أعلنت دولة الكويت في 22 سبتمبر/أيلول الماضي عن توقيعها على سبع اتفاقيات مختلفة، للتعاون في تنفيذ عدد من المشروعات الحيوية مع جمهورية الصين الشعبية، وذلك خلال زيارة وليّ العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى بكين، برفقة وفد رسمي من أعضاء الحكومة الكويتية، بعد دعوة وجهها إليه الرئيس الصيني شي جين بينغ، لحضور حفل افتتاح الدورة الـ 19 للألعاب الأولمبية الآسيوية، التي تستضيفها بلاده (من 23 من سبتمبر/أيلول إلى 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023).
وأجرى وليّ عهد الكويت قبل توقيع الاتفاقيات مع الجانب الصيني، مباحثات مع الرئيس شي جين بينغ، تناولت استعراض العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتنميتها في مختلف المجالات، كما تطرقت إلى “التشاور والتنسيق حول أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك، وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية”، وتأكيدهما على “رغبة الجانبين بدعم التعاون الثنائي على كافة الأصعدة وتطويره في مختلف الميادين”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
وقالت “كونا”: “إنه بحضور وليّ العهد الكويتي والرئيس الصيني، جرى توقيع 7 اتفاقيات مشتركة بين البلدين، وقع عليها الوزراء والمسؤولون المختصون من كل جانب، وكانت أولى هذه الاتفاقيات، توقيع “بيان مشترك بشأن الخطة الخمسية للتعاون الثنائي بين البلدين، للسنوات 2024-2028”.
أما ثاني الاتفاقيات، كان توقيع “مذكرة تفاهم للتعاون بشأن المنظومة الخضراء منخفضة الكربون لإعادة تدوير النفايات”؛ فيما كان ثالثها توقيع “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال البنية التحتية البيئية لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي”.
وجاء رابع الاتفاقيات، بالتوقيع على “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال منظومة الطاقة الكهربائية وتطوير الطاقة المتجددة”؛ بينما جرى توقيع خامس الاتفاقيات، على “مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مشروع ميناء مبارك الكبير”.
وكان سادس الاتفاقيات بين البلدين، التوقيع على “مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية”، وأخيرًا التوقيع على “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التطوير الإسكاني”.
ما تم توقيعه مذكرات تفاهم وليست اتفاقيات، هي مذكرات تفاهم تسبق الاتفاقيات الرئيسية في المشاريع المختلفة
وعلى هامش توقيع الاتفاقيات الكويتية الصينية، قال نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي ووزير النفط ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار سعد البراك، وهو على رأس الوفد الحكومي المرافق لوليّ العهد، في تصريح رسمي، إنه بدأ التحضير إلى هذه الزيارة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك “استثمارًا لهذا اللقاء المهم بين القائدين، للعمل على تطوير الكويت بناءً على الأساسيات الأولى في خطة 2035”.
ولفت “البراك” إلى أنه جارٍ العمل على تطوير خطة الكويت 2035 “لتصبح خطة 2024-2040″، وأضاف: “لذلك شهدنا اليوم (22 من سبتمبر) توقيع 7 اتفاقيات في مجالات التعاون مع الصين مرتبطة بمشاريع كبرى”، وأكّد أنه يتبع توقيع مذكرات التفاهم، البدء ” بالمشاريع والتفاوض على التفاصيل والتنفيذ”.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان في حديث مع “مواطن“، أن “ما تم توقيعه مذكرات تفاهم وليست اتفاقيات، بمعنى أنها ليست اتفاقيات لمباشرة تنفيذ أعمال أو إنجاز مشاريع”، وأضاف: “هي مذكرات تفاهم تسبق الاتفاقيات الرئيسية في المشاريع المختلفة؛ من بنية تحتية ومن اتصالات وغيرها من العديد من الأمور”.
وأشار إلى أن “الصين اليوم بعد سلسلة رفع الفائدة التي حدثت في أغلب دول العالم المتقدم، والذي بناءً عليه ترى انخفاض الطلب على المنتجات الصينية على مختلف أنواعها، وهذا ما يجعلها تحرص على فتح أسواق جديدة”.
ويبيّن “رمضان” أن توقيت إعلان مذكرات التفاهم “مناسب للبلدين”، واستطرد قائلًا: “مناسب للصين لأنها تبحث عن أسواق جديدة، ومناسب للكويت، لأن لديها رغبة حقيقية في إنجاز هذه المشاريع (مذكرات التفاهم)، والذي عبّر عنه توقيع هذه المذكرات على مستوى عالٍ جدًا (بحضور وليّ العهد الكويتي)”.
وشدد على أن فائدة الكويت من توقيع مذكرات التفاهم مع الصين، تكون على مستوى خطط التنمية، وذلك “في دمج خطط التنمية الجديدة والمشاريع التي تتضمنها، مع مذكرات التفاهم هذه للتسريع في إنجازها”، ولفت أنه “هذا هو الأساس في هذه العملية”.
ويؤكد رمضان أن الحكم على نتائج الاتفاقات الكويتية الصينية ما زال مبكرًا، واصفًا بحذر “الحكم المبدئي” على أنها “توجه جيد”، وأضاف: “بانتظار الاتفاقيات التي تنبثق عن مذكرات التفاهم هذه، وعلى أساسها تتضح الأمور بشكل أكبر”.
واعتبر السفير الصيني في الكويت، تشانغ جيانوي، خلال مؤتمر صحافي، عُقد في 13 من سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أسبوع من موعد زيارة وليّ العهد الكويتي إلى بلاده، أن الزيارة “تشكّل دفعة كبيرة للعلاقات الثنائية، وتعزيزًا للتعاون بين البلدين الصديقين”، وأكّد أن الصين “تولي اهتمامًا بالغًا بالمشاركة في أعمال البنية التحتية، والمشاريع الكويتية الكبيرة”.
وقال السفير الصيني: “الكويت تتمتع بموقع جغرافي مميز، وقد طرحت في السنوات الأخيرة “رؤية كويت جديدة 2035″، التي تسعى إلى تطوير اقتصاد متنوع ومستدام، وهو ما يتوافق بشكل كبير مع استراتيجية مبادرة الحزام والطريق (الصينية)”، وتابع: “الصين تنظر دائمًا إلى الكويت كشريك مثالي وطبيعي في البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق؛ إذ يتمتع البلدان بتكامل اقتصادي قوي ومفاهيم تنموية متشابهة”.
من جانبه، قال نائب رئيس الجمعية الاقتصادية الكويتية والمرشح السابق لانتخابات مجلس الأمة (البرلمان)، محمد بدر الجوعان في حديث مع “مواطن“، أن “الصين ليست هي العصا السحرية التي يمكنها أن تنجز ما تعطل أو تعثر (من المشاريع)، طالما أن أعمال التطوير المعماري والبنية التحتية لم تترافق مع الإصلاحات التي تحد من الهدر والفساد، وعدم التباطؤ في إنجاز ما هو واجب”.
وتابع: “التعويل على توفر الأموال من جانب الكويت أو المساهمات من جانب الصين، شيء، ووضع الإطار التنظيمي والقانوني لإدخال المشاريع المعطلة في إطار التنمية شيء آخر، وهو مما يتطلب تعاونًا وتجاوبًا متبادلًا بين الحكومة والبرلمان”.
ويشير “الجوعان” إلى أن “تعثر المشاريع التنموية في الكويت ليس بسبب قلّة الوسائل وشحّ التمويلات، بقدر ما هو نتيجة للصراعات التي لا يمكن اختزالها فقط في الخلافات المتواصلة بين الحكومات والبرلمانات، ولكن أيضًا في التنافس الحاد أحيانًا بين أفراد وأجنحة داخل الأسرة الحاكمة”، وأضاف: “كما لا يعمل نوّاب مجلس الأمة الكويتي فقط وفقًا لتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية وانتماءاتهم الطائفية والقبلية، ولكن أيضًا وفق ولائهم لهذا الشق أو ذاك من أجنحة أسرة الحكم”.
وأكّد على أن “الأوضاع السياسية الساخنة في الساحة المحلية بين الحكومة ومجلس الأمة، هي التي أدت إلى تأخير المشاريع الحكومية الواردة في الرؤية (كويت 2035)”، وأن “عرقلة المشاريع يتعديان مجرد الصراع الحكومي النيابي، إلى صراعات أعمق بين أجنحة الأسرة الحاكمة في الكويت”.
وعن تمديد الحكومة الكويتية خطة 2035 لتُصبح إلى 2040، قال الجوعان إنها “جاءت تعويضًا عن التأخير وتعثر الإنجاز”، وأن “الحكومة تعاملت بمنطق الواقع”، وتابع: “أتوقع أن تُمدد الخطة إلى عام 2050، ما لم تكن هناك إصلاحات شاملة”.
كما أكّد الجوعان على أن “حاجة الكويت إلى إنجاز المشاريع المتعثرة يجب ألا يقتصر على الاتكال على الصين في إنجازها”، وأضاف: “بالنظر إلى المشاريع المزمعة، قد تُنجز من الناحية المعمارية، إلا أن ذلك لا يكفي لتوظيفها في خدمة التنمية الاقتصادية، التي تتطلب إصلاحات للحد من الفساد، والترهل الإداري، وبطء التعاطي مع المتغيرات”.
وأشار إلى أن عناوين مذكرات التفاهم مع الصين “تكفي بحد ذاتها للإشارة إلى مدى شمولية وحجم القصور في برامج التنفيذ للمشاريع التنموية”، مضيفًا أن “سقف الانطباعات في الكويت تجاه مذكرات التفاهم ظلّ منخفضًا، بالنظر إلى أن المشاريع غير المنجزة كثيرة، إلى حد أنها تكاد تشمل كل مجال من مجالات التطوير، والعشرات من المشاريع التي ما تزال نسب الإنجاز فيها محدودة، قياسًا بالمدى الزمني المتاح لإنجازها بالفعل”.
ويطرح “الجوعان” أمثلة على المشاريع المتعثرة التي كان يتعين إنجازها خلال العام المقبل، وهي:
- برنامج تطوير منظومة سوق المال، الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 25 في المائة.
- مشروع محطة الخيران، الذي بلغت نسبة الإنجاز في المرحلة الأولى 40 في المائة.
- مشروع محطة الزور الشمالية، الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 54 في المائة”.
وأضاف: “أما المشاريع المقدرة للسنوات ما بين 2025 و2027؛ فهناك العشرات منها تبلغ نسب الإنجاز فيها معدلات أدنى، إلى حد أن بعضها لا تتجاوز نسبة 3% “.
تعثر المشاريع التنموية في الكويت ليس بسبب قلّة الوسائل وشحّ التمويلات، بقدر ما هو نتيجة للصراعات التي لا يمكن اختزالها فقط في الخلافات المتواصلة بين الحكومات والبرلمانات، ولكن أيضًا في التنافس الحاد أحيانًا بين أفراد وأجنحة داخل الأسرة الحاكمة
كما شهدت زيارة وليّ العهد الكويتي إلى الصين، استقباله في مقر إقامته في مدينة “هانغتشو” الصينية، كبار رؤساء شركة “هواوي”، والذي أكّد وزير التجارة والصناعة الكويتي، محمد العيبان في تصريح رسمي أدلى به عقب اللقاء، على أنه “كان مثمرًا للغاية”.
ولفت العيبان، إلى أن وليّ العهد خلال اللقاء “حرص على موضوع التحول الرقمي، وإنهاء الاستعمال الورقي والمعاملات الورقية؛ لا سيما في الدوائر الحكومية”، ولفت أيضًا إلى “بيان المجالات التي تحتاجها الكويت”، وأشاد بمشاريعهم السابقة في البلاد، و”التي أنجزتها (هواوي) بنجاح كبير”، ودعاهم إلى “الاستمرار في تقديم خدماتهم وتقنياتهم لحكومة دولة الكويت، واعدًا إياهم بتذليل العقبات التي قد تواجههم في هذا الإطار”.
وتُعتبر زيارة وليّ عهد الكويت إلى الصين، الزيارة الرسمية الأولى من نوعها بأعلى مستوى تمثيلي، منذ تقلّد أمير الكويت الحالي، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، مقاليد الحكم أواخر سبتمبر/أيلول 2020؛ حيث تعود آخر زيارة لأمير الكويت السابق، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، كانت خلال صيف عام 2018.
بينما يُعدّ لقاء وليّ العهد الكويتي مع الرئيس الصيني هو الثاني من نوعه، بعد اللقاء الأول الذي جمعهما في ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال انعقاد القمة الخليجية – الصينية، في العاصمة السعودية الرياض، والذي تلقى من خلاله دعوة الرئيس الصيني لزيارة بلاده، حسبما أكّد الوزير الكويتي سعد البراك.
وقضى مرسوم أميري صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، باستعانة أمير الكويت، بوليّ العهد “لممارسة بعض الاختصاصات الدستورية للأمير وبصفة مؤقتة”، وبذلك تشمل صلاحياته العديد من المسائل السيادية التي تقع ضمن صلاحيات الأمير الدستورية نيابةً عنه.
يُذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين والكويت قد بلغ 31.48 مليار دولار خلال عام 2022، بزيادة سنوية قدرها 42.3%، وتعتبر الكويت “سابع” أكبر مصدر لواردات النفط الخام إلى الصين، التي استوردت خلال نفس العام 33.28 مليون طن من النفط الخام، بزيادة سنوية تعادل 10.34%.
وتُعتبر الصين بالنسبة إلى الكويت أكبر شريك تجاري في المجال غير النفطي، كذلك تُعدّ الكويت أكثر دولة عربية قدمت إلى الصين قروضًا ميسرة، بلغ مجملها منذ عام 1982 نحو مليار دولار، وأول بلد عربي استثمر في الصندوق السيادي الصيني، بنحو 10 مليارات دولار منذ عام 2005، كما تعمل 60 شركة صينية في الكويت شاركت في أكثر من 80 مشروعًا حيويًا داخل البلاد.
وكانت الكويت أول دولة خليجية أقامت علاقات رسمية كاملة مع الصين في مارس/آذار 1971؛ فيما كانت الصين قد اعترفت باستقلال الكويت فور إعلانها عام 1961، وشهد عام 1965 أول زيارة رسمية في تاريخ البلدين، عندما زار الصين أمير الكويت السابق، الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وكان حينها يتولى منصب وزير المالية.
وتطورت العلاقات الكويتية الصينية خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديدًا بعد تحرير الكويت من غزو العراق عام 1991؛ خاصة بعد اتخاذ الصين موقفًا مناصرًا للكويت ضد الغزو العراقي، كما شاركت في عمليات إطفاء حرائق آبار النفط التي تسببت بها قوات الجيش العراقي.
وشهد البلدان خلال العقود الأخيرة بعد تحرير الكويت، أكثر من 20 زيارة رسمية متبادلة، بينما تبادل البلدان 4 زيارات فقط خلال الأعوام من 1965 إلى 1989، منها زيارتان على مستوى رئيس مجلس الأمة؛ الأولى في عام 1974 لخالد صالح الغنيم، والأخرى عام 1984 لمحمد يوسف العدساني.