تعدّ الأمطار موردًا أساسيًا للمياه في اليمن؛ البلد الذي يعاني من شحّ كبير في المياه والمهدد بالجفاف؛ فحسب بيانات البنك الدولي، تعدّ اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم فقرًا في المياه، وتعتمد اليمن في سياستها المائية على ثلاثة مصادر في مقدمتها الأمطار والمياه السطحية والجوفية، والتي تتغذى من المورد الأول -الأمطار- والذي لا يتم استغلاله بشكل ملائم.
ووفقًا للهيئة العامة للأرصاد الجوية اليمنية، فإن تقديرات هطول الأمطار السنوية في اليمن تصل إلى 65 مليار متر مكعب، وتحدث أعلى مستويات الهطول في بعض مناطق محافظة “إب” وسط اليمن، والتي تتجاوز 800 ملم/ سنويًا، تليها محافظة المحويت شمالًا والتي تتجاوز 600 ملم/ سنويًا، وتتناقص معدلات الهطول كلما ابتعدنا شرقًا أو غربًا عن الخط المستقيم بين المحافظات؛ حيث تنخفض إلى أقل من 100 ملم/ سنويًا في الساحل الغربي والجنوبي.
وعلى الرغم من الكمية الكبيرة من الأمطار السنوية في اليمن؛ إلا أن ما يزيد عن 65 % من هذه الكمية تعتبر أمطارًا غير فعالة، ولا يحدث منها جريان سطحي أو تغذية جوفية؛ فيما يتبخر حوالي 40% من مياه الأمطار ولا يتم استغلالها بأي شكل من الأشكال، وتشكل مياه السيول والغيول عبر جريان الأودية أو العيون ما يسمى بالمياه السطحية المتجددة، والمقدرة بـ 2.1 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يمثل 10 % من إجمالي الأمطار الفعالة، ويقدر التسرب من الأمطار بــ 4.5 %، وهو ما يسهم في تغذية الخزانات المائية التي تعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والاستعمالات المنزلية والصناعية.
وفي هذا الصدد يقول محمد الكوماني، وهو متخصص في المجال البيئي والموارد المائية، إنه رغم كمية الأمطار التي تهطل في اليمن، تعاني مدن عديدة من شح كبير في المياه، ويشير الكوماني في حديثه لـ “مواطن” إلى أن صنعاء وتعز وأربع مدن يمنية أخرى مهددة بالعطش والجفاف وقلة الأمطار، وهي مدن ذات كثافة سكانية عالية، وهو الأمر الذي قد يعرض حوالي 17 مليون مواطن للعطش في تلك المناطق.
وتكمن الإشكالية حسب قول علي السنباني (مهندس الجيولوجي) في عدم وجود آلية واضحة من قبل الجهات المعنية في كيفية إدارة مياه الأمطار واستغلالها، ويشير في حديثه لـ “مواطن” إلى أن توجه الجهات الحكومية طوال السنوات الماضية كان يعتمد على إنشاء الحواجز المائية -فقط -لأجل تغذية المياه الجوفية، والتي يتم استخدامها في تلك الأماكن في الزراعة فقط، ولم تستطع أن تفعل شيئًا أو توجد حلولًا جذرية لمسألة شح المياه، أو استغلال مياه الأمطار، ويشير إلى أنه لا يوجد برامج إرشادية من أجل استغلال مياه الأمطار، وخصوصًا في مجال الزراعة، التي تقارب 90% من المياه المستفادة، كما أن هذا القطاع لا يزال يستخدم وسائل تقليدية في الري، وتعتبر نبتة القات مشكلة أخرى تستنزف أكثر من 50% من المياه المستهلكة.
العطش يهدد مدن اليمن
طوال السنوات الماضية فشلت الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول جذرية لشح المياه وإيصال الشبكة للمواطنين الذين يعانون بشكل كبير من الوصول إلى مصادر المياه، أو الحصول على مياه صالحة للشرب، استطاعت الحكومة إيصال شبكة المياه لحوالي 30% من السكان في جميع مناطق اليمن، لكن الوضع اختلف منذ اندلاع الحرب في مارس/ آذار عام 2015، والتي تسببت بإخراج شبكة المياه عن الخدمة في أغلب المناطق المربوطة بالشبكة، وعاد المواطنون في المدن لجلب المياه عبر صهاريج كبيرة من الآبار، بينما اعتمد المواطنون في القرى على إنشاء خزانات أرضية أسمنتية من أجل تخزين مياه الأمطار الموسمية، واستغلالها للشرب والاستعمال اليومي طوال العام.
وتشكل أسعار المياه تحديًا للمواطنين؛ إذ يصل سعر صهريج المياه المخصصة للاستعمال اليومي، والذي يتسع لحوالي 10 آلاف لتر إلى 25 دولار في المدن والأماكن القريبة من الطرق والخدمات؛ فيما تصل أسعار المياه الصالحة للشرب إلى أكثر من دولار لكل 50 لترًا بحسب مواطنين، أما الطبقات الفقيرة وذوو الدخل المحدود فيعانون الأمرّين في البحث عن المياه؛ فيلجؤون للمنظمات المعنية بتوفير المياه أو لفاعلي الخير الذين يقدمون “مياه السبيل”، والتي عادة ما تشهد ازدحامًا كبيرًا.
ونصيب الفرد من المياه العذبة في اليمن فهو 65 مترًا مكعبًا سنويًا، وهى النسبة الأقل عالميًا؛ بينما المعدل العالمي يشير إلى 7500 متر مكعب حسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة في العام 2020، ويفتقر أكثر من 11 مليون يمني لمياه الشرب النظيفة.
وفي السنوات العشر الماضية، عانت مناطق كثيرة من بينها العاصمة صنعاء وتعز ذات الكثافة السكانية العالية، من قلة الأمطار وشح المياه الجوفية، والذي تسبب في قلة المحاصيل وجفاف بعض المناطق، غير أن الوضع تغير وعاد هطول الأمطار في تلك المناطق خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وبشكل كبير وغير مسبوق لاسيما هذا الموسم.
ويقول الباحث معاذ الشرعبي “إن وقوع اليمن ضمن المنطقة الجافة وشبة الجافة، أمرٌ يجعل هطول الأمطار قليلًا وموسميًا، وهو ما جعل اليمن تعاني من قلة المياه والجفاف منذ سنوات طويلة”، ويشير في حديثه لـ “مواطن” إلى أن ارتفاع نسبة الأمطار في السنوات الأخيرة ناتج عن تغيرات المناخ الذي يشهده العالم، والذي ستتأثر به اليمن، وهي ليست حالة طبيعية.
ويوضح الشرعبي إلى أن الأمطار تهطل في اليمن في موسمي الربيع (مارس- مايو)، والذي يعرف محليًا بموسم الصيف، ويحدث تحت تأثير منطقة التجمع للبحر الأحمر، أما الموسم الثاني فيكون في الصيف (يوليو -أغسطس) ويعرف محليًا بموسم الخريف، وتتكون أمطار هذا الموسم تحت تأثير منطقة التجمع الاستوائي، ويجب استغلال هذه المواسم من الحد من مشكلة الفقر المائي.
أين تذهب مياه الأمطار؟ وكيف الاستفادة منها؟
تحيط مدينة صنعاء مرتفعات جبلية من كافة الاتجاهات؛ ما يجعلها مدينة مهددة بالغرق بفعل السيول التي تأتي من تلك المرتفعات، وقد أنشئ مشروع تصريف للسيول في ثمانينيات القرن الماضي بصنعاء، وهو عبارة عن سائلة تفصل صنعاء القديمة عن المدينة الحديثة بطول يصل إلى 3.300 متر تقريبًا، ويتم تصريف معظم المياه القادمة إلى المدينة إلى تلك السائلة، ومنها تخرج المياه إلى خارج صنعاء وصولًا إلى صحراء الجوف، والتي تبعد عن صنعاء حوالي 135 كيلومترًا، ولا يتم الاستفادة من تلك المياه في شيء.
وبشكلٍ عام؛ فإن مياه الأمطار في اليمن تذهب إلى أماكن بعيدة ولا يتم الاستفادة إلا بجزء بسيط منها في الزراعة وتغذية المياة الجوفية عبر حواجز مائية كبيرة منتشرة في أماكن عدة.
يصل سعر صهريج المياه المخصصة للاستعمال اليومي، والذي يتسع لحوالي 10 آلاف لتر إلى 25 دولار فيما تصل أسعار المياه الصالحة للشرب إلى أكثر من دولار لكل 50 لترًا
وتعتبر الحواجز المائية، أو ما يطلق عليها محليًا السدود، تجربة ناجحة من أجل استغلال مياه الأمطار والانتفاع بها طوال العام، وقد وصل عدد السدود والحواجز المائية في اليمن إلى 347 حاجزًا في كافة أنحائها، بناءً على تقرير النظام العالمي للمعلومات حول المياه والزراعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، لكن مهمة هذه الحواجز في الأغلب هي تغذية المياه الجوفية، وتستخدم للري في بعض الأحيان فقط، ولم يتم استغلال تلك الحواجز لأي مهام أخرى، ومن ناحية أخرى فإن معظم تلك الحواجز أصبحت متهالكة وتهدد المواطنين بالغرق؛ إذ إنها لم تخضع للصيانة منذ أكثر من 10 سنوات.
وفي وقتٍ سابق كانت الحكومة اليمنية قد رسمت خطة تهدف إلى إدارة الموارد المائية بشكل فعال، وجمع مياه الأمطار عبر بناء حواجز مائية وسدود صغيرة، وتوفير أنظمة جمع المياه داخل البيوت أو فوقها، وتعتبر الخطة منطقة حوض صنعاء الهدف الأول لها نظرًا للحالة المزرية لحوضها، والتي تصل نسبة التناقض فيه إلى 5% سنويًا، وكانت تهدف إلى جمع 70% من مياه الأمطار بحلول العام 2012، وتهدف إلى الوصول إلى 100% من تجميع مياه الأمطار بحلول العام 2022، غير أن المشروع توقف بسبب أحداث ثورة 2011 والحرب والحرب المشتعلة في البلاد.
في الصدد يقول البنك الدولي إن تجميع مياه الأمطار في اليمن قد يكون حلًا دائمًا لشحّ المياه في البلاد، وقد ساهم البنك الدولي عبر مشروعه الطارئ للاستجابة للأزمات في اليمن في إنشاء 1279 خزانًا من الخزانات العامة، وحوالي 30 ألف خزان منزلي لتجميع مياه الأمطار في عموم اليمن، ما يعني توفير حوالي 900 ألف متر مكعب من المياه النظيفة من الأمطار.
وقد لجأ المواطنون في القرى اليمنية والأماكن النائية إلى بناء خزانات مائية صغيرة تعتمد على تجميع مياه الأمطار من أسطح المنازل؛ إذ وصلت كثير من القرى إلى الاكتفاء الذاتي من المياه عبر هذه التقنية، ويرى مختصون أنها تقنية ناجحة يمكن من خلالها حل مسألة الفقر المائي في اليمن.