لا يوجد موقف أصعب من أن تعلق امرأة في المحاكم، دون بت في طلب تطليقها، سنوات وسنوات في المحاكم دون وجهة واضحة سوى تأجيل وتأجيل واستمرار نفس الوضع، أو امرأة أخرى تعيش مماطلات حول حقوق النفقة والحضانة قضايا قديمة جديدة، دائمًا تعاد الكارة نفسها وتثار كل فترة بالبحرين.
وعقب إعلان الاتحاد النسائي البحريني مؤخرًأ العمل على تشريع جديد لقانون الأسرة بالبلاد، نشأت حالة جدل واسعة بين مؤيد ومعارض، ودعت مؤسسات حقوقية ومدينة إلى مشاركة مجتمعية على نطاق واسع لتعديل القانون، بينما هاجمت قيادات ومنصات دينية المقترحات واعتبرتها محاولة لتمرير نصوص خارج الإطار الفقهي.
كما أطلق الاتحاد النسائي البحريني حملة للمطالبة بتعديل مواد قانون الأسرة رقم 19 لسنة 2017، المتعلقة بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة في الشقين السني والجعفري، بهدف تحقيق العدالة للنساء تمكينهم من الحصول على حقوقهن، وانتشر وسم #تعديل_قانون_الأسرة عبر منصة إكس، حاملًا آلاف التعليقات حول الثغرات في القانون الحالي، والتي تعيق منظومة العدالة وتتسبب في ظلم النساء.
"الدراسات القانونية لمواد القانون الذي يقع في (141) مادة، تبين أن عددا كبيرا من المواد ينتقص من حقوق المرأة ويضعها في منزلة قانونية أدنى من الزوج، بعيدا عن مفاهيم العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية الواردة بالدستور"
تعديل قانون الأسرة، لماذا؟
ولا يسمح القانون الحالي بشقيه السني والجعفري للنساء بتطليق أنفسهن، كما لا يتيح لهن حق الخلع، إلا بموافقة الزوج، مع اشتراط دفع مبالغ مالية للزوج، كذلك تواجه النساء ضغوطًا فيما يتعلق بالحصول على النفقة وحضانة الأبناء، فضلًا عن اشتراط عدم عمل المرأة إلا بإذن زوجها وعلمه، أو الاشتراط في عقد الزواج.
وتقول رئيسة الاتحاد النسائي البحريني أحلام رجب لمواطن، “منذ البدء بتطبيق القانون رقم 19 لسنة 2017، لوحظ أن به العديد من الثغرات التي ظهرت من خلال عدد من المتضررات، اللاتي لجأن للاتحاد النسائي البحريني تارة، وتواصلن معنا طالبات العون والمساعدة والدعم القانوني، أو للجهات الرسمية الأخرى في البلاد”.
وتوضح أن أكثر طلبات العون هذه، بين ما يتعلق بحالات الطلاق للضرر والخلع والبذل المطلوب لإتمام التطليق، وكذلك اختلاف سن حضانة الأطفال في المذهبين السني والجعفري، وإرجاع المطلقة في حالات الطلاق الخلعي -العدة- بدون موافقتها، وكذلك التطليق التعسفي، وغيرها العديد من المحاور.
أما الحقوقية البحرينية فريدة غلام، فترى أن السبب الأوسع والأقدم لطلب التعديلات، هو اعتبار قانون الأسرة البحريني رقم (19) لسنة 2017 الزوجة كمواطن من الدرجة الثانية في مواد عديدة.
وتضيف لمواطن: “الدراسات القانونية لمواد القانون الذي يقع في (141) مادة، تبين أن عددا كبيرا من المواد ينتقص من حقوق المرأة ويضعها في منزلة قانونية أدنى من الزوج، بعيدا عن مفاهيم العدالة والمساواة والمواطنة المتساوية الواردة بالدستور، وعن مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومة كما، أنه يكرس التمييز ضد النساء في مجال الأسرة وفقا للمذهب”.
المرأة البحرينية.. بين شعارات التمكين، وتعنت القانون
وتتصدر البحرين سجلات الدول الخليجية في ملف دعم وتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا، وكانت في مقدمة الدول الخليجية الموقعة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في 2002، وتبنيها الهدف الخامس من وثيقة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة القاضي بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، كما ينص دستور 2002 على المساواة في الحقوق السّياسية للمرأة والرَّجل في البحرين ليكون الأول في الخليج الذي يعطي المرأة هذا الحق.
"السلطات تحت نارين، نار الناشطين والناشطات الداعين لتغيير القانون وإلزام القضاة بالتطليق، ونار رجال الدين ومن يتبعهم في المجتمع الداعين للالتزام بالشرع الجعفري"
وعلى الرغم من أن المرأة البحرينية حظيت بالسبق خليجيًا في مجالات التعليم السياسة والاقتصاد والإدارة والعدل، إلا أنها لم تراوح مكانها أو مازالت تخطو ببطء في مطالباتها لتعديل ثالوث القوانين التي تؤثر مباشرة في جودة حياتها، وتحقيق الاستقرار والأمان الذي تنشده لنفسها ولأسرتها، وهذه القوانين الثلاثة، هي قانون أحكام الأسرة، والجنسية والحماية من العنف الأسري. وفق إحدى تقارير مركز كارينغي للكاتبة البحرينية هناء بوحجي.
وترى فريدة غلام، إن القانون الحالي لا يعكس التغيير الكبير الذي طرأ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة والأسرة، وعلى أدوار المرأة القيادية الحديثة والناجحة التي فرضت نفسها، وأصبحت واقعا معاشا مع تقدم حياتها العصرية ودخولها كافة المجالات، حيث مازالت العديد من القرارات الخاصة بها وفق القانون يتحكم فيها آخرون، مثل الزوج أو ولي الأمر أو السلطة التقديرية للقضاة.
وحول إالموقف الحكومي في التعامل مع النصوص غير العادلة بقانون الأسرة، يقول نائب رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، الدكتور أسامة البحارنة لمواطن، إن الأصل في المشكلة يرجع لكون الفقه الجعفري متشدد في مواضيع الطلاق، والقضاة في محاكم الشرع (وهم رجال دين). يرون أنهم بحسب الفقه الذي يعتقدون به لا يملكون حق التطليق أو الخلع أو حتى الحكم بوجود ضرر من عدمه، ما يتسبب بوقوع ظلم على النساء المتضررات.
ويرى فقهاء الجعفرية أن التطليق حق مطلق للزوج وحده، ويحرم أن يحدث دون موافقة ورضا الزوج عن الخلع، لذلك يمتنع معظم القضاة عن التطليق. وبحسب البحارنة، هناك حالات كثيرة يمتنع فيها الرجل عن الموافقة على التطليق او الخلع لأسباب عديدةـ منها ضعف الوازع الديني والاجتماعي، الرغبة في الانتقام، قناعته بأنه يستحق “بذل” بمبلغ أكبر مما تعرضه الزوجة.
وتنص المادة (95) بالقانون الجعفري على ضرورة أن تدفع المرأة بذلً لزوجها وهو عبارة عن مبلغ مالي نظير ما دفعه من مصاريف أثناء فترة الزواج مقابل منحها حريتها.
ويرى الحقوقي البحريني أن السلطات تحت نارين، نار الناشطين والناشطات الداعين لتغيير القانون وإلزام القضاة بالتطليق، ونار رجال الدين ومن يتبعهم في المجتمع الداعين للالتزام بالشرع الجعفري، كما أنها لا ترغب بالتدخل في الوقت الراهن لحين الاتفاق بين جميع الأطراف.
وعلى الرغم من كل هذه المعوقات “نتأمل كما ونحن متفائلين بتجاوب المجلس التشريعي(البرلمان البحريني) والحكومة مع مشروع القانون، حيث يضع الاتحاد حاليًا لمساته الأخيرة من خلال لجنة قانونية متخصصة على ما نسبته 80%، من القانون الحالي، وتتضمن في مجملها التعديلات المقترحة على قانون الأسرة البحريني، ويفترض أن يسلم القانون المقترح للمجلس التشريعي بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري”. تقول أحلام رجب.
قانون الأسرة، وشرعنة ظلم المرأة
وأعدت البحرين أول قانون للأحوال الشخصية في عام 2005، اختص بتنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة وفقًا للمذهبين السني والجعفري، وشمل قانون الأسرة السني، آنذاك 152 مادة، فيما يبلغ عدد مواد مشروع قانون الأسرة الجعفري (109) مواد، وفي عام 2009 أصدر الملك قانون الأحوال الشخصية (السني فقط) ما أدى إلى حالة غضب واسعة داخل الأوساط الشيعية التي تمثل ثلثي عدد السكان، ما تسبب بإدراج الشق الجعفري لاحقًا.
أما قانون الأسرة البحريني رقم 19 للعام 2017 فيضم (141) مادة، تم تفصيلها تحت بابين، الأول، أحكام الزواج، ويشمل المواد من (1-80)، والثاني هو: الفرقة بين الزوجين، ويشمل المواد من (81-141)، أما الباب الثاني فيتناول مواضيع الطلاق والمخالعة والتطليق والفسخ وآثار الفرقة بين الزوجين.
ويواجه القانون انتقادات حقوقية واسعة بسبب البنود الخاصة بحرمان الزوجة من تطليق نفسها، وعدم السماح للمرأة بالزواج دون إذن وليها، وإباحة التعدد دون اشتراط إذن الزوجة، وإلزام المطلقة بدفع (البذل)، كما يجعل القانون الزوج متحكمًا بشكل كامل في قرار خروج المرأة للعمل.
وتذكر فريدة غلام أن المواد التي تحتاج تعديل بالقانون كثيرة جدًا ويفوق عددها الـ 70 مادة، وأن أهمها: المواد المتعلقة بسن الزواج (المادة 20)، واعتبار خروج المرأة للعمل بدون موافقة الزوج نشوزا مسقطا لنفقة الزوجة (المادة 56-ب)، والذي يتعارض مع حق المرأة الدستوري في العمل، وكافة المواد المتعلقة بالطلاق والتطليق (81 -116)، فلا يلتفت القانون لإرادة المرأة حين الطلاق، وكذلك الحال مع أغلب القائمين على الانفاذ، فللزوج حق الطلاق بإرادة منفردة دون الزوجة مما يخلق العديد من المشكلات والتعنت لاحقا من قبل الزوج.
تلعب الوصاية الدينية الدور الأكبر في انتهاك حقوق المرأة، لكن الموقف الحكومي تجاه الأزمة، يثير الشكوك حول نية السلطات حقًا في تفعيل دور المرأة وحصولها على حقوقها العادلة.
ويخالف قانون الأسرة الاتفاقيات الدولية التي وقعتها البحرين، كما يتعارض القانون أيضًا مع اتفاقية حقوق الطفل الموقِعة عليها البحرين، بتحديد سن زواج الفتاة بـ 16 سنة، وليس بتجاوز سن الطفولة عند 18 سنة، مع قدرة المحكمة على الاستثناء لمن هنّ دون ذلك. ولا يزال الطَّلاق بيد الرَّجل وحده، بينما لا يمكن للمرأة خلع الزوج دون إرادته وموافقته. حسبما أشارت الكاتبة البحرينة هناء بوحجي، في تقريرها المنشور بمركز كارينغي.
ويعلق لمواطن، الخبير القانوني عبد الله الشملاوي، وهو أحد العاملين على تعديل مسودة القانون، إنه بموجب الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها البحرين فإن الطفل هو من لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، ولأن الزواج بحسب مادة (5) من القانون هو عقد شرعي بين رجل وامرأة لتكوين أسرة بشروط، وأركان مع انتفاء الموانع غايته السكن والإحصان تترتب عليه حقوق وواجبات شرعية متبادلة، فينبغي عدم تزويج من لم تبلغ الثامنة عشر، وأن يكون تحت طائلة العقاب.
وكان مركز تفوق الاستشاري رصد عدد (88) حالة لنساء معلقات ذقن الأمرين بالمحاكم وذبلن، ومقدر أن الرقم الحقيقي يتجاوز 200 حالة أو أكثر بعد تردد بعض النساء عن التسجيل إثر تعرضهن لضغوط أو مخاوف.
وتضع المادتين (81و116) قرار التطليق كاملًا بيد الزوج حيث تنص الأولى على أن يقع الطلاق وفق إرادة الزوج، أو بطلب من الزوجة وموافقة من الزوج مع بذل العوض، وتسمى مخالعة، أو بحكم القضاء، وتسمى تطليقًا أو فسخًا أو تفريقًا حسب الحال.
كذلك، تسقط المادة رقم (54أ) حق الزوجة في النفقة إذا امتنعت عن الانتقال إلى مسكن الزوجية، ويمكن إثبات “نشوز الزوجة” بامتناعها عن تنفيذ الحكم النهائي بمتابعة الزوج إلى مسكن الزوجية.
كما تضع المادة (56) وهي موحدة بين الفقهين، اشتراطات من الزوج حتى تستطيع الزوجة العمل، منها اشتراط الزوجة العمل بعقد الزواج صراحة، أو الحصول على(إذن) الزوج بعد الزواج، ويعتبر البند(56ب)عمل الزوجة مع عدم رضا زوجها نشوزًا مسقطًا لنفقة الزوجية.
كسر الوصاية الدينية
لا يتم تعديل هذا القانون إلا بعد موافقة لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة وفقهاء الشريعة الإسلامية المتخصصين في الفقه السني والجعفري، على أن يكون نصفهم من قضاة المحاكم الشرعية، ويصدر بتشكيلها أمر ملكي. هكذا تنص المادة الثانية من قانون رقم (١٩) لسنة ٢٠١٧.
وبحسب أسامة البحارنة، تم إدخال هذا النص في القانون لأن المرجعية الدينية في البحرين، رفضت في ذلك الوقت الموافقة على القانون أو العمل به بدون إدخال نص يجعل التغيير بيد رجال الدين، وليس بيد مجلس النواب والحكومة.
ويرى البحارنة، أن تشكيل هذه اللجنة سيسبب أزمة جديدة تضاف إلى رصيد الأزمات الحالي، حول القانون، ولا يعتقد أن هناك رغبة من المرجعية الدينية في البحرين بتعديل القانون، قبل أن يكون هناك حل فقهي واضح للمشاكل الحالية.
أما عبد الله الشملاوي، فيقول إن القانون مُنع تعديله، إلا بعد موافقة لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة وفقهاء الشريعة الإسلامية المتخصصين في الفقه السني والجعفري، ولم يُحدد عدد أعضاء تلك اللجنة ولا مفهوم الفقاهة في الشريعة كمتطلّب لعضوية تلك اللجنة.
ويشير إلى أن مصطلح الفقاهة بالنسبة لأهل السنة ينحصر في أئمة المذاهب الأربعة ، وبالنسبة للشيعة فالمفهوم يدورفي مراجع التقليد الشرعي عندهم ، بمعنى أن القانون أورد مفهوما ولم يُحدد المصداق ، فكان ينبغي أن يقول من المتخصصين في الفقه وحتى هذا المصداق غير منضبط.
وترى فريدة غلام، أنه لا توجد اعتراضات مجتمعية حول تعديل القانون، ولكن المعوقات الرئيسية هي في تمسك القيادات الدينية من المذهبين، والمذهب الجعفري تحديدًا بآلية التقنين، وطلب ضمانات خارج الدستور لاعتماد القانون وفق المرجعية الشيعية العليا للمذهب الجعفري، وبالطبع هناك الأعداد الغفيرة من الجماهير التي تعتد برأي مرجعيتها.
وتضيف، أن مسألة عدم ثقة المعارضة الدينية بالحكومة لها أسباب سياسية متجذرة، عبر محطات تاريخية عديدة تسببت في أوجه التمييز، التي تطال أعداد كبيرة من المواطنين على المذهب الجعفري في مختلف مناحي حياتهم، وما زالت العديد من الأسر تعاني من تواجد أبنائها في السجون بعد حراك 2011 الجماهيري، الذي كان قوامه المعارضة المطالبة بالإصلاح السياسي، والشارع الشيعي المعارض أصبح متخوفًا من التدخل في آخر مساحة بيد رجال الدين، يرونها خاصة بالمعتقد، مع استمرار غياب قنوات الحوار الوطني أو التدابير الإيجابية نحو المواطنة المتساوية.
يتناقض الوضع الراهن للنساء بموجب قانون الأحوال الشخصية، مع الإجراءات الرسمية المكثفة في البحرين لتفعيل عملية التمكين السياسي والاجتماعي للمرأة، ربما تلعب الوصاية الدينية الدور الأكبر في انتهاك حقوق المرأة، لكن الموقف الحكومي تجاه الأزمة يثير الشكوك حول نية السلطات حقًا في تفعيل دور المرأة وحصولها على حقوقها العادلة.