سيدات يرقصن ويتمايلن على نغمات الأغاني بالحفلات المقامة في المملكة العربية السعودية، وأخريات يظهرن من دون حجاب أو نقاب، مشاهد تثير الحنق والغضب والغيرة في الكثير من الأوقات داخل سيدات كتب عليهن إلا يغادرن منازلهن بسبب عادات قبائلهن.
تحكي ليلى؛ فتاة سعودية من مدينة الرياض: “دمر أبي وأخي حياتنا أنا وشقيقتي بعد تخرجنا في الجامعة ؛ حيث وضعا لنا قائمة من الممنوعات”، وكانت الممنوعات التي لا يجب أن تفعلها أي من الشقيقتين، العمل والخروج من المنزل وقيادة السيارات، وتضيف أن هذه القائمة كانت الطريق إلى الاكتئاب.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ “فذات مرة حدث شجار بيني وبين أبي، تم تهديدي فيه بالسكاكين، ووصلات سب وقذف” حسبما قالت ليلى، وكان السبب في ذلك طلبها أن تبحث عن عمل بعد تخرجها.
ختمت حديثها مؤكدة أن أقصى أمنية تطمح لها الآن، أن تخرج من المنزل، وأن تعيش مثل النساء الأخريات، وتتمتع بما جد من مكتسبات لنساء المملكة”.
وقالت هدى، وهي واحدة من معتقلات المنازل السعوديات، “أنا من الجوف، وعمري 26 عامًا، زوجة ثانية، أتعرض كل يوم للضرب على قدمي، أعيش حبيسة بين جدران المنزل، حرمت من الدراسة وتزوجت بالإكراه، وممنوع عني أي شيء حتى التلفاز”.
وتضيف: “فقدت القدرة على الحلم بعد أن أدركت ما ينتظرني، وما لم أكن أدركه بطفولتي أبدًا، هو أنني سأعيش حبيسة الجدران ولن أرى الحياة؛ فبعد انتهاء الدراسة الثانوية، أصبح ممنوع عليّ الخروج من المنزل، وإكمال الدراسة أو العمل، وتم إلزامي بالنقاب”.
وتكمل: “مع كل مرة أخرج بها من المنزل، كانت الشكوك تثار حولي، وأتعرض لاتهامات مخلة بالشرف، من مبدأ الحديث القائل (العورة إذا خرجت استشرفها الشيطان)“.
وتستطرد: “يتم التعامل مع المرأة في المنع بالدين والتقاليد، حتى وإن كانت هناك نصوص قانونية تحاول أن تساعد المرأة؛ فالدين به نصوص مثل (وقرن في بيوتكن)، وهذا مبرر ليتم حبسنا”.
الشارع مجال ذكوري، ولا يجب على أن النساء الخوض فيه؛ فطبقًا للثقافة التراثية لدى العرب، من خارج البيوت هن عاملات الدعارة والجواري.
بينما تحكي العنود، 19 عامًا: “رفض أهلي أني أحصل على قسط من التعليم، وتزوجت وأنا في الثانية عشرة، زوجة ثالثة لرجل لا أعرفه، وبعد زواجي اكتشفت أن لديه 12 فتاة، كلهن من معتقلات المنازل، وجميعهن أميات، ولا يخرجن من المنزل إلا يوم زفافهن فقط”.
وأضافت أن لديها ابنتين وولدًا من زوجها، ولم تتلق الفتيات أي مستوى من التعليم، وينتظر والدهن أن يكملن التسع سنوات حتى يقوم بتزويجهن.
وكانت من بين الحالات التي تعاني الهلع والخوف بسبب ما رأته من والدها بشقيقتها؛ فتاة سعودية، تدعى لجين، كشفت لمواطن، عن إيداع والدها لشقيقتها بدار رعاية، لأنها حاولت التمرد على حبسها بالمنزل، ليقوم الأب برفع بلاغ ضد نجلته، وهو ما يسمى “بدعوة العقوق”، لتقطن بدار الرعاية لمدة 10 سنوات.
تعيش لجين في مدينة الرس، وتبلغ من العمر 19 عامًا، وأكدت أن أسرتها تنتظر تزويجها حتى يتم الخلاص منها، وأنها لم تر الطريق منذ 4 سنوات.
أما سارة؛ فاعتادت على الضرب بالسوط من والديها، كما أنه غير مسموح لها الخروج من المنزل، يتم معاملة أشقائها الذكور أفضل منها، حتى إن بيت الراحة له مواعيد خاصة، وغير مسموح لها بالذهاب إليه بأي وقت، حتى يكون متاحًا للإخوة الذكور أطول وقت.
وتحكي: “أن ما يراه الجميع عبر الشاشات ليس له أي علاقة بما نعيشه من حياة قهرية ومعذبة كفتيات، على عكس الرقص وخلع الحجاب وما شابه ذلك أمام الشاشات؛ فأهالينا يعيشون وفق ما تربوا عليه من سنوات ولا يوجد من ينقذنا”.
القبلية، في مواجهة الانفتاح
مع حكايات “معتقلات المنازل”، والتي تقطن خلف الأبواب، أكدت جميع الفتيات أن جميع الأحداث التي مرت وتمر بهن بدأت ما قبل الانفتاح السعودي، وهو مستمر حتى تلك اللحظات اللاتي تحدثن بها دون أي تحرك من الدولة تجاه ما يحاولن إيصاله.
ودشنت العديد من الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمعتقلات المنازل، والتي جاءت بدايتها منذ عامين عبر موقع تويتر، وقامت بتأسيسها مواطنة سعودية، تم اعتقالها بسبب هذه الحملة.
وهاجمت بعض المقالات الصحفية السعودية الحملة مُدعية أنها حملات مغرضة، تعمل على تشويه صورة المملكة، مستشهدة بانتهاكات حقوقية ضد المرأة في الغرب حسب زعمهم.
وجاءت الإجابة بأن، “هناك الكثير من الأسر المحافظة في السعودية، هناك الكثير من العائلات المختلفة في فهمها وعاداتها بالداخل؛ فبعض العائلات تحب أن تكون لها سلطة مطلقة على أفرادها، وبعض النساء لا يرغبن في سيطرة الرجال عليهن، هناك عائلات تعتبر هذا أمرًا جيدًا، وهناك عائلات منفتحة وتتيح للنساء والبنات حرية أكبر فيما يُردن”.
وختم: “لذا إذا قلت نعم، على هذا السؤال فهذا يعني أنني أخلق مشاكل للعائلات التي لا تريد إعطاء الحرية لبناتها”.
وصف تقرير منظمة العفو الدولية، السعودية بأنها ترسخ نظام التمييز القائم على النوع الاجتماعي في معظم جوانب الحياة الأسرية، ويذكر التقرير أن السلطات أخفقت في اقتلاع نظام وصاية الرجل من جذوره.
وتعقب لمواطن ناشطة حقوقية سعودية فضلت عدم ذكر اسمها: “إن محاولات الدولة للانفتاح تواجه بالعديد من العادات والتقاليد المجتمعية التي ترسخت داخل المملكة، وأدت إلى جعل ما يتم من إصلاحات يمر على نساء السعودية على أنه وهم وليس حقيقيًا”.
وأضافت الناشطة بحكم عملها السابق في تأهيل ومساعدة الفتيات المعتقلات بالمنازل: “تأهيل الفتيات يتم بالتوعية ومشاهدة قصص صارت لأخريات كتجارب، كما أنهن يلجأن إلينا مصابات بالاكتئاب، وبعضهن بالذهان، وأخريات بـ “تروما”، وأصيبت أخريات بالصدمات ومعاداة الرجال، وأصبحت البعض منهن لا جنسيات، بالإضافة إلى إصابتهم بالاكتئاب الحاد نتيجة ما تعرضن له من تهديدات”
وتكمل “تعاملنا معهن بالرفق والمحبة، وقمنا بمساعدتهن والنشر عنهن عبر مختلف حسابات أعضاء المنظمة في نفس الوقت، كما أننا نتابع الحالة ونذّكر بالقصة كل وقت، حتى بعد إطلاق سراحها كتذكار عن اضطهاد تتعرض له بعض النساء في عهد الإصلاحات في المملكة”.
وفي هذا الشأن قالت رنا أحمد، حقوقية سعودية، إن حال المرأة في السعودية لم يتغير كثيرًا، ولكن هذه المرة ليس بسبب النظام وحده؛ بل بسبب الأسر التي اعتادت قهر النساء وتحديد مصيرهن وكأنهن بلا عقول.
وأضافت لمواطن: “كوني مواطنة سعودية وغادرت البلاد منذ عدة سنوات، وأسست منظمة متخصصة في مساعدة اللاجئين، أتلقى الكثير من الشكاوى وطلبات الدعم من داخل المملكة، بسبب ما يتعرضن له السعوديات من أسرهن”
وتكمل، على الرغم من حالات الانفتاح الظاهرة أمام العالم؛ إلا أن الأسر السعودية لا زالت تسيطر على بناتها وكأنهن ملكية احتكارية، ولا زالت ترفض أن تخرج الفتيات للعمل والتعليم؛ وخاصة في المدن التي تبتعد عن الرياض وجدة – المدن التي أصبحت سياحية حاليا-“.
وتختم رنا: “إن الفتيات اللاتي يتواصلن مع المنظمة يكن مصابات بانتهاكات نفسية متعددة، جراء ما يتعرضن له من قهر وعزلة عن العالم؛ فقد تعاملت مع فتيات لم يرين الطرقات إلا نادرًا، وهذا يحدث كثيرًا رغم ما نراه حاليًا من انفتاح يتم الترويج له داخل المملكة.
وعلق على الاختلاف بين موقف الدولة وما يصير بأرض الواقع، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور منيف نايف، لمواطن، بأنه لا يمكن إنكار حقيقة وجود معتقلات منازل بالمملكة العربية السعودية، ولكن ليست هن الغالبية العظمي حاليًا داخل أرض الواقع.
على الرغم من سلطة ثقافة القبيلة؛ إلا أنه يبقى هناك دور هام يقع على عاتق الحكومة السعودية في مساعدة هؤلاء اللاتي لا ذنب لهن، إلا شيوع ثقافة تقضي حبسهم داخل المنازل.
مُضيفًا أن المجتمع تغير كثيرًا خلال الـ7 سنوات الماضية، ولكن هناك بعض الأسر التي لا زالت تعيش بشكل قبلي بناء على ما عاشت به السعودية سنوات طويلة ماضية.
وأشار إلى أن مدينة الرياض -على سبيل المثال-، أصبح بها قطاعات متعددة يشغلها 80% من النساء؛ مثل البنوك والمطاعم والكافيهات والسينمات وغيرها، ولكن هناك أيضًا بعض المناطق التي لا زالت تعيش بقبلية، لكن قليلة، وهو ما لن يتغير بين عشية وضحاها، وتسعى الدولة إلى تغييره ولكن لن يتم بشكل جذري في فترة قصيرة.
على الرغم من الانفتاح، ترسخ المملكة لقوامة الذكور
وصف تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر في 2023 عن السعودية، بأنها ترسخ نظام التمييز القائم على النوع الاجتماعي في معظم جوانب الحياة الأسرية، ويذكر التقرير أن السلطات أخفقت في اقتلاع نظام وصاية الرجل من جذوره؛ لا بل كرّسته في قانون، مخاطرةً بذلك بتقويض المكاسب المتواضعة المحققة أخيرًا. حسبما جاء بالتقرير.
ويحصر القانون السعودي الوصاية على الرجال، كما يجب أن تحصل النساء على رضى الوصي القانوني، إلا أن ضمانات عدم الإكراه على الزواج ليست فعالة؛ فلا القانون يقدم أي توضيح بشأن معنى الرضا، أو كيفية الحصول عليه، كما لا يحق للمرأة اختيار الوصي عليها؛ فهناك تراتبية محددة تنتقي الذكور من أهلها تباعًا، وصولاً إلى وصاية المحكمة انتهاءً، وهي كيان آخر واقع تحت هيمنة الذكور.
أيضًا هناك تقنين لأمور وصفتها منظمة العفو، بأنها تعزز الأدوار النمطية للجنسين، وقائمة على التمييز ضد المرأة؛ مثل مطالبات الطاعة الزوجية، والتي تعزز الهيمنة القانونية ضد الزوجات.
وتعزو الباحثة الاجتماعية فاطمة مرنيسي في كتابها “ما وراء الحجاب”، ظاهرة احتكار رجال البدو للشوارع والنساء للبيوت، إلى عادات عربية قديمة، قامت على أن الشارع مجال ذكوري، ولا يجب على أن النساء الخوض فيه؛ فطبقًا للثقافة التراثية لدى العرب، من خارج البيوت هن عاملات الدعارة والجواري.
وهو ما يستند بدرجة ما على أساس ديني إلى جانب الأساس الثقافي، اعتمادًا على فكرة “وقرن في بيوتكن”، ما جعل بعض المسلمين يعتقدون أن النساء ربات الخدور، ويجب عليهم الحفاظ على بناتهم وزوجاتهم داخل تلك الخدور.
إلا أن ما يبدو تراثيًا، أصبح غير صالح مع حياة حداثية، تذهب فيها المرأة للتعليم والعمل وفي ظل خطط تمكين، وقوانين وحملات تقر بالمساواة بين الجنسين، وعلى الرغم من سلطة ثقافة القبيلة؛ إلا أنه يبقى هناك دور هام يقع على عاتق الحكومة السعودية في مساعدة هؤلاء اللاتي لا ذنب لهن، إلا شيوع ثقافة تقضي حبسهم داخل المنازل.