أصبح المرشح مُلزمًا أن يلفت انتباهها ويوجهها بطريقته”.
وقالت العجمي: “لا أعتقد أن مجتمعنا الذكوري سيهتم بالعدالة الاجتماعية ونبذ التمييز، ومؤكد أن المرشحين الرجال أبناء مجتمعهم وسيتأثرون به، لذلك فموجة التغيير أساسها حاجة طارئة وتكتيك جديد لاستقطاب أكبر عدد من الأصوات النسائية، ولا يوجد إيمان وجدية بأهمية حقوقها ومطالباتها، على الأقل ليس في منظورنا وحلمنا النسوي”.
فجّرت المرأة المفاجأة في انتخابات مجلس 2009، بوصولها أخيرًا إلى البرلمان، وحصولها على أربعة مقاعد من أصل خمسين
وحصلت المرأة الكويتية على حقوقها السياسية كاملة عن طريق البرلمان عام 2005، بعد حراك سياسي طويل من المرأة ومختلف تيارات ومؤسسات المجتمع المدني، الذي واجه معارضة شرسة من قِبل التيار الإسلامي في البلاد، وترشحت المرأة بعد ذلك إلى الانتخابات لأول مرة في مجلس 2006، ثم انتخابات مجلس 2008، دون أن يحالفها الحظ في النجاح خلالهما.
وفجّرت المرأة المفاجأة في انتخابات مجلس 2009، بوصولها أخيرًا إلى البرلمان، وحصولها على أربعة مقاعد من أصل خمسين، بعد نجاح الوزيرة السابقة معصومة المبارك، والأستاذتين في جامعة الكويت أسيل العوضي وسلوى الجسار، وسيدة الأعمال رولا دشتي.
وتقلصت مقاعد المرأة إلى صفر في انتخابات مجلس فبراير/شباط 2012 المُبطل، وتاليًا إلى ثلاثة مقاعد في مجلس ديسمبر/كانون الأول 2012 المُبطل الثاني في تاريخ البلاد، الذي شهد -بسبب المقاطعة- أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات التشريعية في الكويت، بفوز معصومة المبارك وصفاء الهاشم وذكرى الرشيدي.
وتراجعت المرأة إلى مقعد واحد في مجلس 2013 من نصيب صفاء الهاشم، التي استقالت لاحقًا من مجلس الأمة، وعادت هاشم مُجددًا إلى مجلس 2016 الذي دام مدة أربعة أعوام.
وشهد مجلس 2020 غياب المرأة من جديد، بعد خسارة صفاء الهاشم إلى مقعدها، بعد تحوّل خطابها من دعم المرأة الكويتية إلى الهجوم على الوافدين في الكويت، والمطالبة بإبعادهم من البلاد، ما أثّر بشكل كبير على عودتها مرة أخرى إلى مجلس الأمة.
ولكنّ المرأة عادت من جديد في مجلس 2022 الأخير المُبطل الثالث، وحصلت على مقعدين لكل من الوزيرة السابقة جنان بوشهري وعالية الخالد، الذي تراجع إلى مقعد واحد في البرلمان المُنتخب هذا الشهر؛ حيث فشلت ؛الخالد؛ بالفوز في الانتخابات، بينما تمكّنت بوشهري من الحفاظ على مقعدها، والتي يعوّل الكثير من النساء على أدائها داخل البرلمان، ولاقت إشادات واسعة على ما قدمته في ستة أشهر من عمر المجلس المُبطل.
مع ذلك لم تحقق المرأة في البرلمان -على تواجدها المتفاوت بعضويته-، أية إنجازات يمكن النظر إليها على أنها مكاسب حقيقية للمرأة، وما زال ينقص هذه التجربة المزيد من النقد من المرأة نفسها، والمراكمة عليها نحو تحسين مخرجاتها من أجل الظفر بإقرار تشريعات وقوانين تحقق طموحها وما تصبو إليه.
وتبلغ نسبة الناخبات في الكويت، من إجمالي الناخبين في كل انتخابات نحو 52% تقريبًا، ما يمكّن المرأة من حسم وصول العديد من أعضاء مجلس الأمة، كما أن عددًا واسعًا من النساء في السنوات الأخيرة لم يعد يخضع لاعتبارات الرجال في الانتخابات.